Skip to main content

Full text of "کتاب هاي صائبه ،​ کنزا ربا، کنزا ربا"

See other formats







مم. 01:1 نات االطدع2012ة]/. 7711177 لتم 01020ده1][00 


محمد عيد الحميد الحمد 


التأثير الأراصمي 


الذكر العرببي 


.01:1 تلات االتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 


عنوان الكتاب: التأثير الارامي في الفكر العربي 
اسمالمؤلف: محمد عبد الحميد الحمد 


الطبعة الأولى ‏ 1999 


دار الطلبيعة الجدبيدة 


سوريا ‏ دمشق - ص .ب 34494 
تلفاكس: 2775872 






لا يجوز نقل. أو اقتباس. أو ترجمة. أي جزء من هذا الكتاب» 
بأية وسيلة كانت. دون إذن خطلي مسبق من الناشر. 


اخراج: هالة ذ 
خراج فطوم صمم الغلاف: جمال سعيد 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


كلمة تعريف وتقدير 


كانت بداية هذا الكتاب منذ أيام الندوة الدولية لتاريخ الرقة وآثارها التي أقيمت عام 1985. 
وخلال الاجتماع الأول للجنة العلمية» دعانا الأستاذ محمد سلمان محافظ الرقة  1980(‏ 1987) 
إلى كتابة التاريخ بصورة شاملة مظهرين التواصل الحضاري والثقافي للمنطقة كلها. 

كانت المحاضرة التي ألقيتها في الندوة عن البطريرك السرياني مارديونيسيوس التلمحري 
 818(‏ 845) لكونه من بلدة تل محرى (آثارها في قرية خنيز قرب الرقة). ومن خلال البحث 
والتقصي تبين لي أن العرب والآراميين والكنعائيين من أصل واحد. ولكن من سكن منهم المرتفصسات 
دعي بالآرامي ومن سكن المنخفضات دعي بالكنعاني ومن سكن البادية دعي بالعربي. أما 
الآراميون الذين امنوا بدعوة السيد المسيح فتسموا بالسريان تمييزا لهم عن الأآراميين الذين تمسكوا 
بالوثنية, 

وفي الندوة العلمية الثانية التي أقيمت عام 1985 حول أبي عبد الله البتاني الفلكي الصابثي» 
ألقيث عنه محاضرة حول مصادره ف. الرياضيات والفلك» ومن خلال البحث عرفت مكائة ثابت 
بن قرة الحراني الذي كان أساس مكانة وشهرة الصابئة الحرائية. وقد أرخت تتأثيره في الفكر 
العربي في هذا الكتاب الذي أهديه إلى سيادة الدكتور محمد سلمان وزير الإعلام لأنه كان السيب 
في تأليف هذا الكتاب وإظهاره إلى النور» وأتمنى له دوام التقدم والمستقبل الأفضل. 


المؤلف 


.01:1 'ككاء االتدع131013/ط. 17717177 11010 1001111030 





مم. 01:1 نات االطدع2012ة]/. 7711177 لتم 01020ده1][00 


مدخل الكناب 


وسمت هذا الكتاب (بالتأثير الآرامى في الفكر العربي). وإذا كان كل كتاب يعرف من عنوانه, 
فإني قد هدفت فيه إلى التأريخ لشعب لا وجود له الآن؛ وأعني صابئة حران؛ ولكن آثارهم 
الفكرية ظلت سارية» في تراثنا العربي» حتى وتنا الحاضر. 

في الباب الأول تكلمت عن الحرانية وموروثها الفلسفي الآرامي. 

أزْخت فيه لمدينة حران» با أهمية موقعها الجغراني وتركيبها السكاني؛ وعقيدتها 
النجومية , ووقيهاً أن الناس وهم يعيشون ا محكومون بإطار التاريخ والجغرافية؛ لأن للمكان 
تأثيره. 

ثم بينت الأثر الذي أدخله العنصر المكدوني الذي دخل حران على اثر احتلال الإسكندر لمدن 
الشرق وهو اللغة اليونانية ) والعقيدة الفيثاغورية. وكيف أن اللغة اليونانية استطاعت أن تحتل 
مركز الصدارة بدلا من اللغة الأرامية في المحافل السرية في معابد حران» بينما ظلت اللغة الأرامية 
لغة الإدارة والدواوين» وفرقت بين الصابئة المندائية وصابئة حران الذين قال عنهم المسعودي أنهم 
حشوية فلاسفة اليونان وعوامهم. 

وتكلمت عن موروث الحرانية الفلسفي» وتأثرهم بالفلسفة اليونائية الأولى فلسفة فيثاغورس 
وأفلاطون وأرسطو وتأثرهم بالأفلوطونية الحديثة؛ وأرخت لحياة وفلسفة كل من 

أفلوطين «الشيخ اليوئاني:» تكلمت عن حياته» وحللت كتابه التاسوعات ونظريته في النفس» 
والفيض الإلهي ؛ والعناية الإلهية والخلاص الإنسائي عن طريق ال معرفة» معرفة العلم الإلهي. وأشر 
ذلك في الفكر العربي فيما بعد. 

وأرّخت لفيلسوفين آخرين هما برقلس الأثيني ويحيى النحوي؛ لأن ثابت بن قرة الحراني» 
كانت فلسفته فسطأ بينهماء وقد عده أبو سليمان السجستائي فيلسوف العرب دون منازع » بل هو 
قطب الرحى في الفلسفة العربية. 

برقلس الأثيني : : كتبست عن حياته وعصره والصراع الثقافي الذي كان قائماً بين الوثنية 
والمسيحية » وأثر ذلك قْ تفسير وتأويل الكتب المقدسة والعلم الإلهي. وم الله والمادة, 

يحيى النحوي : ألقيث الضوء على حياته فنيناً مدى التخبط في تأريخ حياته عئد السريان 
بالخرف عا وبيئنت أثره قْ الفلسفة العربية» وعلى ثابت بن قرة خاصة؛ واعتماد أسي حامد 
الغزالي عليه في الدفاع عن العفيدة الإسلامية, 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


- وف الباب الثانى : 
| بينت» أن الإنسان»: يحيا في أعماق التاريخ» ولا يستطيع تخطي حدوده؛ وإن كل إنسان مهما 
أوتي من عبقرية وإبداع هو حصاد عصره الثقافي» وضربت على ذلك» تكوين ثابت بن قرة 
الحراني الثقافي» وتكلمت عن أسرته, ومكائتها في المجمع الحراني القديم» ومدى اعتزاز ثابت 
بابائه. 

وتكلمت عن التعليم في مجامع حران السرية» وعن مناهجهم الدراسية الابتدائية والعلياء مسن 
خادل مثل حي ملموس» هو تعلم ثابت بن قرة الحرائي ذي العقلية الممتازة» وحصوله على لقب 
(صديق). 

ثم ألقيت الضوء على نزوح كثير من الصابئة إلى الرقة وبغداد» واتصال ثابت بن قرة بالخليفة 
المعتضدء وكيف أئه صار أساس شهرة الحرانية في المجتمع الإسلامي» وفي التراث العربى العلمى 
والفاسفي » حتى بعد تلاشيهم منذ القرن الخامس الهجري. ا 0 


الباب الثانى : 
المجالات التي أثر فيها الحرانية ف الفكر العريبي 


الفصل الأول في الترجمة: 

تكلمت في هذا الفصل عن ضرورة الترجمة من الناحية الحضارية» وعرفت بمصطلح الترجمة 
وتطور ذلك المصطلح من خلال الترجمة العلمية وانقسام المترجمين إلى فريقين : 

- مترجمين اتبعوا خطى أفلاطون في تفسيره للشعر وعنه عرفت طريقة الترجمة الرمزية أو 
تأويل النص. وقد بدأت هذه الترجمة في مدينة الإسكندرية في ترجمة العهد القديم أيام بطليموس 
الثاني (القرن .م وكان من أشهر المترجمين فيلون الإسكندري اليهودي وأورجين العالم 
المسيحي وقد كان ثابت بن قرة من المعجبين بهما. 

- ومترجمين اتبعوا منهج أرسطو وقاموا بالترجمة الحرفية. وقد ترعرعدت هذه الطريقة عند 
علماء السريان في أنطاكية والرها ونصيبين في ترجمتهم للعهد الجديد مما أثقل النص بالشروح 
النحوية والتاريخية. وذكرت أهم المترجمين ومدى استفادة ثابت منهم. وبيئت أن ثابت بن قرة فى 
ترجماته الرياضية والفلكية هو أهم مترجمى العرب قاطبة, 

الفصل الثاني : في علم المنطق: 

ألقيت الضوء على جهود ثابت في ترجمة كتب أرسطو المنطقية واختصاره للمقولات العشر 
وكتاب العبارة وكتاب القياس وكتاب البرهان. وترجمته لكتاب المدخل للمنطق (إيساغوجى) 
لفرفيريوس الصوري. وبينت أثر ذلك الكتاب في النحو العربى. ْ 


6 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


الفصل الثالث: في العلوم الرياضية: 

ألقفيت الضوء على عقلية ثابت الرياضية , وبينت مصادره اليونانية وموروثه الحراني ثم ما 
أضافه ثابت إلى تلك المصادر. وتكلمت عن الذين ذكرهم ثابت قُْ كتاباته أمثال (تالس وفيثئاغورس 
وبروتاغوراس وأفلاطون وأودوكسوس وأرسطو وأبولونيوس وأرخميدس وبابوس الإسكندري وبرقلس 
الأثيني وأوطيقيوس العسقلاني وغيرهم مما كان له أثر بارز في الفكر العريي. . وخرجت بحكم مفاده 
أن ثابت ين قرة أعظم عقلية عرفتها العرب ف الرياضيات وعلم الحيل (اليكانيك). 

الفصل الرابع: قُّ في علم الفلك والنجوم: 

في هذا الفصل عرفت بعلم الهيئة (الفلك) 00012نادى وفرقت بينه وبين علم أحكام النجوم 
(التنجيم) 85]:0108 وبينت أن مصدرهما عند ثابت كان بطليموس في كتابيه المجسطي الذي ترجمه 
ثابت وكتاب المقالاث الأربعة الذي شرحه البتاني. وألقيت الضوء على ! نجازات ثابت في علم الرصد. 

الفصل الخامس: ف العلوم الطبيعية: 

بينت في هذا الفصل أقسام العلم الطبيعي : 

علم الجسمائيات : وما بحثه فيه الصابئة من قدم العالم والهيوكى والحركة والؤزمان وأشر فكرهم 
على الفيلسوف العظيم أبي بكر الرازي. 

علم حوادث الجو: في هذا العلم كانت للحرائية تجارب عملية في علم الأنواء. ولهم آراء نظرية 
ذكرها ثابت ف كتبه ورسائله حول (الهالة وكرة النسيم وقوس قزم والمذنبات والشهب والثياك 
وكيفية حصول الرؤية قْ العين وخلق الجبال وأثر ذلك كله على أبي الريحان البيروني أعظم 
عقلية عرفها العالم. 

علم الكون والفساد: بينت فيه التئاقض الفكري عند ثابثت بن قرة وغيره مسن الصابئة فهم 
ماديون في جانب ومثاليون في الجائب الآخر مما أضفى على فلسفتهم بعض الاضطراب قْ تفسيرهم 
لحوادث الكون والفساد. 

الفصل السادس: أثر الصابئة في علم الطب: 

ألقيت الضوء على مصادرهم الطبيعية (كالطب الفيثاغوري والطب الأبقراطى والطب 
الجالينوسي) وبينت الطرق الشائعة عند العرب (كأصحاب القياس والمجربين وأصحاب الحيل). 
ثم القيت الضضوء على كتاب الذخيرة المنسوب لثابت ومدى ارتباطه بكتابات أوريباسيوسن 
الطبيعية. وبينت ما أشاعه أهل حران حول ثابت من أخبار أقرب إلى الأسطورة منها إلى الحفيقة. 

هذه حلام هذا الككاب الذي عكست فيه تاريخ العلوم العربية التي خرجت عن أيدي علماء 
كانت لهم مئةٌ كبيرة على العرب في كافة العصور, 

محمد عبد الحميد الحمد 
الرقة في 5/ 4/ 1998 


.01:1 تلات ااتد 11310132 17717177 11010 1001111030 





مم. 01:1 نات االطدع2012ة]/. 7711177 لتم 01020ده1][00 


الباب الأول 


موروت 
صابتة حران الفلسفي 


الفصل الأول: حران والصابكة 

الفصل الثاني: صابئة حران 

الفصل الثالث: أفلوطين الحكيم الإلهي 

- الفصل الرابع: برقلس الفيلسوف الوثني 

-الفصل الخامس: يحيى النحوي وأثره ب الفكرين 
السرياني والحربي 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 





مم. 01:1 نات االطدع2012ة]/. 7711177 لتم 01020ده1][00 


الفصل الأول 











حران والصابئة 


مديئة حران 
الفلاحون والحرفيون ِش الإسلام 


.01:1 'ككاء االتدع131013/ط. 17717177 11010 1001111030 





مم. 01:1 نات االطدع2012ة]/. 7711177 لتم 01020ده1][00 


حران والصابية 


مديئة حران 


كان الإنسان في عالم الفكر اليونائي نتاج المدينة التي يعيش فيهاءوقد اعتبروا أن الحضارة 
الإنسانية وصلت أعلى مراحل تطورها ضمن حدود المدينة؛ كما أعتقدوا أن الحضارة تصل إلى 
مرحلة الازدهار التام في المدينة أولاً أي ضمن نطاق المجتمع الصالم(!). 

من هذا المنطلق ارتبط اسم الصابئة باسم حران وعرفوا في التاريخ باسم الحرائية. فا هي 
حران» وما هو تاريخها؟ 

حران مدينة قديمة طيبة المناخ» وافرة المياه تحيط بها الجبال من بعض أطرافهاء جاء في 
كتاب للصابثة المندائية (حران كوثيه) أي حران السفلى: «أنهم كانوا يعيشون في جبل (الماداي) 
حيث الينابيع الساخنة في الشتاء والباردة في الصيف وهو يمتد إلى حران)(2). يضاف إلى ذلك 
موقعها الجغرافي الممتازء فهي تقع على مفترق الطرق التجارية في العالم القديم وعلى خط العرض 
(36) وقد جاء اسمها في النقوش المسمارية (حرائو) أي (الطريق)(3) وقد وصفها الهمداني (المتوفى 
6م بأنها قصبة بلاد آشور وملتقى النهرين والجزيرة والشام وأهلها أصحاب أدب وحكمة وعلم 
بالنجوم وخبرة ة بالعلوم التعليبية وأصحاب رصد وقياس للكواكب ولهم ذكاء وفطئة(4). وعن 
نسائهم قال: «اشتدت نصيحة نسائهم لأزواجهن ومحبتهن لهم فأحسنٌ تدبير بيوتهن وبذلن 
نفوسهن لهم في الأعمال؛(5). جاء ذكر حران في الأصادن الغرعة مزيجياً من التاريخ والأسطورة, 
قال الطبري: «إن نوحا خطها عند. القضاء الطوفان وخط سورها بنفسه(6) وف مكان آخر مسن 
تاريخه قال: «إن هاران هو الذين بنى مديئة حران وإليه نسببت)772) وقد عرف ياقوت الحموي 

هاران بأنه أخو إبراهيم الخليل عليه السلام وأئها كانت منازل الصابئة الحرانية(8). أما ابن 

العبري فقد قال: «إن الذي بئاها هو (قينان) على اسم هاران ابنه»(9), 

أما التنقيبات الأثرية الحديثة فقد دلت على أن شلما ناصر الثالث احتل حران سئة 857 ق.م 
وجلب لها جالية آشورية» وابتئى بها قصرا ومعبداً لإله القمر (سين) وجعلها ولاية تابعة له(10), 
ولعظمة معبدها وشهرته عرفت المديئنة باسم رشارا)(11) ثم حرف الاسم على أثر فتوحاتث 
الإسكندر للشرق (336 ق.م) فعرفت المدينة باسم (كاران) وفي العهد الرومائي حرف الاسم وتحول 
إلى (كاريا». وصارت المدينة مركزاً للثقافة الهيلينية فأطلق عليها وصف «هيلينوبوليس) وفيها 


13 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


ازدهرت النحلة الفيثاغورية وفيها ظهر الفيلسوف الأرامي (بابا الحراني) الذي لقبه ابن الصليبي 
(بنبي حران)(12) وظلت الديانة الحرانية الوثئية مصدر إزعايم دائم للديانة المسيحية. ففي سنة 
6م أصدر أسقف الرها أمبرسيوس فوا بإبطال كل العوائد الوثنية والطقوس الدينية الباطلة 
الصادرة عن ظنون الأمم كالضرب على النحاس المرافق لخسوف التمر لأنه طقس وثني فيه تمجيد 
للإله (سين)(13). 

كان سكان البوادي المحيطة بحران والرها والرقة ورأس العين من العرب (عئزة وتغلب وبكر) 
وكان كتاب السريان يذكرون هذه الديار باسم (ديار عرب الرها) وأخيراً وجدت كتابة على جذع 
تمثال نذري للإله (سين) يعود تاريخه لعام 165م يعرّف هذه الديار (بديار وائل). وبذلك تقسم 
الجزيرة إلى ديار ربيعة (تقطنها تغلب وعاصمتهم رأس العين) وديار بكر وعاصمتهم (آمد) وديار 
واثل وعاصمتهم حران. وهي التى أصبح اسمها في الإسلام بديار مضر. تذكر المصادر اليونانية أن 
عرب الرها أسسوا أمارة لهم في الرها عام 132ق.م وكان أولهم الملك الأبجر أريا (أي الأسد) 
بالأرامية. وقد اتخذوا لهم شعارا صورة الهلال والنجمة والشمس نقشوها على نقودهم(14). 
واستمرت أمارتهم حتى عام 246م. 

فتحت حران على يد عياض بن غنم الأشعري سنة (18 ه/ 640م) على أثر فتح الرقة والرها 
على الجزية. قال البلاذري (يحيى بن جابر): أغلق أهل حران أبوابهم دونهم فلما نزل بها 
عياض بعث إليه الحرانية يعلمونه أن في أيديهم طائفة من المدينة ويسألونه أن يصير إلى الرها فمسا 
صالحوه عليه من شيء إلا قنعوا به وخلوا أمر الصلح بينه وبين النصارى وبلغ النصارى ذلك 
فأرسلوا إليه بالرضى بما عرض الحرائية(15). وقد اطلع البلاذري على كتاب الصلم قال: حدثني 
جككّظث7لُ ل ا 
المسلمين لأهل الرها يقول أني أمنتهم على دمائهم وأموالهم وذراريهم ونسائهم ومدينتهم وطواحينهم 
إذا أدوا الحق الذي عليهم , بأن يصلحوا جسورثا ويهدوا ضالئا هذا ما صالح عليه أهلٍ 0 
وقد زاد الواقدي بأن عياضاً دعا لهم اثبتهم الليم على دينهم ولا تمكن من بلدهم عدواً»(18). 

جعل عليهم عياض الجزية جريبا ودينارا على كل جمجمة على من جرت عليه الموسى 
(البالغ) وجعل عليهم لأرزاق المسلمين من الحنطة لكل رجل مدين ومن الزيت ثلاثة أقساط بالشام 
والجزيرة مع إضافة من نزل بهم من المسلمين ثلاثا(19). ثم وضع عمر بن الخطاب على أهل 
الذهب (سورية وبلاد الشام) أربعة دنائير وعلى أهل الورق (الفضة) العراق وبلاد فارس أربعين 
درهماً وجعلت طبقاتهم لغنى الغني وإقلال المقل وتوسط المتوسط(20). 

أصبحت حران بعد فتحها مقراً للحكم العربي واستقر قر بها عياض الذي توفي (20 ه/ 642م) 
فتولى من بعده واليان أحدهما على عرب الجزيرة هو الوليد بن عقبة الأموي والآخر حبيب بن 
مسلمة على عجم الجزيرة وحروبها ثم صرفهما عمر بن الخطاب من الخدمة عام 21 َه 3م ووك 
عمير بن سعد الأنصاري (توفي 6ه) 8 ديار مضر وقنسرين وحمص وكان رجلا حليما وأاسع 
الصدر عامل أهل الذمة بالتى أحسن» كتب إلى عمر يعلمه أنه أتى شق الفرات الشامي ففتح عانات 


14 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


(عانة) وسائر حصون الفرات وأن بني تغلب في الشق الشرقي من الفرات سألوه أن يأذن لهم في 
الجلاء واللحاق بأرض الروم فصالحهم على أن لا يصبغوا (يعمدوا) صبيا ولا يكرهونه على دينهم وأن 
عليهم الصدقة مضاعفة وقالوا: أما إذا لم تكن جزية كجزية الأعلاج فإنا نرضى ونحفظ ديئنا(21). 

كانت حران مدينة كبيرة مبئية بالحجر والكلس ولها أسوار مئيعة مبنية بالحجارة المنحوتة 
المرصوصة على بعضها في نهاية القوة. وقال عنها البيروني: «إن حران مدينة منسوبة إلى القمر 
وهى على صورته كالطيلسان)(22). والصواب أن المديئة مستطيلة الشكل يتخلل أسوارها الحجرية 
ثمائية أبواب. 

في الجهة الجنوبية: 

يوجد بابان هما باب الرقة في الزاوية الغربية تعبره السابلة اليوم وهو مقابل قرية الذهبانية 
(عين العروس) وشرقه يقع باب ترعوز (أي الزهرة) وهو الباب الكبير ويسميه المسيحيون (ترعيل) 
أي باب الله. وهو مقابل قرية ترعوز وتعرف اليوم (بباب الهوى) في الأراضي السورية. 

في الجهة الشرقية: 

يقع في الزاوية الجنوبية منه (باب الماء) وهو مقابل قرية ديركاذا التي معناها (ها هنا) وهذه 
القرية هي مقر صنم الماء الذي هاجر إلى بلاد الهند وحرم على نفسه دخول مدينة حران ولكنه 
سوف يأتي إلى القرب منها إلى ديركاذا. 

وفي الجهة الشمالية من السور يوجد باب فندق الزيت. قال ابن جبير: «ولها قلعة حصيئة» 
مما يلي الجهة الشرقية منقطعة عنها بفضاء واسع؛ وحولها حفير عظيم يستدير بها حافاته 
بالحجارة المركومة » ولهذه المدينة نهر مجراه بالجهة الشرقية (يعنى نهر الجلاب) بين سورها 
وجبائتها مصدره من عين على بعد من البلد(23)) نبع من عين ديبا. 

في الجهة الغربية: 

يوجد في الجهة الجنوبية مئه باب الفدان المقابل لقرية تل الفدان اليوم. وفي الجهة الشمالية 
يوجد باب يزيد. 

في الجهة الشمالية : 

في الجهة الشرقية يوجد الباب الصغير أو باب التبن» وفي الجهة الغربية باب النسر وهو 
مقابل لمديئة الرها. 

داخل مديئنة حران: 

نظمت مدينة حران بشكل رقعة الشطرنج. كان مركز المديئة هو الهيكل العظيم للصابئة أخذه 
عياض منهم وجعله جامعا وعوضهم عنه بموضع آخر عمروه هيكلاً لهم ظل بأيدهم إكى أن أسلمث 
كل الطائفة فهجر هذا المعبد وخرب عام 479ه: 1089م على يد محمد بن الشاطر قبل تسليمه 
مدينة حران لملك شاه السلجوقي. 


15 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


يخيل إلي أنه كان للصابئة معبدان أحدهما أخذه عياض والآخر ترك بأيديهم وهو الهيكل 
المعروف (ببيت أنطاكية) والذي تزعم الصابئة أن الذي بناه هو سقلابيوس إله الطب وكان في سوق 
الجزارين وقد شاهده المسعودي عام 332ه/ 944م(23). 


ولم تزل آثاره باقية وكان يدعى أحياتا معبد (الصورة أوالنفس) وقد كتب على باب مدقته 
بالسريانية قولا لأفلاطون «من عرف ذاته تأله(24). 


شاهد المدينة ابن جبير عام (1185) وكان مركز المدينة في غاية التنظيم حيث يوجد 
الجامع الكبير وقد جدد أكثر من مرة حتى صار درة في الحسن له صحن كبير فيه ثلاث 
قباب مرتفعة على سوار من رخام وتحت كل قبة بثر عذبة وحوله قصر الأمارة وأسواق 
المديئة » فعلى يساره يقع سوق الجزارين وعلى يمينه سوق النساء ثم بقية الأسواق من حوله 
وهي منتظمة عجيبة الترتيب مسقوفة كلها بالخشب(225). وتكثر في المدينة الآبار المالحة 
والتي يطلق عليها في الشتاء مياه نهر الجلاب فيبقى الماء الحلو فوق الماء المالح لا يختلط به 
حتى نفاده 4 نهاية فصل الخريف. وكانت صنعة بناء الجباب والصهاريج لسيح الماء رائجة 
بعد أن تعد في البيوت قصاع الرخام السحكمة الخرط بالفوهصات في وسطها لدفع الماء الجاري 
إلى الصهاريج من الخارج في القنوات المفضية إلى البيوت(26) التى كانت مبنية من الآجر 
وتتجه نحو الجنوب نحو صحن الدار والنوافذ غربية وشمالية. وداخل صحن الدار بعض أشجار 
الرمان والتوت والورد. تمت تمتع أهل حران والصابئة منهم بالحرية أثناء الحكم العربي الإسلامي 
وكاثوا يواصلون 0 حسب قوائينهم وتقاليدهم الخاصة على أن يؤدوا الضريبة المفروضة 
عليهم(27) وقد تنعم بقية أهل الذمة بالحرية أيضا. قال جاثليق النساطرة ايشوعياب الجذالي 
(647 - 657م): «إن العرب الذين مكنهم الرب من السيطرة على العالم يعاملوننا كما تعرفون, 
إنهم ليسوا أعداء للنصرانية بل يمتدحون ملتنا ويوقرون قسيسيئا وقديسينا ويمدون يد العون إلى 
كنائسنا وأديرتنا»(28) وروي عن الرسول الكريم (اعهد الأمان لجميع النصارى كافة إلا نصارى 
العرب». 

أما نصارى العرب فلم يكن الأمر لهم كذلك. 00 نصارى بني تغلب بعض الاضطهاد زمن 
سركي و 0 تغلب: أسلم .يا شمعلة, قال 200 7أسلم 
كارها أبدا ولا أسلم طائعا إذا شئت فغضب الخليفة من قوله» وأقسم على أن يرغمه على أكل 
لحمه» فأمر فقطعت قطعة من فخذه وشويت بالنار وأطعمه إياها. ومع ذلك ظل حيا وبقيت آثار 
الجرح ظاهرة في جسمه(29). وروى ابن العبري أن محمد بن مروان حاكم الجزيرة بعث في طلب 
معاذ كبير بني تغلب واستبد به عساه يحمله في الدخول على الإسلام فلما أبى معاذ ألفى به في 
جفر من الوحل ثم أحضره وجلده ولا لم يستطع حمله على ما أراد أمر به فقتل(31). كانت مدن 
الجزيرة مستقلة لنظمها المالية» وكانت المراسيم الإمبراطورية البيزئطية السابقة تفرض ضرائب 
باهضة على الطبقات الدنيا من المجتمع. 


16 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


الفللاحون والحرفيون ش الإسلام: 


جاء في تاريخ السعردي «وتعززت الأمور بفضل الله تعالى وطابت قلوب النصارى وأهل الذمة في 
مملكتهم ثبتها الله ونصرها»(32) وكانت الضرائب قليلة زمن الخلفاء الراشدين وفي بداية العهد 
الأموي. وفي عهد الخليفة عبد الملك بن مروان (64 ه/ 86 ه). أرسل لأخيه محمد اكير في حران 
الضحاك بن عبد الرحمن الأشعري الذي قام بمسح الأراضي وتقدير الضريبية فأصدر أرا إفى كل 
رجل أن يعود إلى قريته الأصلية ليسجل اسمه واسم أبيه وملكيته من كرم وزيتون ومواش. وحسب 
متوسط الدخل للفرد ثم طرح منه نققة الطعام واللباس والأعياد وبعدها قسرر على كل رجل بالغ 
أربعة دنانير وعلى كل (100) جريب زرع مما قرب من المدينة مسيرة يوم يقار وعلي كل 
(1000) أصل كرمة مما قرب من المدينة ديثاراً وعلى كل (2000) أصل كرمة مما بعد دينارا(33). 
ولكن هذا الإصلاح الضريبي لم ينل رضى البطريرك مارديونيسيوس التلمحري فقال: «كان أصل 
الجزية وأصل كل البلايا والشرور التي أصابت المسيحيين؛(04) وأهل الذمة ولكن المؤرخين 
المنصفين يرون أن حكم العرب المسلمين أخف وطأةمن حكم البيزنطيين(35). 

عرف نظام الحماية والإلجاء في العصر البيزنطي وصار الفلاحون يطلبون حماية الملاك الكبار 
هربا من دفع الضرائب المباشرة ومن مطالبة الجباة (العشارون) وكان الملاك الكبير لا يفكر 
بانتزاعها من الفلاحين رغم استثمارها لأن الإمبراطور فالبرياتوس  253(‏ 260م) أحدث وظيفة 
المدافم عن عامة الشعب ثم صارت هذه الوظيفة تشبه وظيفة محامي اللدينة وني عام 0م أصدر 
الأسيراطور كونستانس  317(‏ 361م) قوانين تفرض العقوبات على الفلاحين والملاكين الذين 
يلجؤون إلى الحماية. وعندما شعر أهل حران في العصر الأموي بثقل الضريبة وضعوا أراضيهم 
تحت حماية مسلمة بن عبد الملك الذي بنى حصن مسلمة (في قرية صلم سين) وبنى فيه 
الصهاريج الكبيرة وجر إليه مياه نهر البليج بالإضافة إلى مياه نهر سلقيوس الذي يمر بجانب سور 

كانت حقول الصابكة حول قرا هم التي تسقى بمياه نهري البليخ والجلاب الجارية 5 
وشتاءاً. وكانت تزرع بالحنطة ا والعدس والسمسم والذرة وغيرها من المواد القابلة للطحن ثم 
الكروم والزيتون لصئع الخمور ولصابوم وهناك أشجار التين والرمان والتوت ليقتات منها الناس 
ولتربية دودة الحرير(36) واشتهرت هذه القرى بمحاصيل الكتان والقطن والقنب لصناعة الحبال 
والثياب037) ونبات البردي الذي كانت تصنع منه الأقلام. قال مار يعقوب الرهاوي «ومنه 
استخرج حذاق المسيحيين مواد ضرورية للنسخ والكتابة»(38), 

ولكن 5 العصر العباسي ساء وضع الفلاحين فهجر كثير منهم أراضيهم ونزحوا نحو المدن مما 
اقتضى إصلاح الحالة فقال الوزير أبو الحسن ابن الغرات موصياً وكيله: «استكثر من غلة المقاسمة 
فإنها لنا دون الآكار (الفلاح الأجيس وتوسط الشتوي فإنه لنا وللآكار وقلل الصيفي فإنه 
للآكار»(39) وكان يقول: وأصل العمارة وزيادة الارتفاع حفظ البذور ولن يتم ذلك إلا بالعدل»(40) 


17 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


وكان يوصي عماله بالاحسان إلى الرعية وعن مثل هذه الممارسة قال فوريه «16/ناه7: «الخير والشر 
من طريقة الإنتاج السائدة فيه وإن ادخار الحب للبذار مما يزيد المحاصيل وفكرة تأجيل 
الاستهلاك تعود على المالك بريح عظيم»(41). هذه الأفكار أحدثت ثورة هامة في الفكر الاقتصادي 
العربى فيما يعد. 

في عام (154 ه/ 772م) بنيت مديئة الرافقة إلى جانب مدينئة الرقة وإليها نزح كثير من أهل 
حران وعمرت الأسواق ونشطت الحرف اليدوية مما أدى إلى مزيد من تقسيم العمل كصانعي الحلي 
والسيوف وناسجي البرود وصانعي الزجاج وكان المنصور (137ه ‏ 158ه) أول خليفة مسلم قرب 
المنجمين وعمل بإحكامهم وشجع المترجمين والكتاب وكان منهم عبد الملك بن حميد الحراني ثم 
تولى الكتابة بعده سليمان بن مخلد الحراني وكان ذا إلمام بالكيمياء والطب والنجوم وقد قلده 
المنصور الوزارة حتى قالت العامة أنه سحر أبا جعفر ولكن المنصور قتله عام 153 ه/ 771م عندما 
بدت له خيائته(42) ثم تولى الكتابة للمهدي والرشيد إبراهيم بن ذكران الحراني ثم سخط عليه 
الرشيد عام 4 ه على أثر قضية الرأس وقبض على أمواله ثم أرسله بعد شفاعة يحيى بن خالد 
البرمكي إلى البصرة وصار كاتب سليمان بن أبي جعفر(43) وانتقل كثير من الصابئة إى الرقة وكان 
كتاب الدواوين معظمهم من أهل حران وصاروا يقطئون مدينة الرقة في حي خاص بهم. قال الرشيد 
احفظوا عنا إثلاثا (الجوار نسب » والمودة نسب» والصناعة نسب)(44) وكان التزاوج بين أهل حران 
والرقة شائعاً. 

كان المأمون يستعمل أحكام النجوم ويجتهد في قراءة الكتب القديمة» وبلغ درايتها(45). وكان 
يرى أن الدولة هي أساس قيام السدع وإجادتها وهي التي تنفق سوقها وتوجه الطلبات إليها 
وهي دائما السوق الأعظم وأن الأمصار إذا قاربت الخراب انتقصت منها الصنائع وهاجر 
أربابها(46) كما حدث للمديئة حران عندما هاجر كبار الصناع إلى مدينة الرقة. قال ابن النديم 
«كانت الآلات تعمل في حران ثم ثبشت وظهرت ولكنها ازدادت واتسع للصناع العمل في الدولة 
العباسية منذ أيام المأمون إلى وقتنا هذا عام 7ه 47(988). وقد شاهد ابن النديم عند بعض 
علماء بغداد ذات الحلق التي أمر المأمون بصنعها وصنعها له على بن عيسى الحراني الأسطرلابي 
تحت إشراف خلف المروزي(48) وممن اشتهر بتلك الصنعة جابر بن سنان البتاني وفراس بن 
الحسن الحراني وابنه الربيع بن فراس الحراني وأحمد بن إسحق الحراني(49). 

كانت اللغة السائدة في حران والرها والقرى المجاورة (اللغة الآرامية) التى ظلت محكية 
في المعايد والبيوت حتى بداية القرن الثامن الميلادي ثم بدأت بالتراجع والانحسار أمام اللغة 
العربية. يقول البطريرك مار أفرام برصوم الأول (المتوفى 1957): «لم تزل الآرامية محكية حتى 
بدأت اللغة العربية بمزاحمتها في أواخر المئة السابعة وصدر المئة الثامنة فطفق ظلها يتقلص من 
بعض المدن واعتصمت بالأرياف والجبال»(50) ثم ضعفت بعد ذلك وأضاع أهلها ألفاظاً حفظت في 
العربية(51). وكان اللسان الفصيم الذي يستعمل في الكتب والقراءة وهو لسان أهل سورية 
وحران(52). 


18 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


بعد انتقال الصابئة من حران وقراها إلى مدينة الرقة عاشوا في أحياء خاصة بهم وكانت كل 
أسرة تحتفظ بأسرار مهنتهاء وكانوا يعيشون في الأسواق ضمن تنظيم حرفي يشرف عليه شيخ 
الصنعة الذي يحل خلافاتهم ويحافظ على حقوقهم (عامل السوق) الذي يراقب الكيل والأسعار 
ويجبي الضرائب وكراء الحوانيت(53) التي كانت خارج الأسوار. وقد ذكر ابن خلدون: «إن معظم 
الصنائع كانت بيد أهل الذمة لرسوخها فيهم لذأئفة العرب من ممارستها(54) وقد كان الإمام علي 
يقول: «قيمة الإنسان ما يحسن من عمله الذي به معاشه». 


19 


.01:1 تككاء اادع1/13102. 1771177 11010 1001111030 


مراجع الفصل الأول 


حوآن والصابئة 


1 أنطاكية ف عهد ثيودوسيوس الكبير ص 9» جلائفيل داوني. ترجمة : ألبرث بطسرس » 
مكتبة لبنان 1968. 

2 الصابئة المندائية 1 ص 44 الليدي دراور. ترجمة : نعيم بديوي » عفان الرومي ل بغداد 
168 

3 - الموسوعة الإسلامية م6؛ مادة حران. 

4 صفة جزيرة العرب ص 36. الهمدائى. تحقيق: محمد بن عبد الله بن بلهيد النجدي. 
مطبعة السعادة 1953. ا 

5 -المصدر السابق ص 39. 

6 - تاريخ الطبري ج1 ص 213» ياقوت الحموي. دار صادر ‏ بيروت 1955. 

7 مختصر تاريخ الدول ص 17» ابن العبري. دار المشرق 1986. 

8 معجم البلدان ج2 ص 235» ياقوت الحموي. دار صادر ‏ بيروت 1955. 

9 مختصر تاريخ الدول ص 17» ابن العبري. دار المشرق 1986. 

0 تاريخ سورية ج1 ص 227» أسد الأشقر ‏ بيروت 1981. 

1 - الطب العربي ص 44» إدوارد جورج براون. 

2 تاريخ الأدب السريائي ص 40. د. كامل مراد» دار المقتطف - القاهرة 1949. 

3 تاريخ الكنيسة السريانية الأنطاكية ج1 ص 29. الخوري ميخائيل عبد الله الشبابي» 
مطبعة بعبدا 1900,. 

4 تاريخ الكنيسة السريانية الأنطاكية ج1 ص 85» مار يعقوب الثالث ‏ دمشق. 

5 فتوح البلدان ص 339» البلاذري. تحقيق: عبد الله أنئيس الطباع. دار النشر للجامعيين - 
بيروت 1957. 

6 -المصدر السابق ص 340. 

7 الإعلان الخطيرة ج1 ص 42؛ ابن شداد. وزارة الثقافة ‏ دمشق 1976. 

8 فتوح الشام ج2 ص 83: الواقدي ‏ القاهرة 1955. 


20 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


9 فتوح البلدان ص 207. البلاذري. 

0 المصدر السابق ص 170. 

21 -المصدر السابق ص 250,. 

2 - الآثار الباقية ص 205» البيرونى» إدوار سخاو ‏ لندن 1887. 

3 رحلة ابن جبير ص 199 - بيروت. 

4 - مروج الذهب ج1 ص 4655» المسعودي ‏ كتاب التحرير ‏ القاهرة 1966. 

5 المصدر السابق ج1 ص 468. 

6 رحلة ابن جبير ص 199. 

7 - مقدمة ابن خلدون ص 399» كتاب التحرير (177) - القاهرة 1966. 

8 الجزية والإسلام ص 106 دينيت. 

9 أخبار بطاركة كرسي المشرق من كتاب المجدل ص 54 55. عمرو بن متى الطبرهانى» 
طبع روما 1896. 

0 كتاب الأغاني جج1 ص 293 أبو الفرج الأصفهاني طبعة القاهرة. 

1 أهل الذمة في الإسلام ص 97. د. أ. س ترتون. ترجمة : حسن حبشي - القاهرة 1967. 

2 فتوح البلدان ص 250» البلاذري. 

3- أحوال نصارى بغداد ص 271 كوركيس عواد ‏ بغداد. 

4 كتاب الخراج ص 23 -224» أبو يوسف. 

5 - قصة الحضارة ج13 ص 133» دل ديورانت. دار المعارف - القاهرة 1964. 

6 - كتاب الأيام الستة ص 92» مار يعقوب الرهاوي. دار الرها ‏ حلب 1990. 

7-المصدر السابق ص 102, 

8 -المصدر السابق ص 102. 

9 كتاب الوزراء ص 53» لأبي الحسن الصابئ. نشر دار المتنبى ‏ بغداد. 

0 المصدر السابق ص 281 " 1 

41 - تاريخ العالم ص 405» السير جون هامرتن» دار الثقافة ‏ القاهرة 1953, 

2 كتاب الوزراء ص 64» الجشهياري. تحقيق : عبد الله إسماعيل الهادي ‏ القاهرة 1938. 

3 المصدر السابق ص 134. 

4 المصدر السابق ص 218. 

45 - مروج الذهب ج2 ص 557» المسعودي. 

6 مقدمة ابن خلدون ص 345,. 

7 الفهرست لابن النديم ص 342. تحقيق: رضا تجدد ‏ طهران 1971. 

8 -المصدر السابق ص 342, 

9 المصدر السابق 343. 


21 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


0 اللؤلؤ المنثور ص 22 23» مار أفرام الأول برصوم ‏ حلب 1953. 

1 -المصدر السابق ص 42. 

2 الفهرست لابن النديم ص 14. 

3 مقدمة في الاقتصاد العربي ص 28. عبد العزيز الدوري ‏ بغداد 1978. 
4 مقدمة ابن خلدون ص 435. 


22 


.01:1 'ككاء االتدع131013/ط. 17717177 11010 1001111030 


الفصل الثاني 








صابمة حزان 


من هم الصابئة ؟ 
- ما الفرق بين الصابئة المندائية وصابقة حران 
حران مدينة الآراميين 


.01:1 'ككاء االتدع131013/ط. 17717177 11010 1001111030 





مم. 01:1 نات االطدع2012ة]/. 7711177 لتم 01020ده1][00 


صابئة حزان 


من هم الصابئة؟ 


أصل التسمية في العربية جاءت من قولهم : صبأت إذا خرجت من شيء إلى شيء. والصابثون 
الخارجون من دين إلى دين(1). أما في اللغة الأرامية (صبا) أو (صبع) فتعني الاغتسال بالماء الجاري. 
وكان صابثة العراق يعرفون بالمغتسلة. قال ابن النديم: «وكان بنواحي دست ميسان قوم يعرفون 
بالمغتسلة ويتلك النواحي والبطائح بقاياهم إلى وقتنا هذا (أي عام 380 ه/ 991م) وهم يطلقون على 
أنفسهم اسم (المندائية) لأن كلمة منداي الآرامية تعني العارف من الفعل (مدّعا) أي عرف وعلم(2). 

وقد ورد أسمهم ف القرآن الكريم بين طوائف المؤمنين قال تعالى «إن الذين آمنوا والذزين هادوا 
والنصارى والصابئين من امن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهسم ولا خوف 
عليهم ولا هم يحزئون:(3). وكان مشركو قريش يقولون عن محمد (ص) في بدء الدعوة (صباأ 
محمد) ذكر المقريزي في كتابه «إمتاع الأسماع» قال سهيل بن عمرو: يا آل غالب أتاركون أنتم 
محمدا والصبأة من أهل يثرب يأخذون عيرانكم وأموالكم؟(4) وكان السريان يطلقون على صابئة 
حران والمندائية ع أسماء مختلفة (الوثنيون) وكانت كلمة وثني كناصةق2 تعني الفلام ثم صارت 
تعني الوثني لأن فلاحي حران ظلوا متعلقين بعبادتهم الشعبية القديمة (الوثنية). ويطلقون عليهم 
أيضا اسم الكلدان أو عبدة الكواكب. قال اقس بطرس نصري الكلداني: «وصار عليهم اسم الكلدان 
كناية عن الماهرين في علم الهيئة وملاحظة النجوم وبعد ذلك اساتعير الاسم للدلالة على العرافين 
والمشتغلين بالكهانة والفأل ابحرم وصار الاسم يشير إلى عبدة الأوثان ثم انتقل إليهم الاسم 
اليوناني (باجانوس) الذي هو بمعنى الوثني)(5). 

وقد فرق المسعودي بين الصابئة الحرانية والكيمارية الذين كانت ديارهم بلاد واسط واليصرة 
من أرض العراق نحو البطائم(6). وأكد هذا الرحالة المغربي (ابن سعيد المغرسي) في كتابه 
الجغرافيا. قال: «وأهل البطائم معظمهم من الكلدانيين ويسمونهم الصابثة»(7) وهؤلاء الصابئة لا 
زالوا يعيشون جئوب العراق ف منطقة العمارة وفي الأهواز ويقدرون بحوالي ثلاثين ألفاً. وحين الفغئح 
العربي للعراق حسب روايتهم فإن رئيس ملتهم (ريش أمه) المدعو (أنوش بن دثقا) قابل سسعد بن 
أبي وقاص عام 18 ه/ 640م وشرح له خلاصة مذهبهم وحصل منه على (عهد الأمان) له 
ولأتباعه وأدوا الجزية(8). 


25 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


ما علاقة صابثة حران بصابثة البطائم؟ 
أجاب الباحثون على هذا السؤال إجابات مختلفة ومتناقضة. 


قال خولسون الذي تخصص بدراسة صابكة حران. إن الحرائيين لم تكن لهسم وحدة مع 
المندائيين لأن الحرانيين عبدة كواكب بينما يبغض الندائيون عبدة الكواكب(9) وقد وافقه على 
رأيه أوليري الذي اعتبر أن الصابئة الحقيقيين كانوا في جنوب العراق ولا علاقة لهم بحران. ولكن 
الليدي دراور الباحثة التي درست عقيدة الصابئة المندائية وعاشت معهم وأتقنت لهجتهم الأرامية 
ورطانتهم العربية. قالت: ففي جملة ما أورده المؤلفون العرب من روايات يوجد فيها قدر لا بأس 
به من الحقيقة يشير إلى أن لدى الحرانيين ما يشتركون به مع الصابئة المنداتية الذين يسكنون 
أهوار جنوب العراق(10). 

فلنرجع إلى المصادر السريانية والعربية معاً ونحكم على مدى علاقتهم ببعضهم! قال مار 
يعقوب الرهاوي (توفي 708م) وقد ورد في كتب الكلدانيين (يعني الصابئة): إن السماء والأرض 
والشمس والقمر وسائر الكواكب هي أزلية غير مخلوقة, وهي آلهة وأرباب وهم سادة هذا العالم 
ومولوه اهتمامهم ؤأإن العالم قد خلق برفرفة ردح الإله وهم يحتفظون من حيث يدرون أو لا يدرون 
بظلال تشابيه ونماذج تتوافق مع ما تقول به المسيحية. . فهم يقولون: في البدء كان كل شيء ظلاماً 
ودياها قبل أن يكون هناك آلهة وبشر وكان الروح يرفرف فوق المياه السائل» قال الروم: فخلقت 
هذه كلهاء ووضعت لهم سماء وأرضاً وأبراجاً صورت فيها تماثيل جعلتها وجهات اسيرتهم. ثم 
خلقت بيل (بعل) أولا وبعده مارود (مردوك) بيدا للوله ومن ثم البقية وجعلت الشمس والقمر 
سلاطين على الليل والنهار. وهكذا جاء كلامهم مطابقاً لكلام الحق(11). ذكرهم مار يعقوب باسم 
الكلدان ثم ذكرهم مرة أخرى بأسم الحرائيين. قال: «نورد حديث أحد العلماء الحرائيين ذائعي 
الصيت الذي كان يدافع بشدة عن القضاء والقدر من الكواكب السبعة والذي يشمل كل ما يحدث 
في هذا الكون ضد العالم (ولغش الرهاوي) أحد أتباع برديصان وكان يحاوره ضد القدر 0 
تسفيهه ببراهين من الطبيعة(12). وقال ابن الجوزي عنهم: «اشتغلوا بالتنجيم والسحر وقالوا: لا 
بد من متوسط بين الله وبين خلقه في تعريف المعارف والإرشاد للمصالح إلا أن ذلك المتوسط ينبغسي 
أن يكون روحانيا لا جبماتيا وهذا الوسيط هو الفلك القديم الذي لا صانع له(13) وهذا الفلك حي 
والسماء حيوان وفي كل كوكب نفس والنجوم تؤثر في النفوس وإنها حية فعالة)(14). وعندما فسر 
الألوسي كلمة (الصابثة) التي ورد ذكرها في القران الكريم ‏ فرق بين عبدة الكواكب وعبدة 
الأصنام - وكل من هاتين الفرقتين أصناف شتى مختلفون في الاعتقادات والتعبدات. 


كيف نظر الصابئة إلى ا 


ا من مدينة رات وما 0 من جبال ماداي حيث ابكابيه الساخنة ف ال والباردة فِ 


26 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


الصيف(15). وهذا الوصف ينطبق على منابع نهر البليخ التي يسميها العرب بعين الذهبانية 
والتي ندعوها اليوم عين عروس حيث مقام إبراهيم الخليل ومياه هذه العين الصافية باردة وإلى 
ترتياكع مياد كبريتي حار يسع اليه انكاس لاديتقفاء في الغبناء . وقد جفت العين منذ عام 
1م ولا أثر للمياه فيها الآن. 

ماذا قال ثابت بن قرة الحراني في كتابه عن (مشاهير أسرته وسلسلة آبائه)؟ 

قال: : «لقد اضطر الكثيرون أن ينقادوا للضلال خرداً من العذاب (يشير بهذا إلى الحادثة التي 
أسلم فيها الكثيرون عندما مر المأمون بهم عام 218 ه/ 933م). أما اباؤهم فقد احتملوا ما احتملوا 
بعونه تعالى ونجوا ببسالة» ولم تتدنس مدينة حران هذه المباركة بضلال القاضرة قطنا فنحن 
الوارثون والموروثون للصابئة المنتشرة في الدنياء فالذي يحتمل برجاء وثيق أثقال الصابكة يعد ذا 
حظ سعيد. ليت شعري من عمر المسكونة» وابتئى المدن ) أليس خيرة ة الصابئة وملوكهم؟ من اسن 
المرافئ والأنهار والقنوات ومن شرح العلوم الغامضة؟ لمن تجلت الألوهية الملقئة للكهانة والمعلمة 
المستقبلات إلا لمشاهير الصابثكة.. ! نهم الذين أوضحوا ذلك كله وكتبوا عن طب النفوس 
وخلاصهاء ولقنوا كذلك طب الأجساد وأفعموا الدنيا أعمالاً صالحة وحكيمة» هي دعامة الفضيلة 
فلولا علوم الصابئة لأمست الدنيا قفراء فارغة متقلبة في العوز»(16). 

يشير هذا النص التاريخى إلى عدة حقائق 

اعتزاز الصابثي الحراني بماضيه وافتخاره بانتمائه الديني وبأصوله السلالية في زمن بدأ 
يتداعى ذلك الصرح من المجد ويعلن الكثيرون عن إسلامهم (لقد اضطر الكثيرون أن ينقادوا 
للضلال خوفا من العذاب) بعد أن حافظوا على طهارة حران من الدئس وضلال الناصرة 
(المسيحية). سألني أحدهم كيف كان ثابت بن قرة ة والبتاني وهم من عباقرة 6 بتلك الديائة 
الوثنية النجومية. فأسعفني الحظ بقول لجوته أورده على لسان إبليس في رائعقه الك قال: 
«ما الشرائع والقوائين سوى أمراض مزمئة تنتقل من جيل إلى جيل ومن بلد إلى بلد. ويمضي الزمن 
فتصبح حكمتها خرافة وصالحها حبثأ:17) ويظل أتباعها يؤمئون بها, 

وقد علل ذلك الذكر ا أصري سمير أمين قائلاً: «إن التاريخ أثبت أن الأديان قادرة على أن 

فيش طويلة بعدما تتغير الظروف التي نشأت فيها)(18). 

- تأكيد ثابت بن قرة على وحدة الديائة الصابئة (الحرانية والمندائية) بقوله: (قطعاً فنحن 
الوارثون والموروثون للصابثة المنتشرة في الدنيا). 

- أشار ثابت بن قرة إلى أصل سلالته الحرانية بأنهم من أصول يونانية أو رومانية بقوله: من 
عمر المسكونة وابتنى المدن أليس خيرة الصابئة وملوكهم؟ 

ويشير النص إلى الموروث اليوناني الذي قام به الصابئة من كهانة تنبئ عن المستقبل» وحكمة 
وطب للنفوس وطب للأجساد ولولا علومهم لأمست الدنيا قفراء فارغة متقلبة في العوز والجهل. 
وإلى ذلك أشار المسعودي عندما دعاهم «عوام اليونان وحشوية الفلاسفة المتقدمين:(19). ويظل 


21 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


النص يحمل الخوف من المستقبل ويتوجس اندثار هذه الطائفة الذين احتملوا ما احتملوا بعوئه 


من هم صابتة حران؟ 


قوم من أصول يونانية وآرامية عاشوا في حران وما حولها وكانوا يتكلمون اللغة الأرامية التي 
حوت أمالهم وأفراحهم؛ وكانوا يتبعون ديانة نجومية سرية لها أسرارها وطقوسها ومن يتيح له 
الاطلاع على أسرارها يبلغ الخلاص وكانت تقبل الأتباع باحتفالات خاصة ويرتفع المطلع على 
الأسرار بعد الموت إك العالم الإلهي ويسكن مع الآلهة. وكانوا يمارسون طقوسهم في معابدهم أو في 
الخلاء حول العيون والمياه الجارية ولهم لباس خاص بهم يميزهم عما حولهم هذه قصتهم المطوية 
منذ قديم الزمان سأرويها بدقة وإتقان قدر الطاقة والإمكان. 

تكلمت رسائل إخوان الصفا عن هذه الطائفة. قالوا: «إن آخر ما سمعنا عمن ادعى علوم 
الطلسمات وأفعالها ممن نقلت إلينا أخبارهم وبلغنا آثارهم اليونانيون وهؤلاء لهم عند الناس أسماء 
مختلفة فمنها (الصابئون والحرانيون والحنوفون (أي الأحناف) وقد أخذوا أصول علومهم عن 
السريانيين وعن المصريين على حسب نقل الصنائع والعلوم في البلدان بما يحدث لها من 
السياسات والأديان وقد كان رؤساء أوائلهم أولهم (عاذيمون وهرمس) ثم تفرقت جيوشهم إلى 
الفيثاغورية والأفلاطونية والأرسطوية والأبيقورية. وهم يزعمون: أن الكون إنما هو متعلق بالباري 
تعالى تعلق المعلول بعلته وإن العالم الأرضي تتم أموره بأشياء: 

إحداها: المادة القابلة للمزاج والتأليف وهي العناصر الأربعة. 

- والثاني: النفوس المحركة والساكنة في أشخاصه. 

- والثالث : تحريك العالم السماوي (عالم الأفلاك) للعناصر الأريعة المتولدات منها حتى تهياً 
لقبول تأثيرات الأنفس من التحريك والتسكين والجمع والتفريق والحر والبرد والرطوبة واليبس 
التي تمكن الصانع من تأثيرات الصفة في المادة لكل مصنوع. 

والرايع : حفظ الإله الأعظم سبحانه وتعالى لقوى جميع الموجودات وإمدادها بالعون لها 
وتتميمه لأغراضها ومقاصدها وقسمة الأمور الموجودة على الكواكب السبعة. 

- وزعموا أن الكواكب الثابتة مقسومة على الكواكب السيارة ممتزجة من قواها ومعينة لها على 
أفعالها. 

- وزعموا أن الفلك التاسع المماس لفلك الكواكب الثابتة وهو المنتهي لفلك البروج مصور بصور 
تخصه وإن كل درجة من درجاته تنقسم إلى قسمين: 

أحدهما في الشمال» والآخر في الجنوب. 

وفي فلك البروج صور قد وقّت عليها من خلال التأثيرات العارضة عليها على طول الزمان على 
ما يذكره أصحاب الطلسمات(20). 


28 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


والصابئة المندائية كالحرانية يعتقدون أن النجوم والكواكب تحتوي على مخلوقات حية هي 
أرواح ثانوية لأمر ملك النور وأنها تتحكم بمصائر البشر ويصاحب هذه الأرواح الخيرة أضدادها من 
الأرواح الشريرة. ففي فلك الشمس ينتصب (شامش) الإله الخير النافع رمز الخصب والخضرة 
ومعه الروح الشرير المهلك (أدوناي) إله الظلمة مع أرواح نورانية حارسة أخرى(21). وترتكز 
اعتقاداتهم على ثلاثة أمور جوهرية : 
1 الماء الجاري (يردنه) وهو رمز الحياة العظمى. 
2 - الروح خالدة» لها صلة بأرواح أسلافها وتعيش على صدقات الأهل أو قرابين الموتى 
(اللوفاني). 
3 الخضوع لما يقوله الكهنة الموكلون بالكتب المقدسة. 
ويقسمون أتباعهم إلى ثلاث فثات : 
- الفئة الأولى: فئة الكهنة الكبار وعلى رأسهم الكاهن الأعلى وهو من بيت الرئاسة ملك بن ملك 
(ريش أمه). وأن التاج الذي يضعه على رأسه ف القداس رمز لعمله كحاكم ومشرع 
وزعيم لهم في الشؤون الزمنية والروحية وعليه يجب أن يكون تام الأوصاف غير 
موصوف بجذام أو مختون أو خصي. ويتسلم ديانته منذ صغره ويتعلم الطقوس ولا 
يحلق شعره ويتعلم مبادئ علم الهيئة وأحكام النجوم ومراقبة علامات السماء والبروج 
ليصبح منجماً في الكبر(22). 
الفئة الثانية: فئة الناصوريين. وهم طبقة الكهئة (عامة رجال الدين) وهم المسؤولون عن حفظ 
الدين وإقامة شعائره ويدعى كل واحد منهم (الكنزفرة). يتعاطون الصناعات الحرفية 
الدقيقة كالصياغة وحرفة التنجيم وكتابة الرقى والطبابة. 
الفئة الثالثة: فثة العامة (المندائية). الذين يطلعون على أسرار الدين ومعتقداته الخفية. 
ويسهمون في مساعدة رجال الدين. ويتعاطون الحرف والزراعة والتجارة. 
يسمي الكتاب الغربيون طائفة المنداثيين باسم نصارى يوحنا المعمدان(23). وكان المسلمون 
يعدوئهم من عبدة الملائكة قال الزمخشري في كشافه (إنهم قوم عدلوا عن دين اليهودية والنصرانية 
وعبدوا الملائكة). أما الباحث العراقي عبد الرزاق الحسيني فقد قال عنهم قولين متناقضين ‏ قال 
عنهم في المرة الأولى: إنهم عبدة الكواكب. ثم عدل عن رأيه هذا بعد أن اطلع على حقيقة دينهم قال: 
يؤمئون بالخالق جل شأنه أنه واحد أزلي أبدي لا أول لوجوده ولا نهاية له منزه عن المادة والطبيعة 
ولا تناله الحواس ولا يفضي إليه مخلوق وأنه لم يلد ولم يولد وهو علة وجود الأشياء ومكونها ولا 
يختلف اعتقادهم في الخالق عن اعتقاد المؤمنين(24) وإلى مثل هذا الرأي ذهب الكندي قال: دعوة 
هؤلاء القوم واحدة وسئتهم وشرائعهم غير مختلفة جعلوا قبلتهم واحدة بأن صيروها نحو القطب 
الشمال في سفرة العقلاء قصدوا بذلك البحث عن الحكمة ولزموا فضائل النفس الأربعة(25). 


29 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


- كيف يطلع اليافع على أسرار المذهب؟ 

كل ديانة مغلقة ذات أسرار تهيئ أفرادها لاستلام دينهم ضمن طقوس خاصة تتم في المعبد في 
يوم يحدده الكاهفن يا لأحكام ديانتهم السرية. وكان الحرانية يوصون أتباعهم بقولهم : : لا يكون 
اعتقاد أهلك وذريتك وأزواجك وبنيك مخالفاً للا يظهر من اعتقادك لأصحابك وإخوانك. كيف 
يجوز للعاقل العالم أن يتدين بمذهب هو يأمر بخلافه؟ بل الواجب عليه أن يكون أهله وأصحابه 
بمنزلة واحدة عنده في التعليم(26). 

وف يوم معلوم يجمع رئيس الكهنة كل الأحداث الذين يودون سماع السر عند 0 الباكرء 
فيعري أحدهم ويقبض كاهنان على عضده ويدخلانه وهو مشدود العصابة (على عينيه) ويمشي 
القهقرى حتى يصل إلى بيت رئيس الكهنة في المعبد فيدخل ويطبق الباب والسريم تتقد والمجامر 
تدخن بأنواع البخور والعطرة. 

يقول رئيس الكهنة: أتحب أن تدخل فتسمع ملائكتنا؟ 

يجيب الحدث : نعم..! 

رئيس الكهنة: إن أقمت على ديني وحفظت سريء فإن رأسك يظل بين أصحابك عالياً 
وإكليلك ثابتا. 

ويخاطب رئيس الكهنة كفيله : أتكفل أنت إقامته على دينى وحفظ سري؟ 

الكفيل : تعم.. | ْ 

فيضع الكاهن الأكبر الحدث على بساط قدام المائدة على جائبه الأيسر ويتلو على رأسه 
أسماة الملاكثة مرتبة وهي 87 اسما وعلى رأسهم جرجاس رئيس الأبالسة. ويتابع الكاهن الأكبرٍ 
قوله : طوباك إذا صرت من أهل الاستماع لهذه الأسرار فإن الله يطهرك. ثم يتناول سكيناً 
ليذبحه . . فيتقدم الكفيل ويقدم خاتمه رهنا عنه. ويقول: إنه سيحفظ المناسك ويقيم على الدعوة 
ويكتم السر.. ! يعيد الكاهن الأكبر إليه خائمة ويأخذ منه ديعا . ويقول له إني أقبله نفسا بدل 
نفس وأندبه بين يدي الشمس المحببة للنفوس وجرجاس رئيس الأبالسة. . ويقوم بعملية ذبح رمزية 
إذ يذ الديك الموضوع على عنق الغلام وهو يتمتم : : يا جرجاس اقبل هذه الذبيحة واكرك هذا 
الغلام لأبويه وللملاتكة ثم يحمي على السراج خاتماً من حديد ويكوي الطفل على إبهام يده 
اليمنى مكررا ذلك (99) “مرة ة ويكويه ببعض عيدان الطرفاء كياً لطيفاً على صدره وجبهته. . ثم يلبسه 
ثياباً جديدة بيضاء وخفاً من جلود قرابين الملائكة. ويشد وسطه بعمامة ويعطيه فصاً من ملم على 
صورة مثلث. 

هذه العملية (عملية ذبح الديك) هي رمز إلى فداء | إبراهيم ابئنه بذبح فظيم إلا أنهم ذيحوا 
ديكا بدلا من الكبش لأن متراط الخدم أوصى عند موته «اذبحوا عنى ديكا في الهيكل فإنه نذر 
علي؛(27). ثم يحفظون الجناح الأيسر من الديك الذي ذبح في بيت سر الرجال ويعلقونه على 
الحوامل وأعناق الصبيان على سبيل الح رز(28). 


30 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


ثم يسمعهم الكاهن الأكبر السر وهو صنف من الكلام أطول من سور القرآن الطوال وهناك سر 
الرجال لا يسمعه إلا الرجال وسر النساء لا تسمعه إلا النساء وكلاهما متساويان في عدد الألفاظ 
والحروف299). 

وقد ظلت د الذكرى في مخيلة القاضي محمد بن عيشون الحراني (المتوفى 300ه/ 2م )2 
وكان منهم ثم أسلم هو وعائلته» ذكر بيت السر وما تحته من السراديب الأربعة المتخذة لأنواع 
صور الأصنام والتي جعلت مثالا للأجسام السماوية وما ارتفع من ذلك من الأشخاص العلوية 
وأسرار هذه الأصنام وكيفية إيرادهم لأطفالهم إلى هذه السراديب وعرضهم لهم على هذه الأصنام 
وما يحدث ذلك في ألوان صبيانهم من الاستحالة إلى الصفرة وغيرها لما يسمعون من ظهور أنواع 
الأصوات وفنون اللغات من تلك الأصنام والأشخاص» بحيل قد اتخذت ومنافيخ قد عملت» تقف 
السدنة (الكهنة) من وراء جدران فتتكلم بأنواع من الكلام فتجري الأصوات في تلك المنافيخ 
والمخاريق والمنافذ إلى تلك الصور المجوفة والأصنام الشخصة فيظهر منهانطق على حسب ما قد 
عمل في قديم الزمان» فيصطادون به العقول وتسترق بها الرقاب ويقام بها الملك والممالك. ولابن 
عيشون قصيدة طويلة يذكر فيها مذهبهم ومخاريقهم على العوام. قال(31) : 

إن نفييس العجسائب بيت لهوفي سرداب 
تعبد فيه الكواكب أصنامهم من خلف غائب 

وقد أشار اليعقوبي إلى طريقتهم في خداع العوام» قال: ويخدعون عوامهم أن الآلهة تنزل في 
هذه الأصنام وتكلمهم وتنبئهم بما سبيحدث(31). 

هل لهذه الروايات من سند تاريخي؟ أم هي تقولات العامة المناوئين للحرانية؟ 

نعم. إن لهذه الروايات سند تاريخي» فقد ذكر لوسيان السميساطي في رسالته المسماة 
(الكسئدروس أو النبي الكاذب) وقد كان أحد الكهنة الكاشفين لطوالع الغيب في معبد الإله 
إسقلابيوس (في حران) و(توني 170م). كان ألكسندروس يرد على الأسئلة التي يتلقاها في المعبد 
ويرد عليها بهاتف صوتي يخرج من جهاز مؤلف من عدة مواسير ركبت بشكل خاص ضمن 
جدران المعبد» وكان هذا الهاتف يكلف كثيرا طالبي أسرار المستقبل. وقد سأله الإمبراطور ماركوس 
أوريليوس (164 - 180) وهو الفيلسوف الرواقي النابه الذكر» إذ طلب منه هاتفاً عن طالع حملته 
على البرابرة فأخبره بأن يلقي في نهر الدانوب بأسدين ففعل وتم له النصر كما قال الهاتف. وعن 
هذه الحادثة وأمثالها قال ثابت بن قرة (لن تجلت الألوهية الملقنة الكهائة» والمعلمة المستقبلات 
إلا لمشاهير الصابئة؟)(32). لقد اشتهر معبد حران بهواتف الغيب؛ مما اضطر الإمبراطور 
فسطنطين الثاني سنة 3557م إلى إصدار أمر يقضي بوضع حد لقيام رجال البلاط الإمبراطوري 
باستشارة مصادر الوحي والعرافين ومفسري الأحلام وغير ذلك من أرباب النبوءات. وصار الموظشف 
بعذب إذا ما وجه إليه مثل هذا الاتهام بمزاولة مثل هذه العادات(33). كانت العرب تعتقد مثل 
الحرائية. باستطلاع الغيب عن طريق الجان فقد نقل عن هشام بن السيب عن ابن عباس قوله 
كانت العْزّى شيطانة تأتى ثلاث ممرات ببطن نخلة» فلما افتتحها خالد بن الوليد. عضد الثالثة 


31 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


منها بأمر رسول الله (ص) فإذا هو بجنية نافشة شعرها واضعة يديها على عاتقها تصر بأنيابها 
وخلفها دبية السلمى» وكان سادنهاء فقال خالد: 
يا عز كفرائك لا سبحائك إني رأيت الله قد أهانك 

ثم ضربها ففلق رأسها فإذا هي رماد» ثم عضد الشجرة» وقتل دبية السادن»(34). زار مدينة 
حران أبو الحسن المسعودي في صيف سنة (332ه/ 4 وحكى له رججل من ملكية النصارى 
(الروم الأرثوذوكس) يعرف بالحارث بن سنباط وكان ذا معرفة ودراية بمذاهب الصابئة 
الحرانيين» إن لهم هياكل على أسماء الجواهر العقلية أو الكواكب فمن ذلك هيكل العقل وهيكل 
الصورة وهيكل النفس وهذه مدورات الشكلء وهيكل زحل مسدس. وهيكل المشتري مثلث» 
وهيكل المريخ مربع مستطيل» وهيكل الشمس مربع» وهيكل عطارد مثلث الشكلء وهيكل الزهرة 
مثلث في جوف مربع مستطيل» وهيكل القمر مثمن الشكل. وللصابئة فيما ذكروا رموز وأسرار 
يخفونها ويقدمون لهذه الهياكل قرابين يقربونها من الحيوان ويقدمون دخان البخور يبخرون لهاء 
لأن هذه الكواكب هي التي توهبهم طول الأعمار وقصرهاء وظهور المياه وغيضها(35). وقد كانت 
هذه الأصنام أو الهياكل أجساما حية ناطقة وإن الملائكة تختلف فيما بينها وبين الله وإن كل ما 
يحدث في هذا العالم يجري على قدر ما تجري به الكواكب عن أمر الله فعظموها وقربوا لها القرابين 
لتنفعهم: وبنوا لكل صم بيتاً وهيكلاً مفرداً وقد ذهب قوم منهم إلى أن البيت الحرام هو بيت 
زحل وما طول بقاء هذا البيت على مرور الدهور معظما إلا لأن زحل من شأنه البقاء والثبوت(36). 

وقد شاهد المسعودي بيت أنطاكية» الذي تزعم الصابئة أن الذي بناه هو (سقلابيوس) إله 
الطب عند اليونان» وهو يقع في سوق الجزارين وشاهد مكتوباً على بابه بالسريائية قول فسّره له 
مالك بن عقبون الصابثي وغيره من الصابئة (من عرف ذاته تأله)(37). وقد شاهده كذلك أبو 
الحسن محمد بن أحمد بن جبير  539(‏ 614 ه) في يوم الاثنين 18 حزيران عام 185 م الموافق 
7 ربيع الأول 580 ه. ولكن لم يكن قد بقي من الصابئة أحد لأن الجميع قد أسلموا وكان أهل 
حران في ذلك الوقت من أهل الخير» هيئون معتدلون محبّون للغرباء مؤثرون للفقراء(38) وقد بقيت 
آثار هذا المعيد في الجهة الشرقية من حران» وهو يبدو كأنه قلعة محصئة حولها خئدق وسور من 
الحجارة المركومة في نهاية الوثاقة والقوة(39). 

- كيف يخططون لمعابدهم ويوجهون قبلتهم؟ 

قال أبو سليمان السجستاني البصري: إن الحرانية هم المعروفون بالصابئة وكانوا يسكئون 
مدينة حران ويتخذون لهم أصناما على مثل الهياكل السبعة» كل شخص (تمثال) في مقابل هيكل 
وكانوا يسمون الكواكب آباء» والعناصر الأربعة أمهات(40) ويقدّمون لها القرابين والصلوات 
لاعتقادهم أن الهياكل أبدان الروحانيات (41), وقد اعتمدوا على علم الهيثة في توجيه وبئاء هذه 
المعابد. قال إخوان الصفا: ينظرون حصول ذلك الكوكب الذي بريدون بناء هيكل له كما هو 
موجود في كتب الأحكام, فيبدؤون في بناء ذلك الهيكل» لذلك الكوكب» لتلك المدينة الثى يكون 


32 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


ذلك الشط متضورا عليهاء وصوروا معه مرائيه من الكواكب والصور التي تكون في درجته ووضعوها 
في ذلك الهيكل وجعلوا ذلك اليوم من كل سنة عيدا لذلك الكوكب في ذلك الهيكل(42). ثم يبنون 
الهيكل ويقسمونه إلى قسمين أحدهما للرجال والآخر للنساء وفي كل قسم بيت عظيم ليس في 
حيطانه ثقب ولا في بأبه شقء حتى إذا أغلق بابه لم يبق من الضوء شيء البتة. وجعلوا بابه مما 
يلي الجنوب» وصدره مما يلي الشمال وصوروا فيه البروج الاثني عشر وعملوا صور الكواكب 
السيارة» كل واحد منها معمول من المادة الموافقة كالشمس من الذهب» والقمر من الفضة» وزحل 
من الحديد» والمشتري من الزثئبق» والمريخ من النحاسء» والزهرة من الرصاص القلعي (الجيد) 
وعطارد من الرصاص الرديء (الأسرب). وجعلوا تحت كل منها مجمرة من طين أحمرء ولها 
بخور مفرد فالتي للشمس العودء والني للقمر الكلبة (من أعشاب حران) والتي لزحل الميعة (عطر 
طيب الرائحة) والتي للمشتري العنبر» والتي للمريخ السندروس (وهو صمغ شجرة من أرمينية) 
والتي للزهرة الزعفران» والتي لعطارد المصطكي(43) وعن شمال هيكل كل كوكب إبريق شراب 
وثلاثة فضبان طوال من خشب الطرفاءء وقد قطعت من شجرتها قبل صياح الديك) وسكين حديد 
نصابها منه (لذبم ديك السر)ء وخاتم حديد فصه منه لطيف في قدر الظفرء منقوش عليه صورة 
جرجاس رئيس الأبالسة(44). قال الهمذاني: لحران من الكواكب الزهرة ومن البروج السنبلة 
وعطارد(45) أما ضوء المعبد وإنارته فتصدر عن سرجس الزيت الكثيرة العدد. وعلى جدران الهيكل 
(صورة الغلوطي) ملك الهاوية وصورة (فوسدور) ملك البحار وصورة (لوجاس) ملك الرياح وصورة 
(ليمس) الملك الموكل بالأرواح العارضة من الجن وصورة (القرطوس) ملك الأمواج وعدد الصور 
الإجمالي بالهيكل 87 صورة(46). 

هذه الديانة السحرية النجومية كانت معروفة في الحضارة اليونانية وقد بقيت تمارس في طقوس 
سرية حتى عصر جوته فقد قال على لسان فاوست: «أول ما يجب عمله إزاء هذا الحيوان أن أتلو 
عليه تعزيمة العفاريت الأربعة: 

- ليحترق ساكن النار (سمندر) يا ساكن النار التهب التهاباً. 

- ولينهزم عفريت الماء (أنديئه) يا عفريت الماء فلتنصب انصباباً. 

- ليختف عفريت الهواء (سيلفا) يا عفريت الهواء المع كالشهاب الساطع. 

- وليحل العناء بعفريت التراب (كوبولد) يا عفريت التراب منك المعونة أبداء أقصر الآن وتقدم 
إلى الأمام(47). بمثل هذه العبارات الغامضة الموحية بالأسرار السحرية كانت تتلى التعازيم على 
رؤوس سامعي السر من الرجال والنساء. 

حاولت رسائل إخوان الصفا وكتب الكندي والبيروني الدفاع عن عقيدة الصابئة الحرانئية, 
عندما قالوا: إن عبادة الأصنام لا تتعارض مع توحيدهم للله. 

قال إخوان الصفا: إن بدء عبادة الأمم للأصنام أولاً كان عبادة الكواكب» وبدء عبادة 
الكواكب» كان عبادة الملائكة ‏ وسبب عبادة الملائكة كان التوسل بهم إلى الله لأنهم هم الصفوة من 
خلقه وخالص عباده من بريّته لذا توسلوا بهم وما مضى أولئك الحكماء والربانيون والعارفون بالله 


33 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


حق معرفته» وانقرضوا خلفهم قوم آخرون أرادوا الاقتداء بهم في سيرتهم واتخذوا أصناما على مثل 
صورهم وصوروا تماثيل على مثل ما فعلت النصارى في بيعهم مثل أشباه المسيح ومريم عليهما 


حران مدينة الآراميين 


كانت حران مركز ارام النهرين» وقد أطلق على سكائهاء الأراميين أسماء عدة منها: 
الحرانية» والكلدان» والحئوفون» وكلهم اراميون. 

من هم الآراميون؟ 

طبقاً لأقدم مصادرنا المتوارثة القديمة؛ وهي التوراة» فإن الأراميين م أبناء آرام بن سام. وقد 
دعت إبراهيم الخليل بالآرامي ؛ عندما غادر حران» باتجاه بلاد الشام (أرض كنعان)» كما دعت 
حفيده يعقوب بن إسحق» بالآرامي التائه» عندما سكن «فدان آرام» واثارها في تل مرتفع يقع إى 
غرب مدينة حران ولا زال يدعى (تل الفدان). والآراميون شعب سامي» ربما كان موطنه الأصلي 
المناطق الشمالية من الجزيرة العربية» ثم هاجروا تدريجياً قبل القرن الثاني عشر قبل الميلاد» 
واستطاعوا أن يؤسسوا في القرن الحادي عشر قبل الميلاد عدة دول منها أرام النهرين في حران 
وبيت عدين في تل سورا (غرب مدينة الرقة) وآرام رحوب (بين حمص والرصافة) وارام حماة 
وأرام صوبا وآرام دمشق» وف بلاد تدمر» وعناة (عانة) وفي بلاد سوحي مديئنة (ربيشو) التي قال 
فيدمان ربما تكون مدينة : الرقة. وقد دلت الرقم الطينية أن كلمة (ارامو) اليابلية تعني سكان 
المرتفعات. كان الآراميون دائماً في صراع مع ملوك الآشوريين» وكان الآراميون يعيشون على شكل 
قبائل قويةء مقتدرة, .وعم قبائل عربية لاصدم ضد أي خطر خارجي» ذكرت الرقم المسمارية 
الشورية) إن الملك الأشوري (تغلات فلاصر الأول) 1116 1090 ق.م اجتاز نهر الفرات 28 مرةء 
50 سفئاً من الجلد» وقد احتل ستاً من مدن الأراميين ف سفوح جبل البشري » وأخذ مئهم 
ومن حلفائهم العرب غنائم كثيرة إلى عاصمته آشور(49). 

أصبحت الآرامية بعد سقوط هذه الدولة سنة 732 ق.م لغة عالمية في جمييع أرجاء المنطقة, 
وانتشرت اللغة الآرامية في آسيا الصغرى وسورية وبلاد ما بين النهرين» حيث أصبح الكلدانيون 
والأقوريوق) وأبقاء قلسطين عيلياً آراميي اللغة. 

اللغة الآرامية ولهجاتها: 

تعتبر اللغة الآرامية إحدى أهم لغات الفصيلة الشمالية» للغات الساميةء وكانت هذه اللغةء 
لغة التكلم) ف البداية » 8 أصبحتك لغة الكتابة» وكان الخط الآرامي ؛ الذي استعار حروفه من 
أوغاريت» أكثر استعمالاً من الخط المسماري لسهولته. وكان الآشوريون يستخدمون الكتاب الذيين 
يتقئون اللغة الآرامية يي الدوائر الرسمية. وعئدما سقطت الدولة الكلدانية على يد كورش ملك 
الأخميئيين» جعل بابل عاصمته عام 539 ق.م وأصبحت حران مقاطعة متميزة (ساتراب). وكان 


34 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


معظم المترجمين والكتاب منهاء يترجمون الرسائل التي ترد لحاكم المقاطعة (الشهربان)؛ وقد 
انتقلت بعض المفردات الفارسية مثل (كنز وورد وزرد من الآرامية الحرانية إلى العربية). 

كانت المحادثات في الأسواق والمعابد والبيوت باللغة المحلية» أما الرسائل الديوانية فهي 
باللغة الأرامية» وقد عثر في مصر على أوراق البردي مكتوبة بالآرامية. 

وعندما احتل الإسكنئدر المكدوني بلاد الشرق (336 ق.م) أدخل اللغة اليونانية إلى حران ولكن 
اللغة الآرامية ظلت سائدة ولم تتراجع » وقد عثر في بلدة (تاكسيلا) بالقرب من إسلام أباد في الباكستان 
على أربعة ألواج حجرية تعود إلى ما بعد احتعلال الإسكندر لتلك المدينئة» إلى زمن الإمبراطور 
الهندي العظيم آشوكا (271 - 238 ق.م) مكتوبة بالخط الخاروشتي المقتبس من الخط الآرامي(50). 

وفي بلاد فارس في العهد الساساني (256 - 658 م( التقاليد الأرامية في الكتابة. فقد تم استعمال 
اللغة الآرامية قي البلاط الفارسي » وقد أثرت على اللغة الفارسيةء لا سيما على الأفعال والضمائر 
وحروف الربط والإضافة والتي يسميها الفرس (هر وارش) وكانت تستعمل في الكتابة فقطء أما 5 
الكلام فكان يستعمل ما يقابلها في الإيرانية. قال عبد الله بن المقفع (المتوفي 139 ه/ 10007 
«كانت المكاتبات في البلاط الفارسي تتم بنوع من اللغة السريائية» السريانية الأولى» ليس فيها 
نقطء وعدد حروفها 23 حرفا يقال لها (إنامه دبير) فمن أراد أن يكتب إ(ثنان) وهو الخبز كتب 
(لحما) ويقرأه ئان(51). 

كانت اللغة الآرامية لغة التخاطب السياسي منذ الألف الأول قبل الميلادي» فالقائد الآشوري 
(ريشاقا) عندما خاطب سفراء ملك أورشليم (حزقيال) باللغة العربية طلبوا منه «كلم عبيدك 
بالآرامية » فإئنا ثفهمها). 

كما عثر على ألواح حجرية في منطقة نفوذ الأنباط العرب» ابتداء من شمال الحجاز» حتى 
سواحل سورية في الفترة ما بين القرون (القرن الأول ق.م والقرن الثالث بعد الميلاد. 

قال المؤرخ العربي صاعد بن أحمد الأندلسي (المتوفى 462 ه/ 1060م): «كانت هذه البلاد 
واحدة ولسائها واحد سريائي» وهو اللسان القديم» لسان آدم وإدريس ونوح وإبراهيم ولوط عليهم 
السلام. ثم تفرعت اللغة العبرانية والعربية من اللغة السريانية؛ وغلبت العرب على البلد المعروفة 
اليوم بديار ربيعة ومضرء وجزيرة العرب» وانكمشت بقية السريانية إلى العراق» وكانت عاصمة 
مملكتهم مدينة كلواذى(52). 

كما عثر على ألواح آرامية في تدمر يعود تاريخها إلى الفترة ما بين القرن الأول ق.م وبين 272م 
سنة سقوط حكم الملكة زئوبيا. 

ووجد في مدينة حران وثيقة آشورية» دلت الأسماء الموجودة فيهاء على التركيب السكاني 
السلالي المختلط بين الآراميين والعرب» فالأسماء مركبة من أسماء عادية وأسماء مركبة مع أسماء 
الآلهة العربية (عثار وايل الإله الكنعاني الأكبرء وآلهة حران» نابو وشمش وسين أو شهر وهو 
القمر معبود حران القديم. كما عثر على نصب للملك الآرامي بركوب يتضرع للإله سين «سيدي 
بعل حران) وقد صور الهلال فوق رأسه(53). 


35 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


اللغة الآرامية هى لغة سامية» دعيت بالسريانية» بعد اعتناق أهل الرّها للمسيحية» وهي أكثر 
ارتباطاً باللغة العربية» التى تضارعها في غنى المفردات»؛ وفي لهجاتها المتعددة. وقد اقتبست 
العربية ألفاظاً كثيرة منها (طاحونء وكتان» وناطورء وشاقول» وخراج... الخ). 

وقد قسّم الباحثون لهجات اللغة الآرامية إلى: 

اللهجات الأرامية الشرقية: 

وتشمل ثلاث لهجات في النصوص الأدبية والألواح: 

آرامية التلمود البابلية» وتسمى الترجومء كتب بها سفر عزرا وقسم من سفر دانيال؛ 

وكلمتان من سفر التكوين» وسورة من سفر أرميا. 

- والآرامية المندائية » وهم صابكة البطائم حول البصرة» كتبوا آثاراً مقدسة بلغة غنوستية (عرفانية). 

- وآرامية الرها وحران؛ وكان يطلق عليها اسم الكلدائية والأكادية وهما لغة واحدة قبل القرن 
الأول المسيحى. 

اللهجات الآرامية الغربية: 

تشمل ثلاثة ألسن. النبطية» والتدمرية»ء ولغة أهل الجليلء ومعلولا ويبرود» في منطقة 
القلمون. وآرامية الكتاب المقدس التي تكلم بها السيد المسيح على الصليب «إلوي» إلوي؛ لم 
شبقتني؛ أي يا ربي» لما تركتئي وهذه العبارة من كلام أهل معلولا وجبعدين اليوم. 

ما الفرق بين السرياني والآرامي؟ 

قال فيليب حتى: «عندما اتخذ المسيحيون الآراميون لهجة الرّها وجعلوها لغة الكنيسة 
والأدب صاروا يعرفون باسم السريان» لأن الاسم الآرامي القديم صار غير مستحبء لأنه عنوان 
الوثنية في حران»(54). 

لم كانت الآرامية أو السريانية. أقرب اللغات إلى العربية؟ 


لاختلاط العرب بالسريان» وكثرة الرهبان والكئائس بينهم ‏ روى زيد بن ثابت الأنصاري أن 
ار قال لي: «يا زيد» تصلني رسائل بالسريانية» فتعلمتها في سبعة عشرة ود كيف 
تسنى له تعلمهاء إن لم تكن اللغتان متقاربتي الجذور؟ حتى أن مؤرخاً عربياً هو طاهر بن المطهسر 
القدسيء أبدى دهشته من تشابه اللغتين السريانية والعربية» قال: لا يعلم أيهما قد انسلختث عن 
الأخرى(55) لأن اللغتين العربية والسريانية من أصل واحد. والآرامى الوحيد الذي عرفه العرب 
وترجم لهم هو ثابت بن قرة الحراني» الذي اعتبره ابن العبري أبلغ كتاب اللغة السريانية» وكان 
ثابت أول من ترجم كنوز الفكر الحراني إلى اللغة العربية. كما قال عنه محمد بن إسحق النديم: 
«هو أساس رئاسة الصابئة في الدولة الإسلامية العربية)(56). وإذا أردت أن تؤرم لتأثير الصابكة 
الحرانية في الفكر العربى لا تجد سوى ثابت بن قرة وأهل بيته؛ وإلى ثابت تعود الأصول الأول 
للفكر العربي» في الفلسفة والرياضيات والطب. 


36 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


مراجع الفصل التآني 
صابئة حران 


1 تلبيس إبليس ص 83» عبد الرحمن بن الجوزي. تحقيق: خير الدين علي بيروت 
7 . 

2 - تاريخ الأدب السرياني ص 49» كامل مراد» دار المقتطف ‏ القاهرة 1949. 

3 - قرآن كريم. 

4 إمتاع الأسماع بج1 ص 67» المقريزي. تحقيق: محمود محمد شاكر ‏ القاهرة. 

5 - ذخيرة الأذهان ج1 ص 28»؛ بطرس نصري الكلدان ‏ الموصل 1905. 

6 - مروج الذهب ع1 ص 169» المسعودي. تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد. كتاب 
التحرير ‏ القاهرة 1966. 

7 كتاب الجغرافيا ص 159» ابن سعيد المغربى. تحقيق : إسماعيل العربى ‏ بيروت 1970. 

8 الصابئة المندائية بج1 ص 413 الليدي دراور. ترجمة: نعيم بدوي وغضبان الرومي - بغسداد 
7 

9 - المصدر السابق ج1 ص 27. 

0 المصدر السابق ع1 ص 189. 

1 الأيام الستة ص 51» مار يعقوب الرهاوي. ترجمة: صليبا شمعون» دار الرها ‏ حلب 
0 , 

2 -المصدر السابق ص 45. 

3 تلبيس إبليس ص 84. 

4 المصدر السابق ص 87. 

5 الصابئة المندائية ج1 ص 15. 

6! - تاريخ الزمان ص 48 49» ابن العبري. ترجمة: إسحق أرملة» دار المشرق 1986. 

7 - فاوست ج1 ص 67» الشاعر الألماني غوته. ترجمة: محمد عوض محمد القاهرة 1938. 

8 مجلة الوحدة العربية (العدد 60) ص 2103 أيلول 1989. 

9 - مروج الذهب ج1 ص 27. 


37 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


0 رسائل إخوان الصفا ج4 ص 295. تحقيق: بطرس البستاني» دار صادر ‏ بيروت 1957. 

1 الصابئة المندائية ج1 ص 27. 

2 المصدر السابق بج1 ص 44. 

3 المصدر السابق ج1 ص 14. 

4 الموسوعة الإسلامية» مادة الصابئة بج1 ص 89. 

5 الفهرست لابن النديم ص 386. تحقيق : رضا تجدد ‏ طهران 1971. 

6 رسائل إخوان الصفا ج4 ص 260. 

7 - المصدر السابق ج4 ص 303 304. 

8 المصدر السابق ج4 ص 306. 

9 المصدر السابق ج4 ص 305,. 

0- مروج الذهب ج1 ص 486. 

1- كتاب البلدان ج1 ص 180» اليعقوبي ‏ بغداد. 

2 تاريخ الزمان ص 48؛ لابن العربي. 

3 أنطاكية في عهد ثودوسيوس الكبير ص 202 جلانفيل داوني. ترجمة إبراهيم النصحي» 
دار النهضة ‏ القاهرة 1967. 

4 تلبيس إبليس ص 67. 

5- مروج الذهب ج1 ص 465. 

6 المصدر السابق م1 ص 169. 

7 المصدر السابق ع1 ص 12. 

8 رحلة ابن جبير ص 2197 دار التراث ‏ بيروت 1968. 

9 المصدر السابق ص 199, 

0 الفهرست ص 386. 

1 المصدر السابق ص 385,. 

2 - رسائل إخوان الصفا ج1 ص 261. 

3- مرويج الذهب ج1 ص 468. 

4 رسائل إخوان الصفا بج4 ص 167. 

5- جنة جزيرة العرب ص 36» الهمدانى» مطبعة السعادة ‏ القاهرة 1953. 

6 رسائل إخوان الصفا ع4 ص 337 7 

7 فاوستث ص 38. 

8- رسائل إخوان الصفا ج1 ص 269. 


38 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


الفصل الثالث 








أفلوطين الحكيم الإنهي 


جنا اللوظيت وعصيره 

مصادر فلسفته (الفيثاغورية والديصانية) 
تحليل كتاب التاسوعات 

- أثره بك الفكرين الحراني والعربي 

- نظرة اجمالية يك فلسفة أفلوطين 


.01:1 تلات ااتد 11310132 17717177 11010 1001111030 





مم. 01:1 نات االطدع2012ة]/. 7711177 لتم 01020ده1][00 


أفلوطين الحكيم الإلهمي 


حياته وأحداث عصره: 


كلما ارتفع الإنسان في سلم النبوغ والشهرة» كلما كان أكثر التصاقاً بأحداث مجتمعه. لأن 
الفكر محصلة لثقافة العصر. ولكن أفلوطين رغم نباهة ذكره في تاريخ الفكر البشري» فقد كانت 
المصادر التى أرّخت لأحداث حياته قليلة تكاد تنحصر في مصدرين» بينما كان فكره بلا حدود. 
المصدر الأول: 


رواية الكاتب الإسكئندري أيونابيوس 5اأمة نظ من القرن الرابع الميلادي قال: جاء أفلوطين 
من مصر العليا من ليكوبوليس 0115ممعئز[ (قرب الواسطي حاليا) وإنه مسن أصل إغريقى جاء إلى 
الإسكندرية عام 232 ليدرس على الفياسوف أمونيوس سكاس  171(‏ 242) حتى وفاته عام 242. 

ما يثير اهتمامنا في النص السابق ثلاث محطات فكرية هى: ليقوبوليس والإسكندرية 
وأمونيوس سكاس. ْ 

مدينة ليقوبوليس: كانت مدينة إغريقية ذات امتيازات اجتماعية؛ لأن الإغريق كانوا 
يشكلون طبقة متميزة عن السكان الوطنيين» فهم كتاب الخراج وماسحو الأراضي وجامعو الضرائب 
واحتكروا لأنفسهم الثقافة الرفيعة والمناصب العالية في الإدارة. 

تعلم أفلوطين منذ صغره اللغة والأدب والفلسفة اليونانية. وعندما أنهى تعليمه الثانوي ضاق 
ذرعا من حياة الريف المملة الراكدة حيث الجهل والخرافات والصراع الديئي بين الديانات الوثنية 
والإلهية (كاليهودية والمسيحية)» من جهة والجائحات والأوبئة والمجاعات التى فتكت بالبلاد 
مما قلص عدد السكان إلى الثلث» كما أضعف الإنتاج الزراعي والحيواني. 00 

وفي قلب الإمبراطورية الرومائية كان الجيش هو المسيطرء بيده انتخاب الأباطرة لقاء مكافات 
مالية وإقطاعات عقارية وإذا سنحت له الفرصة اغتال الإمبراطور لقاء مكافآت أخرى. وهكذا لم 
يعد الجيش صالحا للدفاع عن الحدود(1) ضد هجمات الدولة الفارسية الناهضة. غادر أفلوطين 
بلدته ليكوبوليس يبحث عن مجد ثقافي فقصد الإسكندرية قلب العالم التحضر القديم. 

مديئة الإسكندرية: كانت الإسكندرية البؤرة الثقافية التي وصل نورها إلى أطراف العالم 
القديم كله. بئنيت المديئة على أنقاض المدينة المصرية القديمة (راقودة) وفي مدة وجيزة صارت 
عاصمة البطالمة والمبناء التجاري الأكبر في البحر الأبييض المتوسط وعاصمة الثقافة والعلم للدنيا 


41 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 


كلها. فيها أنشأ بطليموس الأول (305 - 285 ق.م) المتحف 1/5153 على شاكلة مدرسة أرسطو 
(اللقيون) في أثينا. وغلب عليه الطابع العلمي وتدريس العلوم الطبيعية والفلك والرياضيات. وفي 
زمن بطليموس الثاني  285(‏ 247 ق.م) أنشأ مكتبة ألحقت بالمعبد (سيرابيون) وكانت ذات نزعة 
فلسفية. تحتضن فلسفتي أفلاطون وأرسطو, وكانت الدولة تنفق عليها الأموال الطائلة . فبأمر 
الحاكم كانت السفن تفتش كلها فإذا عثر على كتاب نسم على ورق البردي وأعطيت النسحة 
الجديدة لصاحب الكتاب وتحفظ النسخة القديمة قُْ المكتبة. 

في هذه المكتبة تمت أول ترجمة للتوراة من العبرية إلى اليونانية. ومن الفلاسفة الذين مزجوا 
بين الفكرين الشرقي والغربي الفيلسوف اليهودي فيلون 20١‏ ق.م - 34م). وكان منيجه يقوم على 
مزج أفكار العهد القديم بفلسفة أفلاطون وقد غلب الوحي الإلهى على العقل. والله عنده يعلو على 
كل فهم وتعقل. وإن اللوغفوس (الكلمة) صدر عن الله وهوالذي سيتوسط بين الله والعالم 
المحسوس» تعاونه قوى تملأ المسافة بين الله والعالم المحسوس هم الملائكة أو الجن» والله لا يؤثر 
على هذا العالم إلا عن طريقهما. وعن عرش الله يشع نور إلهي يمتد حتى أطراف العالم. ومهمة 
الفلسفة هي اتحاد الله مع الإنسان. وإن الإنسان متى عرف نفسه عرف ربه. 

في هذه الفترة شاع صيت أمونيوس سكاس  171(‏ 242) الذي كان باحثاً ومدرساً للفلسفة ينال 
أجره من الدولة التي كانت تدعم الفكر الإغريقي الوثني وقد وجدت في أمونيوس خير ممثل يصلح 
لتوحيد معتقدات العالم الروماني الشفرقي وفكر أفلاطون وأرسطو ف مذهب واحد يناسب روح 
عصرة. 

ارتفعت روح الفلسفة على يد أمونيوس حتى قيل إن جامعة الإسكندرية عبارة عن واحة 
يونانية استنبتت في أرض أخرى» وظلت محتفظة بعادات وروم أصلها الأول(2). عندما التقفى 
أفلوطين بأموئيوس في جامعة الإسكندرية قال «هذا هو الرجل الذي كنت أسعى إليه») روى 
فرفوريوس الصوري أن أمونيوس كان فشكنا ثم ارتد إلى الوثنية وتتلمذ عليه ثلاثة علماء نابهين 
(أفلوطين وأريجين وهيرونيوس). ويقال أن أمونيوس أخذ عليهم عهداً أن لا يكتبوا أسرار تعاليمه 
خلال فترة حياته . وفعلاً لم يكتب أفلوطين إلا بعد عشر سئوات من وفاة معلمه موفياً بعهده. 

كانت السمة الغالبة على فكر أموئيوس التوفيق بين فكري أفلوطين وأرسطو مما أنعش الحركة 
الفكرية في الإسكندرية التى بدأت تتصدى للفكر المسيحى الناهض بعد أن أضفى أمونيوس على 
كتاباته الحماسة التي تزخر بالصور والتشبيهات»؛ وهذه علامة لروح جديدة أثرت في فكر أفلوطين 
وأكسبته التعلق بالروح الشرقية وفكرة حضور الله في العالم وأن السعادة الفردية لا تئال إلا عن 
طريق الوحدة بالله والتي تعلو على المعرفةٍ العقلية(30). كما تعلم من نومينوس الإسكندري (حصسوالي 
0) الئزعة العالمية وهو الذي كان شارحاً ممتازا لأفكار فيلون وكان يؤكد على المبدأ الأول (اللّه) 
وأن مكانته تعلو على الفعل ومعرفته لا توصف. وقد نزه الله عن الخلق المباشر وجعل الخلق من 
شأن الإله الثاني (الكلمة) القوة الفعالة في هذا العالم وهو حلقة الاتصال بين الله وعالم الظواهر # 
يتصل بالعالم الروحي بماهيته وبالعالم الظاهري بفاعليته. صار افلوطين يقرأ نصوص ثوميئوس 


42 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


الإسكندري في مجالس تعليمه في روما ويشرحها. وقد وضع تلميذ أفلوطين المدعو أميليوس رسالة 
دافع فيها عن أصالة أفكار معلمه وأنه لم يكن منتحلا لأفكار نومينوس. 

قال هويتكر :16د]فط/7: إن أفلوطين استمد آراءه من فيلون لأنهما عاشا في بيئة واحدة هصى 
جامعة الإسكندرية(4). 

المصدر الثاني : 

السيرة الذاتية التي كتبها فرفوريوس الصوري بعد 28 عاماً من وفاة أفلوطين وفي هذه السيرة 
لعب الخيال والعاطفة دورهما مما حرّف الحقيقة وأضفى على أفلوطين صفات فوق طاقة البشر من 
خوارق رواها عن معلمه. 

قال فرفوريوس: ولد أفلوطين عام 204 في مدينة ليقوبوليس» وهو يتحدر من طبقة مثقفة 
يونانية وقد تعلم جيدا في موطنه وعندما جاء إلى الإسكندرية التقى بأمونيوس سكاس (الحمّال) 
فوجده الرجل. الذي يروي ظمأه المعرني وبقي يتتلمذ عليه مدة إحدى عشرة سنة. شم تاقت نفسه 
إلى معرفة حكمة الشرق فرافق الإمبراطور جورديان  242(‏ 244) في حملته على بلاد فارس ولكن 
الإمبراطور قتل وطوق الجيش وفشلت الحملة» فهرب أفلوطين إلى ولاية أنطاكية ومكث هناك مدة 
عضر اضر ِ 1 

ظل أفلوطين يطوف بين حران والرها ومنبج يتردد على المعابد ويناقش العلماء والكهنة؛ مدونا 
ما يسمعه من أقوال. وفي حران اطلع على تعاليم فيثاغورس السرية وطقوس النحلة الأورفية 
الصوفية التي كانت تعلم في حران ومنبج باللغة اليونانية. 

بين حران والرها ومنبج (254-244) 


لا تفيدئا المصادر التي بين أيديناء كيف قضى أفلوطين وقته في تنقله بين حران ومنبج والرها 
وأنطاكية, ولكن من المناج اخ الفكري العام نرى أنه قد انضرط في الصراع الفلسفي بين الوثئنية 
والمسيحية لأن الفلسفة 0 وما زالت دائما متحزبة, 

كان الفكر الوثني قد وجد سنده ودعمه في الحركة الفكرية التي قادها هرمنيوس بن برديصان. 
كان برديصان من كبار شعراء السريائية. سحر شباب زمائه بأغانيه الجميلة؛ مما دفع الشاعر مارافرام 
السرياني (توفي 3 إلى أن يتناول شعره بالنقد ويرد عليه 57 مقذعا. وكانت فلسنة برديصان 
تتلخص: بأن الأنواع سبعة ثلاثة منها عظام شريفة وهي (العقل والإرادة والنفس) وأربعة أخرى 
دونها وهي العناصر الأربعة (النار «النور» والماء والهواء والتراب) تألفت هذه العناصر كلها وكونت 
ثلاثمائة وستون عالاًء والإنسان مخلوق من هذه الأصول السبعة. نفسه من الثلاثة الشريفة وجسده 
من الأركان الأربعة الدئيئة. وقال أن دماغ الإنسان من الشمس وعظامه من زحل وعروقه من عطارد 
ودمه من المريخ ولحمه من المشتري وشعره من الزهرة وجلده من القمر. وقد أنكر برديصان قيامة 
الأرواح(6). وكان برديصان ينفي تأثير الكواكب على عقل الإنسان وروحه ويؤكد بأن تأثيرها على 
جسده فقط. ترك برديصان قصيدة طويلة تعرف باسم (أنشودة الروح) نالت إعجاب كل مثقفي 


43 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 


عصره. وكانت تنشد في المهرجانات الوثنية في تلك الليالي حيث يحرق البخور ويجري الإنشاء 
على وقع الرقص والشرب في حران ومنبج وأنطاكية بيئما تقف الرها عدوة الوثنية متجهمة. 

قال مارفرام السرياني «مياهك مرة يا حران وأبناؤك خشئون. كنزي يا حران هو في ضواحيك. 
إنه الزّها الجميلة. قذرة أنت يا حران كوني كأمك التي هي ملح العال.م عطري بعقيدتها فكرك» 
طيبى نفسك بالصليب». 

كان أفلوطين معجباً بالشاعر برديصان وبآرائه الفلسفية الواردة في كتابه (الشريعة والبلدان) 
ومنه أخذ الرأي القائل بأن الكواكب والنجوم لا تأثير لها على الإرادة والعقل وإنما ينحصر 
تأثيرها على الجسد. وكان أفلوطين يعتقد أن الحكيم في ذاته لا يخضع لتأثير السحرء لأن الحب 
والكره لا يتمان إلا إذا رضيت النفس العاقلة عن انفعال النفس اللاعاقلة ولأن الجزء الذي فيه مسن 
الكون يتلقى تأثير بقية الأجزاء. وتأثير الكون هو ذاته فلا يعاني من ذلك و ا 

كان الصراع على أشده بين الطوائف الوثنية ذاتهاء بين الحرائية والديصانية» وكان الثالوث 
الوثني في حران ومنبج يدور حول عبادة (القمر والشمس والزهرة) وإن اتخذ أسماء مختلفة في 
اليونانية والآرامية والعربية (فاللات والعزى وبعل شمين) هي ذاتها (سسين وبعل وعشتار) وهي 
تقف في مواجهة الثالوث المسيحي المقدس (الآب والابن وروح القدس). مما ألهم أفلوطين فكرة 
الثالوث المقدس عند فيلون وصاغ ثالوثه الفلسفي على الشكل التالي (الواحصد والعقل والنفس) وإن 
كان أفلوطين يعتقد كالحرانية أن الكواكب تعرف صلواتنا وتتصل بئا مباشرة تبعاً لعلاقات معينة 

في الموقع الذي هي فيهء وهي تؤثر فينا لنفس السبب. (التاسوعة الرابعة المقال 2614) 

- وإن مقولة الوحدة الأرسطوية لا يمكن أن تعد وحدة بالمعنى الصحيسح إلا على الأول الواحد 
(الخير. 

- وإن مقولة الكم لا يمكن أن تقال على عالم العقل أو العالم الكلي المعقول ولكن يمكن أن تقال 
عليه من حيث أنها صفة خارجية. 

- وأما مقولة الكيف فهي شيء يمكن إضافته إلى الوجود الأصلي الذي هو العقل والوجود معاً. 

وفي منبج (هيرابوليس) مركز عبادة هيراوزيوس وموطن الفكر الهرمسي تعرف أفلوطين على 
المذهب الغنوستي (العرفاني) الذي وضع العقل فوق الإيمان والفلسفة وجعل العقل رقيباً على 
الوحي» وقد قسم الكهنة المجتمع تبعا لذلك إلى: 

1 - الروحيين أو (الصدّيقين) وهؤلاء رفعهم العقل إلى مستوى فوق مستوى الحس وهم الحكماء 
الإلهيون أمثال فيثاغورس وأفلاطون وسقراط. 

2 والجسديين (عوام الناس) وهؤلاء هم الخاضعون لتأثير المادة وشهوات النفس. 
3 النفسانيين (أهل العرفان) رفعتهم المعرفة إلى درجة العارفين ومنهم من ارتقى إلى درجة 
الصديقين. 

وهذا الترتيب نجده عند كهنة حران أيضاً. 


44 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


في هذه المرحلة اقتنع أفلوطين بالأساطير الأورفية والفيثاغورية. وتعاليمهما العرفانية غايتها 
طمأنة القلب وسكينة الروح قبل اقتناع العقل وإن غاية المعرفة هي الاتحاد بالمبدأ الأول الذي 
صدرت عنه(8)» للوصول إلى السعادة الأبدية. ولكن رافنيسون يؤكد أن المبادئ الثلاثة (الواحد 
والعقل والنفس) ترد إلى مذاهب يونائية خالصة. 

فالواحد عند أفلوطين هو الله عند أفلاطون. 

- والعقل عند أفلوطين هو اللّه عئد أرسطو. 

- والنفس الكلية هى العلة الأولى كما فهمها الرواقيون. 

في هذا التحليل بعض التمحل لأن أفلوطين قد تمثل الفكر اليوناني من خلال الفكر الشرقي 
وأضاف إليه الخبرة والمعرفة الفلسفية التى درسها في جامعة الإسكندرية. 

قال كرافسكي «من المحال أن يفهم المرء الأفلاطونية المحدثة إن لم يتمثل في ذهنه نواحي 
النزعة العالمية التى كانت تسود الإسكندرية عندئذ(9). 

ومن الأفكار الشرقية التى عايئها واختبرها في حران إيمان أفلوطين بالسحر والخوارق التي 
كانت تسود ذلك العصر. / 

كانت الكهانة في حران ذات شهرة لأن الفكر الفيثاغوري كان يعتقد بأن الكون مملوء بأرواح 
خفية لها القدرة على إلهام الكهنة والكاهئات للتنبؤ بأحداث المستقبل وإسداء النصم للناس. وهذه 
الفكرة نلحظها عند افلوطين في نظرته إلى العالم على أنه كائن حي كبير» وأنه لا سبيل إلى معرفته 
إلا حيثما يكون متصلا بنا أو متعاطفا معنا على تحوما. يبدو لي أن أفلوطين قد تأثر بفكر 
بوزيدوئيوس الأفامي (توفي 125 ق.م) الذي كان يقول بفيض الجزء العاقل في النفس من الجوهر 
الإلهي» وأن العالم كائن عضوي كامل يجمع بين أجزائه التعاطف» وأن الكون هو العالم الأكبر 
والإنسان هو العالم الأصغر. 

ومن الأفكار الهامة التي تعلمها أفلوطين في حران الفكر التلفيقي الذي نسب إلى فيقاغورس 
وأتباعه 

- كقولهم : إن الله عال عن العالم وكامن فيه في نفس الوقت. 

وقولهم: إن الخلاص الإنساني يتم عن طريق التطهير بالتناسخ لأن الحياة في هذا العالم هي 
مرحلة تهيئة وإعداد للخلود عن طريق تحررها من علائق المادة لتتمكن من الصعود إلى العالم 
الروحي الأعلى عن طريق الزهد والتقشف» والتشبه بالإله قدر الطاقة. 

- وقولهم : إن صعود النفس يتم فذريجهيا على مراحل» وفي أدوار تقضيها النفس في هذا العالم. 


أفلوطين وكتاب شرائع البلدان: 


هذا الكتاب الوحيد هو الذي بقي لبرديصان الفيلسوف الآرامي  154(‏ 222) الذي ولد في الرها 
وتعلم في منبج ثم تنصر في بلاط معنو التاسع ملك الرها ثم تهوّر فابسلته البيعة لآرائه التي تناقض 
الفكر المسبيحي. قال برديصان: ثلاثة عوامل توا تؤذ ثر في الإئسان : الطبيعة والحظ والإرادة. والطبيعة 


45 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


هي القوة حولها الله إلى كواكب» وهي التي يكون لها التأثير على الإنسان ساعة المولد حين إتصام 
الحظوظ من سعادة وشقاء وصحة واعتلال بحسب الروابط التي تصل بين الكواكب والعناصر(10) 
فالنجوم ليست عللا وإنما هي علامات أو نذر. وبحث في الكتاب عن القدر وعن علة الشر 
الطبيعي وبخاصة الشر الخلقي في هذا العالم» ودافع عن حرية الاختيار أو حرية الإرادة المطلقة. 
وأن الإنسان ولد حراء والنجوم التي لها قوة على الإجسام لا تستطيع شيئا حيال النفس. 
والكواكب لا تأثير لها في تغيير عادات وتقاليد الناس. وأنه لا يمكن القول إن الآلهة أو النجوم 
تجلب الشر إلى الأرض. 

يسأل عويده (تلميذ برديصان): أليس الله علة الفساد الأخلاقى؟ 

يجيبه برديصان: ولكن الأوامر المفروضة علينا كلها أوامر أخلاقية لا علاقة لها بقوة الجسد 
وشهواته الشريرة. 

ثم يسأله عويده: إن الإنسان لا قدرة له على تجنب الشرء كما أنه لا قدرة له على فعل الخير. 

فيرد عليه برديصان: إن فعل الخير أسهل من تجنب الشر لأن الخير من خواص الإنسان 
العاقل وإن المرء يكون سعيداً إذا فعل الخير وإن الشر منوط بالجسد لا بالنفس(11). 

هذه الفلسفة التي وجدها أفلوطين ضمن سياق كتاب يناقش الخير والشر وإرادة الإنسان قد 
أعجبته واحتفظ بها ثم عرضها في محاضراته بروما فيما بعد. 

انتقل أفلوطين إلى أنطاكية » معقل الفكر الأرسطوي» وموطن تغسير الكتب المقدسة. وفيها علّم 
أفلوطين وحدة اللغة والفكر من ناحية الجوهر. ودرس كتاب المقولات العشر لأرسطو. ثم سثم 
الحياة في أنطاكية فصمم الرحيل. 


أفلوطين في روما (254 270) 


وصل أفلوطين إلى روما في خريف سنة 253» وكان عمره 49 سنة. وتصدر للتدريس» فبهرت 
دروسه أبناء الطبقة الثرية المثقفة. كانت تغلب على دروسه نكهة الشرق وسحر عبارات 
برديصان» فازدحمت مدارج مجلسه التعليمي من علية نساء القوم ورجالهم. 

سمع الإمبراطور جالينوس بدروس أفلوطين» فنال حظوة عند الإسبراطور الذي كان شاعراً 
وفيلسوفا وخطيبا. وطبقا لا رواه عنه تلميذه فرفوريوس الصوري الذي لازمه طيلة وجوده في روماء 
قال: كان أفلوطين يتشبه بشخصية فيثاغورس في الزهد والتقشف وبأسلوب أفلاطون في محاوراته 
الجذابة التي تمتزج فيها الفلسفة بالأساطير الشرقية واليونانية وبالشعر الشرقي ذي الرموز والصور 
الموحية. 

كان في دروسه يعرض الفكرة ثم يسمح للحاضرين بالتعليق والمشاركة؛ شم تدوّن خلاصة لما 
جرى في الدرس. وظل هكذا محل إعجاب روما حتى وفاته سنة (270م). لم يكن فرفوريوس 
حاضرا ساعة الوفاة ولكنه حضر بعد حين وكانت لديه خلاصة كل الدروس التى ألقاها معلمه. 
وعددها (54) مقالا. أملاها بين الأعوام التالية : 


46 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


من سنة 254 263 وكان عدد ما ألقاه خلالها 21 مقالاً لم يحضرها كلها فرفوريوس. 

من سئة 263 268 وكان عدد ماألقاه خلالها 25 مقالا حضرها كلها فرفوريوس. 

من سئة 268 270 وكان عدد ماألقاه خلالها 8 مقالات حضرها كلها فرفوريوس. 

وفي روما ناهضت الكنيسة الرومائية تعاليم أفلوطين فقد رد عليه البابا القديس يونيسيوس 
(259 - 268) برسالة في الثالوث والجسدء دافع فيها عن الثالوث الإلهي المقدس داحضا مزاعم 
الوثنية في التثليث, 


تحليل كتاب التاسوعات 0ه6دمظ1 


كتاب التاسوعات أو التساعيات هو الأثر الوحيد الذي خلفه أفلوطين وهو مجموعة المقالات 
الأربعة والخمسين التي درسها في روما. 

يغلب على هذه المقالات صعوبة الأسلوب ومجانبة قواعد النحو اليونانى» وكثرة التكرار فيها. 
ولم تسمح الظروف لأفلوطين مراجعتها لضعف نظره. 

قام فرفوريوس الصوري  332(‏ 305) بجمع تلك المقالات وترتيبها بضم كل تسع منهافي 
كتاب ثم جمع تلك التساعيات في كتاب جامع شامل أطلق عليه اسم 0688ه8. وكان لهذا الكتاب 
تأثير في الفكر البشري كله. وسأعطي لمحة موجزة عنه(12). 

التاسوعة الأوكل: 


يتعلق موضوعها بالإنسان والأخلاق. تبحث في مدى اتصال النفس بالواحد» وأن مشاهدتها له 
كانت ثمرة جهاد طويل وشاق» لاهبة فائقة من الطبيعة. وأن مشاهدة الواحد ثمرة تأمل عقلى لا 
هدف له سوى الابتعاد عن البدن والاتصال بالإلهى. وقد يحصل هذا الاتحاد في حالة عابرة أثناء 
الوجد الذي يخبو ويتبدد كالضباب أمام شمس الهاجرة. ثم تعود النفس إلى البدن وتنهض للقيام 
بأعبائها الأرضية. 

فال أفلوطين وهو على فراش الموت: «أحاول العودة بالإلهي الذي في إلى الإلهي الذي في 
الكون؛. 

الناسوعة الثائنية: 

وموضوعها يتعلق بالعالم المحسوس. 

إن المادة صورة للنفس الكلية؛ أو نسخة عنهاء فاضت عنهاء فيض النفس عن العقل الفعال» 
والعقل عن الواحد. إلا أن المادة ابتعدت عن البساطة والكمال فهي الصيرورة الخالصة والكثرة 


الخالصة, 
والمادة هى التى تشثئت الصورء وتعدد الوحدة» ويقف الفيض عند حدود المادة لخلوها من 
الكمال. 


والنفس هي مصدر وحدة الجسد لأنها تجمع كل أطرافه في وحدة لا تتفرق. 


4 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


التاسوعة الثالثة : 


شرح فيها تكوين العام والعناية الإلهية. 

أكد فيها أفلوطين أن الكل متصل اتصالاً قوياً من الواحد إلى المادة» والموجصودات أشبه بحياة 
واحدة؛ تمتد على خط مستقيم ) » كل نقطة من الخط مختلفة عن سابقتها ودونها حياة» ولكن 
الخط متصل ومجرى الحياة يتدفق من الواحد. والحياة واحدة تفيض عن الواحد وتنتهي في العالم 
المحسوس. 

التاسوعة الرابعة: 

النفس الكلية مبدأ العالم المباشر. 

هذه التاسوعة أهم فصول الكتاب؛» وفيها نجد ملخص الكتاب كله» لذا سوف أفصل في 
تحليلهاء ا ودر كل مقال: 


ولكنها تختلف عنه باتقسامها إذا حلي 5 اللجطاي 

المقال الثاني: في هذا المقال يعيد تفصيل ما ذكره في المقال السابق» ويركز المقال حول فكرة 
الماهية المنقسمة للنفس والماهية اللامتقسمة, 

- وفيه برهن أفلوطين على أن الانفصال فكرة عارضة في النفس بدليل أن مقدارها واحد في كل 
جزء من أجزاء الجسم. 

- وفيه برهان على استحالة كون الانقسام صفة أساسية للنفس وثئقد لفكرة وجود أجزاء للنفس 
من بينها جزء مدبر وهي مقولة الرواقية. 

- وفيه أكد أفلوطين: أن انقسام النفس ليس معناه أنها واحدة كل الوحدة. 

المقال الثالثك: تحدث فيه عن العلاقة بين النفس الكلية والنفس الجزئية. 

- وفيه أجاب على السؤال التالي: هل تعد النفوس الجزئية أجزاء من النفس الكلية؟ 

- وفيه بحث في مدى انطباق فكرة الجزئية على علاقة النفس الفردية بالكلية. وتناول علاقة 
النفس الكلية والجزئية بعلاقة قوى النفس المختلفة في الكائن الحي الواحد. وأن الفرق بين النفس 
الكلية والنفس الجزئية هو فرق في المرتبة. ونقد فكرة الانقسام مرة أخرى. 

وفيه بحث عن علاقة النفس الكلية بجسمها 3 الضرورة الكونية التي اقتنضت هبوطالنفس 
الكلية إلى النقس الغردية» والمراحل الوسطى للئفس أثناء هبوطها. 

- وفيه بين أن النفس الكلية هي مبعث الوحدة والجمال في العالم. والمبدأ الغالب عليه وهي 
حلقة الاتصال بين عالمنا هذا وبين العالم المعقول. وأنه لا حاجة إلى اللغة مادامت النفس تدرك 
إدراكاً مباشراً. 

- وحول النفس الفردية» تناول علاقتها بالجسم2» ونفى أن تكون هذه العلاقة مكائية بأية 
صورة من الصور. وبحث في النفس بعد مفارقتها للجسد. 


48 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


وحول النفس الفردية والذاكرة واللذة والألم والرغبة. بين مدى ارتباط الذاكرة بالزمن 
واستحالة تمثلها في الموجودات اللازمانية» وحصر الذاكرة بالنفس وحدها إلا المركب من الجسم 
والنفس. لذا كانت متعلقة يكل حياة زمانية تحياها النفس في الأرض أو في السماء. 

ثم فصل بين الذاكرة وقوى النفس الأخرى كالرغبة والإحساس والخيال» ليثبت أن الذاكرة 
قوة مستقلة قائمة بذاتها. 

المقال الرابع : بين فيه أن الذاكرة لا وجود لها في العالم المعقول.وأن وجودها مرتبط يعالمنا 
المتغير ضمن الزمان. وأن النفس لا تبدأ التذكر إلا حين ترك العالم المعقول. 

- وفيه بين أن نفوس الكواكب لا تتذكر لأنها تشاهد الخير دائما. وأن الحكمة الكونية والميداً 
المنظم للعالم ليسا في حاجة إلى تذكر واستدلال. وأن الفرق بين الحكمة الكونية والحكمة الطبيعية» 
أن الحكمة الطبيعية هى الوجه الأدنى للنفس الكونية. 

ثم عاد أفلوطين وأكد أن التذكر من شأن النفوس الفردية وحدها لتغير أحوالها وتحكم مبادئ 
عديدة فيها. ثم تكلم عن القوة الغاذية والنفس الأرضية التى هى القوة الغاذية والمنمية للنبات. 

ثم تحدث عن حاجة النفوس الفردية إلى الإحساس وعدم حاجة الكون إليه لأنه هو الكل» 
والإحساس عند الكواكب هو ئوع من التعاطف. 

- ثم تحدث عن موضوع الحياة في البدن) ولم تظل فترة وجيزة بعد مغادرة النفس له. 

ثم تحدث عن التعاطف عند الكواكب» وعن ذاكرة النجوم وفاعليتهاء ونفى عن النجوم فعل 
الشر الذي عزاه إلى أن الكون كائن حي واحد. قد تتعارض بعض أجزائه مع البعض الآخر. 

ثم تكلم شارحا النظام الكوني» وعزا الفاعلية فيهء إلى الأشكال التي تكونها الكواكب لا 
الكواكب ذاتها. ثم تحدث عن السحر الكوني واستجابة النجوم للدعاء الآتي من الأرض. وفسر 
تلك الظاهرة بالتعاطف بين أجزاء الكون. 

- ثم قال أفلوطين «إن السحر لا يؤثر في العقل». وهذه فكرة برديصان من قبل والذي كان يربط 
بين الاعتقاد بالتنجيم وبين فكرة النظام الدقيق» فدلالات النجوم يقتضيها التسلسسل العام للقوى 
الكونية. وليست النجوم إلا وسائط طبيعية تنقل بها القوى العليا إلى العالم(13). 

المقال الخامس : تناول فيه ظاهرة الإيصار والوسط الضوئى. 

- وفبه ناقش النظرية القائلة بضرورة الوسط الضوئي وقام بتفنيدهاء وألم على ضرورة الهواء في 
الإبصار» وعن طبيعة الضوء وأثره في الإبصار. 

ثم فسر الإبصار على أساس التعاطف. 

وقال: إن الظلمة عقبة في سبيل الإبصار ولا بد أن يتغلب عليها الضوء. ولا شك أن المرء لا 
يرى الشيء وهو قريب من العين أكثر مما ينبغي لأن الشيء عندئذ يجلب معه ظل الهسواء وظله 
هو. 

- وقال: إنئا نرى الئار والنجوم بصورها في الليل وظلمتهء ولن يقال هنا أنها قد صدرت عنها 
صور وردت على العين ولمستها من خلال الظلمة, 


49 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


- ثم علل سبب الرؤية هو تعاطف الكل الحي مع ذاته وتعاطف أجزائه كل منها مع الباقين 
هذا التعاطف يضيع عندثئذ لأن شرطه هو الوحدة. 

- ثم يطرم السؤال التالي: ما علاقة الضوء الملامس للعين بالضوء الذي فيهاء وبالضوء الذي 
يمتد من العين إلى الشيء المحسوس؟ 

المقالك السادس: في الإحساس بالذاكرة. 

تناول فيه نقد المذهب الرواقي المادي فيما يتعلق بموضوع الإحساس والذاكرة. وأتى بتفسير 
للإدراك عن بعدء وهي الظاهرة التي يعجز عن تفسيرها المذهب المادي. 

ء ليس لليدن شأن فينا تفذكره النفس» وهو يرفهن اعتبار الفذكن انظباعاً لعلامات على الجسم 
أو يشبهه بضرية الخاتم على الشمع والصواب أن الأثر الذي يحدث في النفس هو أنه نوع من 
التعقل وليس انطباعا ماديا بل إن البدن قد يعيق التذكر كما يحدث للثمل. 

والذاكرة لا ترجع إلى الإحساس وإن أكد أفلوطين أهمية الانتباه بوصفه عاملاً هاماً يعين على 
التذكر. كالمرء الذي يسير إلى جهة معلومة وينسى ما مر به خلال الطريق لانتباهه إلى الهدف 
الذي يقصده(14). 

والمعقولات لا صورة لها إلا من ناحية ألفاظها فحسب على عكس المحسوسات التي يكون 
تذكرها بالمخيلة. 

المقال السابع : وموضوعه إثبات خلود النفس. 

فيه نقد للمفهوم المادي للنفس عند الرواقية» لأن النفس جوهر لا مادي» وبالتالي غير قابل 
للفناء. 

كما نقد تصور فيثاغورس للنفس على أنها انسجام للبدن. 

- ونقد تصور أرسطو للنفس على أنها كمال للبدن. ‏ _ 

ثم عرض طبيعة النفس» وبرهن على خلودها معتمدا على تصور أفلاطون للنفس 

وهو أن الحياة والوجود صفة كامنة في النقس, بويا قصلت بداقاً بالحياة يكون خالدا بالغبرى و 

إذ أن ما يملك «الوجود من ذاتهء ومنذ بداية الأمرء إئما يكون بوخوداً دائماً(15). 

قال الدكتور فوّاد زكريا «كانت براهينه 'مستمدة من المعتقدات الديئية الشائعة في عصره. وكان 
يأتي بشواهد خرافية ويعتبرها دليلا والفؤينا > دون محاولة للنقد والتنوير»(16). 

المقال الثامن: في هبوط النفس إلى الجسم. 

استعرض فيه أقوال الفلاسفة في هبوط النفس» ثم أثبت ارتباطها بالضرورة الكونية وهو يشرم 
درجات هبوطها ويبرر هذا الهبوط بطبيعة النفس المتوسطة بين العالم الأعلى والعنالم المحسوس. 
وهو ضروري لبعث الجمال والنظام فيهء شرط ألا تنصرف تماما إليه, 

قال أفلوطين «النفس البشرية تلقى في بدنها الشر والألم. إنها تعيش في الحزن والشهوة 
والخوف» والبدن لها سجن وقبر والعالم كهف ومغارة). 


50 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


وقد عثر في اللغة السريانية على (نشيد النفس) منسوباً إلى أفلوطين منظوماً بشعر سداسي 
الوزن على 105 أدوار. أنكر فيه الألم والموت ليسوع المسيح ودعا لإله بعيد عن متناول الأبصار» 
إليه غير متظور ولا محسوسء إله لك بيب خلاضا من الخطيفة, 

المقال التاسع : هل النفوس كلها تكون نفساً واحدة؟ 

- فيه يعود أفلوطين للبحث عن علاقة النفوس الجزئية بالنفس الكلية. ويفند الاعتراضات التي 
لوق إلى فكرة وحدة الئتفوس» معللاً مسألة ظهور النفوس الفردية عن النفس الأوى. وكان تعليله 
عن طريق صدور الكثرة عن الوحدة مع بقائها في ذاتها. 

كيف فسر أفلوطين الكثرة بين الموجودات؟ 

- وكيف وفق بيئها وبين مصدرها وتعاليه عليها؟ 

لقد أوجد الحل في فكرة الصدور أو الفيض عن الواحد. 

قال: «وإذا لم يكن هئاك سوى نفس واحدة» فكيف يكون ثمة نفس عاقلة؛ ونفس بلا عقل» 
ونفس غاذية؟ ذلك أن الماهية اللامنقسمة للنفس التي لا تقسم بين الأجسام» لا بد أن تكون لها 
مرتبة المبدأ العاقل» أما الماهية التي تقسم بين الأجسام: والتي هي واحدة» فإنها تحدث في كل 
مكان بانقسامها ملكة الإحساس» وهي ملكة أوى ينبغي أن نسلم بها. والملكة الثائية هي قدرتها 
على تصوير الأجسام وإنمائها. ومع ذلك فاشتمالها على أكثر من قوة واحدة لا يعني أنها ليست 
واحدة, ٠‏ في البذرة أكثر من قوة ولكنها واحدة» ومن هذه الوحدة تأتي كثرة هي بدورها واحدة 
(المقال 9: 3), 

وعن السؤال: كيف يوجد جوهر واحد في جواهر عديدة؟ أجاب أفلوطين بما يلي : 

قال: : ١ف‏ العلم العقلي يكون كل شيء بالفعل في نفس الآن» فكل شيء حاضر في كل من 
الأجزاء. والجزء يستمد قوته من جواره للكل. وليس لنا أن نعتقد أن نظرية قي العم تتعزل عن 
النظريات الباقية» فلو كانت منعزلة لما عادت من العلم والفن في شيء ولا تعدت قيمتها ثرثرة 
الأطفال.., (المقال 9: 5), 


الناسوعة الخامسة ‏ العقل الإلهي هو مبدأ النفس الكلية. 


العقل عند أفلوطين ثابت ثباتاً مطلتاء وافكارة هي المثل الأزلية. التي يشارك فيها كل ما 
يوجد ف زمان ومكان. أليست هذه فكرة المثل عئد أفلاطون؟ لا. لأن وحدة العقل عند أفلوطين 
أدنى من وحدة النفس» ولأن العقل في وسعه الاكثفاء بذاته. أما النفس فلا بد لها من جسم تبعصث 
الحياة فيه. ومع ذلك فإن وحدة العقل بدورها ليست مطلقة؛ لأن كل عقل في إدراكه لذاته لا بد 
من انقسامه بين ذات وموضوع أي العقل القائم بالتفكير وموضوع التفكير. والعقل هو الذي تصدر 
عنه النفس ويظل كما هو. وهذا لا يعنى وجود علاقة مكائية بين النفس والعقل أي احتواء الأول 
على الثائي. 1 


51 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


قال أفلوطين : «العقل معلول للواحد في وجوده وفي كونه عقلاً وهو دون الواحد كمالاء لذن 
المعلول دون العلة. والعقل دون الواحد بساطة لأنه يعقل الواحد»ء فيعقل ذاته. فهناك عاقل 
ومعقول وبالتابي تعددة. 

وقال أيضاً : «الموجود ذو الفكر يجب أن يكون واحداً واثنين يا ويجب أن يكون في وقت 
واحد شيط وغير بسيط؛ . 

وقال أيضاً: «ما عسى النفس تجوب في كل ما هو كلى البساطة؟ إنه يكيفها تماس عقلي» 
ولكنها أثناء هذا التماس ليس لها القدرة على التعبير وليس لديها الوقت». 

التاسوعة السادسة: الخير أو الواحد مبدأ كل شيء. 


الواحد هو وحدة مطلقة» فهو ماهية تعلو على العقل» ونظل دائماً في هوية مع ذاتها. كان 
أفلوطين يطلق على الواحدء الخير» ونادراً ما يطلق عليه اسم الله. وهو ينفي أن تنسب إليه أية 
صفة إيجابية سوى صفة واحدة هي تأكيد كماله المطلق بالقياس إلى كل ما عداه» ثم وصفه بعد 
ذلك بالصفات السلبية. 

قال أفلوطين: الواحد قبل الكثير» والبسيط قبل المركب. فأصل الوجود الواحدء الواحد 
البسيط؛ والواحد الكامل علة» لأن كل كامل سبب لوجود يفيض عنه» كصدور النور عن الشمس» 
قيضا ل ينقضص. ولا ينضب... 

ثم قال: الواحد هو كل شيءء وليس أحد الأشياء. علة كل شيء؛ وليس كلها على أنه كل؛ 
لأنها كلها تصدر عنه وتعود إليه. 

وقال أيضاً: حين تزهد النفس في كل ما ههناء وتصبح أجمل ما يمكن بالواحد» ترى الواحد 
فجأة يتراءى فيهاء لأن لا شيء يفصلهماء وليسا بعد اثنين بل هما اثنان في واحد. وما دام الواحد 
فيها فكيف نميزهما؟ 

والجواب : إننا نجد مثالاً على هذه الأرض لهذه الظاهرة في العاشق والمعشوق فإنهما يشبهان 


الاتحاد معا. 
إن أفضل تعبير أو جواب عن تساؤل أفلوطين» ما قاله الحلاج : 
أنا من أهوى ومن أهوى أنا نحن روحان حللئا بدئا 
فإذا أبصرته أبصرتئي وإذا أبصرتني أبصرتنا 


أفلوطين 4# التراثين السرياني والعربي: 


عرف السريان والعرب كتاب أفلوطين التاسوعات كانت و ونه وكانت نصوصسه متوفسرة في 
الإسكولاات السريائية» وقد نسبوا فلسفته السريائية إلى تلميذه فرفوريوس الصوري وأنخيافاً 5 
بيئه وبين أفلاطون. 


52 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 


أما عند العرب فإنه يكاد يكون مجهولاً. ذكره محمد بن إسحق النديم (المتوفى 411 ه 1021) 
في كتابه الفهرست في جملة فلاسفة من اليونان وقال «لا نعرف أوقاتهم ولا مراتبهم منهم 
فلوطينس»(17). أما جمال الدين القغطي (المتوفى 1262) فأورد عنه معلومات مغلوطة في كتابه 
تاريخ الحكماء. قال: «كان هذا الرجل كينا علييا ببلاد يونان له ذكر. وشرح شيئا من كتب 
أرسطوطاليس» وذكره المترجمون ف هذا الوضوع في جملة الشارحين لكتبه. . وخرج من تصائيفة من 
الرومي إلى السرياني. ولا أعلم شيئاً منها خرج إلى العربي واللّه أعلم)(18). 

لقد ترجم أفلوطين إلى العربية وكانت نصوص كتابه التاسوعات متوفرة في حلقات الباطنية وفي 
دكاكين الوراقين» بدليل أنه عندما اكتشف كتابات التاسوعات بالنص اليوناني عام 1580 وجدوه 
مطابقاً للنصوص السريانية والعربية. 

ذكرته رسائل إخوان الصفا باسم الحكيم اليوناني(19)؛ وأورده الشهرستاني في كتابه الملل 
والنحل باسم الشيخ اليوناني ونسب إليه حكما كثيرة(20). 

وأستطيع الجزم أن معظم متصوفة الإسلام قد تأثروا بأفلوطين وبكتابة التاسوعات من رابعة 
العدوية وإلى الحلاج والبسطامي والسهروردي وابن عربي وابن سبعين والمكزون السنجاري وغفيرهم 
كثير. وكان هو رائد الحلول روى عنه تلميذه فرفوريوس الصوري أنه قد وصل إلى الاتحاد بالله 
أربع مرات. بيئما يذكر هو عن نفسه أنه لم يصل إلى تلك الوحدة إلا مرة واحدة طول حياته(21). 
وكانت العلاقة بين الله والفرد علاقة تشابه وتعاطف مما يسهل على النفس أن تتعرف على الله 
وأن تتخلى عن طبيعتها الفردية وتسعى إلى المشاركة مع الله في الشامل لأن العالم في نظر أفلوطين 
كائن حي كبير بين أجزائه اتصال متبادل وشعور مشترك هو التعاطف . لأنه من المحال معرفة شيء 
لا يكون متصلاً بنا أو متعاطفاً معنا بل لا سبيل إلى معرفة ما هو خاريج عنا من كل الوجوه(22). 

كتاب الربوبية أو الأثولوجيا: 


ترجم هذا الكتاب إلى العربية من السريائية عبد المسيح بن عبد الله بن نأعمة الحمصي ثم 
صحح هذه الترجمة وراجعها الكندي. وشاع الكتاب على أنه من مؤلفات أرسطو. ولكن ابن رشد 
الشارح الأعظم لأرسطو لاحظ أن هذا الكتاب لا يتفق وفلسفة أرسطو العقلية. 

إن الكتاب يتفق وفلسفة أفلوطين. فعلى أثر الحملة التي شنها عليه البابا القديسس بوئيسيوس 
(259 - 268) جمع تلميذ أفلوطين المدعو أميليوس» وكان مسيحياً وغيوراً على تعاليم أستاذه 
أفلوطين جمع التعاليم وكيفها لكي تتفق مع الثالوث الإلهي المقدس. وجعل ثالوث معلمه كالآتي 
(الله أو الواحد ثم الكلمة 1.0805 ثم النفس الكلية). وهذا هو رأي المستشرق الألماني ديتريصي الذي 
نشر الكتاب في برلين 1882 0 أن الكتاب فيه تطابق حرفي مع كتاب التاسوعات لأفلوطين. 
وقارن بين : 


المبمر الأول (في الربوبية) 
- في النفس يطابق الفصول (13 و14و 15) من المقال السابع في التاسوعة الرابعة (في خلود النفس). 


53 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 


- وهناك كلام له يشبه رمزاً في النفس الكلية يطابق ما جاء في المقال الثامن من التاسوعة الرابعة 
وعنوانه (في هبوط النفس في الجسم). 

الميمر الثاني : 

بدايته تطابق بداية المقال الرابع من التاسوعة الرابعة وعنوائه (الأشكال المتعلقة بالنفس). ثم 
يأخذ من بقية المقالات من كتاب التاسوعات. 


الميمر الثالث: 

موضوعه يتطابق والمقال الثامن ف النص اليوناني وف النص العربى. 

الميمر السادس: 

موضوعه مأخوذ من المقال الرابع في التاسوعة الرابعة وأحياناً يتطابق مع النص اليوناني وتارة 
مع النص العربي. 


اميمر الثامن : 

يتطابق والنصف الأخير من المقال الرابع في التاسوعة الرابعة. 

الميمر التاسع : 

يتطابق كثيرا مع نهاية الفصل الرابع من المقال السابع في التاسوعة الرابعة. 

يقول الدكتور فؤاد زكريا «ينبغي أن يلاحظ بأن هذا التطابق لا يعني أن النص العربى ترجمة 
وثيقة للنص اليوناني بل كانت الجمل العربية بطبيعتها أكثر إسهابا وأميل إلى الشرح والإطناب 
فلا يمكن أن يعتمد عليها بوصفها ترجمة علمية دقيقة(23). 

وهذا في اعتقادي عائد لأسلوب الكندي الذي يميل إلى التبسيط في الشرح لا إلى ترجمة ابن 
ناعمة الحمصي المترجم الأمين. 

كان أفلوطين حجر الزاوية في الفكر الحراني وفي رسائل إخوان الصفا. بل يمكنني الجزم أن 
فلسفتهما كانت قراءة وكتابة هوامش لفكر أفلوطين. 1 

نظرة إجمالية 4 فلسفة أفلوطين: 

التثليث المقدس عند أفلوطين: 

استطاع أفلوطين تنظيم العلاقة بين الواحد والكون» في نظام محكم الأجزاء. تقوم على تصاعد 
عقلي مرتب» باشتقاق الطبيعة من الواحدء بوساطة النفس الكلية» ثم بإفناء الهيوكى أو العالم إفناء 
تاما في الواحد. 

قال أفلوطين: إن الفاعل الأول» أبدع الأشياء كلها بغاية الحكمة. لا يقدر أحد أن ينال علل 
كونها. لِمْ كانت الأشياء على الحال التي هي عليها الآن؟ ولا أن يعرف كنهها. ولِمَ صارت 


54 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


الأرض في الوسطء أو لِمَ كانت مستديرة» ولم تكن مستطيلة ولا منحرفة؟ وقال أفلوطين: إن الباري 
صيرها كذلك» بغاية حكمته الواسعة لكل حكمة(24). 

إن الواحد عند أفلوطين يتضمن (الواحد والعقل والنفس الكلية) وهم مختلفون في المرتبة 
والوجود والزمان. قال جيل سيمون في كتابه الشهير (تاريخ مدرسة الإسكندرية) إن أفلوطين لا 
يقول بأن الأقانيم الثلاثة هي هي اللّهء وإنما يجعل هذه الأقانيم منفصلة عن المبدع الأول الواحد. 
وإن الصفات التي تضاف إلى الأقانيم المركبة في التثليث المسيحي» : تختلف اختلافا بينا عن 
الأقاليم عند أفلوطين والتشابه في الألفاظ فقط(25)» لأن الواحد مفارق للمادة ولا يمكن أن تصدر 
عنه وإنما تصدر عن النفس الكلية. 

فكرة الواحد والخير: 

فكرة الواحد فيها غموض عند أفلوطين. فهو يسمي الواحد تارة (بالله) وأحياناً (بالخير). وهو 
عنده المبدأ الأول للوجود» وهو فوق كل تعيين أو تحديدء وفوق كل وصف أو تعريف ويكتفي 
بالقول عنه بأنه (لا متناه واحد خير). 

ولا يمكن تعريف اللّه إلا بالحقيقة السالبة أو المجردة, لأنه لا يمكن أن تكون له صورة:؛ لأن 
الصورة محدودة بمقدار واللّه لا يقبل التحديد» كما أنه لا يقبل الكثرة» ولا يقال عنه إئه جميل 
لأئه هو الجمال. 

ذكر الشهرستاني قولاً للشيخ اليوناني (يعني أفلوطين): ليس للمبدع الأول تعالى؛ صورة ولا 
حلية مثل صور الإنسان والأشياء العالية» ولا مثل صور الأشياء السافلة» ولا له قوة مثل قواها. 
لكنه فوق كل صورة وحلية وقوة لأنه مبدعها بتوسط العقل)(25). 

ولا يتصف الباري سبحانه بالإرادة أو بالحياة» وإلا كان محتاجاً» ذا رغبات وهذا يتنافى مع 
الوحدة والبساطة. 

ولا.يوصف الله بالعلم» لذن في العلم انقسام بين العقل والمعقول» وهذه القسمة لا تنطبق إلا على 
ا مركب» وتتنافى مع البساطة. 

ويجب أن لا يوصف الله بالوجود؛ لأن الوجود خاضع للتأثر بفعل وانفعال وهذا يدعو للتغيير. 

ويخطئ من يتحدث عن الله بأنه الكل لأن الله يعلو عن الكلء والله حاضر في كل شىى» 
بغير حركة» والله بغير مكان إلا أنه لا يخلو مئه مكان» وأصدق تحديد لله أن تلتزم الصمت(26). 

العقل الفعال: 

من العسير تحديد معنى كلمة العقل (الناوس 8]121015) الي تعني عقلي. أو روح والتي صدرت 
من تعقل اللّه لذائه» أو علمه بذاتهء وصدر عنه موجود هو العقل الأول. 

كيف صدر العقل عن الواحد؟ 


الواحد عند أفلوطين قوة تفيض على ما دونها من المراتب» فتنتج الوجود دون أن يتبدل 
جوهرها. كالعلم الذي ينتقل إلى الآخرين؛ فلا ينقص. وهذا هو الفيض الروحيء أو كفيض النور 


55 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


عن قرص الشمس دون أن تتغير الشمس. أو كما يصدر الماء عن الينبوع» أو كصدور أنصاف أقطار 
الدائرة عن المركز. 

لجأ أفلوطين إلى هذه التشبيهات الرمزية» مقلداً أفلاطون في محاوراته «أن الخير هو الواهب 
للعقل والوجود معأن. وحيئما تصدر الموجودات عن الواحدء فإنه لا يأخذ من ذاته ليعطيهساء » فهو 
لد يخرج عن ذاته على الإطلاق» ومع تلك تفيض الموجودات عنه في عملية»؛ اتبيد نض منظما 
ومن البداية إلى النهاية» دون أن ينقص منه شيء. د وحير وين لنا أسلوبه الشهرستاني في كتابه 
الملل والنحل قال: «من حكم الشيخ اليوناني». والنفس جوهر كريم شريف» يشبه دائرة قد دارت 
على مركزهاء غير أنها دائرة لا بعد لهاء ومركزها هو العقل. وكذلك العقل هو دائرة قد استدارت 
على مركزهاء وهو الخير الأول المحض(27). 

قال أفلوطين في التاسوعة (3: 17): «إن ما يضىء النفس هو الذي تريد رؤيته النفس» كما أننا 
نرى الشمس بضوء الشمس نفسه: فمن ذا الذي يضيء النفس؟ إنه العقل الإلهى. 

ما الوجود الصحيح عند أفلوطين؟ ْ 

قال الفيثاغوريون: إن الواحد هو المعقول وهو الموجود. 

وقال أفلاطون: إن الوجود هو المعقول (الفكر) ولا وجود إلا للعقل» وهو مستوى الحقيقة الأول 
الذي نشأ عنه الواحدء أو هو العقل الإلهي. 

وقال أرسطو: إن العقل هو عقل وعاقل ومعقول عا والمعقول لذاته هو جوهره ومعناه الوجود 
القائم بالذات فكان الوجود والفكر شيئا واحدا. 

وقال أفلوطين: الوجود الصحيح هو مستوى الحقيقة الأول؛ الذي نشأ عن الواحد (العقل 
الإلمي) وهو مجموع المثل أو الصور العقلية التي هي مادم تجيء على غرارها الأشياء المحسوسة 
في هذا العالم والتي هي أشباه حتائق متئاهية العدد, ولو أنها غير متناهية في القدرة علسى الإنتساج 
في كل مرحلة من مراحل الكون والتي يمكئنا أن نميز فيها بين عنصرين: 

ع أحدهما : أن ندرك الناتج الذي ينتج عن المنتج على أنه وجد بالقوة غير متشكل. 

وفي الآخر: يرتد الناتج إلى مصدره بالتأويل» وبذلك يتشكل ويتحقق بوساطة؛ ويكتسب بدوره 
القدرة على الإنتاج 

والغرق بين 5 والعقل الإلهي ليس كبيراء فالابن يشبه الأب» والعقل في الابن والنفس 
والكل بمعنى واحد. وإن الأدنى يقوم بالأعلى. فالجسم يشتاق ويتعلق بالنفس والنفس تشتاق 
وتتعلق بالعقل والعقل يشتاق ويتعلق بالأول أو الواحد. 

قال العميد إنج: «إن الأفلوطنية المحدثة جزء من البناء الحيوي للاهوت المسيحي وإنه 
يستحيل استحالة مطلقة أن تنفصل الأفلوطنية عن المسيحية دون أن تمزق المسيحية)(28). 

هذا هو العقل عند أفلوطين يتعقله المرء بطريقة وجدانية» أي يشاهد ويعاين ويكشف ويتذوق» 
والمعرفة تتم عن طريق الوجد الصوفي. بل يمكن القول أن مجمل فلسفة أفلوطين إرشاد الإنسان إلى 


56 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


الطريق الذي به يصل إلى إفناء الذات في الوحدة الإلهية: إلى إيجاد النجربة الروحية التي 
يستطيع بها الإنسان أن يتحد بالواحد» والمزاج المكوّن لهذه التجربة؛ هي في الأصيل الود 
الصوني(29). 7 

إذا كان العالم صادرا عن العقل» فكيف دخله الشر؟ 


يعلل أفلوطين ذلك بأن في العالم المحسوس نقصاً لا محيص عنهء بحكم كونه صورة لا أصلاء 
والشر فيه ناجم عن الخطيئة الناجمة عن الإرادة الحرة. وللتعبير عن رأيه هذاء لجأ إلى تشبيهاته 
المعتادة. قال: إن العائم المحسوس كالأاشعة بالنسبة إكٍ الشمسء أو كالمراة بالنسبة إلى المعقول» أو 
الصورة» ولا يمكن أن تختلف عن الأصلء» اختلافاً كلياً وإلا قلنا عن الأصل شرء ونحن نقول بأن 
الأصل الواحد الأول الأكبل هو الخيرء وهذا ما نراه من انسجام القوانين الكلية في الكون. 

3 النفس الكلية: 

هي أدنى مراتب الثالوث. وقد أحخذ أفلوطين برأي أفلاطون في النفس في محاورة فيدون «النفس 
إلا هي بالمادة ولا هي بالصورة لجسد مادي كما قال أرسطو د وإئما هي جوهر أبدي» قائمة 
بذاتهاء قبل حلولها في البدن وستكون كذلك بعد مفارقتها للبدن ومن صفاتها من ناحية الفكر 
(العقل والحياة والحركة» ومن ناحية الوجود الثبات واللازمان. هذا تصور أفلوطين للنفس الجزثية 
أو الإنسانية التى صدرت عن النفس الكلية» التى توجد خارجة عن الزمان» وهى لا تقبل التغير 
لأنها قائمة بذاتها ولا تحتاج إلى شيء خارج ذاتهاء فهي لا تحتاج إلى فكر» وإن إدراكها 
وجدانى مطلق وهى ليست بحاجة إلى التذكر والخيال» وإن كل شيء بالنسبة إليها حاضر كما هو 
الحال بالنسبة إلى كل شيء إلهي معقول. ْ 

زتكل تس إسافية بجانبان:. 

1 جانب باطني يمس العقل الإلهي. وهي رو<ية خالصة. 

قال أفلوطين طيق ولس صحيها +[ كل نفس تغوصء بأكملها في المحسوس»؛ حتى نفسنا 
ذاتهاء فيها شيء يظل في المعقول. كثيراً ما أتيقظ لذاتي) تاركاً جسمي عاقيا . وإذ أغيب عن كل 
ما عداي») أرى قُْ أعماق ذاتي ال - أقصى حدود البهاء. واتحد بالموجود الإلهي. ولكني مع 
مقامي هذا مع الموجود الإلمي » وحين أعود من معايئة العقل إلى الفكر الواعي» أتساءل: كيف 
أمكن إن ترد النفس إلى الأجسام ما دامت طبيعتها كما بدت لي» وإن كانت في الجسم (التاسوعة 
الرابعة 8: 1). 

2 وجائب أقرب ما يكون إلى الجسد المحسوس» وهي متعددة وشهوائية من طبيعة البدن. 
قال أفلوطين في التاسوعة الثالثة (2: 13): «إن النفس في أحط كائن بشري لا يعتورها الفناء؛ 
وهي إلهية تدخل الجسد دون مبرر عقلي ) بل هي شيء أقرب إلى الشهوة؛ وإذا غادرت النفس 
الجسد كان لزاماً عليها أن تدخل جسدا آخرء فإن كانت نفسك آثمة» فمن العدالة أن تعاقب» 
فإذا قتلت أمك قْ الحياة الدنيا» أصبحث ف الحياة التالية امرأة ليقتلك ابنك), 


57 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


إذا كانت النفس الإنسانية هبطت من النفس الكلية» فلماذا لا تتذكر عالمها الأعلى؟ أجاب أفلوطين 
في التاسوعة الثانية (9: 16): إذا لم يستجب الإنسان لما يراه في دئيا الحس إلى تذكر ما كان قد 
رآه في العالم الآخرء بحيث لا تأخذه الرهبة المهيبة حين يملأ هذا كله؛ هذا الشيء العظيم الذي 
نبع من مصادر العظم» كان معنى ذلك» أنه ام يبجر غورهذا العالم» ولم ير قط ذلك العالم الآخر». 

ولاذا لا نتذكر حياتنئا السابقة؟ إذا كان لزاما علينا أن تدخل نفسنا جسدا آخر بعد الموت. 

يعلل أفلوطين ذلك: بأن الذاكرة مختصة بحياتنا الواقعية؛ في حدود الزمان» على حين 
يتصف خير جوائب الحياة فينا وأصدقها بالأبدية, وعلى ذلك تقل قدرة التذكر عند النفس» شيئا 
فشيقاً: فكلما ازدادت قرباً من حياة الأبدية تنسى الأصدقاء والأبناء والزوجة, تسيانا كرجا 
حتى نبلغ مرحلة لا ندري فيها شيئاً قطاعن هذا العا وما قي وكل ما يكون لنا هو تأمل العالم 
العقلي) ولن تكون ثمة ذاكرة تعى الحالات الشخصية أثناء الرؤية التأملية» الأن النئفس تتحد مع 
العقل الإلهي اتحاداً لا يعني 14 بل هما سيكونان اثنين وواحد في آن معاً«30). 

والعقل عند أفلوطين : أرقى من النفس» لأن العقل في وسعه الاكتفاء بذاته» ومع ذلك لا بد من 
انقسامه بين ذاثتث ررض حين إدراكه لذاته» أي العقل القائم بالتفكير وموضوع التفكير. 

ما هي الأدوار التي مرّت بها الأفلوطينية الحديثة؟ 

مرت بكلاثة أدوار: : 

الدور الأول دورفورفوريوس الصوري  234(‏ 320م) 

كان أكثر طلاب أفلوطين نباهة » ودراية بفكره» دون كتاباً عن حياة معلمه وجمع مقالاته في 
كتاب سماه (التاسوعات) ثم فسره وبيّن لنا غايته ومراميه. أنكر كل قيمة للعالم الخارجي» فكل 
موجود ما خلا اللفى زائل لا قيمة له. 

وهو الذي ربط الفيثاغورية بتعاليم معلمه. قال برترائد رسل: «كان فورفورزيوس ألصق بالمذهب 
الفيثاغوري من أفلوطين» لذلك مال بالمذهب» وصبغه بصبغة ما فوق الطبيعة بدرجة أكبر مما لو 
كان تابع أفلوطين متابعة أدق31(0). 

الدور الثاني دور يامبليخوس الكالخيسي (توفي 330م) 

أصبح للدين والكهانة والتنجيم المقام الأول في زمه وتراجعت الفلسفة دونهماء مما دضع 
بامبليخوس ىك تطوير جانب السحر والتنجيم. وكتب كتاباً عرض فيه حياة فيثاغورس وطور 
تعاليم أفلوطين ودمجها بتعاليم الديانة الشعبية والأساطير التي وجدت في منطقة حران 
وهيرابوليس (منيج) وأنطاكية. 

الدور الثالث ‏ دور برقلس  410(‏ 485م) 

تعلم في الإإسكندرية» وعلم ف أثينا. اق هذاالدور امتزجت الفلسفة المشائية بالأفلوطيئية 
المحدثة» وتكونت منهما تعاليم أكثر تنظيماء وأحسن تناسبا بين الأجزاء وأدق في التعبيرء لذا 
دعي بمنظم المذهب الأفلوطيني الحديث, 


58 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


الدور الرابع - دور ثابت بن قرة الحرانى  211(‏ 288 ه) 


مزج ثابت بين فكر أفلوطين وأفلاطون وأرسطوء وأضفى على هذه الفلسفة طابعاً تلفيقياًء ترك 
أثره على الفلسفة العربية» التي لم تفرق بين الحكيسين أفلاطون وأرسطوء مع إحيائه للفكر 
الفيثاغوري القديم. وأخرج ذلك في لباس الفلسفة الإشراقية التي ازدهرت عند الحلاج والسهروردي 
وابن عربي. 


59 


.01:1 'ككاء االتدع131013/ط. 17717177 11010 1001111030 


أقلوطين الحكبم الإلهي 


1 - تاريخ الفلسفقة الغربية ج ص136» برترائد رسل. ترجمة: زكي نجيب محمود ‏ القاهرة 
7. 

2 التساعية الرابعة الأفلوطئية ص24. ترجمة: فؤاد زكرياء وزارة الثقافة ‏ القاهرة 1970. 

3 -المصدر السابق ص30. 

4 - .1056 اتاتصقه - 2.36 رقأكأتلة184م - معل2 111 مانالا .1 

5 التساعية الرابعة ص34. 

6 تاريخ الأدب السرياني ص61» د. مراد كامل ومحمد حمدي البكري ‏ مطبعة المقتطف 
9 

7 التساعية الرابعة ص274. 

8 التساعية الرابعة ص19. 

9 -المصدر السابق ص30 

0 - كتاب الشرائع والبلدان (بالانكليزية) ص39» برديصان. نشر: ه. ج دريغرز ‏ هولندا. 

.63 تاريخ الأدب السريائي ص‎ - ١1 

2 . تحليل كتاب التاسوعات عن كتاب د. عبد الرحمن بدوي الأفلاطونية الحديثة عند 
العرب وكتاب التساعية الرابعة لأفلوطين. 

3 كتاب الشرائع والبلدان ص11. 

4 التساعية الرابعة الأفلوطين 124 

5 المصدر السابق ص133. 

6«المصدر السابق ص135. 

7 الفهرست ص 384.» لابن النديم. تحقيق: رضا نجدو ‏ طهران 1971. 

8 تاريخ الحكماء ص117» للقفطي. اعادت نشره: دار المثنى. 

9 - رسائل اخوان الصفا ج4 ص173. 

0 - الملل والنحل ج2 ص205» الشهرستائي» محمد عبد العزيز الوكيل ‏ القاهرة. 


60 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


1 - التساعية الرابعة ص50. 

2 المصدر السابق ص264, 

3 المصدر السابق 161. 

4 الملل والنحل ج2 ص206. 

5 ربيع الفكر اليوناني ص164.» عبد الرحمن بدوي ‏ القاهرة 1955 

6 - الملل والنحل ج2 ص204. 

7 . الفلسفة العربية ج1 ص455 حنا الفاخوري وخليل الجر بيروت 1958. 

8 الملل والنحل ج2 ص204. 

9 ربيع الفكر اليوناني ص169. 

0 - تاريخ الفلسفة الغربية ج2 ص 2113 برترائد رسل ترجمة زكي نجيب محمود ‏ القاهرة 
7 

1 المصدر السابق 1 462. 

2 المصدر السابق بج1 454. 


61 


.01:1 تلات االتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 





مم. 01:1 نات االطدع2012ة]/. 7711177 لتم 01020ده1][00 








حياته وأهم أحداث عصره 
نظا ةعامة ثم نا وامه 
تحليل كتابه 4 أبدية العالم 


.01:1 'ككاء االتدع131013/ط. 17717177 11010 1001111030 





مم. 01:1 نات االطدع2012ة]/. 7711177 لتم 01020ده1][00 


برقلس الأنيني 
(412 485م) 


ولد برقلس في القسطنطينية في عائلة ثرية في عهد الإمبراطور توادوسيوس الصغير (408 ب 
0 في عصر تميز بكثرة اضطراباته السياسية والفكرية» كانت الدسائس تسود البلاط والضرائكب 
تثقل كاهل الشعب والصراعات الدينية ناشبة بين عبّاد الوثئية (عبادة الأم السورية) من جهة 
والديانة المسيحية من جهة ثانية. 

كان برقلس حسب انتمائه السلا والثقافي إغريقياً. وطبقاً للسيرة التى كتبها له تلميذه 
(مارثيوس الدمشقي) والتي نشرها بواسوناد في ليبنريج 1(1814) أنه كان ذا نزعة ديئية وثنية, 
وذا 0 بمراسم وطقوس العبادات القائمة على أسرار الكهانة» وكان يصوم اليوم الأخير من كل 
شهر ويشترك في الاحتفالات السرية لطقوس الأم السورية التي نشطت في تلك الأيام والتي بدأت 
تتسرب بعض تعاليمها إلى الجماهير المسيحية البسيطة مما دعا بطريرك القسطنطيئنية نسطوريوس 
(380 - [كهم) إلى التنبه لخطر تلك الأفكار فألقى في عام 8 خطبة بليغة بدأها بقوله: «كيف 
يكون لله أم؟ فإن صم ذ ذلك كان مبعثاً للوثنيين بإتيانهم آلهتهم إلى هياكلهم وذكرهم في أقاصيصهم. 
كلا إن مريم لم تلد إلهاً. فلا يلد الجسد إلا جسداء وما يلده روح فهو روح لا تستطيع الخليقة أن 
تلد الخالق بل ولدت إنسانا هو آلة لله(0)2. رفض نسطوريوس مصطلح (أم الله ودعا إلى أن مريم 
امرأة بتول اختارها الله لكي تلد المسيح. وصار يعلم الناس أن المسيم 0 الها نبل بعديرا بحل الله 
به كحلوله في غيره من القديسين(3). 

خشي نسطوريوس على الحفل أن يداه زيوان الوثنية فإذا بتعاليمه تشير موجة من الصراع 
بين الكنائس السورية والمصرية والرومائية «وحول طبيعة الممسيح». واجتمع في صيف عام 1 في 
مدينة (أفسس) مجمع مسكوني حرم بدعة نسطوريوس وبدأت العداوة بين الكنائس. وكسا يقال 
«صار كيدهم في نحرهم» وصار الوثنيون ينعمون بالحرية. 

كان برقلس الشاب يراقب تلك الأحداث وكان كثير التجوال يحب المعرفة ودراسة الفلسفة 
والرياضيات والفلك. وحملته روحه الطموح إلى الإسكندرية وتعلم في جامعتها (السيرابيوم) على 
الفيلسوف ألميفودورس الشيخ فلسفة أفلاطون. ثم غادر الإسكئدرية إى أثينا ليدرس في الأكاديمية على 
يد الفيلسوف الأفلوطيني المحدث سوريانس الإسكندري  380(‏ 450) صاحب الشروح العديدة 
على كتب أفلاطون وأرسطو. وبعد وفاة سوريانس خلفه برقلس في إدارة الأكاديمية. 


605 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 


انكب برقلس على شرم محاورات أفلاطون كلهاء قال القفطي: «له تصانيف كثيرة في الحكمة 
فيها كتاب حدود أوائل الطبيعيات وكتاب شرح أفلاطون الذي مفاده أن النفس غير مائتة في 
ثلاث مقالات (لعله تفسير كتاب فادن في النفس) وكتاب في الثل التي قالها أفلاطون في كتابه 
المسمى غرغياس (جورجياس) سرياني وله كتاب في الجزء الذي لا يتجزأ»(4). 

كتب برقلس كتاباً سماه (اللاهوت الأفلاطوني) أراد من خلاله أن ينهض بالوثنية القديمة بعد 
سقوطها محاولا تفسير عقائدها بمعنى رمزي حتى قيل عنه (منظم المذهب الوثني) ولإعجابه 
بأفلاطون لقب (ديادوخس) أي (عقيب) أفلاطون على رئاسة الأكاديمية. 

كائت الديانات كلها في نظر برقلس وعند كافة الشعوب واحدة لأنها تلجأ إلى العقل والعناية 
الإلهية والاختلاف بينها كان فقط في تأويل وتفسير عناصر الربوبية. واعتبر برقلس الآلهة مسن 
الناحية الأخلاقية على الحياد وأنها لا تفعل شيئا. ولكنها بمساعدة آلهة النجوم وبتوسط أرواح 
الملائكة أو الجن تعنى بشؤون البشر. وإن الآلهة هي الخير الحقيقي وفي مواجهتها يقوم الشر كمبداً 
أصيل في الوجود. 

اعتبر برقلس كتابه اللاهوت الأفلاطونى المرشد إلى أسرار الحقيقة والكاشف عن الظواهر 
المستورة الثابتة التي ينبغي أن يشارك فيها كل من قدر له أن يحيا حياة السعادة على النحو 
الصحيح(5) لأن برقلس كان يشك في العناية الإلهية وكتب كتابه الشكوك العشرة حول العناية 
الإلهية» وكتاب عناصر الثاؤولوجيا بحث في الحرية وفي الشر نشره وعلق عليه دودز 20005 .1 في 
أكسفورد عام 1938. وقد سماه المطران يوسف الدبس مقالات في العناية الربانية وفي الحرية والشر(6). 

كان برقلس يجمع في أن واحد بين النزعة العقلية الدقيقة في شروحه الفلسفية والرياضية وبسين 
الاعتقاد بالخوارق والسحر والطقوس السرية وربما جاءته هذه النزعة من حبه لفيثاغورس وقد 
كتب عنه كتاباً حول وصاياه الذهبية وقد شرع ثابت بن قرة في ترجمته إلى العربية ولم يتمهء 
ونسب إليه صاعد بن أحمد الأندلسي كتاب المقالات الأربع في طبيعة العدد وخواصه(7) على 
المذهب الفيثاغوري. 

ليست ميزة برقلس فيما أتى به من فكر جديد في نطاق الأفلاطونية المحدثة بل في قدرتة على 
إدماج فكر أفلاطون وفيثاغورس (الحد واللامحدود) وكلاهما موجودان في الواحد الذي هو عدد 
زوجي وفردي بان واحد قال برقلس : «كل ما يصدر عن الواحد يظل في جانب فنه يحكدفا بالصورة 
التي صدر عنها وفي جانب آخر يبتعد عن مصدر فيضه وفي جائب ثالث يعود إلى مصدر فيضه(8) 
لأن المفرد يكتشف في الكثرة» والكثرة تسعى لتحقيق الوحدة» والتطور يتسم نتيجة لاكتمال القوة 
ونتيجة لذلك يخلق الواحد الآخر دون أن يعتريه هو نفسه أن تغير». ونتيجة لهذا الفكر الجدلي 
وكل موجود يتطور من خلال الحلول والتطلع إلى الأمام والتطلع إلى الخلف) قال هيجل عن برقلس : 
إنه يمثل ذروة الأفلاطونية المحدثة. وقد دار معظم فلسفة برقلس حول الواضيع الثلاثة التالية: 


66 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


الوجود: 


الوجود مصدر لفعل (وجد الشيء) على صيغة المجهول. وهو مطاوع الإيجاد. وهو لغة يطلق 
على الذات وعلى الكون في الأعيان. والوجود هو عين كون الشيء وماهيته فوجود الإنسان في 
الخارج هو نفس كونه خيواناً ناطقاً. وإذا قيل (الإنسان موجود) فليس معناه أن الإنسان ماهية ثم 
الوجود عرض له وإنما معناه بأن جميع أجزائه المادية والصورية قد التأمت. 

والوجود المطلق هو الكون وهو مفرد وليس له جنس ولا فصل يشمل جميع الموجودات اتفاقاً 
فيشترك بين الواجب وغيره(9). 

وحينما يتعرض برقلس للوجود يتصور التغير الذي يحصل له على ثلاث مراحل: 

المرحلة الأولى : «الوجود الأصلي» هو الوجود الباقي فٍ ذاته دون أن يفقد شيئاً من كماله. وهذا 
الوجود هو ينبوع كل وجودء وهو مبدأ لا يمكن الإحاطة به ولا وصفه. وهوالذي يوجد الآحاد 
الإلهية وهي مثله ذات ماهية فوق الماهية ومعقولية فوق المعقولية وليست بعد الوجود المتكثر بل 
إنها تعد أول كثرة. . وهي تتداخل فيما بينها وتجتمع في الواحد وهذه الآحاد الأولى هى آلهة 
الوثنية اليوئانية. 

المرحلة الثانية : «الوجود الفعال» ولكي يفعل لا بد له أن يخرج عن ذاته وإلا لكان المكون هو 
المتكون» والموجود المتكون هو المعقول بوصفه واحداً هو الماهية» وبوصفه صادرا عن الوجود هو 
الحياة وبوصفه غاية هو العقل. 

المرحلة الثالثة : «الوجود بوصفه غاية» هو الوجود الغاية وإليه كل متكون يعود. ومعنى هذا 
أن كل معلول له علاقة مثلثة بعلته. فيه يبقى بحالة من تشابه ومعه ومنه يصدر وإليه ينحل 
ويعود(10). 

2 النفس: 

النفس والروح ليست جسماً ولا عرضاً وإنما هي مجردة عن المادة قائمة بنفسها غير متجزئة 
متعلقة بالبدن للتدبير والتحريك. قال أفلاطون وبرقلس إنها قديمة غير متناهية باقية بعد مفارقة 
الجسد. وقال أرسطو وأتباعه: إنها حادثة عند بدء تكوين الجسد واستعداده لها وهي منحلة 
بانحلال الجسد. ثم اختلف الفلاسفة بعدهما وقالوا: إن للإنسان نفسين : 

د نفس حيوائية لا تفارقه إلا بالموت. 

- ونفس روحانية وهي التي تفارق الإنسان عند النوم وهي النفس التي بها العقل والتمييز وهي 
ليست للحيوان(11). 

اعتمد برقلس على تصور أفلاطون للنفس في محاوراته وله شرح على محاورة أفلاطون المسماة 
(فيدون) وهي أن النفس غير مائتة في ثلاث مقالات ترجمها ثابت بن قرة الحراني. قال برقلس: 
تنقسم النفوس إلى ثلاث طوائف: 

الطائفة الأولى: «طائفة النفوس الإلهية» 


6027 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


رس تنقسم أيضاً إلى ثلاثة أنواع: نفوس مسيطرة ونفوس محررة ونفوس داخل الكون. 

الطائفة الثائية: «طائقة النفوس الجنية» 

وهي تنقسم إلى ثلاثة أنواع: نفوس ملائكية ونفوس جنية (يمكن أن تسكن الابدان وتعذبها). 
ونفوس أبطال. 

الطائفة الخثالثة : «طائفة النفوس الإنسانية» 

وإلى هذه النفوس تنقسم النفس العاقلة (النوس) وهي التي تنفصل عند الموت عن الجسد 
لتذهب إلى عالم الآلهة وتسكن القمر. 

وأما النفس الحيوانية (بسوخية) فتنفصل بالموت عن الجسد لتعود إلى التراب. والنفوس 
الإنسانية هي نفوس جزئية : كل واحدة منها عالم صغير وهي الشخصية الرئيسية ف دراما الكون. 
وهي التي يمكنها أن ارج إك الواحد بما تنطوي عليه من أصل إلهي. وهذه النفئس (النوس) 
0 الحب يمكنها أن ترتفع إلى مشاهدة مثال الجمال وبفضل الحقيقة تكتسب الحكمة وبفضل 

لصدق تستمد 0 

والتنفوس ل ي على ميدأ الشر يحجبها عن الوصول إلى المراحل الثلاثة السابقة ولا 
بد 7 من المجاهدة وبواسطة فاده ورين ومعرفة الاسجران الدينية 0 آلية الشجنوم 
وتبتهج ناك بالحقيقة لأن الئفس بعد انفصالها عن 7 تدرك حقيقة وجودها 2 حقيقياً. 

3 الهيولى «المادة): 

الهيولى هى جسم بسيط لا يتم وجوده إلا بالفعل دون وجود ما حل فيه. وقد شبهها الأوائل 
بطينة العالم» وقالوا عن هيولى الكل هي الجسم المطلق الذي يحصل منه جملة العالم الجسماني 
(الأفلاك والكواكب) والأركان الأربعة (العناصر الأريعة) النار والهواء والماء والتراب. والمواليد 
الثلاثة (النبات والحيوان والإنسان). 

والهيولى يمكن القول عنها إنها كل جسم يعمل منه الصانع وفيه صنعة كالخشب للنجارين» 
فهي من جهة توارد الصور المختلفة عليهاء مادة وطينة» ومن جهة استعدادها للصور قابل وهيوى ومن 
جهة التركيب الذي يبدأ منها فهي عنصر ومن جهة التحليل الذي ينتهي إليها فهي (أسطقس). 

وقد قسم الفلاسفة القدماء الهيولى إلى: 

الهيولى الأولى: يستحيل خلوها من الصور كلها إلا أنها في حد ذاتها خالية منها. 

الهيوى الثانية : كالجسم المطلق للوسائط والعنصر للمواليد وليست خالية من الصور كلها. 

واختلف الفلاسفة حول الهيولى الأولى. وذهب أفلاطون أنها غير متحققة ولكن الجسم إما 
مركب من الجزء (الذرات) كما هو أو من الامتداد أو الأخذ في الجهات الثلاث(12). 

ولكن هناك اختلافا بين تصور أفلوطين وبرقلس للهيولى فأفلوطين يرى أن الهيولى ضعف ينتاب 
العقل بينما يراها برقلس مستمدة مباشرة من الواحد وهى قابلة لكل الصفات والكيفيات وهى 


68 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 


ليست الشر وإلا لكانت مبدأً ثانياً مقابلاً مبدأ الخير ومع ذلك لا يمكن نعتها بالخير لأنها نقص 
وعوز وهي ضرورية لكمال الكون(13). 


تحليل كتاب «دالحجج الثماني عشرة ث2 أبدية العالم» 


من أشهر الكتب التى عرفها العرب كتاب برقلس السالف الذكر والذي رد عليه يحيى النحوي» 
وسمّاه الشهرستائي : «وقول برقلس في قدم العالم وأزلية الحركات بعد إثبات الصانع:(14). وقال 
عنه القفطى: «وهو برقلس القائل بالدهر والذي تجرد للرد عليه يحيى النحوي بكتاب كبير وضعه 
ف ذلك هو أول من رد عليه وهو عندي. ولله الحمد قالخا على كل خير)(15). 

وأورد الشهرستاني له ملخصاً مكتفياً بثسان جع وقال عنه: «يمكن أن تنقض وأكثرها 
تحكمات وقد أفردت لها كتاباً أوردت فيه شبهات أرسطوطاليس وهذه الشبيات وتقريرات أبي 
على بن سينا ونقضها على قوائين منطقية فليطلب ذلك)(16). 

والذين تحزبوا لبرقلس في الإسلام كثيرون منهم أبو بكر محمد بن زكريا الرازي وغيره وقد 
وصفهم الشهرستاني بقوله : «ومن المتعصبين لبرقلس من مهد له عذرا في ذكر هذه الشبهات.. وقال 
برقلس: «أن البارئ تعالى عالم بالأشياء كلها (أجناسها وأنواعها وأشخاصها) وقد خالف بذلك 
أرسطوطاليس ليس في قوله يعلم أجناسها وأنواعها دون أشخاصها الكائنة الفاسدة. فإن علمه 
يتعلق بالكليات دون الجزئيات)(17). 

ويبدو أن الذي شاع من هذا الكتاب هو هذه الحجج التي أوردها الشهرستاني. قال الدكتور 
عبد الرحمن بدوي: «وقد عثرنا نحن على الترجمة العربية للحجج التسع الأولى بما في ذلك 
ترجمة نص الحجة الأولى١(18).‏ وقد سمى صاحب الفهرست الكتاب بالثماني عشرة مسألة التي 
نقضها يحيى النحوي(19). 1 

الشبهة الأوك: 


قال برقلس: إن الباريٍ تعالى جواد بذائه» وعلةٌ وجود العالم جوده) وجوده قديم لم يزل فيلزم 
أن يكون وجود العالم كديا لم يزلك» ولا يجوز أن يكون مرة أ جوادا ومرة غير جواد فإنه يوجحب 
التغير في ذاته فهو جواد لذاته لم يزل. 

وقال أيضاً : : ولا مائع من فيض جوده إذ لو كان مائع لما كان من ذاته بل من غيره وليس 
لواجب الوجود لذاته حامل على شيء ولا مائع من شيء. 

الشبهة الثائنية: 

قال برقلس: ل ا ب ا ا 
يقدر أن يفعل ولا يفعل. فإن كان الأول فالمصنوع معلول ولم يزل وإن كان الثاني فما بالقوة لا 
يخرج إلى الفعل إلا بمخرج ومخرج الشيء من القوة إلى الفعل غير ذات الشيء فيجب أن يكون له 
مخرج من خاري يؤثر فيه وذلك ينافي كوئه صائعاً مطلقاً لا يتغير ولا يتأثر. 


609 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


الشبهة الثالثة: 

قال برقلس: كل علة لا يجوز عليها التحرك والاستحالة فإنما تكون علة من جهة ذاتها لا من 
جهة الانتقال من غير فعل إلى فعل» وكل علة من جهة ذاتها فمعلولها من جهة ذاتهاء وإذا 
كانت ذاتها لم تزل فمعلولها لم يزل. 

الشبهة الرابعة: 

قال يرقلس: إن الزمان لا يكون موجوداً إلا مع الفلك ولا فلك إلا مع الزمان لأن الزمان هو 
القائد لحركات الفلك) ثم أنه لا يجوز أن يقال متى وقبل إلا حين يكون الزمان متى وقبل أبدي 
فالزمان أبدي وحركات الفلك أبدية فالفلك أبدي. 

الشبهة الخامسة: 

قال برقلس: إن العالم حسن النظام كامل القوام وصائعه جواد خير ولا ينقض الجيد الحسن 
إل الشرير وصانعه ليس بشرير وليس يقدر على نقضه غيره» فليس ينقض أبداً وما لا ينقض أبداً 

الشبهة السادسة: 

قال برقلس: لما كان الكائن لا يفسد إلا بشىء غريب يعرض لهء ولم يكن شىء غريب عن 
العالم خارجا منه يجوز أن يعرض فيفسد» ثبت أئه لا يفسد وما لا يتطرق إليه الفساد ولا يتطرق 
إليه الكون والحدوث » فإن كل كائن فاسد. 

الشبهة السابعة: 

قال برقلس: إن الأشياء التي هي في المكان الطبيعي لا تتغير ولا تتكون ولا تفسد وإنما تتغير 
وتتكون وتفسد إذا كانت في أماكن غريبة فتتجاذب إلى أماكنها كالنار في أجسادنا تحاول الانفصال 
إلى مركزها فيحل الرباط فيفسد» إذ الكون والفساد إنما يتطرق إلى المركبات لا إلى البسائط التى هى 
أركان في أماكنهاء ولكنها بحالة واحدة وما هو بحال واحدة فهو أزلي. 000 

الشبهة الثامنة: 

قال برقلس: العقل والئفس والأفلاك تتحرك على الاستدارة» والطبائع تتحرك إما عن الوسط 
وإما إلى الوسط على الاستقامة. وإذا كان كذلك كان الفاسد في العناصر إنما هو التضاد وحركاتهاء 
والحركة الدورية لا ضد لها فلم يقع فيها فساد. 

ثم قال: وكليات العناصر إئما تتحرك على استدارة وإن كانت الأجزاء منها تتحرك على 
الاستقامة فالفلك وكليات العناصر لا تفسد وإذا لم يجز أن يفسد العالم لم يجز أن يتكون(220). 

ومما ينقل عن برقلس في قدم العالم قوله: لا يتوهم حدوث العالم إلا بعد أن يتوهم أنه لم 
يكن» فأبدعه الباري تعالى في الحالة التي لم يكن. وفي الحالة التي لم يكن لا يخلو من حالات ثلاث : 


1/0 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


1 إما أن الباري لم يكن قادراً فصار قادراً وذلك محال لأنه قادر لم يزل. 

وإما أنه لم يرد فأراد وذلك محال أيضأ لأنه مريد لم يزل. 

وإما 3 لم يقتض الحكمة وجوده وذلك محال أيضاً لأن لأنه مريد لم يزل. 

وإما أنه لم تقتض الحكمة وجوده وذلك محال أيضاً الوجود أشرف من العدم على الإطلاق. 

فإذا بطلت هذه الجهات الثلاث تشابها في الصفة الخاصة؛ وهي القدم على أصل المتكلم. 
وكان القدم بالذات له دون غيره وإن كانا معا في الوجود(221). 


11 


.01:1 تككاء اادع1/13102. 1771177 11010 1001111030 


برقلس الأثتيني 


1 - تاريخ سورية وفلسطين ج3 ص 303؛ المطران يوسف الدبس ‏ بيروت 1910. 

2 - المصدر السابق ج4 ص 383. 

3 -المصدر السابق ج4 ص 387. 

4 تاريخ الحكماء للقفطي ص 89. 

5 - موسوعة الفلسفة م1 ص 346,. عبد الرحمن بدوي. مؤسسة الإثماء العربي - بيروت 1985. 

6 - يوسف الديس ج3 ص 305. 

7 طبقات الأمم ص 61. القاضي صاعد بن أحمد. 

8 الموسوعة الفلسفية المختصرة ص 56. مراجعة زكى نجيب محمود» مكتبة الأنجلو الصرية 
3 ْ 

9 الكليات ج5 ص 217 أيوب بن موسى الحسيني الكفوي. تحقيق: عدئان درويش - دمشق. 

0 موسوعة الفلسفة م1 ص 347,. 

1 الكليات ج4 ص 349. 

2 المصدر السابق م5 ص 71. 

3 موسوعة الفلسفة ج1 ص 348. 

4 الملل والنحل للشهرستاني ج2 ص 208. 

5 تاريخ الحكماء للقفطي ص 89. 

6 الملل والنحل ج2 ص 210. 

7 - المصدر السابق بج2 ص 211 - 212. 

8 موسوعة الفلسفة ج1 ص 347. 

9 الفهرست لابن النديم ص 312. 

0 الملل والئحل ج2 ص 8 - 209, 

1 المصدر السابق بج2 ص 212. 


72 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


الفصل الخامس 


يحيى النحوي وأثره في 
الفكرين الحراني والاسلامي 


حياته وأهم أحداث عصره 

منهجه 4 الشرح والتدريس 

دفاعه الفلسفي عن العقيدة المسيحية 
أثر فلسفته شك الفكر الإسلامي 
التثليث وأثره 4 الفكر الإسلامي 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 





مم. 01:1 نات االطدع2012ة]/. 7711177 لتم 01020ده1][00 


النيلسوف الإسكندري يحيى النحوى”' 
حياته وفلسفته اللاهوتية 


أولاً ‏ حياته وأهم أحداث : 
و وأهم عصر: 


لم يذل يحيى النحوي حقه من التقدير مع أنه كان من المؤسسين للفلسفة عند السريان» شم 3 
امتد أثره من بعدهم إلى علم الكلام والفلسفة عند العرب المسلمين. فما هي ملامح تلك الفلسفة؟ 7 
جون ديوي: لولا الدين الإغريقي لكانت الفلسفة مستحيلة». وما ذاك إلا لأن الفلسفة في القديم 
كانت تطمح إلى تحرير الإئسان من الخوف تجاه المجهول ولم يكن هدفها الأول المساهمة في تقدم 
المجتمع. وعندما انتفلت الفلسفة الإغريقية إلى العالم المسيحي صارت الكنيسة تحث على حرية 
الفكر والنقد الحر لفلسفتي أفلاطون وأرسطو من خلال نظرة الكتاب المقدس. كانت المشكلات 
الفلسفية 3 معظمها لاهوتية تتعلق بقضايا الروع وخلاص الإنسان, ولم تكن تلك الفلسفات متحررة 
من روح التحزب لعتقداتها. وكذلك كانت فلسفة يحيى النحوي غير مئزهة عن الهوى» وكانت 
مهمتها المحافظة على القيم الدينية رغم إعلاثها دائماً أنها فلسفة مستقلة كل الاستقلال عقلياً 
وفقطقيا + وتحاول جاهدة تبرير نفسها أمام العقل. 

كانت البلسلة ذ العم الوسيط تطيج إلى إمجاد شيء يقبني ثابت يصلم أن يكون ملجأً أميناً 
يلوذ به الإنسان في كل الأزمنة وعند كل الأجيال. والسبب في ذلك هو الثراكم المعرفي البطيء الذي 
تزامن مع تطور قوى الإنتاج البطيئة في المجتمع الإقطاعي. 

لم تكن المشكلات الفلسفية قديماً كالمشاكل الحديثة التي تغلغلت في صميم حواسنا في عالم 
جغراني صغر حجمه حتى قيل (عالم البوم قرية صغيرة).. وهذا المفهوم طرح علينا مشكلة كيف 
نصون هذا العالم من الدمار؟ والحفيقة إنه يتم بالفهم المشترك لتراثنا القديم (الإسلامي والمسيحي) 5 

يعد هذا الفيلسوف من الشخصيات المرموقة في تاريخ الثقافة الإنسائية. كان متعدد المواهب له 
كتابات في الفلسفة والتاريخ والمنطق والرياضيات والنحو والأدب. قال عنه جورج سارطون: «كان 
تعوانيا على مذهب اليعاقبة (يعني السيريان الأركودوكسسن) وواحدا من ا الشخصيات في 


© ملاحظة: يرد اسم يحيى التحوي في المصادر العربية؛ ويوحدا فيلوبونس في المصادر السريالية واللاتينية؛ والشخص واحد. 





15 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


عصره؛ عاش القرن السادس الميلادي وكان معلماً في مدرسة الإسكندرية يعلم الفلسفة وله كتابات 
في الأسطرلاب وكتب شرحا على كتاب أرثماطيقي لنيقوماخوس الجهراسيني؛(1). 

ورغم شهرته الواسعة فإن سيرته في المصادر السريانية والعربية هي أقرب إلى الوهم من الحقيقة 
إما لنقص المعلومات أو لاختلاط سيرته مع سيرة غيره من الشخصيات المعاصرة له. 

سيرته قُْ المصادر السريانية: 

جاء في إحدى الروايات أنه كان يعمل نوتياً على شاطئ الإسكندرية ينقل طلاب الجامعة إلى 
الجزيرة التي أقيم عليها مبنى مجلس التعليم. وقيل أنه أثناء نقله للطلاب كان يستمع إلى ما يدور 
بيديم ,بن نقائي كافتاقت تلسه العام قتوق تراك هماه ولكنه. كل مترددا إلى أن شاهد يوما نملة 
تحاول حمل نواة بلم من سفل المركب إلى سطحه الأعلى وكلما كادت أن تصل إلى السطح تسقط 
النواة فتعيد الثملة الكرة دون ملل حتى نجحت في سعيهاء وعندها قرر يوحنا الشاب ترك عمله 
والتحق بالجامعة واجتهد حتى بلغ الغاية في العلم. ومن الحكم التي نسبث إليه: «يجب التعب 
والكد في طلب العلوم وتحقيق ماهيات الأشياء والاحتياط في النقل والبحث عن المنقولات». 

جاء في رواية أن (يوحنا) كان من أهل قيسارية فلسطين وتعلم في المدرسة التي أسسها 
الفيلسوف الثابه الذكر أوريجينوس الإسكندري  185(‏ 253). وكانت المدرسة مقتصرة على تفسير 
الكتب المقدسة وترجمتها من اليونائية إلى السريائية وبالعكس بالإضافة إلى تعليم أصول الفلسفة 
اليوئنائية والمنطق. وقد أتم تعليمه قْ فلسطين» حيث كان العبراع الديسني على أشده بين أنصار 
المجمع الخلقيدوني من جهة وأتباع المذهب اليعقوبي (الأرثوذوكسي) طصوضأا بعد نفي 
ديسقوروس الإسكندري (444 - 451) ثم وفاته في مقاطعة بفلاغونية 454. قال سعيد بن البطريق في 
تاريخه وكان من مناوثي المذهب الأرثوذوكسي (اليعقوبي) : «وأما ديسقوروس لما نفي إلى فلسطين 
وبيت المقدس أفسد دين كل من بفلسطين وبيت المقدس حتى قالوا بمقالته وأصلح أساقفته)(3). 

التحق يوحنا بجامعة الإسكندرية وتعلم على الفيلسوف الأفلاطوني المحدث أموئيوس وكان 
يزامله في الدراسة (سنبلقيوس) وقد أبدى يوحنئا نباهة مما نال إعجاب أساتذته فخلف معلمه في 
إدارة المدرسة ونال إعجاب طلابه الذين لقبوه (فيلوبونس) أي المحب للعمل. أما يوحنا نفسه 
فاكتفى بلقب (القراماطيقي) أي النحوي وكان هذا اللقب مقبولاً أكثر من قبل رجال اللاهوت 
المسيحي وبهذا اللقب عرفه السريان والعرب. بينما كانت المصادر اللاتينية تشير إليه ب(يوحنئا 
فيلوبون). 

وجد في آخر شرح كتاب أرسطو: السماع الطبيعي ما ذكر يحيى النحوي من أنه أتمه في اليوم 
العاشر من أيار سنة (517). كما جاء في كتابه في قدم العالم ضد أبرقلس أنه ألفه في سنة (529) 
واستناداً لهاتين الملاحظتين والتاريخين السابقين قال المستشرق اليهودي بول كراوس  1904(‏ 
4 : «من المحتمل أن يكون يحيى النحوي قد ولد وثنيا قْ سئةٌ (470) وأنه اعتنق المسيحية 
حوالي (520) ثم ثم كرّس حياته للمسيحية محاولاً التوفيق بيئها وبين مذهب أرسطوء ومن المحتمل 


0 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


أن تكون وفاته بعد عام (4)530). والذي أرجحه أن يوحنا كان من أسرة مسيحية سريائية وأن 
وفاته كانت بعد هام (535) ولكن ولادته» كانت يبحدود عام 4535١‏ لأن المصادر كلها تجمع على 
أنه عاش غهرا مدييدا . عاش في فترة الصراع الحادة. فترة النفسي والتعذيب لأتباع اللذهب 
الأرثوذوكسى من قبل أتباع المذهب الخلقيدونى (451) الذي كتب يحيى النحوي ضده كتاباً اعتبر 
فيه أن ما قالوه كان باطل الأباطيل. كما كتب كتابا ضد نسطوريوس فند فيه نحلته؛ وصار يحيى 
النحوي أسقفاً لمديئة الإسكندرية. 

ا 0 
09 وأن شروحه ا د بوضوح الفكرة وسهولة العبارة وأنه كان سينا اتعتوييا: 

الرواية الأوى ‏ رواية الفهرست: 

قال محمد بن إسحق النديم عن يحيى النحوي : «إنه كان أسففا في بعض كنائس مصر من 
أتباع ساواري (ساويريس الأنطاكي) وأنه رجع عما يعتقده النصارق ف التثليث فاجتمعتث الأساقئة 
وناظرته تغليهم واستعطفته وآنسته وسألته الرجوع عما هو عليه وترك إظهاره فأبى أن يرجسعم 
فأسقطوه)(5). أيد هذه الرواية وأضاف إليها أبو الفرج ابن العبري (ت 6 ف هذا الزمان 
اشتهر بين الإسلاميين يحيى المعروف عندثا (بالقراماطيقي) وكان إسكندريا يعتقد اعتقاد النصارى 
اليعقوبية ويشيد عقيدة ااه ثم زجع عما يعتقده النصارى ف التذليث فاجتمح إليه الأساقفة 
بمصر وسألوه الرجوع عما هو عليه فلم يرجع فأسقطوه عن منزلته وعاش إلى أن فم عمرو بن 
العاص مديئة الإسكندرية (642) ودخل على عمرو وقد عرف موضعه من العلوم وكان عمرو سمع 
من ألفاظه الفلسفية التى لم تكن للعرب بها أنسة ما هاله ففتن به وكان عمرو عاقلا حسن 
الاستماع صحيح الفكر فلازمه وكان لا يفارقه(6). 

ما الوقائع الثى دعت ابن النديم وابن العبري للقول أنه عاش حتى زمن دخول العرب مصر؟ 

قال ابن النديم: «إنه رأى قٍِ المقالة الرابعة من تفسير يحيى النحوي لكتاب السماع الطبيسي 
لأرسطو في الكلام عن الزمان قول له: «مثل سنتنا هذه هي (0)343 لدقيانوس القبطي (توقي سئة 
5) وهذه دلالة على أنه بيننا وبين يحيى النحوي ثلاثمائة سئة ونيف ويجوز أنه فسره في صدر 
عمره لأنه كان في أيام عمرو بن العاص»)(7). 

أما ابن العبري ذإنه قد خلط بيئه وبين شخصيتين لاهوتيتين هما: 

الأسقف يوحنا النقيوسي (توني حوالي 6) وكان شيخاً جليلاً وعالماً لاهوتياً ضليعاً بعلوم 

الفلسفة ها لأساقفة الوجه البحري وكان رغم ثقاه وعلمه الغزير فيه حدة أ طبسع وفسوة فى ف 
معاملته. وقد أوقف عن العمل الكهئوتى بسبب عنفه قْ تأديب راهب على خطيئة ارتكبها(8). 
وكان هذا الراهب صديقا لعمر بن العاص. 


77 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 


الأسقئف يوحنا الإسكندري (505 - 516) وقد خلع عن منصبه وكان من أتباع سويري 

الأنطاكي (توفي 538) وقد كتب قٍ 8 نيسان عام 512 رسالة إلى البطريرك سسويري موضوعها عيد 
الفصم(9) ) وليوحنا فيلوبون كتاباً ف عيد الفصح أيضا مما يدعوني للقول بتطابق الشخصيتين. 

الرواية الثانية ‏ رواية ظهير الدين البيهقى 

خلطت هذه الرواية الحقيقة بالوهم لذا رأيت من الأفضل أن أفصل ما هو صحيح عماهو 
باطل. 

ما هو حقيقي في الرواية قوله: «يحيى التحوي البطريق ريعني الأسقف) هو الذي صنف كتباً 
رد بها وفيها على أقلاطون وأرسطو حين همت النصارى بقتله ؛ وبسيب ردة على أرسطو قال عنسه 
ابن سينا هو يحيى النحوي المموه على النصارى:(10). إذاً فقد تراجع يحيى عن موقفه وهو الذي 
أنقذه من القتل. " 

وما هو وهمي قوله : وأنه كان من أهل الديلم وأنه عاشٍ ف خلافة لومم علي بن أبي طالب. 
وكان يحبى الديلمي من قدماء الحكماء ء وكان نصرانيا فيلسوفاً فأراد عامل أمير المؤمنين علي بن 
أبي طالب إزعاجه وتخريب ديره فكتب يحيى قصته إلى أمير المؤمنين وطلب منه الأمان فكتب له 
محمد بن الحنفية كتاب الأمان. 

قال ظهير الدين البيهقي 449١‏ - 565 ه): «وقد رأيت نسحة هذا الكتاب قُْ يدي الحكيم 
أبي الفتوم المستوفي النصرائي ني الطوسي (كان للسطووياء وكان توقيع أمير المؤمئنين عليه بخطه (الذّه 
الملك وعلى عبده))(11). 

كان بعيضص مؤرخي المسلمين يعتمدون على المصادر المسيحية وعلى رجال الفكر المسيحى 
فيغررون بهم وهذا ما فعله أبو الفتوح المستوني النسطوري بظهير الدين البيهقى عندما أوهمه أن 
(يوحنا الديلمي الذي توفي حوالي 685) هو الراهب النسطوري (يحيى النحوي). 

كان يوحنا الديلمي من أهل بلدة حديثة على نهر الفرات واتفق أنه أخذ أسيراً إلى بلاد الديلم 
قبل الفتم العربي فشاد هناك قُْ جبال الديلم ديرين وتتلمذ له كثير من الرهبان وهدى طائفة من 
المجوس(12). وكان يحيى هذا عالما في اللاهوت والجدل إلا أنه لم يكن هو (يحيى النحوي). 


ثانيا ‏ منهجه # الشرح والتدريس 


تراكمت الخبرات والمعارف في مدرسة الإسكندرية خلال تاريخها الطويل» وترسخت تفاليد 
البحث العلمي الجماعي وقد انتقل هذا الأثر إلى الإسكولات التابعة للأديرة وكانت الطريقة المثلسى 
المتبعة قراءة النص الفلسفي أمام الجميع قراءة ناقدة واعية غايتها التأكد من سلامة النص المدروس 
باتباع الخطوات التالية : 

1 التأكد من مطابقة النسخ بعضها مع بعض إذا كان للكتاب أكثر من نسخة. 


18 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


إن وجدت بعض الاختلافات بين النسم» فهل حصلت هذه الاختلافات من غفلة الكاتب 
ل 0 أو الناسخ؟ كأن يكون من أملى العبارة أخطأ في الإلقاء فلم يدرك الناسخ الخطأ وثبته. 
3 أو أن الكاتب انتقل من موضع إلى موضع آخر سهواً فضاعت بعض الفقرات فلما تثبه 
الكاتب ترك الكتابة على حالها. 
4 أو أن الناسم فهم الكلمة خطأ لتشابه الحروف اليونائية أو السريانية» فبحسب فهمه وقع 
الغلط دون إرادة منه. 
5 وقد تكون في النسخة التي يقرأ منها النص بعض الكلمات ممحؤة فيقرأها المملي كما فهم 
الأثر في الصفحة فيقع في الخطأ ويورث هذا الخطأ لمن بعده. 
6 وهئاك ميل لدى بعض المراجعين للترجمة إلى إملاء النصوص بالعبارات المتقابلة المتوازنة 
على حساب المعنى. فلكي يجعلها متوازنة ومتساوية يحذف الزائد ويزيد القليل. 
إضافة إلى الشكوى القديمة التى ذكرها العلامة الإسكندري أوريجينوس وهو أن بعض 
المتشددين من أصحاب المذاهب أو الفرق الديئية من المسيحيين أو اليهود أو الوثنيين كانوا يحرفون 
النصوص قصداً لتأييد مسألة مقبولة لديهم أو لدفع اعتراض عليهم وهذا ما قاله القديس أوغسطين 
 354(‏ 430) لطريفون اليهودي «أنتم أيها اليهود حرفتم كتبا كثيرة من العهد القديم لتظهروا 
مخالفتها للعهد الجديد). 
ماذا كان يفعل يحيى النحوي أثناء شرحه للدروس؟ 
كان يقرأ نصوضص فلسفتي أفلاطون أو أرسطو قراءة صحيحة بعد أن يصلح النصوص الأصلية ثم 
يقسم النص إلى فقرات ويشرحها معلقاً عليها بالشروح السابقة التي قيلت حولها ثم يأتي دوره في 
الشرح والتعليق الشخصي. فيضيف من حبراته الخاصة وحدوسه الفلسفية» وأحيانا يشرك معه في 
التعليق بعض زملائه أو تلامذته النابهين. قد تجري المناقشات بشكل هادئ أو أنها تتخذ طابع 
الحدة والانفعال وتتحول إلى مناظرة كما هو الحال عندما تعرض لشرح كتاب الكلام على السماع 
الطبيعي لأرسطو فاختلف مع زميله الفيلسوف الوثني (سنبلقيوس) ونتيجة لهذه الناظرات كتب 
يحيى النحوي نقده لأرسطو حول قدم العالم وعناية الله بمخلوقاته. 
كانت المناقشات الحادة تأخذ (شكل صراع الديكة) بل وقد تورث بعض العداوات ويهجم 
الطلاب على المعلمين. ألم تقتل العالمة الرياضية هوباشيا عام 415؟ قتلها الطلاب المسيحيون 
المؤمئون لأنها في عدهم وثنية تستحق القتل. 
نتيجة لهذه الدروس شرح يحيى النحوي الكتب التالية : 
كتب أرسطو المنطقية : المقولات العشر (قاطيفورياس) وكتاب العبارة (باري أرميناس) وتحليل 
القياس (أنالوطيقا الأولى)» شرح مئه حتى الأشكال الحملية؛ ثم شرح كتاب البرهان (أنالوطيقا 
الثانية) كما شرح كتاب الجدل (طوبيقا). ذكر ابن النديم أن عدد أوراقه ألف ورفة. ثم شرم كتب 
أرسطو في الطبيعة. الكون والفساد والكلام على السماع الطبيعي» كما شرم كتاب ما بعد الطبيعة 


79 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


لأرسطو وقد فقد الأصل اليوناني وبقي شرح يحيى النحوي باللغة العربية. وشرح لأرسطو 
التبكيتات السوفسطائية. وشرح كتاب الآثار العلوية وهو مفقود وبقيت منه المقالة الأولى. 

وشرح لأفلاطون كتاب محاورة فيدون وقد ترجمه ثابت بن قرة الحراني عن السريانية. وشرح 
كتاب الإيساغوجي (الكليات الخمس أو المدخل) لفرفوريوس الصوري وقد نقله وشرحه ثشابت بن 
قرة الحرائى إلى العربية عن السريانية من نقل سرجيوس الرأسعيني. وشرح يحيى النحوي كتساب 
الأرثماطيقي تأليف نيقوماخوس الجهراسيني وقد نقل منه ثابت بن قرة الحراني المقالتين الأولى 
والثانية. كما شرح يحيى النحوئ كتب. جالينوس الستة عفر كتاباً تقلها إلى السريانية سرجيوس 
الرأسعيني ثم نقلها حنين بن إسحق إلى العربية. 

ونتيجة للمعارك الفكرية التي ساهم فيها يحيى النحوي دفاعاً عن عقيدته الأرثوذكسية ألّف 
الكتب التالية : 

كتابه في الرد على نسطوريوس وكتابه في الرد على قوم لا يعترفون (مقالتان) وكتابه في البعث 
يقول فيه أن الله سبحانه سيخلق أجساما خالدة بدل الأجسام الفائية (مفقود) وكتابه الذي يقول 
فيه أن كل جسم متناو فقوته متناهية» وله كتاب في الأسطرلاب نقله إلى السريائية مارسويرا 
سابوخت» وله كتاب في الئفس استشهد فيه كثيرا موسى بن كيفاء وله كتاب في التاريخ استفاد 
مار يعقوب الرهاوي منه في تاريخه وله كتاب الأيام الستة (هيكساميرون) اعتمد فيه على الكتاب 
المقدس في شرح الكون. وهو الكتاب الذي طوره مار يعقوب الرهاوي وجعله موسوعة علمية احتوت 
علوم الفلك (الكواكب والنجوم) والأرض وما عليها من جبال وبحار وأتهار وبلاد وما هو معمور وما 
هو مغمور وما في الأرض من معادن وثئبات. والإنسان طبيعته وتركيبه الجسدي والنفسي. وهناك 
كتابه الهام الذي اعتمد عليه المسيحيون والمسلمون معاً ف الدفاع عن العقيدة وضد أصحاب الدهر 
0 المسمى في الرد على برقلس في قدم العالم وهو ثماني عشرة مقالة وقد جعله أبو حامد 
الغزالي مصدرا لكتابه تهافت الفلاسفة. 


ثائثا ‏ دفاعه الفلسفي عن العقيدة المسيحية 


كانت الفلسفة خلال تاريخها الطويل دائماً متحزبة فهي مع هذا وضد ذاك حسب معتقدات 
صاحبهاء والفلسفة عند يحيى النحوي لا تخرج عن حدود هذا الرأي فهو قد استعمل الفلسفة في 
مجالين : 

- مرة في الدفاع عن عقيدته الأرثوذكسية ضد نسطوريوس أو ضد أتباع المجتمع الخلقيدوني أو 
ضد أرسطو والوثئيين الذين لا يعترفون بآرائه. ويدافع عن قدرة الله سبحانه وتعالى أو عن الخالوث 
المقدس وعن طبيعة السيد المسيم الإلهية. 

- وأخرى دافع فيها عن نفسه حينما انزلق من خلال معاركه الفكرية في بدعة مثلثي الآلهة. 

وسأتناول هاتين الفقرتين بالتفصيل: 


50 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


الأصول الفكرية لمفهوم الثالوث المقدس: 


فكرة التثليث الإلهي قديمة في تاريخ حضارات سواحل البحر الأبيض المتوسطء عرفها 
المصريون القدماء منذ الألف الرابعة قبل الميلاد في ثالوثهم المقدس (إيزيس الأم وأويزيريس الأب 
وحورس الابن) رب السماء والأرض وكان هذا الثالوث الإلهي هو المتدبر للخصب وإنبات الزرع 
وفيضان النيل) وعندما جاء الملك أخناتون (1372 ق.م ‏ 1354) بعبادته الجديدة جعل قرص 
الخشن ريذا للثالوث الإلهي. ومن الطريف أن مارافرام السرياني  306(‏ 373) الشاعر العظيم مثل 
للثالوث الإلهي بجرم الشمس المؤلف من (القرص والئور والحرارة) وكلها تمثل ذات الله السرمدية 
المكوثة من (الأب والابن والروح القدس) فالقرص هو الأب والنور هو الابن أو الكلمة يسوع المسيم 
والنور هي نعمة روح القدس وكلها كانت عنده مئذ الأزل. 

جاء في قاموس الكتاب المقدس: إن عقيدة التثليث سامية ترتفع فوق الإدراك البشري لا 
يدركها العقل معدا بل هي إعلان سماوي يقدمه الوحي المقدس ويدعمه الاختبار المسيحي(13). 
وهذه الفكرة أوردها الأرشميدت قسطنطين يني الذي قال معترفاً: إن مشكلة الثالوث الأقدس (في 
الله الواحد) مشكلة عويصة معقدة تقف فوقٍ العقل والقلب معا. لأنها ليست واضحة صريحة في 
العيى الهدين والإتجيل» ولكدها واردة همناً في الكتاب المقدس من أول كلمة في سفر التكوين إلى 
آخر سفر رؤيا يوحنا في العهد الجديد(14). 

وسأتعرض للمسار التاريخي الفلسفي لهذه المسألة العويصة ليصيح عرضها أقرب إلى الأذهان. 
أول من ناقش فكرة الثالوث المقدس في الفلسفة اليوئائية الفيلسوف الإسكندري اليهودي فيلون (20 
ق.م - 54) الذي قال أن اللوفوس 1.0505 هو الكلمة وأنه مبدأ الانفصال بين الأشياء المتضادة في 
الكون وهذا الانفصال هو سبب نشأة المخلوقات وهو يعلو عليها. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: 

كيف صدر اللوفوس (الكلمة) عن الله؟ وفي الإجابة عن هذا السؤال ظهرت كل البدع والمذاهب 
المسيحية. 

يجيب لبلوق عن هذه السألة» إن الكلمةا صدرت عن الله صدورا خارجيا إلا أنها في مرتبة 
دنيا بالنسبة إلى اللّهء والكلمة (اللوغوس) هو العلم أو الثور الصادر عن الله إلا أنه ليس ازلياً كالله 
كما أنه ليس فائياً كالمخلوقات. 

بهذا الفكر الفلسفي مهد فيلون للاهوث المسبحي دون علم منه. قال ول ديورانت: «كان فيلون 
معاصراً للمسيح ويبدو أنه لم يسمع به قط ولكنه قد أسهم في غير علم منه في تكوين اللاهوت 
المسيحي لأن الله عن طريق الكلمة والعقل كشف عن نفسه للإئسان(15). 

والحق أن كلمة تثليث أو ثالوث لم ترد في الكتاب المقدس بشكل صريح وإنما تضمنتها تعاليم 
السيد المسيم (من رآني رأى الآب)16(0). وقوله «صدقوا قولي: إلي ف الآب وإن الآب في» أو 
صدقوني من أجل تلك الأعمال:(16). وقوله أيضاً: «متى جاء المؤيّد الذي أرسله إليكم من لدن أبي 
روح الحق المئبثق من اللآب فهو يشهد لي)(16). وقوله في إنجيل (متى 28:19) قال السيد المسيم: 


51 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 


«إني أوليت كل سلطان في السماء والأرض فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن 
ودوح القدس». 

وإن أول فيلسوف مسيحي قال بالثالوث المقدس لم1 هو ترتليان (توني 225) في دفاعه عن 
المسيحيين قال: «إن المسيح إله حق)(17). إولكن في القرن الثالث تعرض (سابيليوس) للثالوث 
المقدس فقال: «إن التثليث ليس أمراً حقيقيا في الله لكنه مجرد إعلان خارجي فهو حادث موقت 
ولئيس أبدي18(2). ربما قال هذا متأثرا بالثالوث الأفلاطوني المحدث 15180 المؤلف من (الواحد 
والعقل والنفس الكلية) وكان يعني بالواحد الله وهؤلاء الثلاثة ليسوا متساوين في المرتبة أو في 
الزمان. وكان أفلوطين الإسكندري (204 - 270) هو الذي شاد هذا النسق الفلسفي على الأساس 
الفكري الذي جاء به فيلون من قبل ولكن أفلوطين بناه على أساس تصاعد عقلى حيث صدر عن 
الواحد (اللّه) العقل الفعّال (اللوفوس) ثم صدر عن العقل الفعّال (النفس الكلية) وعن النفس الكلية 
صدر العالم أو الهيولى» وهي دون الله ودون العقل ودون النفس الكلية» والهيولى تبقى في شوق دائم 
للاتحاد بالثالوث المقدس بل إن خلاصها هي في فنائها التام واتحادها بذلك الثالوث 158184. 

قال جيل سيمون: «إن أفلوطين لا يقول بأن الأقانيم الثلاثة هي هي الله وإثما يجعلها منفصلة 
عن المبدع الأول الواحد وأن الصفات التي تضاف إِكى الأقائهم المركبة للتثليث المسيحي 1م11 
تختلف اختلافا عن الأقانيم عند أفلوطين وإن التشابه هو في الألفاظ فقط باعتبار أن الواحد مفارق 
للمادة ولا يمكن أن تصدر المادة منه وإئما تصدر عن النفس الكلية(19). لأن المادة ف حد ذاتها هي 
إمكانية الشكل غير المتشكل وكل شكل تتخذه المادة تعطيها إياها طاقتها الداخلية التي هي النفس 
الكلية أو الطبيعة فتنتج الصورة المجسدة(20). وهذا هو فعل اللوشوس عند فيلون وعمل النفس 
الكلية عند أفلوطين. أما الله في الفكر المسيحي فإنه خالق الأشياء (بأمره كن فيكون) لأئنه خالق 
العالم أو المادة من العدم وليس منظيا لها كما هو الحال عند فيلون وأفلوطين... 

جاء الأسقف الإسكندري أريوس (توفي 336) الذي تأثر بفكر أفلوطين فقال: «إن الأب هو 
وحده الأزلي بيئما الابن والروح القدس مخلوقان متميزان عن سائر الخليقة ولكنهما دون الأب 
مرتبة في الوجود وفي الزمان. 

كيف استخلص أريوس فكرته من أفلوطين؟ 

إن الثالوث المقدس عند افلوطين مكون من الواحد والعقل والنفس» وإن الواحد بجوده الدائم 
خلق العقل والعقل بإدراكه لذاته خلق النفس والئفس خلقت العالم (المادة). فما كان من أريوس إلا 
أن قال: «إذا عبرنا عن الواحد بالأب فإن العقل صدر عنه كما يولد الولد من أبيه وعبر عن الئفس 
بالروم القدس». قال الشيخ محمد أبو زهرة عن تشابه الثالوثين السيحي والأفلاطوني الحديث 
«وإن اختلفت ألفاظهما فالثالوث عند أفلوطين يرى أن الكون قد صدر عن المنشسئ الدائم الذي إلا 
تدركه الأبصار ولا تحده الأفكار ولا تصل إلى كنهه الأفهام وإن جميع الأرواح شعب لروح واحدة 
تتصل بالمنشئ الأول بواسطة العقل وإن تدبير العالم خاضع لهذا الثالوث»(21). 


52 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


هزت بدعة أو هرطقة أريوس كيان العالم المسبيحي واختلفت وجهات النظر حول طبيعة السيد 
المسيمء ولكن جهود القديس أثناسيوس الإسكندري  290(‏ 272) نجحت في مجمع نيقية 325 
بصياغة قائون الإيمان بقوله : «نؤمن بإله واحد الأب والابن والروح القدس إله واحد. جوهر واحد 
متساويين في القدرة والمجد)(22). 

ما هي هرطقة نسطوريوس؟ 

كان تسطوريوس بطريرك القسطنطيئية  428(‏ 431). وكان يقول أنه يوجد في يسوع المسيح 
طبيعتان طبيعة إلهية وأخرى بشرية وهما متصلتان مع بعضهما في العمل بانسجام تام ولكن ليس 
بالوحدة التي تظهر في شخص واحد.ء فناقض بذلك قانون الإيمان» ثم قال أن العذراء امرأة بتول 
طاهرة اصطفاها الله لكي تكون أم يسوع الإنسان (الناسوت) فقط فهي ليست أم الله (اللاهوت). 
وكانت هذه أول إشارة إلى أن الأقنوم الواحد مركب. وعندما رد يحيى النحوي على نسطوريوس 
اعتبر أن كل من يقول بأقنوم واحد وطبيعتين يناقض نفسه ويناقض الحقيقة. 

عقد مجمع أفسس في 22 حزيران 431 وحرم بدعة نسطوريوس الذي نفي إلى مصر وتوفي في 
ليبيا عام (450). ْ 

بدعة مد شي الآلهة: 


لع يستسام أنصار نسطوريوس ) فسعوا جاهدين لدى الإمبراطور ثاودوسيوس الثاني» فتم انعقاد 
مجمع أفسس الثاني في اب 449. وكان من مقرراته الهامة نفي البطريرك دوميائوس الأنطاكى 
ولكن النتيجة لم ترضهم لأنهم لم يتخلصوا من البطريرك ديوسقوروس الإسكندري  444(‏ 454). 
فعقد مجمع خلقيدوئية في 22 تشرين أول من عام 451 وقرر المجتمعون صحة اعتقاد أرثوذكسية 
ثاودورس المصيصي (توني 429) معلم نسطوريوس وواضع أصول بدعته وكان النساطرة يطلقون عليه 
لقب أبيهم الروحي. ثم صام المجتمعون أزيلوا ظلام المصريين عن الكنيسة» فعزل ديوسقوروس 
الإسكندري, القديس المجاهد الذي نعثه مارسوريريوس الأنطاكي : (شهيد المسيم الذي وده لم 
يجث للبعل في المجمع الباطل)(23). 

تغيرت صيغة الإيمان أعني (قانون الإيمان) وصار كما يلي: «إله تام وإنسان تام مساو لاب في 
الجوهر بلاهوته ومساو لنا في الجوهر بناسوته وهو في طبيعتين بدون تبلبل أو استحالة أو انقسام 
أو انفصال». وهكذا قالوا «باقنوم واحد مركب» وكان هذا تمهيدا لبدعة مثلثى الآلهة. 

كيف ظهرت بدعة مثلثي الآلهة؟ ْ 

علىٍ أثر صدور مقررات مجمع خلقيدوئية انقسم المجتمع بين مؤيد لها ومعارض؛ ودخل 
الصراع أروقة جامعة الإسكندرية, وشارك بذاك النقاش الفيلسوف يحيى النحوي. وقد أرم 
البطريرك يوسف الدبس لهذه البدعة. قال: «ومن الأوطاخيين فرقة كانوا يسمون الثلاثيين وكان 
رئيسهم بوحنا الغراماطيقي الإسكندري الملقب فيلوبونس أي الكثير التعب) وكان يحاج 
الكاثوليكيين بأن اعتقادهم بطبيعتين في المسيح يدعوهم إلى الاعتقاد بأقنومين فيه. وما أفحموه بأن 


03 


.01:1 'ككاء ااتدع1310132/. 17717177 11010 1001111030 


ع 


الطبيعة شيء والأقنوم ص آخر تسكع بضلال آخر» فزعم أن قِ الثالوث الأقدس ثلا ث طبائع 
أن فيه ثلاثة أقانيم فاعتقد بثلاثة الهة»(24). 

يبدو أن الكره الذي يكنه البطريرك يوسف الدبس ليوحنا فيلوبونس جعله يختزل المحاورة 
ولكن (ليون البيزنطي) جل رقائمها بدقة أكثر فجعلئا من خلالها نتعرف على القدرة المنطقية 
لدى يحيى النحوي. كما يبين لنا الجذور التاريخية لتلك العقيدة القديمة التي عرفها صابئة حران 
الذين قانوا بوجود ثلاثة آلهة (الشمس والقمر والسماء) تحكم العالم وتدبره من خلال إرادة واحدة. 
قال ليون: «بينما كان ثيودوسيوس الكبير لا يزال على عرش الإمبراطورية ظهرت عقيدة الآلهة 
الثلاثة من جديد على لسان يوحنا فيلوبونس الذي اعترض على أتباع الكئيسة. قال: إن قلتم 
بطبيعتين في يسوع المسيم فعليكم أن تقولوا أيضاً بأقنونين 

فردوا عليه : لو كانت الطبيعة والأقنوم أمراً واحدا فمن 2 القعرورة الإقرار بعلم التمييز بين 
كليهما ولكن إذا كانت الطبيعة شيئا آخر غير الأقنوم فلماذا يجب علينئا الإقرار بأقنومين إذا كنا 


نقول بطبيعتين؟ 
فقانوا لده ]ذا كامت الطييية والأقنوم شد شيثاً شيثاً واحداًء / فهل تقول: إنه توجد ثلاثة طبائع في 
الثالوث الإلهى؟ 


فأجابهم : نحن نقول بثلاث طبائع في الثالوث» وثلاثة أقانيم جزثية في الثالوث ولكن بجوهر 
واحد مشترك لأن الطبيعة لا تكون إلا في أفراد تتحقق الطبيعة بهم. وما تجسد في يسوع المسيح هو 
طبيعة الله (الكلمة) أي إنسانية يسوع الفردية وإن ما هو حقيقي في الثالوث الإلمي هوهؤلاء 
الأضخاص الثلاثة الذين هم جواهر متميزة بعضها عن بعض وإن كانت إرادتها وقدرتها 
واحدة) (25). 

تللاحظ من هذه المناقشات أن اللاختلاف لفظي تغلب عليه نزعة يحيى النحوي الأفلاطونية 
المحدثة والذي توصل إلى أنه توجد ثلاثة آلهة متميزة في الثالوث الإلهي. 

حدثت هذه البدعة في زمن الفيلسوف اللاهوتي ال مارسويرس الأنطاكي  512(‏ 538), ولد 
هذا الفيلسوف المقتدر في مدينة سوزوبوليس في ولاية بسيدية قُْ آسيا الصغرى من أسرة يونانية 


ثرية » عريقة قْ الجاه والنبل. كان جذه سويريوس أسقفاً لديئة (سوزوبوليس) وحضر مجمح 
أفستين عام 1 كانت ولادة مارسويريوس حوالي (459) وعندما بلغ مرحلة الشباب أرسلته أمه 


إلى جامعة الإسكندرية ليدرس الفلسفة والأدب اليونانيين ويتضلع بتفسير الكتب الإلهية ومكث في 
الإإسكندرية حتى عام 485 عندما أنهسى تعليمه الجامعي ثم توجه إلى بلدة بيروت ليدرس في 
جامعتها الشريعة والقانون» وفيها تعرف على صديق كان له تأثير كبير في حياته المقبلة. هذا 
الصديق هو زكريا الفصيح. وكان من بلدة غزة» صحبه مرة إلى كنيسة والدة الإله وحضر رورس ف 
تفسير الكتاب المقدس من سفر التكوين حتى تجسد الله الكلمة وظل مواظيا على هذه الدروس 
يومي السبت والأحد من كل أسبوع ولدة تزيد على أربعة أعوام. 


54 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


بعد إنهاء دراسته للشريعة أصبح مارسويريوس لنباهته أستاذاً في جامعة بيروت. ومكث 
في جهاز التدريس حوالي عقد من الزمن. وفي عام (500) أحب زيارة بيت المقدس وشاهد كنيسة 
القيامة وفيها قرر لبس الإسكيم الرباني وترهب وزميله زكريا الفصيم والتحق بدير ثيودور 
في ضواحى غزة. ونال شهرة في بلاد فلسطين كلها. وني زمن الإمبراطور أنستاس  508(‏ 518) 
عقد في القسطينيطية مجمع لبحث قضايا الإيمان مجدداً. ومسن دعي لهذا المؤتمر الراهب 
سويريوس الذي برع في المؤتمر في الدفاع عن طبيعة المسيح الإلهية الواحدة وانفض المأتمر في عام 
(508) عن تغير صورة الإيمان الخلقيدونية. وألف مارسويريوس كتابا باللغة اليوئائنية سماه 
(فيلالاتيس) أي محب الحق وقد نال الكتاب شهرة واسعة في زمنه. وفي 6 تشرين الثاني من عام 
2 عقد مجمع ف مدينة صيدا حضره عدد كبير من الأساقنة ووقع الاختيار على مارسويريوس 
لكي يكون بطريركاً لأنطاكية العظمى. قبل المنصب على مضض منه ولكئه قام بأعباء المنصب بكسل 
جدارة. 

وعلى اشر وفاة الإمبراطور أنستائس» تولى الحكم بوسطئيوس  518(‏ 527) الذي أعاد 
الاعتبار ثانية لصورة الإيمان الخلقيدونية. نال الحيف بعض أحبار الكنيسة الأرثوذكسية 
وعادت الصراعات المذهبية وعادت بدعة مثلثيى الآلهة» واشترك في المناقشات السابقة 
بطريرك الإسكندرية (دميانوس) الذي خلط في شرح عقيدة الثالوث الأقدس في أثناء محاولته نقض 
نلك الباعة ولكن للعو نظرة لق العلم ناصر البدعة من حويف 3 يكري: على عكس يوحنا 
فيلوبونس الذي ألف كتابا باليونانية سماه (دياطيتس) أي الباحث وهو مقالتان نشره شندرا في 
بيروت 1030 دعم فيه بدعة مثلثي الآلهة. وكتب مارسويريوس كتاباً نيكيا في ثلاثة مجلدات 
لقنا ليوحنا النحوي القيسرانى بدأ به في أنطاكية وأنجزه في مصرء التى وصلها في 25 أيلول من 
سئة 518, وحين وصوله دعا إلى مجلس كنسى في الإسكندرية حضره يوحنا فيلوبوئس» قال ابن 
النديم في وصف الاجتماع «اجتمعت الأساقفة وناظرته فغلبهم واستعطفته وآئسته وسألته الرجوع 
عما هو عليه وترك إظهاره (البدعة) فأبى أن يرجصع فأسقطوه). وهذا الرأي أبده البطريرك 
إغناطيوس أفرام الأول برهوم (ت 1957)» قال: : وكان يوحنا فيلوبون الإسكئندري ك أواسط 
القرن السادس ل فيلسوفا لكن الأمر ائتهى به إلى بدعة مثلثي الآلهة فأبسلته البيعة أي 
طردته(26), 

هاجم مارسويريوس صديقه القديم بي يحيى النحوي في كتابه لفك المؤلف من ثلائة مجلدات 
وضمئه النشيد المشهور «المسيح إلهنا أحد الثالوث الأقدس يا من يسجد له ويمجد أباه وروحه 
القدس معا ترأف بنا)(27). 

وكتب البطريرك بطرس بن بولس الرقي (581 - 591). كتاباً ضخماً يحتوي على أربع مقالات 
في مثة فصل دعمه بشواهد من أثمة الكئيسة رد فيه على أخطاء البطريرك دميانوس الإسكئدري 
0 علمه كما ردٌ فيه على تعاليم يحيى النحوي في رسالة خاصة 

جزة لخص فيها ما قاله في كتابه الكبير ضد بدعة مثلثى الآلهة, ‏ 


585 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


رابعا ‏ أثريحيى النحوي فك الفلسفة العربية 


كان يحيى النحوي معروفاً في الوسط الثقافي العربي وكان يقرن دائماً بالفيلسوف الوثني 
برقلس» وكان الفلاسفة منقسمين بينهم فبعضهم متخرب ليحيى النحوي كأبي بكر محمد بن 
زكريا الرازي (313 ه/925) وبعضهم متجزب لبرقلس كأبي على بن سينا رت 505 ه/ 1111) 
بالإضافة لمعظم علماء الكلام. 

يذكر أبو سليمان السجستانى وت 370 ه/ 981) حديثاً جرى بينه وبين الملك أبى جعفر بن 
بايويه حول فلاسفة الإسلام «قال الملك عن الفيلسوف ثابت بن قرة «قد بلغ من جلالة قدره وعظم 
محله في العلم أن جعل كالمتوسط بين يحيى النحوي وبرقلس»(28). 

بعد أن عرفنا مكانة يحيى النحوي في الفلسفة من المستحسن معرفة ديادوخس برقلس (412 - 
5) درس في جامعة الإسكندرية واعتئق الفلسفة الأفلاطونية المحدثة ثم عاد إلى أثينا ليعلم في 
جامعتهاء وكتب كتاباً في اللاهوت الأفلاطوني أراد منه دحض الفلسفة المسيحية وكان يقول بقدم 
العالم وينكر على الله عنايته بمخلوقاته. قال: «ما يصدر عن الواحد يظل في جانب منه محتفظا 
بالصورة التى صدر عنها وفي الجانب الآخر يبتعد عن مصدر فيضه وفي جانب ثالث يعود إلى مصدر 
فيضه». وقد أودع كتابه الحجج الثماني عشرة في أبدية العالم وأزلية الحركات بعد إثبات الصانع . 

أطلع العلامة علي بن يوسف القفطي (ت 634/ 1248) على الكتاب الذي رد فيه يحيسى 
النحوي على برقلس بالعربية قال: «هو برقلس القائل بالدهر الذي تجرد للرد عليه يحيى النحوي 
بكتاب كبير صنفه في ذلك وهو عندي ولله الحمد والمنة على كل خير»(229). 

لكن الشهرستاني (ت 539 ه/ 1153) حاول التقليل من أهمية الكتاب معطياً الأهمية لكتابه 
الذي قد ألفه هو في هذا الوقوة قال: : ابعض هذه الحجج رد يحيى النحوي عليها وممكن أن 
تنقص وأكثرها تحكمات وقد أفردت لها كتاباً فيه شبهات أرسطوطاليس وهذه الشبهات وتقريرات 
أبي علي ين سيئا نقضتها على قوانين منطقية)(30). وقد عثر الدكتور عبد الرحمن بدوي على 
الترجمة العربية للحجج التسعة الأولى بما في ذلك ترجمة نص الحجة الأولى. 

كان كتاب يحيى النحوي ذا تأثير على علم الكلام عند العرب واستخدمه المتكلمون لنقض الفلسفة 
اليونانية. ذكر الشهرزوري في كتابه «نزهة الأرواح» أن الغزالي أخذ ما أورده في التهافت من كتب 
يحيى النحوي الكتاب الذي رد فيه على برقلس» وقد أكد ظهير الدين البيهقى ذلك قال: «وأكثر ما 
أورده الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في تهافت الفلاسفة تقرير كلام يحيى النحوي»(1). 

وقام المستشرق الهولندي دي بور بمقارئة حجج التهافت مع حجج وردود يحيى النحوي 
فتوصل إلى الرأي التالي : «والغزالي يبطل هذه النظريات معتمدا من وجوه كثيرة ذتي: مرج جون 
فيلوبوئس النصراني على مذهب أرسطو وفي رده على برقلس القائل بقندم العالم لأن الكتب 
الفلسفية التي ترجمها علماء السريان والعرب كائت متوفرة في دكاكين الوراقين ومئها كتب يحيى 
النحوي وشروحه على كتب أرسطو وأفلاطون»(62. 


56 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 


أدلة برقلس على قدم العالم وردود يحيى النحوي عليها: 

هذه الأدلة هي ثمانية عشر دليلاً اقتضت من يحيى النحوي 0 ممائلة وسأكتفي بدليلين 
وردين مما أوردهما الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة. 

الدليل الأول: (لبرقلس على قدم العالم) 1 

اتفق جمهور الفلاسفة على أن العالم قديم ولم يزل موجودا مع الله غير متأخر عنه بالزمان 
كوجود المعلول مع العلة والنور مع الشمس وأن تقدم الباري على العالم تقدم بالذات والرتبة لا 
بالزمان ‏ ودليلهم على هذا قولهم: «يستحيل صدور حادث من قديم. والأصل الذي يقوم عليه هذا 
القول هو نادم بين العلة والمعلول فإذا فرض وجود القديم : 

فإما أن يوجد منه العالم على الدوام فيكون ديا مثله, 

وإما أن يتأخر وف هذه الحالة إيظل العالم قُْ دائرة الإمكان) : 

إما أن لا يتجدد مرجم » فيؤدي إلى أشكال. 

وإما أن يتجدد مرجم؛ فيؤدي إلى أشكال. 

من محدث هذا المرجح؟ ولِم حدث الآن ولم يحدث من قبل؟ 

وبعبارة أخرى: لماذا تأخر وجود العالم؟ ولِمَ لم يحدث قبل حدوث زمان حدوثه؟ لا يمكن 
ذلك لعجز الباري ولا لتجدد غرض أو وجدان آلة بعد فقدانها أو تجدد طبيعة أو وقت أو حدوث 
إرادة لم تكن لأن هذا كله محال إذ أنه يؤدي إلى القول بتغير القديم وهو محال. ومهما كان العالم 
موجودا أو استحال حدوثه ثبت قدمه لا محال. 


الرد عليه (ليحيى النحوي): (كما أورده الغزالي) 

«إن العالم حدث بإرادة قديمة اقتضت وجوده في الوقت الذي وجد فيه؛ وإن يسثمر العدمٍ فإلى 
الغاية التي اسثمر إليهاء وأن يبتدئ الوجود فمن حيث ابتدأ . وإن الوجود قبله لم يكن فتراذا فلم 
يحدث لذلكء وإنه في الوقت الذي حدث فيه مراد فبالإرادة القديمة. 

وإذا اعترض سائل بقوله : لماذا اختارت الإرادة وقتا دون آخر؟ 

الجواب هو: إن الإرادة صفة من شأئها أن تميز الشيء عن مثله ولولا أن هذا شأنها لوقع 
الاكتفاء بالقدرة» ولكن لما كانت القدرة تصلح للضدين لم يكن بد من صفة شأئها التخصص ولا 
معنى للسؤال عن تخصيصها لأن هذا من شأنها كما أن شأن العلم الإحالة بالمعلوم وبتميز الشيء 
عن مثله جائز وهو ممكن في حقنا فقد يكون أمران متساويين بالنسبة لنا ثم نفعل أ..دهما دون 
الآخر وإنكار هذا حماقة)(33). 

1 تقدم الباري ا العالم إما أن يكون تقدماً بالذات 7 قديمين وأحدهما متقدم على 
الآخر بالذات. ‏ وإما أن يكون البارئ متقدماً على العالم بالزمان. فيكون قبل العالم زمان كان 
العالم فيه معدوماً. فقبل الزمان زمان لا نهاية له. فيكون الزمان قديم وإذا وجب قدم الزمان وهو 


57 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


عبارة عن قدر الحركة وجب قدم الحركة» ووجب قدم المتحرك الذي يدوم الزمان بدوام حركته 
أي وجب قدم هذا العالم المادي المتحرك. 

رد يحيى النحوي على برقلس: 

إن الزمان حادث مخلوق » ومعنى تقدم الله على العالم والزمان إنه كان ولا عالم معه» ثم كان 
ومعه العالم. فأما المفهوم الثالث وهو (الزمان) الذي قال به برقلس فهو من غلط الوهم لأن الوهم 
يعجز عن تصور وجود إلا مع تقدير (قبل) له. وهو كذلك يعجز عن تصور تنساهي الجسم فيتوهم 
أن وراء العالم شيئاً إما خلاء وإما ملاء. وفي هذه المسألة أخذ ورد طويل وإن ذلك من عمل 
الوهم...)(34). 

قال العلامة المصري عبد الرحمن بدوي : «ومن الذين تأثروا بكتاب يحيى النحوي في الرد على 
برقلس أبو حامد الغزالي في كتابه «تهافت الفلاسفة» ولم يذكر اسمه ولا كتابه ولكنه يكاد ينقل 
حجج يحيى النحوي بعينها في ردّه على الفلاسفة في قولهم بقدم العالم. وكذلك لم يذكره ابن رشد 
قِ رده على الغزاني في كتابه «تهافت التهافت» وهذا عجيب من ابن رشد وهو من هوفي سعة 
الاطلاع(35). ثم أورد البدوي مقالة لأبي الخير الحسن بن سوار البغدادي  331(‏ 407 ه) بعئوان 
قْ أن دليل يحيى النحوي على حدوث العالم أولى بالقبول من دليل المتكلمين». 

قال المتكلمون: «الجسم لا ينفك من الحوادث ولا يتقدمها وكل ما لا ينفك من الحوادث ولا 
يتقدمها فهو محدث؛ فالجسم إذن هو محدث وهذا هو قياسهم. الذي ينبغي أن نبحث عن صدق 
مقدمتيه. فنفول: «إن قول القائل: إن كل جسم لا ينفك من الأعراض - ويراد بالأعراض الحركة 
والسكون فإذا كان مرادهم أن الجسم يكون متحركاً بعد أن كان ساكنا وساكنا بعد أن كان 
5-5 فإن هذا الذي قالوه ينقضهم ف مطلوبهم. 

فإذا كان مرادهم بذلك هو هذا كانت المقدمة كاذبة. فإن خصومهم لا يسلمون لهم بهذا لإن كل 
جسم لا بد من أن تتعاقب عليه الحركة والسكون فإن السماء عندهم متحركة. ولم تكن غير 
متحركة ثم صارت متحركة والأرض عندهم غير متحركة ولم يكن ذلك بعد حركة(36). وقياسهم 
هذا من الضرب الأول من الشكل الأول. 

وما أورده يحيى النحوي والذي هو أولى بالقبول. قوله : 

كل جسم متناه والعالم جسم فالعالم متناه. 

وكل جسم متناه فقوته متناهية. فالعالم إذن قوته متناهية. 

والأشياء السرمدية ليست قواها متناهية فالعالم إذن ليس بسرمدي. 

هذا الدليل أولى بالقول من دليلهم ذاك لأنه مأخوذ من أشياء ذاتية ودليلهم مأخوذ عن 
الأعراض(37). 

وقد كفر أبو حامد الغزالي الفلاسفة في ثلاث مسائل: 

مسألة قدم العالم. 


58 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


- وإذكارهم أن يحيط الله علماً بالجزئيات الحادثة. 

- وإنكارهم بعث الأجساد وحشرها(38). 

وفي كل هذه المسائل اعتمد على يحيى النحوي في ردوده على الفلاسفة الوثنيين قبله. قال 
دونالد ألين أستاذ اليونانية في جامعة غلاسكو. ومن بين أعمال فيلوبونس شروحه وتعليقه على 
كتب أرسطو وكفيراً ما يتخذ موقفاً ناقدا بسب خلفيتة الديئية المسيحية مما يميزه عن بقية الشراح 
في جيله. ولا زال كتابه في الرد على برقلس في قدم العالم الذي وضعه عام 520 لا يزال 7 
بأكمله وهو تفنيد لحجج برقلس (412 - 485) وفيه يفترض أن الجنة خالدة أبدية بيئما العالم قد 
خلقه البارئ من لا شيء وأنه سيؤول إلى الفناء وأن الله سيبعث الأجساد من رقادهاء(39). 


يحيى النحوي وعلم الديناميكا 


شرح يحيى النحوي كتاب الطبيعة (السماع الطبيعي) لأرسطو باليونانية ثم ترجم الكتاب إلى 
السريائية تلميذه سرجيوس الرأسعيني (ت 536) وقد سماه (كون العالم)(40). ثم ترجم ثابت بن 
قره الحراني (ت 288 ه/ 001 المقالة الأولى مع شروح يحبى النحوي(41). ثم أكمل ترجمة 
الكتاب إسحق بن حنين (ت 298 ه/ 911) بشروم يحيى النحوي عليه. قال القفطي (ت 648 
ه/ 1248) ملكت نسخة الكتاب في عشرة مجلدات وقد حشاها الطبيب اليعقوبيى جورجس بن 
حنا اليبرودي (ت 442/ 1050) بكلام أمسطيوس(42). ثم شاع الكتاب في دكاكين الوراقين وفي 
حلقات دروس الفلاسفة وممن شرحه أبو بشر متى بن يوئس (ت 328 ه/ 940) وأبو نصر 
الفارابى وت 339 ه/ 950) شرحه وعلق عليه وأبو زكريا يحيى بن عدي رت 364 ه/ 974) وأبو 
على الحسين بن السمح (418 ه/ 1028) وأبو الفرج ابن الطيب (ت 420 ه/ 1030). 

وف شرح المقالة الخامسة ف 6 من كتاب الطبيعة لأرسطو قال: «كل منتقل إما أن يكون هو 
نفسه يتحرك من نفسه كالحيوان وإما أن يتحرك من غيره. وهذه الحركات على أربعة أوجه (دفع 
وجذب وحمل ودوران) والحركات البسيطة منها اثئتان هما (الدفع والجذب). وحركة الدفع 
تسمى (الرمي) إذا صارت حركة المنقول أو المقذوف أسرع من حركة الطبيعة. فما كان يتحرك إلى 
مكائه الطبيعي كحركة الحجر إك أسفل أو حركة الثار إلى فوق سميث هذه الحركة بالجمع. أما 
ما يتحرك من موضعه قسرأ كلما تقدم المتحرك كانت حركته أبطأ كقذف الحجر أو رمي السهم إلى 
الأعلى وتسمى هذه الحركة بالتفريق. وفي كلا الحركتين الطبيعية والقسرية هناك تزايد في الحركة 
أو تناقص وطبقاً لقول يحيى «إن التحرك إذا تحرك إلى مكائه فكلما قرب منه اشتدت حركثه 
للمكان المناسب وإذا تحرك على خلاف المجرى الطبيعى فكلما بعد من مكائه ضعفت القوة 
المحركة له(43). ْ 

هذا الشرم قد مهد الطريق للعالم الإيطالي غاليلو غاليلي  1564(‏ 1642) اكتشاف قانوئي 
التسارع والتناقص قال جون ألبرت ويلسون في الموسوعة البريطانية (أحدث يوحنا فيلوبونس أكبر 
شرح في ميكانيكا أرسطو وذلك في شرحه لكتاب الطبيعة وكانت المسألة تعلق بتفسير المتابعة في 


859 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


حركة المقذوف بعد أن يغادر الجسم مصدر قذفه» وكان أرسطو يقول: إن المتحرك تابع في حركته 
لقوة القذف المستمدة من الوسط المجاور ولكن يوحنا فيلوبوئس أكد أن الرامى لا يعطي القوة المحركة 
إلى الوسط المجاور بل إلى المقذوف نفسه وهذه القوة تتناقص تبعاً لطبيعة الجسم وتبعا لمقاومة 
الوسط. هذه النظرية لم يهتم بها زميله (سيمبلقيوس) فأهملهاء ولا كان العرب واللاتين قد اقتصرت 
معرفتهم على شروح سيميلقيوس فمن المشكوك أنه كان لفيلوبونس تأثير مباشر على من بعده(44). 

قد يبدو هذا الرأي صيخيسا بالنسبة إلى اللاتين أما العرب والسريان فإنهم قد عرفوا تفرع 

يحيى النحوي» فهذا الفيلسوف الأندلسي ابن باجة (ت 532 ه/ 8) قد اطلع على آراء 

يحيى يحبى اللادرىء قال طونى. أ. هاف: «إن ابن باجة في تعليقه على أرسطو بصدد ديئناميات 
الحركة مهد السبيل لنظرية جاليلو في سقوط الأجسام ولا يقلل من شأنه قولنا إن أول من ابتكر 
النظرية هو الفياسوف المسيحي يوحنا فيلوبون وإن لم تشر إلى ذلك أية مخطوطة عربية فمن 
المحتمل أنه سمع عنها من التراث العربي(45) المترجم عن السريانية» أحب أن أعيد القول مأكنداً 
أن يحيى النحوي كان معروفا في مجالس العلم كما أن كتبه منتشرة في دكاكين الوراقين وفي 
مكتبات الخاصة والعامة على امتداد أرض العروبة والإسلام. ذكر القفطي الرواية التالية «رأيت 
نسخة من السماع الطبيعي ركتاب الطبيعة لأرسطو] التي قرأها الوزير أبو القاسم عيسى بن علي 
بن عيسى بن داود بن الجراح (ت 391 ه/ 1) على يحيى بن عدي ومن شرم يحيى النحوي 
وهي في غاية الجودة والحسن والتحقيق وكانت له عليها حواش حصلت بالمناظرة لدى القراءة 
وهي بخطة وكان أشبه شيء بخط علي بن مقلة في القوة والجريانٌ والطريقة»(46). 

وأما عن شيوع كتب يحبى النحوي فقد ذكره على بن الحسين المسعودي (ت 345 ه/ 956 
وسماه الحريص الإسكندراني قال في كتابه الذي دل فيه على أن العام محدث ورد فيه 1 
أفلاطون وأرسطوطاليس وأفلوطرخس وغيرهم من القائلين بقدمه» إن أفلاطون كان يزعم أن فلك 
القمر أدنى الأفلاك إلينا وفلك الشمس يليه ثم فلك عطارد ثم فلك الزهرة. وما ذكره ف المقالة 
الثانية من كتاب السماء والعالم عن شيعة فيثاغورث وما ذهب إليه من أن للسماء د وشمالاً 
وأماماً وخلفاً وفوقاً وأسفل» فيمنة السماء الجهة الشرقية ويسرتها الغربية وأعلاها القطب الجئوبي 
وهو فوق والقطب الشمالي وهو أسفل وما اتصل بذلك(47). 

وذكر أبو الريحان البيروني (ت 313 ه/ 5) يحيى النحوي في رده على برقلس قال: «كان 
اليوثائيون يوقعون اسم الآلهة على الأجسام المحسوسة في السماء كما كان عليه كثير من العجم ثم 
لاتفكروا في الجواهر المعقولة أوقعوا هذا الاسم عليها(2)48. ٠‏ ثم قال «فهذاما ا بطليسوس في 
المحرك الأول من طيران. يشير إلى الفلك الذي حكاه عنه يحيى النحوي في ردّه على برقلس. 
وذكر أن أفلاطون لم يكن يعرف الفلك التاسع الذي ليبس فيه كوكب وهوالذي فهمه 
بطليموس)(49). ثم ذكره البيروني مرة ثالثة «قال يحيى النحوي في ردّه على برقلس أن قومياً من 
المتكلمين رأوا في الفلك المسمى غلقياس إ«قادع أي اللبن وهو المجرة 11/8 :7/111 وإئه منؤزل 
ومستقر للأنفس الناطقة)(50). وهذه هي النظرية الأفلاطوئية المحدثة في حشر الأروام. 


50 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


نظرية الخلق أو أصل الوجود 

مشكلة الخلق أو أصل الوجود مشكلة قديمة عانى منها الإنسان منذ أن وعى وجوده. ولتلك 
<تيئو 77777777277 ؛ وسن 
م ا 

عالج يحيى النحوي هذه المسألة في كتابه الأيام الستة طبقاً لما جاء به سفر التكوين» وأما عن 
مسألة خلق النبات والحيوان فقد عالجها من خلال شروحه لكتاب أرسطو الكون والفساد قال 
القفطي : «وقد شرحه يحيى النحوي ووجد شرحه بالسرياني فنقل إلى العربي وقال أهل العلم أنه 
في السرياني فوق العربي في الجودة ولا شك أن ناقله إلى العربي قصر في الترجمة(51). أما الترجمة 
إلى السورياني فهي من عمل سرجيوس الرأسعيني الذي أهدى هذه الترجمة إلى صديقه الفيلسوف 
النسطوري (ثاودورس) من أجل هذا عابه أهل ملته من السريان الأرثوذوكس. 

انقسم شرَاح أرسطو في مسالة الخلق إلى فريقين : 

الفريق الأول الذين قالوا: النمو أصل الوجود 

قال الإسكندر الإفروديسي (عاش حوالي 200) إن تولد النبات والحيوان هو انقسام الموجودات 
إلى فلقتين وليس للفاعل (الطبيعة) سوى استخراج بعض الموجودات من بعضش. وهكذا 7 أصل 
العالم إلى المحرك الذي لا يخلق أي صورة من العدم لأن خلق صورة من العدم هو خيال ووهم 
باطل. وما دور الطبيعة إلا اتحاد الهيوكى بالصورة ونقل ما فيها من القوة إلى الفعل كخلق 
الحيوان» أما النباتاث التي لا تتولد من البذور فردّها إلى حركة الحرارة المنتشرة في الماء والتراب. 

وقد تابع ابن سينا رت 428 ه/ 1037) الإسكندر الإفروديسى مؤكداً: إن الفاعل غير منفصل 
عن الهيولى وهو يخلق الصورة ويطبعها على الهيولى المسبقة الوجود وقد سمى واهب الصور (الله). 

أما ثامسطيوس والفارابي (ت 329 ه/ 950) فإنهما أكدا أن الفاعل منفصل عن الهيوك كما 
يحدث في ولادة الحيوانات والنبائات بالانقسام فالشيء يتولد من مثيله كالئار تحدث من النار. 

الفريق الثاني: الذين قالوا بالخلق 

وأولهم بي يحيى النحوي الذي قال مناقضاً أرسطو بإمكان خروج الشيء من العدم وهذا هو فعل 
الله الذي يحدث ب الوسر دون الحاجة إلى الهيولى المسبقة الوجود(52) ولكن الله خلق آدم علسى 
صورته دون الحاجة إلى تراب. 

لم كان ابن سيئا يحمل على يحيبى النحوي ويسميه المموه على النصارى؟ 


ف اعتقادي أن ابن سيئا كان متحزباً لأرسطو وللمدرسة المشائية التي كان ب يحيى النحوي 
يخرج عن تعاليمها بل ويئاقض أرسطو. لأن تفسيراته وشروحه لأرسطو مغلفة بتعاليم الفلسفة 
91 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


الأفلاطونية المحدثة. قال ابن سينا: «ولما كان المشتغلون بالعلم شديدي الانحياز إلى المشائين من 
اليونان» كرهنا شق عصا الطاعة ومخالفة الجمهور فانحزنا إليهم» وتعصبنا للمشائية » وأكملنا ما 
أرادوه وقصروا فيه وأغضينا عما تخبطوا فيه)(53). 

ولكن لم يكن كل الفلاسفة العرب يتعصبون ضد يحيى النحوي بل كانوا يفضلونه على غيره. 
قال المؤرخ الألماني تيوفيل تنمان «يكاد يكون أرسطو مع شراحه إلى يوحنا فيلوبونس من بين سائر 
الفلاسفة هو الذي استرعى أنظار العرب وقد تلقوا جملة ما ألفه أرسطو بوساطة المذهب الأفلاطوني 
المحدث وأضافوا إليه وبذلك نشأت بينهم فلسفة تشبه ذفلسفة الأمم المسسيحية في القرون الوسطى 
تعنى بالبراهين الجدلية المتعسفة وتقوم على أساسن من النصوص الدينية ر4ى). 


ماهية النفس الإنسانية 


أحتلت فكرة النفس والروح مكاناً بارزاً في تاريخ الفكر العربي. وكان لكتابي أفلاطون طيمثاوس 
وفيدون القدح المعلى بالإضافة إلى كتاب أرسطو د الخ وقائه فدروع الاسكدن اتررديسي 
لكتاب أرسطو أقرب إلى روح فلسفته. فالنفس ناشئة من تركيب أجزاء الجسد وهي زائلة بزواله 
لأنه لم يكن يؤمن بالخلود الشخصي وبعث الأجساد من مرقدها وقد فرق الإسكندر في شروحه بين 
النفس والعقل معتبرا العقل أعلى مرتبة تاها من النئفس وأقل اتصالا بالجسدء والعقل غير قابل 
للفناء وموضوعاته مجردة لا تتعلق بحدود المكان(54). 

أما ثامسطيوس قال: («إن العقل واحد لدى اليشر لذن مصدره الله وهو متعدد بالأفراد الذين 

يشتركون فيه شأنه شأن الشمس التي تشر ق من مركز واحد مالا يحصى من الأشعة . والعقل 
المنفعل في شوق داثم للاتصال بالعقل الفعال. 

ولكن يحيى النحوي كان في شرحه أكثر ابتكارا وإن كان في تفسيره أقل إخلاصاً لأرسطو 
والنفس عنده غير هيولائية بسيطة خالدة هذا ما قاله في شرحه لكتاب أرسطو في النفس (المقالة 
الأولى ف5: 1). وكان أرسطو يقول: إن العقل يتصور دائماً أنه البشر. فأضاف إليه (يحيى 
النحوي) إن الإنسان يحيا ناكما لأن البشر يحيون دائما وأن العقل الفعال هو دكلمة اللّه) التي 
خلق الله بها العالم» والله يفيض من نوره على العقل الفعئال والعقل الفعال ينير نفس الإنسان 
ونفس الإنسان تنير البدن وهكذا فإن الحياة الإلهية تنزل حتى الهيولى التي لا روح فيهاء(55). 
وكان يحيى النحوي يقول: «كما أن العين في الجسد هكذا العقل هو عين النفس أي قوتها 
المبصرة». فأضاف إلى ذلك الشرح مطران الموصل موسى بن كيفا  813(‏ 003) في كتابه في النفس 
(ف: 26: 1) قوله: أما نحن فنعتقد أن النفس والعقل والروح شيع واحد وكائن واحد لأن هذه 
الأشياء الثلاثة بوضوع واحد بالطبيعة والأقنوم. هذه الوحدة مقررة في الأسفار المقدسة وهي : 

1 - تدعى نفسا عندما تمارس أعمالاً روحية » بعيدة عن التصرف السامي وهذه مرتبة نفوس الخطاة. 

2 - تدعى يا عندما تمارس أعمالاً روحية وقدسية فاستحقت الصعود إلى مراكب الأرواح 
العلوية وهي مرتبة أرواح الأبرار والصالحين. 


92 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


3 وتدعى عقلاً إذا تسامت أكثر بأعمال البر والطهر والقداسة وهي رتبة عقول الكاملين. 

كان فيلسوف العرب الكندي يتابع يحيى النحوي في شروحه الفلسفية مما دعا أرنست ريئان 
إلى القول: «ليس مذهبه غير أحد مذاهب السريان الذين يرتبطون ارتباطاً بباشيرا بشروح يونان 
الإسكندرية(56). 

طبيعة العقل وأنواعه 

جاء في المقالة الثالثة من كتاب النفس لأرسطو: «إن العقل هو كمال النفس الإنسانية». وقسم 
يحيى النحوي العقل إلى أربعة أنواع : 

1 العقل الهيولي والعقل بالقوة: 

كنفوس الأطفال الخالية من جميع العلوم والمعارف ولكنها مستعدة لقبولها بالقوة(37) بعد انتزاع 
ماهيات الأشياء وصورها دون موادها فهو كهيئة مادة تنطبع عليها صور الموجودات كما تنطبع النقوش 
على الشمع وهذه النقوش هي المدركات أو المعقولات(58) وهذا العقل شائع عند جميع أفراد البشر. 

2- العقل بالملكة أو العقل بالفعل: 

وهو الذي يدرك من المقدمات البديهية والعلوم الضرورية الكلية والبراهين المنطقية بديهية الكل 
أكثر من الجزء. قال الفارابي عنه: «وهذا مرتية أسمى من العقل بالقوة. والمعقولات بالفعل 
انتزعت من موادها وصارت صورا فأصبح العقل عقلا بالفعل وبه يدرك المعقولات المجردة(59). 

3 العقل المستفاد: 


فيه يصبح العقل قادراً على إدراك الصور المجردة التي تخالط المادة أصلاً. وهذا العقل أسمى 
مراتب العقل البشري» قال عنه ابن العيري: «هو أن تحصل النفس العلوم الكسبية لكنها لا تكون 
حاضرة في ذهن الإنسان دائماً بل متى شاء إحضارها حضرت بلا كد(60) وكأنه يتكلم عن الذاكرة 
في مفاهيم علم النفس الحديث. 

4 العقل الفعال أو روح القدس: 

في العقل الفعال تصبح المعلومات حاضرة في ذهن الإنسان لا تغيب عنه البتة وفيه تحصل 
المعلومات وتدرك: إما بالرياضة ومجاهدة النفس وتنقية الأذهان كما يحصل للأنبياء والصالحين. 

أو تركيب المقدمات الصادقة في القياسات والبراهين كما يحصل للفلاسفة الحكماء. 

وهذا العقل ل" يتسنى إلا لقلة من الخواص. قال الفارابي عنه: «هو صورة مفارقة لم تكن في 
مادة ولا تكون أصلاٌ وهو بنوع ما عقل بالفعل قريب الشبه من العقل المستفاد ونسبة العقل الفحمال 
إلى العقل الذي بالقوة كنسبة الشمس إلى العين التى هى بصر بالقوة ما دامت في الظلمة(61). وقال 
يحيى النحوي: «إن الذي يفيض على العقل المستفاد عند الإنسان بالصور هو الإلهام الإلهي». 
وهذا هو رتبة عقول الكاملين عند الفيلسوف اللاهوتي موسى بن كيفا(62)» وهي مرتبة حمزة بن 
علي عند الموحدين الدروز. ١‏ 


53 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


خامسا ‏ التثليث وأثره 4 الفكر الإسلامي 


الثالوث الإلهي طقس عرفته معظم شعوب العالم القديم. قبل أن يصبم حجر الزاوية في 
اللاهوت المسيحي فالديائة الهندوسية لديها ثالوث إلهى يسيطر على الكون ويتألف من 

براهما الإله الخالق وسيد الآلهة. 1 

- فشنو الإله الحافظ وهو إله الحب الذي قد يتجسد في شخصية الإله كرشنا. 

- شيفا الإله المدمر وهو يعمل عكس اسمه (شيفا معناها العطوف) وهو تجسيد لتلك القوة 
الكونية التي تعمل على تخريب جميع الصور التي تبتدئ بها حقيقة الكون(63). 

وفي الجزيرة العربية عرف ثالوث إلهى أنثوي. 0 من (اللات والعزى ومناة). قال تعالى: 
(أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى)(64). ثم بين في سورة أخرى كنه هذا الثالوث قال 
تعالى: (إن يدعون من دونه إلا إناثا)(65). وكانت الضحايا التي تقرب إليهن قرابين بشرية. 

ولكن فكرة التثليث الفلسفية نشأت في مدينة الإسكندرية قلب العالم اللحضير لديم ففي 
كتابة للفيلسوف اليهودي فيلون (20 ق امات قال: إن اللوغوس هو كلمة الله التي تخدم بينه 
وبين البشر. وإن أقدم نص إلهي كتب تحت تأثيره الفلسفي (رؤيا يوحنا) كتب في عام (68 م) 
وفيه يظهر يسوع حمل الله وأول خلق الله (الشهداء في السماء يرتلون نشيد عبد الله موسى ونشيد 
حمل الله. تمجيدا للرب)(66). 

وعلى أثر الترجمة للكتب اليونانية بدأت هرطقات أو البدع في الظهور. وسأذكر بعضها مما له 
صلة في بحثنا هذا. 

- هرطقة مرقيون (عام 138): 

ظهرت حول سواحل البحر الأسود وربما بتأثير التجارة مع الهند. قال: إن الآلهة ثلاثة - 
أحدهما صالح مرتبته العليا في الثالوث والآخر شرير مرتبته 0 وبينهما إله عادل. وقد أرسل 
الإله الصالح ابئه الوحيد ليدعو الئاس إلى عبادة أبيه فقتل وصلب فوضع الإله الصالح الجواد 
شريعة جديدة للبشر مضمونها إنجيل يوحنا(67). 

- هرطقة سابليوس (عام 195) زعم الأسقف الليبي أن القديم جوهر واحد وأقنوم واحد وله 
ثلاث خواص واتحد بكليثه بجسد عيسى بن مريم. 

- هرطقة أريوس  316(‏ 329): 

كان امون أسقف الإسكندرية» أنكر الثالوث المقدس قائلاً: إن الله واحد قائم بذائه وأن 
المج مخلوق وأنه دون الله في المرتبة والزمن وهو عبد الله ورسوله وهذا الاعتقاد هو الاعتقاد الذي 
أخذ به الدين الإسلامي قال الشهرستاني : اوزعم آريوس أن الله واحد سماه أيا وأن المسيج 
كلمته وابنه عن طريق الاصطفاء؛ وهو مخلوق من قبل خلق الثالوء وهو حسالق الأشياءء وزعم أن 

لله روح (روح القدس) وأنها واسطة بين الأب والابن 3 تؤدي إليه الوحي(68). ويبدو أن هذه 
البدعة قد حظيت بتأييد شعبي كبير في سورية ومصر واسيا الصغرى(69). وربما كان لها أنصار ف 


524 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


الحجاز أيقا لأن الإسلام لم يعرف السيحية إلا من جانبها الأريوسي وق إعثيرة المسلمون رجلا 
موحدا. ولكن الدولة البيزئطية الحديثة العهد بالإيمان المسيحي رفضت الأريوسية في مجمع نيقية 
عام 325. إلا أن جذوة هذه البدعة لم تزل تسري عبر الزمن حتى اليوم. 

هرطقة مكدانيوس (عام 363) 

زعم أن الجوهر القديم فيه أقنومان فحسب (أب وابن) وأما الروح القدس فهو مخلوق» ا 
ألوهية الروح القدس(70). 

- هرطقة بيلاجيوس (عام 418) 

أنكر الخطيئة الأصلية ونعمة الفداء الذي قدمه يسوع للجنس البشري لأن الإئسان يستطيع 
خلاص نفسه بحفظ وصايا الرب(71). 

- هرطقة يوليان الهاليكارناسي (حوالي 450) 

ظهرت هذه البدعة في زمن الإمبراطور جوستنيان (527 - 565). وزعم يوليان أن جسد المسيح 
لم يقترن بالخطيئة قطء لذا لم يصلب بالحقيقة ولم بعت وإثينا كان ذلك نحيالا ووهما(72).وقة كمه 
للذين صلبوه. وقد أيد الإسلام هذه البدعة قال تعالى «وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم»)(73). 

- هرطقة نسطوريوس (عام 431) 

قال عن مريم أم يسوع المسيح أنها امرأة طاهرة بتول اصطفاها الله لكي تكون أماً لجسد يسوع 
وهي ليست أم اللاهوت وبالتالي فهي ليست أم اللّه. 

لقد أيد الإسلام نسطوريوس في هذا الجانب فالعذراء ليست أم الله. قال تعالى «وإذ قال الله 
لعيسى بن مريم أأنت قلت للئاس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله(74). 

لِمَ ظهرت كل هذه الهرطقات أو البدع؟ 

قال الفيلسوف الإيطالي غرامشى في الإجابة عن هذا السؤال: «الغاية من الهرطقات» أنها تعبير 
عن قوى شعبية تسعى لإصلاح الكنيسة وتقريبها من الشعب عن طريق رفع مسنواه الثقافي(75). 
فكان كل مهرطق مصلح اجتماعي أو ثائر وهذه مسألة قابلة للأخذ والرد. والسؤال الأكثر وجاهة : 

لِمّ بقيت تلك الهرطقات سائدة بعد زوال القائلين بها؟ لدينا هنا جواب للمؤرخ البلجيكي 
جورج سارطون. قال: «إن كل ما يستطيعه الافطيهاد أن يقضي على الذين لا يسيرون في الطريق 
المرسوم(76). أما الأفكار فمتى دخلت حياة الجماهير أصبحت قوة لا تقهر وتستمر في السريان 
متجاوزة حدود الزمان والمكان. 

لنعد ثانية إلى موضوعنا الأصلي «أثر التثليث في الفكر الإسلامي». 

عرف عرب الحجاز والعرب بشكل عام الفكر المسيحي والهرطقات التي أفرزها ذلك الفكر. 

أولاً ‏ عن طريق طرق التجارة: 

كانت الحجاز ممرأ لطرق التجارة القديمة تجارة التوابل والعطور. وكانت تقع على هذا الطريق 
الذي يمتد من صنعاء إلى تدمر مارا بعدة مدن هامة (مكة ‏ المدينة ‏ البتراء ‏ بصرى الشام) وغيرها 


55 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


وكانت في تلك المدن وحولها أديرة وكنائس لإيواء الغرباء والمسافرين. قال الحسن بن الحائك 
الهمذانى (ت 334 ه/ 945) صاحب كتاب وصف جزيرة العرب «ليس يوصل إلى خبر من أخبار 
العجم والعرب إلا بالعرب الذين منهم من سكن بمكة من العماليق وجرهم وآل السميدع بن هونة 
وخزاعة أحاطوا بعلم العرب العاربة والفراعين العائبة وأخبار أهل الكتاب. وكانوا يدخلون البلاد 
للتجارة فيعرفون أخبار الناس(77). 

ثانياً ‏ عن طريق المجاورة والإيمان بالدين المسيحي 

كانت الأديرة والمدارس التابعة لها منتشرة في بلاد ما بين النهرين والعراق وسورية وأطراف 
الجزيرة العربية. قال أبو عثمان الجاحظ  775(‏ 868م) في رسالته الرد على النصارى: «والعرب 
كانت النصرانية فيها فاشية وعليها غالبة إلا مضر» وغلبت النصرانية على ملوك العرب وقبائلها 
على لخم وفسان والحارث بن كعب بنجران وقضاعة وطيء. في قبائل كثيرة وأحياء معروفة ثم 
ظهرت في ربيعة فغلبت على تغلب وعبد القيس وأفناء بكر؛(78) ونتيجة تلك المخالطة صارت 
للعرب حكمة انعكست في أشعارهم وأمثالهم وأما الفلسفة الميتافيزيقية فخبرتهم فيها قليلة. قال 
صاعد بن أحمد الأندلسي (462 ه/ 1070): 


«العرب أصحاب حفظ ورواية لخفة الكلام عليهم ورقة ألسنتهم وأما الفلسفة فلم يمنحهم الله 
عو وجل كنيكا منها ولا هيّأ طباعهم للعناية بها»(79). 

ومع ذلك كانت لهم فلسفتهم في الحياة وما بعدها. ولهم إلمام بديانات أهل الكتاب. فالدعوة 
الإسلامية رفضها بعضهم لأنها كانت تذكرهم بالأساطير التي سمعوها من أهل الكتاب وتلك هي 
نظرة مشركي قريش في مكة يشاركهم في العداوة اليهود وعلى عكسهم كان أهل الكتاب يتعاطفون 
مع الدعوة المحمدية وأقصد بهم ( المسيحيون أو النصارى). قال تعالى: «لتجدن أشد الناس عداوة 
للذين امنوا اليهود والذين أشركواء ولتجدن أقربهم مودة للذين آمئوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك 
أن مثهم قسيسين ووفياناً وأنهم لا يستكبرون)(80). 

كان في مكة بعض الرهبان الكبار أمثال (ورقة بن نوفل بن أسد وت 6611) ابن عم خديجة ابئة 
خويلد بن أسد زوجة الرسول (ص) وكان ذا اطلاع واسع على اللاهوت اللسيحي وعلسى أصحاب 
الفرق والمقاللات. وكان الرسول يتعاطف مع المسيحيين بل وحتى مع الدولة البيزنطية فعندما 
غلبت دولة فارس دولة الروم ائتاب ا والمؤمئنين بعض الحزن. قال تعالى: «ألم. غلبت الروم. 
في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون. في بضع سنين للّه الأمر من قبل ومن بعد ويومشذ 
يفرح المؤمنون بئصر الله (81). 

نعم انتصرت الروم على فارس ولكنها خسرت أمام العرب المسلمين فيما بعد في معركة اليرموك 
.)636١(‏ 

بعد أن هاجر الرسول (ص) إلى المدينة وأقام فيها حكومة (622 -632). أرسل الرسول خالداً 
بن الوليد إلى بني الحارث بن كعب بنجران سنة 632 وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام وكانوا 


56 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


مسيحيين. فاستجابوا للدعوة وقبلوا الإسلام وأقبل مع خالد وقد منهم على رأسه (قيس بن 
الحصين ذو الغصة(82) وبيما أنهم كانوا حديثي العهيد بالإسلام فيبدو أنهم فهموا خطأ بعض 
الآيات كقوله تعالى: «إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا؛(83) ففهموا من كلمة (إنا نحن) معنى 
التثليث. 

قال ابن تيمية: «روي أن من النصارى الذين وفدوا على النبي (ص) في وفد نجران من أوّل 
(إنا ونحن) على الآلهة الثلاثة. لأن هذا ضصير جمع يراد بها الواحد الذي معه غيره مسن 
جنسه)(84). ونتيجة للمناقشات التي جرث مع الوفد نزل قوله تعالى: «لقد كفر الذين قالوا: إن 
الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد(85). 00 في تفسير الآية: : «المراد قولهم ثلاثة أقانيم 
أقنوم الأب وأقنوم الابن وأقنوم رقع القدس ولكن ليس في الوجود إله حق إلا سبحانه:(86). 

قال المستشرق البريطاني هاملتون جب : «استهدف الفقهاء المسلمون الأوائل الحفاظ على نهج 
الحياة المستمدة أصوله من القرآن الكريم في وجه التحدي اللاهوتي الآنني من اللإسكولات 0 
للأديرة مما اضطر الفقهاء إلى مهاجمة التأويل المتصل بتفسير الكتب المقدسة وأصبحت هذه هى 
السياسة التي اتبعها فقهاء السنة؛(87). 

وفي العصر العباسي عند ترجمة الكتب الفلسفية والعلمية في عهد المأمون (298 821 م) كثرت 
المناظرات بين المسلمين والمسيحيين وفي بعض الأحيان قُْ حضرة 5 المأمون. ومثها المناظرة التي 
حضرها المطران أبو رائطة حبيب بن خدمة ات 9. وكان عربياً من أهل تكريت سأله المأمون 
عن التثليث المسيحى. وكان المطران فيلوفاً رد على الخليفة والحضور: نحن نقول ف الباري أنه 
جوهر واحد ذو ثلاث صفات أو خواص نسميها أقانيم: كما تقولون في الله سبحائه في البسملة 
(بسم الله الرحمن الرحيم) فالله عندنا هو الآب والرحمن هو الابن والرحيم هو الكلمة أو روح 
القدس» فكلانا يوحد الباري. ٠‏ ثم ألف رسالة في التثليث المقدس سنة (821) رد فيها على المسلمين 
تعتهدا على كتاب طوبيقا (الجدل) لأرسطو وذكر المعاني بالواحد والنوع والجنس. بدأها: فهل 
تقولون أن الواحد لا يقال إلا على ثلاثة أوجه : 

- إما في الجنس 2 - وإما في النوم 2 - وإما في العدد 

فعلى أي وجه تصفون الله واحدا من هذه الوجوه التي ذكرناها. وفيه جمع بين الواحد بالنوع 
(الجوهر) والواحد في العدد (أقئوم). 

فرد عليه أبو يوسف يعقوب بن إسحق الكندي (ت 255 ه) في مقالته الرد على النصارى 
وإبطال تثليثهم. واعتمد هو أيضاً على كتاب أرسطو في الجدل وذكر المعاني (بالواحد وبالنوع 
وبالجنس). قال الكندي: وأما فولهم: إن ثلاثة واحد وعدا ثلاثئة فهذا ظاهر الخطأ وذلك أن ما 
نقول: إئه هوهو واحد إنما نقول: إنه واحد بثلاثة فهذا ظاهر الخطأ وذلك أن ما نقول: إنه هوهو 
واحد إنما نقول إنه واحد بثلاثة أوجه؛ مثلما ورد في كتاب طوبيقا (الجدل) نقله إسحق بن حنين. 

- إما أن يقال هو هو واحد بالعدد كما يقال للواحد هو هو واحد. 
2 - وإما أن يقال هو هو واحد بالنوع كما يقال خالد وزيد واحد بما عمهما الذي هو الإنسان. 


597 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


- وإما أن يقال هو هو واحد بالجنس كما يقال الحمار والإنسان واحد بما عمهما من جنسهما 

الذي هو الحي. ثم توصل إلى النتيجة التالية: إذن النصارى لا يستطيعون القول أن ثلاثة هي 
واحد بأي وجه من الوجوه. 

ولكن الفيلسوف المسبيحي الكبير أبا زكريا يحيى بن عدي (893 - 974). تصدى له ورد عليه 
في رسالة في التوحيد (في أيار سئة 0 )). عفدا على كتاب أرسطو كتاب السماع الطبيعي بتفسير 
يحيى النحوي قال المستشرق (بيريه): ونعتقد أن يحيى بن عدي قرأ أرسطو من خلال مفسري 
الإسكندرية لا سيما يحيى النحوي. وإنه يمكن مقابلة كل جملة من المقالة في التوحيد بجملة 
تقابلها من كتاب السماع الطبيعي لأرسطو. 

قال يحيى بن عدي في رذه على الكندي : إنك تر كت أن تقسم الواحد والكثرة على ضرب آخر 
من القسمة : 

إما غفلة إن كنت لم تعرفه. 

- وإمأ تغافلاً إن كنت قد عرفته وتجاوزت ذكره. 

لا تقول النصارى: إن الواحد ثلاثة والثلاثة هى واحد» على واحد من هذه الوجوه الثلاثة 
التي عددتها. 

وذلك أنك تركت ذكر الواحد الذي هو واحد (بالنسبة) كما يقال أن نسبة المعين (النبع) إلى 
الأنهار الستمدةٍ منه ونسبة الروح الذي بالقلب إلى الروح (الدم) الذي في الشرايين واحدة بعينها. 

وتركت أيضا قسمة الواحد بالعدد إلى أقسامه الثلاثة التي ينقسم إليها وذلك: إنه يقال واحد 
بالعدد (كالمتصل). 

كما يقال جسم واحد بالعدد وسبطج واحد بالعدد وخط واحد بالعدد وما أشبه ذلك. 

ويقال أيضاً: واحد بالعدد للأشياء التي يقول الدال على ماهيتها واحد كالشمول والخمر 
والحمار والعير والجمل والبعير. 

وأيها فإنك تركت أن تقسم الواحد الكثرة على ضرب آخر من القسمة. قد يكون الواحد واحداً 
ف الموضوع ل في الحدود أي يصدق عليه حدود كثيرة مثلما يصدق ف زيد وهو موضوع واحد 
حد الحيوان وحد الناطق وحد المائنت(88). ٠‏ ثم ألف يحيى كتاباً كبكياً ف سبعة أبواب عنوائه (في 
صحة اعتقاد النصارى في التثليث والتأنس والرد على اليهود والمسلمين). قال فيه (إن الله كامل 
وبلا عيب من جهة أنه جوهر حي عالم). وقال: (ولله ذي الجود والحكمة والحول ولي العدل 
وواهب العقل). وكان في ذلك يوحد الله ويذكره قِ ثلاث خواص هى (الجود والحكمة والعدل). 
كما كان يحيى النحوي يقول في تثليثه (جوهر حي عالم) أو كما قال برقلس: إن الجواد هو الأب 
والذي يتصف بالحكمة هو الابن والذي يتصف بصفة القدرة هو روح القدس. عند وصف الله 
بالأقانيم الثلاثة (الجود والحكمة والقدرة)(89), 

كان أبو عثمان الجاحظ يشترك في المناقشات والمناظرات مع النصارى في التثليث إلا أنه قال: 
«ولو جهدت بكل جهدك وجمعت كل عقلك أن تفهم قولهم في المسيح لما قدرت عليه حتى تعرف 


58 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


به حد النصرانية وخاصة قولهم في الإلاهية:(90) فإذا سألتهم عن عيسى بن مريم كيف يكون إلهاً 
وهو الموصوف بجميع صفات الإنسان؟ قالوا لك: إنه لم ينقلب عن الإنسانية ولم بغرا عن جوهر 
البشرية ولكن لما كان اللاهوت فيه صار خالقاً وسمى إلها1ى ودليلهم على ذلك: كيف يجوز أن 
يتكلم صبي في المهد؟ فاذا أجبناهم بقوله تعالى : «إذ قال الله لعيسى بن مريسم اذكر نعمتي عليك 
وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد»(92). أجابونا: «إنا تقولنا وروينا عن 
غير الثقاة ولو كان ذلك حقا ركلام المسيح قي المهد) لكنا نحن عليه أحرص)(93). أي هم 
النصارى. 

سنرجع إلى فكرة التثليث كما هي عند يحيى النحوي ونرى مدى تأثيرها في الفكر الإسلامي 
والسيحي عا قال الفيلسوف اليهودي موسى بن ميمون (ت: 606 ه/ 1204) في كتابه دلالة 
الحائرين الفصل 71 ج11 ص 94. قال: «فلما جاءت ملة الإسلام وجدوا كلام يحيى النحوي وابن 
عدي وغيرهما في هذه المعاني (يقصد تشييه الله بالعقل والعاقل والمعقول) فتمسكوا به وظضروا 
بمطلب عظيم بحسب رأيهم»(94). 

سأتحدث عن فكرة التثليث عند شراح مدرسة الإسكندرية ومنهم يحيى النحوي. 

الشخص الأول 


وقد أطلق عليه أتباع المذهب الأفلاطوني اسم الله الواحد الجواد أو العقل. هو جوهر يعلو على 
الكون مكتف بذاته» لا تجوز عليه الصفات» بل يكفي القول أنه موجود وهو حاضر في كل شيء) 
دون أن يحصره مكان وهو غني عن الكائنئات التي صدرت عنه(95). وهو الأب في الثالوث المقدس 
في اللاهوت المسيحي. إما عند فلاسفة الإسلام فما أخذوه منه هو قولهم: إن ثبوت الصفات لله 
محال في العقل لأنه يلزم فيه التركيب والحدوث بخلاف الذات(96). 

قال الفارابي عن اللّه : «إنه قائم بذاته مئذ الأزل ووجوده خلو من كل مادة وليس له صورة 
فهذه الصورة لا تكون إلا في المادة» وهو عقل محض ومعقول محض وعاقل محض فوجود الله إذن 
بسيط غير مركب وهو تام الوجود(97). وهو بهذا ينكر الصفات التي تنتسب إلى الله وتابعه في هذا 
المعتزلة والإسماعيلية من المذاهب الإسلامية. قال الداعية الإسماعيلي أحمد حميد الدين الكرماني 
(ت 412 ه) إن أصدق قول في التوحيد والتسبيم والتمجيد والإثبات يكون من قبل نفي الصفات 
الموجودة وسلبها عنه(98). 

الشخص الثاني : 

هو الكلمة أو اللوغوس ‏ قد صدر عن الواحد وإذا تصورناه على ما تصوره أفلوطين فإنه يشبه 
قرص الشمس الباعث للضوء والحرارة وكلها شيء واحد فالرائي والمرئي شيء واحد وكان يحيى 
النحوي يسمي الكلمة بالعقل الفعّال وهو ضرب من الإله الخالق الذي تصدر عنه كل العقول 
الخاصة. وعلمه ليس سوى جوهره فهو لا يحتاج في علمه إلى ذات أخرى خارجة عن ذاته يستفيد 
من علمها بل هو مكتف بجوهره في أن يَعْلمَ ويُعلم. جاء في الفكر الإسماعيلي تفسير لحديث رسول 


59 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


الله (أول ما خلق الله العقل. فقال له أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبرء ثم قال له: وعزتي 
وجلالي ما خلقت خلقا أجل منكء بك أثيب وبك أعاقب». فالعقل عندهم أول مخلوق وقد وحّدوا 
بيئه وبين الله وقالوا أنه كلمة الله التي يخلق بها الله العالم ويدبر أمور الكون. قال الكرماني: إن 
اسم الألوهية لا يقع إلا على المبدع الأول. والعقل الأول يقال له العقل الكلي والموجود الأول 
والسابق والقلم والكلمة وغيرها. والعقل الثاني يطلق عليه النفس الكلية واللوح والمبدع الثاني 
والتالي(99). وهذه الفكرة أخذ بها الموحدون الدروز فيما بعد. 

الشخص الثالث 

الروح القدسء أو النفس الكلية. وهو أدنى الثلاثة منزلة» ولكن لديه القدرة على خلق 
الكائنات الحية والكواكب وله جائبان: 

جانب باطني يمس العقل الإلهي. 

وجانب خارجى يمس الطبيعة. وله القدرة على تحريك الكواكب الثابتة. 

بهذا الشرح أخذ الفيلسوف الأندلسي ابن رشد (ت 595 1098) قال: إن حركات الأجرام 
السماوية لا يمكن أن تصدر من غير روح ولكل مدار من مدارات الكواكب عقل هو صورته والرغبة 
هي المحرك التي تطبعها كل العقول باستمرار باحثة عن الأصلح. قال إرنست رينان هذا الششرح 
هو شرح يحيى النحوي وجميع شراح العرب بلا استثناء(101). 

وبهذا الشرح أخذت الطائفة الإسماعيلية عندما جعلت النفس الكلية دلالة على الإمام الأمباس 
المفسر. لقول الإمام الناطق قال القاضي النعمان بن محمد المغربي: «فكان الناطق مشلا على العقل 
الكلي ف عالم الترتيب (عالم الغيب) وكان الأساس مثلاٌ على النفس الكلية)(102). وبهذا التفسير 
أخذ حمزة بن علي عند الموحدين الدروز. 

من أين جاء م هذا التفسير؟ 


قال إرئست رينان : ولا بي ينبغى أن يبحث عن مصدر مسن غير المعطيات الإسكندرائية أو قِ 
مذهب مثلثى الآلهة الذي 5 بشدة من علماء الكلام المسلمين السئة)(103). 
الخاتمة 


حاولت في هذا البحث إعطاء صورة عن نشاط وفلسفة يحيسى النحوي من خلال الإطار 
التاريخي العام الذي ساد في مديئة الإسكندرية قلب العالم الملتحضر انذاك والتي وصفها رينان 
بقوله : «لكي يكون الإنسان فيلسوفاً لا بد له أن يكون إسكندريأ(104). وعليه بينت أن يحيى 
النحوي كان حصاد عصره الثقائي. 

وحاولت ايها إلقاء الضوء على جوائب متعددة من نشاطه الفلسفي اللاهوتي لاعتقادي أن 
تاريخ الشرق القديم كان في معظمه يحركه الفكر الديني. نطبقاً لهذا الاعتقاد ألقيت الضوء على 
الصراعات الدائرة بين الفلسفات الوثئية الإغريقية والفلسفات المسيحية عند أصحاب الفرق 


100 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 


والمقالات قٍُ أجوبتهم على الأسئلة (من نحن؟.. من أين جثنا؟.. وإلى أين المصير؟..) واعتمدت 
على الخطاب العقلانى الذي قدمه يحيى النحوي. 

ثم بينت أن فلسفة يحيى النحوي لم تكن سوى تأويل وشرح لنصوص فلسفتي أفلاطون 
وأرسطو بالإضافة إلى المذاهب الفلسفية المعاصرة له. وتبين لي أن فلسفته لا تسمو إلى مرتبة الإبداع 
الفلسفى التى تؤهله لكى يكون صاحب مذهب خاص به بقدر ما تعكس قدرته الفائقة على التنظيم 
في الشرح والتأليف المدرسي. 

وتوصلتك إلى النتيجة التالية: إن فلسفة يحيى النحوي أو قل شروحه الفلسفية جديرة 
بالإعجاب لسببين: 

أولاً ‏ لأن فلسفته عكست علوم عصره كافة. والإبداع الفلسفي لا يعني ابتعاد الفيلسوف عما 
يحيط به من فكر فلسفي بل يكون بقدر الاندماج فيه. 

ثانيا ‏ كانت فلسفة يحيى النحوي الشرارة التى أورت زئاد الفكر عند علماء الكلام المسلمين 
ملبية حاجة مجتمع صاعد إلى المعرفة خصوصا في بلاط الحاكم بأمر الله في القاهرة. 

وقصارى القول: إن فلسفة يحيى النحوي بعد أن تفاعلت مع الفكر العربي والسرياني صارت 
جزءا من التراث الثقافي العالمى الشامل. وفي شهم تلك الفلسفة مساهمة جدية في فهم تراثنا العرببي 
المشترك لإزالة كافة حواجز الوهم بين أبناء الوطن الواحد. 


101 


.01:1 'ككاء االتدع131013/ط. 17717177 11010 1001111030 


مراجع الفصل الخامس يبحبى النحوي 
وأثره في الفكرين الحراني والإسلامي 


1 العلم القديم والمدنية الحديثة ص 2169 جورج سارطون. ترجمة: د. عبد الحميد صبره 
مكتبة النهضة العربية» القاهرة 1960. 

2 - تاريخ حكماء الإسلام ص 240 ظهير الدين البيهقي. تحقيق: محمد كرد على» دمشق 
49 

3- كتاب المجموع ص 182؛: سعيد بن البطريق. تحقيق: الأب لويس شيخوء بيروت 1909. 

4 - ملحق موسوعة الفلسفة ص 2271 عبد الرحمن بدوي. مؤسسة الدراسات والنشر بيروت 
6 

5 كتاب الفهرست ص 315» ابن النديم. تحقيق: رضا تجدد طهران 1971. 

6 مختصر تاريخ الدول ص 102 - 103 أبو الفرج ابن العبري. دار المسيرة بيروت. 

7 الفهرست ص 315. 

8 - حضارة مصر في العصر القيطى ص 0 مراد كامل. مكتبة النهضة العربية» القاهرة. 

9- اللؤلؤ المنثور ص 194» مار أفرام الأول برصوم. حلب 1956, 

0 تاريخ حكماء الإسلام ص 40. 

1 -المصدر السابق ص 39,. 

2 كتاب ذخيرة الأذهان ج1 ص 273. القس بطرس نصريء الموصل 1905. 

3 قاموس الكتاب المقدس ص 2233 ط6. بيروت 1981. 

14 المجلة البطريركية العدد 163» آذار 1997» ص 182. 

5 قصة الحضارة ج11 ص 105» ول ديورانت. ترجمة: محمد بدران القاهرة 1964. 

6 إنجيل يوحنا (14: 2)10 يوحنا (14: 26)» يوحنا (15: 226). 

7 مختصر التاريخ الكنسي ص 35» مطبعة الآباء الفرنسيين ط3 1889. 

8 قاموس الكتاب المقدس ص232. 

9 خريف الفكر اليونانى ص 164؛ د. عبد الرحمن البدوي. القاهرة 1943. 

0 - قصة الحضارة ج11 ص 301. 

1 محاضرات في النصرائية ص 35» الشيخ محمد أبو زهرة. مطبعة يوسفء القاهرة 1966. 


102 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


2 قاموس الكتاب المقدس ص 232. 

3 تاريخ الكنئيسة السريانية الأنطاكية ج2 ص 202 مارغناطيوس يعقوب توما. دمشق 1957. 

4 تاريخ سورية وفلسطين جج5 ص 528؛ المطران يوسف الدبس المطبعة العمومية. بيروت 
2. 

5 ملحق موسوعة الفلسفة ص 273. 

6 اللؤلؤ المنثور ص 194. 

7 - عبر في سير ص 200» الأب أفرام بولس. القامشلي 1963. 

8 - صوان الحكمة ص 299 لأبي سليمان السجستاني. تحقيق: عبد الرحمن بدوي» طهران 
4 

29 - تاريخ حكماء الإسلام ص 89, 

0 الملل والنحل ج2 ص 210» الشهرستاني. تحقيق: عبد العزيز محمد الوكيل» القاهرة 
7 

31 - تاريخ الفلسفة في الإسلام ص 331») دي بور. ترجمة: محمد عبد الهادي أبو ريدة» 
القاهرة 1957. 

2 المصدر السابق ص 330. 

3 - تهافت الفلاسفة ص 228 لأبي حامد الغزالي. تحقيق: الأب بويج» بيروت 1927. 

4 . المصدر السايق صن 52 - 53, 

5 الأفلاطونية المحدثة عند العرب ص 34» عبد الرحمن بدوي. مكتبة النهضة المصرية 
القاهرة 1955. 

6-المصدر السابق ص 243 244, 

7 المصدر السابق ص 246. 

8 تهافت الفلاسفة السائل 12 و21 و28» لأبي حامد الغزالي. تحقيق: سليمان ديناء دار 
المعارف بمصر 1958. 

9 الموسوعة البريطانية مجلد 17 ص 864)» مادة ددددمهائط مهدو» باللغة الإنكليزية. 

0 اللؤلؤ المنثور ص 293» مار أفرام الأول برصوم» حلب 1956. 

41 كتاب الطبيعة لأرسطو ص 17» تقديم: د. عبد الرحمن بدوي. الدار القومية للطباعة 
والنشر القاهرة 1964. 

2 تاريخ الحكماء ص 39, 

3 كتثاب الطبيعة لأرسطو ص 599. 

4 الموسوعة البريطائية مجلد 2 ص 395: باللغة الإنكليزية. 

5 فجر العلم الحديث كتاب عالم المعرفة 220 ج١‏ ص 20» الكويت 1997. 

6 - تاريخ الحكماء ص 245, 


103 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


7 التنبيه واللإشراف ص 11 12»؛ المسعودي. تحقيق: عبد الله إسماعيل الصادي» القاهرة 
8, 

8 تحقيق ما للهند من مقولة ص 17»؛ أبو الريحان البيروني. تحقيق: غدوارد سخاو. لندن 
8657 

9 المصدر السابق ص 111. 

0-المصدر السابق ص 114. 

1 تاريخ الحكماء ص 104. 

2 ابن رشد والرشدية ص 2109 أرنست رينان. ترجمة: عادل زعيتر»ء دار إحياء الكتب 
العربية» القاهرة 1957. 

3 منصطق المشرقيين ص 20» ابن سيناء دار الحداثة» بيروت 1982. 

4 تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية ص 5» مصطفى عبد الرزاق. لجئة التأليف والترجمة 
والنشرء القاهرة 1959. 

5 تاريخ الفلسفة الغربية ج1 ص 273: برترائد رسل. ترجمة : زكي جيب محمود لجنة 
التأليف والترجمة والنشرء القاهرة 1957. 

6 - ابن رشد والرشدية ص 142 143. 

7 - الفيلسوف اللاهوتي موسى بن كيفا ص 2:54 بولس بهنام» لسان الشرق الموصل 1951. 

8 ابن رشد والرشدية ص 108. 

9 رسالة في النفس ص 33 34. ابن العبري. تحقيق: مار أفرام الأول برصوم ‏ القدس 
8. 

0 آراء أهل المديئة الفاضلة ص 84. 

61 -المصدر السابق ص 84. 

2 - رسالة في النفس ص 34 35. 

3 الجمع بين رأي الحكيمين ص 41» الفارابي» القاهرة 1907, 

4 . الفيلسوف اللاهوتى ص 54. 

5 قصة الديانات ص 68»: سليمان مظهر» مطبعة الوطن العربى» القاهرة. 

6 - قرآن كريم» سورة النجم 19. 1 

7 - قرآن كريمء سورة النساء 117. 

8 رؤيا يوحنا (15: 3). 

9 تاريخ أغابيوس المنبجي ص 263» تحقيق: لويس شيخوء بيروت 1907. 

0 الملل والئحل 2 ص 32 33. 

1 العلم القديم والمدئية الحديثة ص 211» جوركا سارطوباء ترجمة: د. عبد الحميد صرة» 
مكتبة النهضة العربية 1960. 


104 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 


2 المصدر السابق ج2 ص 32. 

3 مختصر التاريخ الكنسي ص 274 مطبعة الآباء الفرنسيين ط3» أورشليم 1889. 

4 تاريخ أغابيوس المنبجي ص 323. تحقيق الأب لويس شيخوء بيروت 1907. 

5 قرآن كريم» سورة النساء. آية 157. 

6 قرآن كريم» سورة المائدة» 116. 

7 قضايا المادية التاريخية ص 88؛ أنطو نيوغرامشي. ترجمة: فواز طرابلسي. دار الطليعة 
بيروت 1971. 

8 العلم القديم والمدنية الحديثة ص 217. 

9 طبقات الأمم ص 69 صاعد بن أحمد الأندلسي. مطبعة السعادة بمصر. 

0 ثلاث رسائل ص 75» للجاحظ. تحقيق: يوشع فنكلء المطبعة السلفية القاهرة 1344 ه. 

1 طبقات الأمم ص 70,. 

2 قرآن كريم» سورة الروم آية 1 5. 

3 سيرة ابن هشام ج2 ص 136» تحقيق : عبد السلام هارون. 

4 قران كريم؛ سورة الإنسان آية 23. 

5 مجموعة الرسائل الكبرى ص 9.؛ لابن تيمية. دار إحياء التراث» بيروت. 

6 - قرآن كريم» سورة المائدة آية 72. 

7 زبدة التفاسير من فتم الوزير ص 152؛ للإمام الشوكاني. دار الفيحاء؛ دمشق 1994. 

8 دراسات في حضارة الإسلام ص 19» هاملتون جب. ترجمة: د. إحسان عباس وآخرون» 
دار العلم للملايين 1964. 

9 مقالة في التوحيد ص 112 114» سلسلة التراث العربي المسيحي. حققها: الأب سمير 
خليل اليسوعىء المكتبة البوليسية جوئيه, لبئان 1990. 

0ب العدر السايق عن 127, 

91 ثلاثة رسائل ص 22. 

2 المصدر السابق ص 38,. 

3 قرآن كريم» سورة المائدة» آية 110. 

4 ثلاث رسائل ص 22. 

5 مقالة في التوحيد ص 137. 

6 تاريخ الفلسفة الغربية ج1 ص 456؛ برترائد رسل. ترجمة: زكي نجيب محمودء 
القاهرة. 

7 مجموعة الرسائل الكبرى ج2 ص24؛ ابن تيمية. 

8 آراء أهل المدينة الفاضلة ص 9» الفارابى» القاهرة 1906. 

9 راحة العقل ص 147. تحقيق: د. مصطفى غالب» بيروت, 


105 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


0 المصدر السابق ص 195. 

1 ابن رشد والرشدية ص 137» أرئست ريئان. ترجمة : عادل زعيترء القاهرة 1957. 
2 - أساس التأويل ص 2362 دار الثقافة بيروت. 

3 ابن رشد والرشدية ص 137. 

4 7 المصدر السابق ص 105. 


106 


.01:1 'ككاء االتدع131013/ط. 17717177 11010 1001111030 


الباب الثاني 


ثابت بن قره الحراني 
والأصول الأولى للفكر العربي 


الفصل الأول: حياة ثايت وأهم أحداث عصره 
الفصل الثاني: ثابت بن قره الفيلسوف 
الفصل الثالث: خثابت بن قرة المترجم 

الفصل الرابع: ثابت بن قرة العالم الرياضي 
الفصل الخامس: ثابت بن قرة الفلكي والمنجم 
د الفصيل الننااين كانت ين قرة انظبوت 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 





مم. 01:1 نات االطدع2012ة]/. 7711177 لتم 01020ده1][00 


الفصل الأول 








حياة ثابت وأهم أحداث عصره 


النشأة الأولى بك حران 

ثابت معلما 4 الرقة 

ثابت 4 بلاط المعتضد #ّ بغداد 

نشاط ثابت العلمي والااجتماعي يْ بغداد 
أولاد ثابت زسنان وابراهيم) 

الخاتمة 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 





مم. 01:1 نات االطدع2012ة]/. 7711177 لتم 01020ده1][00 


حياة ثابت وأهم أحداث عصره 


النشأة الأولى 2 حران 


كانت حران في مطلع القرن الثامن الميلادي بجدبعا متعدد الأعراق والديانات, تعيش في ظل 
ثقافة عربية وإسلامية, ولم تعد داراً أو عشاً للوثئنية كما دعاها أهل الزهاء بل أصبحصت مركزاً 
لثقافات متعددة (العربية والآرامية والحرانية). 

في تلك البيئة ولد ثابت بن قرة الحراني سنة (211 ه/ 827م). وكان أجداده يقطنون قرية 
«بيت مارئيوس» إلى الشمال الغربي من حران على مجرى نهر ديصان (الوثاب). 

ذكر كتاب الفهرست أنه «ثابت بن قرة بن مروان بن ثابت بن كرايا بن إبراهيم بن كرّايا بن 
مارئيوس بن سلامانس)(1) وجاء في كتاب مختصر تاريخ الدول» قال ابن العبري: «إنه قرأ كتاب 
ثابت عن تاريخ آبائه وأسرته وأن نسبه كالتالي: ثابت بن قرة بن مروان بن قيُورا بن إبراهيم بن 
قيورا بن ماريئون بن سلومون الصابئ الحراني(2). فالخلاف بين ابن النديم وابن العبري يسير» 
فاسم كرايا يعنى الرجل بالسريائية أو من كلمة كوريا 0118 أي الوجيه في قريته والمسؤول عن 

جمع الضرائب والشرف على المهن والأشغال العامةء» كانت هذه الوظيفة وراثية في العصر 

البيزئطي وكانت تسند إلى الوجهاء في القرية» وظلت هذه المهنة تمارس في العهد الأموي وتسئد إلى 
وجهاء أهل الذمة الذين منهم الكتاب في الدواوين. 

عندما مر الخليفة المأمون بحران عام (218 ه 833) استغرب زي الحرائية وسألهم عن دينهم» 
فقالوا: نحن الحرائية. فقال لهم: أنتم (أصحاب الرأس) أيام والدي الرشيد رحمه اللهء وطلب 
منهم انتحال دين من الأديان التي تقرها الدولة. فأسلم بعضهم وتنصر البعض وبقي (ثابت بن 
قرة) وآباؤه على ديثهم. وكان ذلك مبعث افتخار ثابت بآبائه قال: «عندما اضطر الكثيرون إلى أن 
ينقادوا لتنضلال خوفا من العذاب» احثمل آباؤنا ما احتملوه بعونه تعالى» ونجوا ببسالة ولم تتدنس 
مديئة حران هذه المباركة)(3). 

كانت الحرف والمهن العلمية والبدوية تنتقل بالوراثة وبالتقليد» مما جعل للأسرة دوراً هاماً في 
تنشئة الأطفال وتكوين اتجاهاتهم الفكرية. قال العالم البولوني تاتاربينسكي : لا تعلم بلا تقليدء 
فبفضل أعمال التقليد تتجمع وتمتزج منجزات الأسلاف الأوائل والأحفاد في وحدة متكاملة 
ثامة)(4), 


111 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


كان للمعبد في حران دور هام في حياة الناس» ففيه تنتج بعض السلع المنزلية الهامة ركحياكة 
الثياب وصناعسة السيوف والموازيين وصياغة الحلي). وكان الكهنة يبيعون إنتاجهم ويئالون 
أجورهم» وهذا الشكل من أشكال الإنتاج الآسيوي قد توارثته كهنة حران. 

كان الفرس القدماء يجبرون الأبناء على قبول مهنة الآباء» وحجتهم في ذلك أنه أكثر نجاعة في 
التعليم» وأكثر ثباتاً للطبقات الاجتماعية. أما الصابئة الحرانية فاختيار المهنة متروك لاختيار 
الأسرة» بل وأحيانا للكهنة. عندما يحملون الصبي إلى المعيد» ويدخلونه إلى هيكل الصنائع 
ليعرضوا عليه صور سائر الكواكب » فيتقدم الطفل لاختيار الصورة التى يرغب فيهال. ويقدمون لتلك 
الصورة القرابين ويسلمون الصبي لمعلم الصنعة(5). وقيل أن ثابت تقدم إلى صورة عطارد (الكاتب) 
وبذلك تحدد مستقبله, 

وكانت الدراسة تتم إما داخل المعبد وإما خارجه حسب درجة التعليم. 

الدراسة الابتدائية 


تغيرت أهداف التعليم» وكذلك مناهجهء منذ العصر الأموي, حيئما بدأ الحرانية يقبلون في 
دواوين الدولة» ويسمح لهم بتعليم أبناء المسلمين. أصبحت اللغة العربية هي أداة التعليم في 
المراحل الأولى. وخرج التعليم من حجرات المعبد» وبذلك فقد سريته وخصوصيته. وصار أبناء 
الطائفة يتعلمون في المدارس مع أولاد المسلمين. يتعلمون اللغة والشعر والنحو بل وحتى الفقه 
والحديث وعلوم القرآن كما كان أبو إسحق الصابئي (إبراهيم بن هلال) المتوفى 385 ه يتقن كل 
تلك العلوم؛ وكان شيخ المترسلين والكتاب في عصره. 

مرحلة الدراسة العليا 


تبدأ هذه الدراسة بعد الخامسة عشرة من العمرء صار التعليم داخل المعبد» وتغير المنهاج» 
وبدأت اللغتان السريائية واليونانية تعلمان إلى جانب اللغة العربية. وبدأت دروس الفلسفة 
والرياضيات والفلك والمنطق والطب تدرس بهذه اللغات الشلاث وصارت كتب أرسطو وأفلاطون 
وبطليموس وإقليدس وجالينوس هي الكتب المعتمدة. واحتلت مادة (الترجمة والتفسير مكانها في 
المنهاج. كان المعلم يبدأ درسه بقراءة النص من السريانية أو اليونانية» بعد التحقق من صحته 
وعدم انتحاله » قراءة سليمة وبلغة واضحة, ثم يبدأ بشرح الكلمات الصعبة والغريبة لإزالة 
الصعوبة في فهم النص. 

ار رلا ا د 
الطلاب ينقل النص إلى اللغة العربية في عمل جماعي مشترك» وكانوا ينقلون المعنى بحرية ثم 
يصوغونه بألفاظهم الخاصة. وإذا صعب عليهم مقطع أو فكرة في النص أو صعب عليهم ف ع 
مرادفات بعض الكلمات كان المعلم يسمح لهم بإبقائها بلغتها الأصلية ريثما يجد (هو أو هم) مشتقاً 
يتئاسب مع المعنى الجديد ف اللغة العربية. 


112 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


كانت عملية التذكر هي عماد التعليم؛ وكان المعلسون يضعون الجوامع والمللخصات لكي 
يحفظها الطالاب غيبا» ثم يقوم الطلاب بشروح أخرى تحت إشراف المعلم ليتعود الصلاب حرية 
البحث والتفكير. 

برز ثابت بن قرة بين أقرانه وتميز بعقليته الموسوعية في الفاسفة والرياضيات وتخرج من 
المدرسة واحدا من أبناء العهد (بناي قيوما) وصار له الحق في كشف الأسرار وتفسير كتب أفلاطون 
وأرسطو وإقليدس وبطليموس وغيرهم ودعي (صديقياً) والصديقيون هم الحكماء الإلهيون أو من كان 
حكيما كاملا في أجزاء علوم الحكمة(6). قال عنه ابن النديم في كتاب الفهرست: «وكان 
مدي 7 ولكن المحقق أصلحها وجعلها «وكان صيرفياً» مقارناً إياه بصديقه ونظيره في الحكمة 
حئين بن إسحق العبادي (توفي 264 ه). 


ثابت بن قرة معلماً في حران 


تصدر ثابت للتدريس منذ عام (230 ه 845). وذاعت شهرته فى ديار مضر. كائت الديانة 
الحرانية ديانة نجومية» تجل وتعظم كتب بطليموس الفلكية» وعمل لها شابت أرصاداً في حران 
وترجم بعضها معتمدا على النصوص السريانية واليونانية. أما في الهندسة فالكتاب المعتمد هو كتاب 
الأصول لإقليدس قام ثابت بشرحه كما شرع بترجعته. ومنذ أيام شبابه تصدى للبرهنة على مسلمة 
إقليدس في الخطين المتوازيين. وحاول ثابت تحويلها إلى نظرية وكتب عنها رسالة بعنوان: 
«البرهان في أن السطرين المستقيمين إذا ضبطا على أقل من متوازيين مستقيمين التحما عاو 

ومن الكتب التي درسها كتاب المخروطات لأبولونيوس الصوري» وكتاب الإيقاع الهرموني 
لأستكسينوس التارنتي (عاش حوالي 350 ق.م) لأ: ن الموسيقى جزء من منهاج الرياضيات» ويبدو أن 
ثابتك لدرشة باللغة السريائية حسب رواية القفطي. 

وفي الطب درس كتب جاليئوس البرغامي  130(‏ 202) وكان يسميه (بالحكيم الفاضل) وكان 
يعتمد حكمة أبقراط في الطب (إن حفظ الصحة هي دفع المرض بما يضادهم). 

وفي الفلسفة اتخذ ثابتث الشاب و رار عند كين الخرا فهو قد أعلى من الحرية 
العقلية» وإن الإنسان لا يحتاج إلى الشرائع لأن العقل وحده كاف ولا حاجة للوحي الإلهيء من 
هنا بدأ الخلاف بينه وبين الكهنة الذين استعدوا عليه السلطة. ولكن كثيراً من الشباب كائوا معه., 
قال القفطي : «إنهم صاروا من المغالاة» ما لا يكون بين غيرهم » وإن بعضهم يسعى في بعض ويميج 
عليه إن وجد لذلك سبيلا»(9). 

زاد ضغط الحياة على ثابت مما اضطره إلى الهرب إلى كفر توثاء ومنها انتقل إلى الرقة. 


ثابت معلما 4 الرقة  234(‏ 250ه) 


في سئة (225 ه/ 840) في أول حزيران حدثت هزة أرضية في حران والئناس نيام فسقط كثير 
من البيوت وتصدع معبدهم وسقط ثمائية عشر برجا من سور المديئة وماث مهم زهاء مائتا 
نسمة(10). 


. 3 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


وعلى إثر هذا الحادث الأليم هاجر كثير من الحرائية إلى مدينة الرقة» ومارسوا فيها الحرف 
اليدوية كصناعة الموازين والإسطرلابات وحياكة الثياب. وكان في المدينة جالية كبيرة من المسيحيين 
وعلى رأسهم البطريرك مارديونيسيوس التلمحري (818م - 845) وازدهرت الحالة العلمية. 

وعندما تولى الحكم الخليفة المتوكل (232 - 247 ه) أصدر فوا لأهل الذمة في سامراء وبغداد 
والرقة بأن لا يتعلم أبناء أهل الذمة في مدارس المسلمين(11). 

فأنشأ ثابت مدرسة لتعليم الفلسفة والطب والرياضيات والفلك. وانتسب إلى مدرسته كشير من 
أبناء الطوائف الحرائية والمسيحية واليهود وقد حفظ لنا التاريخ ذكر بعضهم. 

من الحرانية: سنئان بن ثابت وإبراهيم بن ثابت ولدا ثابت بن قرة. وابن أخته محمد بن 
جابر بن سنان البتاني وأولاد الصباح الحرانية محمد وإبراهيم والحسين وكانوا من حذاق المنجمين 
وعلماء الهندسة. وقرة بن قميطا وأبو روح الصابئ وإبراهيم بن زهرون قريب ثابت بن قرة. 

ومن السيحيين: أسيد بن عيسى النصراني الذي انتقل مع ثابت إلى بغداد ليعاونه في الترجمة 
وأيوب بن قاسم الرقي وعثمان بن عنيسة اللذان صارا مترجمين ولكن بقيا في الرقة. 

ومن اليهود: يهوذا بن يوسف المعروف بابن أبى الثناء الذي قال عنه المسعودي «تلميذ ثابت 
بن قرة الصابئ في الفلسفة والطب في الرقة من ديار مضره(12). 

وعندما ذاع صيت ثابت طلبه أولاد موسى بن شاكر فلحق بهم في بغداد حوالي سنة (255 هم/ 
9). 

ثابت 4 بغداد: 

جاء ثابت إلى بغداد بطلب من أولاد موسى بن شاكرء وصار لهم معلماً في علم الحيل ومترجماً 
في الهندسة والفلك والحساب. 

كيف توصل ثابت إلى أولاد موسى بن شاكر؟ 

اختلف المؤرخون في ذلك. قال ابن النديم : أن محمد بن موسى استصحبه معه إلى بغداد» لما 
انصرف من بلد الروم لأنه رآه فصيحاً. وقيل أنه قرأ عليه فتعلم في داره فوجب حقه عليه فوصله 
بالمعتضد وأدخله ف جملة المنجمين(13). هذه الرواية لا صحة لها لأن محمد بن موسى بن شاكر 
قد توفي سئة (259 ه/ 873) قبل تولي المعتضد للخلافة بعشرين سنة. 

وحسب رواية البيروني كان ثابت بن قرة يصلح الرصد لأولاد موسى بن شاكر. 

كيفية وصول ثابت إلى المعتضد؟ فهناك اضطراب في الروايات. 

- ففي ا لابن أبي أصيبعة نقلا عن ثابت بن سنان (توفي 4 - 975) (إن الموفق لما غضب 
على ابنه أبي العباس المعتضد بالله حبسه في دار الوزير إسماعيل بن بلبل» فقدم إسماعيل ثا 
إلى المعتضد (في اعتقاله) ليؤنسه وصار ثابت يدخل عليه ثلاث مرات كل يوم يحادثه 0 
قاس يه أبو العياين آتنيا كيرا لا يذكره من أحوال الفلاسفة والنجوم وغير ذلك. فلما خرج 


114 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


المعتضد بقولياً للخلافة. قال لغلامه بدر: أي رجل افتقدنا بعدك؟ فقال بدر: من هويا سيدي؟ 
قال المعتضد: ثابت بن قرةر14) ومنذ ذلك الوقت صار ثابت أصل مكانة الصابثة في هذه البلاد 
وقربهم الخلفاء. ومن بعده ثبتث ثبتت أحوالهم وعلت مراتبهم وبرعوا(15). 

وفي رواية المسعودي: «حين وافى ثابت المعتضد بطلب من وصييف الخادم سئة 279 ه قن إلى 
بيت أنطاكية (بحران) وقدم القرابينٍ فيه الغييراً عن شكره(16). وعلىي كل حال وصل ثابت إلى 
بلاط المعتضد وكان عالما موسوعيا ذا فصاحة وكان مترجماً بارعاً ومصنفاً للكتب بالعربية 
والسريائية وكان بهما على أتم ما يرام(17). 

كان ثابت أحد مذنجمي المعتضد الذي سألهم : ذات يوم عن حال السنة المقبلة» عن (سئة 284 
هم 6) فقالوا كلهم : إن الأمطار ستهطل دوا وتفيض الينابيع وتغرق بغداد» ويهلك خلق 
كثير. إلا ثابتاً فإنه خالفهم. قال ابن العبري: «غير أنه منذ فاتحة السنة وحتى خاتمتها لم تسقط 
على الأرض نقطة مطر. حتى أن الينابيع جفت فاعترى المنجمين الخزي والخجل»(18). فسأل 
المعتضد أن يضع له ثابت كتاباً ف الأنواء فكان ما طلبه(19 مودعاً فيه خبرة الحرائنية ونجد له 
شما قُْ كتاب الآثار الباقية للبيروني. 

كان المعتضد يسأل ثابت بحضور معلمه الفيلسوف الثابه أحمد بن الطيب السرخسي»؛ وكائيض 
أجوبة ثابت تئال إعجاب الخليفة وجلسائه ثم جمع ثابت تلك الأجوبة وصنع منها كتابا 3 
من جرنين ف لحو وائتي ورك 0007 . 

كتب الحرائية كتباً ف فضائل ومكانة ثابت» غلفوها بهالة مجدهم الغابر المفقود وعزهم 
الزائل» وحاضرهم النكود» طبقاً للمشل الفرنسي القائل: «جروح اليوم تصرح وججروح الأمس 
تغني). 

كان المعتضد قد أقطعٍ ثابتاً ضياعاً جليلة وكان يجلسه بين يديه بحضرة الخاص والعام بيئما 
كان بدر غلام الأمير قائماً والوزير إسماعيل بن بلبل وثابت جالسان بين يدي الخليفة. 

ومن روايات أبي إسحق الصابئ  313(‏ 384 ه) صاحب القولة الشهودة عندما شرع في كتابه 
تاريخ آل بويه : «أكاذيب الفقهاء وأباطيل أنمقها», قال: «إن ثابتاً كان يمشي مع المعتضد في 
بستان الفردوس» وف دار الخليفة ببغداد. وكان المعتضد قد اتكأ على يد ثابت وهما يتماشيان» شم 
سحب المعتضد يده من يد ثابت» ففزع ثابت. فقال المعتضد: يا أبا الحسن» سهوت ووضعت 
يدي على يدك واستئدت عليهاء وليس هكذا يجب أن يكون. فإن العلماء يعلون ولا يعلون(21). 
ولكن أين رقة المعتضد وحلمه عندما قتل معلمه وئديمه أحمد بن الطيب سنئة (286 ه/ 901)؟ 
والمعتضد هو الرجل الذي وصفه المسعودي بقوله : «كان قليل الرحمة سفاكاً للدماء» شديد الرغبية 
في التمثيل بمن فتله. وكان إذا غضب على القائد النبيل والذي يختصه من غلمائه» يأمر أن تحفر 
له حفيرة بحضرته ثم يدلي رأسه فيها» ويطمر التراب عليه» ونصفه الأسفل ظاهر على التراب» 
ويداس التراب» فلا 0 كذلك حتى اتخرج روحه من دبره(22). وله في التعذيب فنون أهونها: 
كان يقام الرجل في أعلى التصن مجرداء موثقاء ويرمى بالنشاب حتى يموت. وسأكثفي بهذا القدر 


115 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


من ذكر أفعاله الشنيعة وقد اخترت أبسطهاء وكان المسعودي يقول عنه: لم يكن له رغبة إلا في 
النساء واليناء(23). 

ألف الحرانية تلك القصص على أثر ما ألم بهم من المحن والمصائب. ففي سنة (320 ه/ 
2) استفتى الحليفة القاهر أبا سعيد الأصطخري» محتسب بغداد؛ في الصابئة الحرائية فأفتاه 
بقتلهم لأنهم يعيدون الكواكب. فغرّمهم الخليفة حتى جمعوا من بينهم مالا كثيرا فكف 
عنهم(24). وفي سنة (350 ه/ 961) استصدر أبو إسحق الصابئ منشورا للحرانية المقيمين بحران 
والرقة من ديار مضر يأمر بصيائتهم وحراستهم(25). وبعدها اختفت هذه الأمة من التاريخ 
بإعلانهم الإسلام. من أقوال ثابت التي تدل على رجاحة عقله وحسن خلقه قوله» ما أحسد هذه 
الأمة الإسلامية إلا على ثلاثة أنفس. أولهم عمر بن الخطاب والثاني الحسن البصريء» والثالث 
أبو عثمان الجاحظ(26). 


نشاط ثايت العلمي واللاجتماعي 


صنف ثابت بالعربية زهاء (150) كتاباً في مجالات متنوعة في الفلسفة والرياضيات والفلك. 
وألف بالسريانية (16) كتاباً في الديانات والعقائد والموسيقا وكانت تلك المؤلفات في إتقانها 
وفصاحتها على ما يرام(27). 

عمل ثابت بصحبة أولاد موسى بن شاكر؛ أصلح لهم النقل:فتاك إعجابهم. وكانت تربطه 
صداقة متينة مع محمد بن موسى. أهداه رسالة تتضمن «إجابة في أمر الزمان)(28). كما أصلح له 
ترجمة حنين بن إسحق للمجسطي إصلاحاً قضى فيه حق إسحق عليه في الصحبة(29). 

كما كانت تربطه بالعالم الفلكي سند بن علي اليهودي الذي أسلم على يد الخليفة المأمون. 
وأرسل إليه سند بعض الأسثلة الهندسية فكتب له أجوبتها(30). 

واعترافاً بفضل الوزير الشكور إسماعيل بن بلبل ذو الخلق الرضي» والعقل الرصين» أهداه 
ثابت كتابا في الشكل الملقب بالقطاع وهو مقالة واحدة في الهندسة. 

وقد ردٌ ثابت في أواخر أيامه في بغداد بالسريانية على الكندي في السكون بين حركتي 
الشريان » أومأ فيه بتغليط الكندي. ثم نقل الكتاب إلى العربية عيسى بن أسيد النصراني» وأرسله 
إلى إسحق بن حنين فاستحسنه استحسائاً عظيماً وكتب إسحق في آخر الكتاب بخط يده يقرظ 
أبا الحسن ثابت ويدعو له بطول العمر ويصفه بالفضل(31). ولكن تلميذ الكندي الغيور على سمعة 
أستاذه أحمد بن كرنيب رد على ثابت بكتاب آخر بعد وفاة ثابت (288 ه/ 902). 

كان ثابت من أصدقاء الشاعر والنديم علي بن يحيى المنجم فألف له كتاباً ضمنه أبواباً في علم 
الموسيقى والغناء العربي. وكان يشرح الأصول لعلم الألحان طبقا للعلم الرياضي اليوناني. ذكر 
الأصبهانى في كتاب الأغاني «إن عبيد الله بن طاهر كان يراسل المعتضد باللّه إا استراب جواريه 
على ألسئتهن ومع ذوي الأثمن عنده كعلي بن يحيى المنجم وأحمد ابن الطيب وثابت بن قرة 


116 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 


الحراني بذكر النغم وتفصيل مجاريها ومعانيها. حتى فهم ذلك ووضع لحذاًء فجمع النغم العثرة 
على التوالي فجعلها على الصوت الأخير على التقديم والتأخير في قول دريد بن الصمة: 
يا ليتني فيها جذع ١‏ أخب فيها وأقع 

وصنع صنعة جيدة. منها ما سمعنا من المحسّئين والمحسّنات وفيها ما لم نسمعه مبلغاً نحو 
خمسين صوتا وقد ذكرنا لك ما صلم منها في أغاني الخلفاء:32). 

وبمساعدة وتوجيه ثابت جمع يحيى بن على المنجم (ت 300 ه/ 912) غناء عريب البرمكية 
من صحفها ودفاترها وقدمه للخليفة المعتمد فكان ألف صوت(33). كما ألف رسالة في الموسيقا 
وكتاباً في النغم أشار فيه إلى من جمع العلم بالصناعة والعمل وبين أصحاب الموسيقى من الفلاسفة 
القدماء في عدد النغم(34). وقد نوه فيه بفضل ثابت بن قرة. وعندما توفي ثابت رثاه يحيى بن 
علي المنجم بقصيدة طويلة » أورد منها هذه الأبيات(35): 


ألا كل شىء ما خلا الله مسائت ومن يغترب يرجى ومن مات فائت 
نعينا العلوم الفلسفيات كلها خبا ئورها إذ قيل قد مات ثابت 
وأصبح أهلوها حيارى لفقده وؤال به ركن هخ الله فايك 
عجبك لأرض فيبتك ولم يكن لزقبيت فيا يذللة الدمين قنابت 


تهذبثت حتى لم يكن لك مبغض ولا لك لما اغتالك الموث شسامت 

عاش ثابث بن قرة الحرائى سبعاً وسبعين سئة قمرية( 211‏ 288ه). ومن الصفات التى 
نسبها إليه قومه الحرائية» القدرة على إحياء الموتى «قصة القصاب الذي مات بالسكة؛ وأعاد إليه 
ثابت الحياة بعد يوم من وفاته». وقال عنه ابن أبي أصيبعة أنه لم يكن في زمانه من يمائله في 
صناعة الطب ولا غيره من جميع أجزاء الفلسفة(36). بينما يرى سليمان بن حسان المعروف بابن 
جلجل «أن الغالب عليه الفلسفة دون الطب»(37). 

أولاد ثابت بن قرة 

سنان بن ثابت (توفٍ 1 هم 943) 

ولد في الرقة وانتقل مع والده إلى بغدادء وصار طبيب الخليفة القاهر» الذي دعاه إلى الإسلام 
فهرب إلى خراسان؛ ثم عاد بعد وفاة الخليفة إلى بغداد وأصبح طبيب الخليفة الراضي الذي دعاه 
بدوره إلى الإسلام؛ فأسلم سئان على يدي الخليفة وكتب له كتابا شرح فيه مذهب صابئة حران. 

دعاه الوزير بجكم التركي إلى واسط لمعالجته فأشفاه. وعاد إلى بغداد وكلفه الخليفة بامتحان 
أطباء بغداد وكانوا حوالي 860 طبيبا. وفوّضه الوزير على بن عيسى الجرام (توفي 334 ه/ 941) 
بالإشراف على طبابة السجون وأهل السواد من كل الملل بل وحتى الحيوانات كائت تنال الرعاية 
الطبية. وكان العلاج يعض مانا 


117 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


كتب ثابت بن قرة ة كتاباً خصه لابنه سنان لوحده «في الحث على تعلم الطب والحكمة)(38). 
عاش سنان ورا طويلة حتى أربى على التسعين. 

إبراهيم بن ثابت 

كان شاباً مقدماً في علم الهندسة» لم ير في زمانه شابا أذكى منه. توفي في الأربعسين من عمره 
أثئاء حياة والده. كان فاضلاً نبيها؛ ألف عدة كتب في أغراض المجسطي لبطليموس » وفسّر المقالة 
الأولى من كتاب المخروطات لأبولونيوس النجار(39). كتب له والده كتاباً بالسريانية في علم النجوم 
والهندسة. قال القفطي: «رأيته بخطه وعليه عبارة ترجمتها: ”ما عمله ثابت للفتيان أبقاهما 
الله “(40). 

غاية القول: 

إذا كان الحرانيون قد زالوا قبل مطلع القرن الخامس الهجريء فما العوامل التي أسهمت في 
اضمحلالهم؟ الإجابة على هذا السؤال الشائك والمعقد» متعددة المناحي والجوائب 

قال بعضهم: إن الإسلام كدين سماوي قَدّم منظومة من الأفكار عن الله والعالم والإنسان أكثر 
عمقا من الفكر الحراني الوثني. 

وقال آخرون: بل إن كل جماعة ذات ديائة سرية ومغلقة كوّنوا نسقاً من المفاهيم والرسوز عبر 
تاريخهم الطويل» ارتبطت بطقوس وشعائر كانت تمارس في معابدهم السرية. مما يزيدفي ترابطهمء 
وعندما انتقل الحرانية إلى بيئة مغايرة» ووسط لم يسمم لهم بممارسة تلك الطقوس والشعائر» 
ضعفت الروابط بينهم واشتد الخلاف مما سهل قبولهم للدين الإسلامي دون إكراه. 

ورأى البعض : 8 يتخل الحرائية عن عقيدتهم طوعاً: بل تحت الشعور بالدونية أمام 
المسلمين. لا سيما وأن الحرائية كانوا يتقلدون المناصب العليا في الدولة وفي الوقت نفسه يدفعون 
الجزية علامة الصغار والدونية. هذا الشعور دفعهم لقبولهم الإسلام. 

وفي ظني أن الحرانية ضعفت» بعد طول احتكاكهم واطلاعهم على ديائات الشعوب الأخرى 
ففقدت عبادة النجوم» والتقرب إلى الشياطين سحرها أسام جاذبية تعاليم الإنسادم السمحةع 
وأدركوا أن الكواكب والنجوم كائنات لا عقل لها ولا تدبير. فآثروا الإسلام بعد أن سربوا موروثهم 
الوثني القديم وكيّفوه بما يتفق والإسلام وأودعوه رسائل إخوان الصفا. 


118 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


حباة ثابت بن قرة 


1 - تاريخ الحكماء للقفطي ص 115» أعادت نشره دار المتنبى بغداد. 

2- تاريخ الزمان لابن العبري ص 48. 

3-المصدر السابق ص 49, 

4 في علم النفس الاجتماعي ص 77. 

5 - رسائل إخوان الصفا ج1 ص 211. 

6 تاريخ حكماء الإسلام ص 220 ظهير الدين البيهقي. تحقيق: محمد كرد علي» مطبعة 
الترقى دمشق 1949. 

7- الفهرست لابن الثديم ص 331. 

8 - تاريخ الزمان لابن العبري ص 48. 

9- تلريخ الحكماء للقفطي ص 120. 

10 - تاريخ الزمان ص 34. 

1 -المصدر السابق ص 37, 

2 التنبيه والإشراف ص 99 المسعودي. تحقيق: عبد الله إسماعيل الصاوي» القاهرة 1938. 

3 بالتيورسيت صن 331 

4 عيون الأنبياء قُْ طبقات الأطباء ص 295» المسعودي. تحقيق: عبد الله اسماعيل 
الصاوي» القاهرة 1938. 

15 الفهرست ص 331. 

6 - مروج الذهب ج1 ص 465. 

7 تاريخ الزمان لابن العبري ص 49. 

8 الضدر الشابق صن 47, 

9 الآثار الباقية ص 241؛ لأبى الريحان البيرونى. تحقيق: إدوار سخاوء لندن 1878» 
أعادت نشره دار المتنبي يبغداد. 1 

0 تاريخ الحكماء للقفطي ص 120. 


119 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 





مم. 01:1 نات االطدع2012ة]/. 7711177 لتم 01020ده1][00 


الفصل الثاني 








ثاببت بن قرة الحراني الفيلسوف 


أثر ثابت بش عصره 

الميتافيزيقا أو العلم الإلهي (الباري تعالى ‏ النفس الكلية 
والنفوس الجزئية ‏ القيامة وبحث الأجساد ‏ النبوة عبادة 
الأصنام وتقديم القرابين). 

تدبير الجماعة واصلاحهم 

فلسفة الطبيعة (الهيولي والصورة والحركة والمكان. وعالم 
الكون والفساد؛ وعلم حوادث الجو). 

علم المنطق. 


.01:1 'ككاء ااتدع1/131013. 17717177 11010 1001111030 





مم. 01:1 نات االطدع2012ة]/. 7711177 لتم 01020ده1][00 


ثابت بن قرة الحراني الفيلسوف 


أثر ثايت ِةُ عصره: 


كان ثابت فيلسوفاً متعدد المواهب وإن غلبت عليه تئزعته الرياضية والفلكية ؛ ورغم أن بعضهم 
عدّه بين الأطباء الكبار وبعضهم بين نقلة العلوم العظام فإئه يظل فيلسوفاً حكيماً ذائع الصيت في 
عصره. اعتبره أبو سليمان المنطقي السجستاني (ت 370 ه/ 981) وهو ممن يؤخذ رأيه بعين 
الاعتبار في تقييم الرجال قال «كان ثابت من الصابئة وله سوى براعته في علوم الأوائل رأسمال 
د وقد رأيت له عدة كتب مصنفة في مذاهبهم هي عمدتهم 0 00 
بلغ من جلالة قدره وعظم محله في العلم أن جعل كالمتوسط بين يحيى النحوي وبرقلس... 
ليلة عند الملك أبي جعفر بن بابويه في سجستان فجرى حديث فلاسفة الإسلام. فقال 5 ما 
وجدنا فيهم ‏ على كثرتهم - من يقوم في أنفسنا مقام سقراط أو أفلاطون أو أرسطوطاليس. 

فقيل له: ولا الكندي؟. قال: ولا الكندي فهو على غزارة علمه وجودة استنباطاته رديء اللفظ 
قليل الحلاوة متوسط السيرة كثير الغارة على حكمة الفلاسفة ‏ وثابت ابن قرة الزم للقطب (قطب 
الفلسفة) وأشد اعتناقا لهذا الفن) ثم جميع الناس يتقاريون بعدهما)(!). 

كان أبو سليمان السجستاني ذا دراية وخبرة واسعة في معرفة فلسفة عصره وفلاسفة الإسلام 
من قبله كالكندي والرازي والفارابي إضافة إلى يحيى بن عدي ومتى بن يونس وهما فيلسوفان 
مسيحيان وغيرهم ولقد ميرٌ ثابت بن قره عليهم جميعاً بل أعطاه القدم المعلى» وكانت كتب ثابت 
ذات طابع ديئي فلسفي. قال عنها أبو الفرج بن العبري (ت 1286): له مصنفات في التعليمات 
الرياضية والطب والمنطق» وله تصانيف في السريائية فيما يتعلق بمذاهب الصابثة في الرسوم 
والفروض والسنن وتكفين الموتى ودفئهم وني الطهارة والنجاسة وما يصلح من الحيوان للضحايا وما 
لا يصلم وفي أوقات العبادات وترتيب القراءة في الصلاة. وأقوالهم قريبة من أقوال الحكماء في 
التوحيد على غاية التقانة)(2). 

إن كل ما يذكر للصائبة أو الحرانية من أقوال وأفكار هي لثابت بن قره الحرائسي حو وهو 
الذي أخرج كتبهم وتعاليمهم من دور السر إلى العلن. وقد درس عليه أبو بكر محمد بن زكريا 
الرازي ت (313 ه 925) الفلسفة والطب في بغداد. ذكر المسعودي لت 346 ه/ 7 إن «طريقة 
محمد بن زكريا الرازي وهو رأي الفيكاغوريين قُِ الفلسنة الأولى وقد صنف كثيراً على مذاهبهم 


123 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


والانتصار لهم ومنها كتابه المسمى القول في القدماء الخمسة على مذاهب الحرانيين بعد سئة 310 
هه(3). وقد أكد صاعد بن أحمد الاندلسى (ت 462 ه/1070) رأي المسعودي بقوله «وقد صنئف 
جماعة من المتآخرين على مذهب قيثاغورس وأشياغه واتفصر فيها للفلسفة الطبيعية الأول القدينة 
وممن صنف قْ ذلك أبو بكر محمد بن زكريا الرازي وكان شديد الانحراف عن أرسطوطاليس 
وعائبا له في مفارقته لمعلمه أفلاطون وغيره وكان يزعم أنه أفسد الفلسفة وغيز كخدرا من أصولها 
ويعلل سيب انتصاره لفيثاغورس وأفلاطون لاستحسانته اعتقاد عوام الصابثة في التناسخ»(4). 

من الآراء التي شاعت حول الرازي أنه قد قافر كقيرا بفلسفة ثابت بن قره الحراني إمام 
الصابئة الحرانية. فعندما ذكرهم نصير الدين الطحوسي (ت 1274) الفليسوف العظيم والرباضي 
المتميز. قال: «وقد نسب بعض السلف القول في قدم الباري والنفس والهيولى والمكان والزمان إلى 
الصابئة الحرانيين وظئوا أن محمد بن زكريا الرازي قد اقتبس مذهبه منهم وعمل فيه كتاباً 
موسوياً برالقول القدماء الخمسة» (5) بل ان المستشرق العبري بول كراوس  1900(‏ 1944) الذي 
أمضى زمنا في دراسة فلسفة ورسائل أبي بكر الرازي قال «أنه ليس هناك فرق بين مذهب الرازي 
والحرانية حتى أن الألفاظ في القول المنسوب إلى الرازي وفي القول المنسوب إلى ثابت بني قره 
الحراني والحرانيين تتفق اتفاقاً تام ونحن نميل إلى أن الرازي هو الذي اخترع لمذهبه ممثلين 
قدماء سماهم صائية أو حرانيين على عادة زمانه (6). 

أن كثرة القصص التي أشيعت حول الحرانييين جعلت المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون 
يقول «إن كل ما يرويه القدماء عن الصابثة الحرانيين هو قصة أدبية» والحقيقة أن له عذراً في ذلك 
القول فأحمد بن الطيب السرخسي (ت 286 ه/ 900) صديق ثابت بن قره ذكر أن للكندي رسالة 
فيما جرى بن سقراط والحرانيين» (7) وقال عن الحرائية «أنه نظر في كتاب يقربه هؤلاء القوم وهو 
مقاللات لهرمس في التوحيد كتبها لابنه على غاية من التقانة في التوحيد لا يجد الفيلسوف إذا 
أتعب نفسه مندوحة عنها والقول بها (8). 

كان ثابت دائرة معارف عصره وكان أحد القنوات الفكرية الهامة التي عبرت من خلالها. 
كثير من العلوم الرياضية والفلكية والمنطقية والطبية بالإضافة إلى الفلسفة وكان يمتاز بعقلية 
تحليلية دقيقة جمعت بين الاعتقاد بالكهانة والطقوس الوثنية وبين الفكر المنطقي الدقيق كل ذلك 
كتبه باسلوب جلي واضح لا غموض فيه وأن كل ما يذكر للصابئة الخرانية من قو أو فكر هو 
لثابت بن قرة الحراني. ولضرورة البحث سوف أدرس فكره الفلسفي ضمن المحاور الاربعة» 
التالية: 

(1) الميتافيزيقا أو العلم الالمي 

(2) فلسفة الطبيعة 

(3) الفلسفة الرياضية 

(4) علم المنطق. 


124 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


أولاً ‏ الميتافيزيقا أو العلم الإلهي 


«الميتافيزيقا» مصطلح فلسفي عني به دراسة المبادئ الأولى للأشياء بغية الوصول إكى الحقائق 
النهائية عن طريق استخدام العقل المحض وقد قال عنه أرسطو هو «علم الوجود من حيث هو 
موجود). يدرس تحته كل ما هو جوهري في الكون لا على أنه أجزاء متفرقة بل على أنة كس 
شامل:(9). وقد عرفه المسلمون والعرب باسم العلم الإلهي. 

وقد كانت أول درجة من النظر في العلوم الإلهية هي معرفة جوهر النفس والبحث عن مبدئهاء 
من أين كانت؟ قبل تعلقها بالجسد والفحص عن معادها إلى أين تكون بعد فراق الجسد الذي 
يسمى الموت» وعن كيفية ثواب المحسنين» كيف يكون في عالم الأرواح؟ وعن جزاء المسيثين 
كيف يكون في دار الآخرة؟ 

وأول طريق هو معرفة العلم الإلهي وكان مكتوباً على باب مجمع الصابئة «من عرف نفسه 
تأله». وهذا العلم يشمل : 

- معرفة الباري سبحائه» وصفة وحدانيتهء وكيف هو خالق المخلوقات وفائض الجود ومعطي 
الوجود وعالم الشهادة والغيب. 1 

- وعلم الروحانيات ومعرفة الجواهر البسيطة العقلية كالعقل الفعال والنفس الكلية المدبرة لعالم 
الأفلاك ومعرفة النفوس الجزئية وكيفية ائبعاثها بعد الممات. 

- وتدبير الجماعة من قبل الأنبياء وتقديم القرابين. 

الباري تعاك 

كان ثابت يعتقد بمذهب الأفلاطونية المحدثة. ويرى الصائع المعبود واحد وكثير. 

أما أنه واحد ففى الذات والأول والأصل والأزل» وأما كشير فإنه يتكثر بالأضخاص في رأي 
العين وهي المدبرات السبعة والأشخاص الأرضية الخيرة العالمة الفاضلة فإنه يظهر بها ويتشخص 
بأشخاصها ولا تبطل وحدته في ذاته(10). وأصل هذه الفكرة يعود إلى برقلس  412(‏ 485) الذي 
عرّف الباري بالجوهر الفرد الذي يكتشف في الكثرة وأن الكثرة تسعى لتحفيق الوحدة(11). 
والعالم يصدر من الله ويرجع إليه والواحد فوق جميعح الموجوداث وليس هو بكائن محدود ولكنه 
شيء فوق الكائنات والأفكار. كان أرسطو ينكر عناية الباري بمخلوقاته لأنه لا علم له بجزئيات 
هذا العالم. ولكن ثابت قال: «إن الله هو المدبر لهذا العالم بواسطة الكواكب الصادرة عن البارئ 
التام الحكمة الذي لا يلحقه سهو ولا غفلة والذي فيه تفيض الحياة كفيض النور عن قرص الشمس 
وهو العقل التام المحض الذي يعرف الأشياء معرفة تامة. قال نجم الدين الكاتبي (علي بن عمر 
القزوينى ت 693/ 1292) في شرحه لكتاب المحصل: قال الحرائية: أما الباري فلا شك أنه حي 
فاعل لهذا العالم المحسوس(12) ولابد من انتهاء الممكنات إلى مؤشر واجب الوجود لا يجوز أن 
يكون حادثا وإلا افتقر إلى محدث فيلزم التسلسل وهذا هو الحال المطلوب(13). وإن كل الأشياء 
تفيض عنه. كما أن العدد أعيان فاضت من الواحد بالتكرار في النفوس. وإن الأشياء كانت في علم 


1045 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 


الباري قبل إبداعه لها. ولو لم يكن الباري موجوداً لم يكن شيء موجوداً أصلاً وإذا بطلت الأشياء 
لا يبطل الباري سبحانه يبطلان الأشياء. 

أقرب الموجودات إلى الباري رتبة ومنزلة هو العقل الذي فاض عن الباري لأن كل موجود تام 
فإئه يفيض منه على ما دونه وإن ذلك الفيض هو جوهره أعني صورته المقومة التي هي ذاه 
ويضرب ثابت مثالا على ذلك حرارة النار التي تفيض منها على ما حولها من الأجسام من 
التسخين والحرارة وهي جوهرية النار المقؤمة لذاتها. وهكذا حكم وجود العالم وبقائه من الباري 
تعالى فما دام الفيض والجود والعطاء متواترا متصلاً فإن وجود العالم من الله وهو لا يوصف ولا 
يجوز عليه خبر موجب(14). 

كيف أخرج الباري تعالى العالم إلى الوجود؟ في هذه المسالة يعطي ثابت جواباً مضطرباً» فهو 

- إما أنه أبدعه دفعة واحدة وأخرجه من العدم إلى الوجود على ما هو عليه. 

- وإما أنه أبدعه على تدرج فأخري الأشياء على ترتيب على مسر العصور والدهور» ويذكر 
شواهد كثيرة 5 على هذا الرأي الأخير. 

هذا التصور للباري سبحانه كان قد نشره بين المسلمين والمسيحيين صابئة حران وهي نظرية 
الفيض الإلهي التي جاءت بها الأفلاطونية المحدثة. ولكن الحرانية نسبوها إلى نبيهم هرمس 
المثلث الحكمة وإلى فيثاغورس الحكيم وكلاهما من أنبيائهم الصالحين. قال دي بور: «وقد أخذوها 
من مؤلفات أفلاطون وأرسطو ممتزجة بالمذهب الفيثاغوري وقد أشاعها ثابت بن قرة وأتباعه 
وعنهم أخذها وطورها الفيلسوف ادم أبو بكر الرازي الذي يقص علينا حكاية الخلق محوّرة عن 
الفكرة الهرمسية لخلق العالم والتي أشاعها في الفكر الإسلامي والصوفي إخوان الصفا الذين هم 
صابئة حران في مظهر إسلامي جديد. قال الرازي: «أول المخلوقات نور روحاني خالص بسيط هصو 
الهيولى صدر عن الباري تعالى أو الأصل الذي تتقوم منه النفوس وهي جواهر روحانية نورائنية 
بسيطة صادرة عن العالم العلوي فبالعقل والنور الفائض من الباري تعالى نشأت النفوس وتبع النور 
ظل خلقت منه النفوس الحيوانية خادمة للنفوس الناطقة(14). 

اعتمدت الحرانية على مجموعة من الكتب السرية منها كتاب العلل أو سر الخليقة وكتاب 
الخواص. وكانوا يتداولونها سرا وهي من كنوزهم الهامة وهي من كتابات أبولونيوس الطواني 
(عاش في القرن الأول الميلادي). رحل إلى الشرق نحو حران ونيئوى والهند ثم عاد إلى روما وقد 
عرفه العرب باسم (بلنياس) واطلعوا على كتابه العلل أو سر الخليقة. وقد أرجع أبو بكر الرازي 
الكتاب إلى زمن المأمون وفيه اقتباسات من كتاب الأسرار المنسوب إلى أرسطو(15). وهناك كتاب 
آخر هو كتاب جماعة الفلاسفة فيه روايات الإغريق عن خلق العالم كأسطورة (جيا) الأرض 
و(كرونوس) السماء ومن مضاجعتهما نشأت مظاهر الكون. والكون حيوان حي حركته من نفسه 
وهو صادر عن مبدأين : 

أحدهما (سام عاقل حكيم هو الباري تعالى). 


126 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


والثاني (هو الهيوك المضطربة). فالباري نظمها ولكنها تمسردت عليه فخرج العالم مضطرباً 
ناقصاً طافحا بالشر. فالباري تعالى لم يخلق الشر والقبائح والأقذار والخنافس والحيات والعقارب 
بل هى واقعة بالضرورة عن اتصالات الكواكب سعادة ونحوسة واجتماعات العناصر صفوة وكدورة 
وما كان من نحوسة وشر وكدر فلا ينسب إلى الباري بل هي اتفاقات وضرورات. وكان يذهب إكى 
أنه لا يقع من أحد فعل ولا ييسر له عمل ولا يترك شيء مما هو مندوب إليه إلا ما قد سبق في 
علم الله الذي يسمى القضاء المبرم والقدر المحتوم اللذين هما موجبات أحكام النجوم وتأثيراتها. 

النفس الكلية والنفوس الجزئية 

اعتبرت الديانة الحرائية النفس الإنسائية قوة خالدة غير متجسدة قادرة على أن توجد 
في انفصال تام واستقلال عن الجسد في عالم آخر. وهذا ما عناه أفلاطون بالفكرة الأبدية 
وعلى عكسه قال الفيلسوف المادي ديمقريطس عن النفس أنها شيء ثانوي بالنسبة للجسد بل 
إن وجودها يتوقف عليه. وكان أرسطو نتاريهها بين الرأيين واعتبرها مبداً يعلو العقل 
ويجري إدراكها بشكل مباشر بطريقة حدسية. ولكن برقلس في شرحه لكتاب النفس قال عنها: 
«إنها دراكة لا تبيد وإنها جوهرء وليست بجسم ولا تلحقها لواحق الجسم. وبهذا أخذت 
الحرانية»(16) وثابت بن قرة. 

فال ثابت في كتابه اختصار العبارة (باري ميناس لأرسطو) عن النفس: إنها بسيطة وجوهرها 
من جوهر الله وهي من ئوره وإن الجري وراء اللذات يحول دون معرفة الأشياء الشريفة وإذا 
فارقت النفس البدن التذت لذة كبيرة لهذا لا يخشى الإنسان الفاضل الموث كما فعل سقراط عندما 
شرب السم طوعاً واختياراً. 

وفي كتاب ثابت في ماهية الموت والحياة» بين صدور النفس الكلية معتمداً على شروح برقلس 
أن النئفس صدرت بتمخض داخلي ضروري اشتق ثق من الواحد وصارت نفس الكون العام التي تحيي 
وتنظم سائر الكائنات التى هي في حنين دائم إلى الرجوع للباري (الواحد) والامتزاج بذاته الأزلية. 
قال الإمام فخر الدين الرازي (ت 606 ه/ 1210) قالت الحرائية: وأما النفس فإنه يفيض عنها 
الحياة فيض النور عن القرص لكنها جاهلة لا تعلم الأشياء ما لم تمارسها(16). وأما المرزوقي 
الأصفهائي (أحمد بن الحسن) فقد أورد عبارة ثابت: «والنفس تفيض منها الحياة كفيض النور 
مترجحة بين النور والعقل كالرجل الذي يسهو تارة ويصحو تارة وذلك أنها إذا نظرت نحو 
الباري الذي هو عقل محض عقلت وأفاقت وإذا نظرت نحو الهيوكى التى هي جهل محض غفلت 
وسهت)(17). 

اختلف المؤرخون المسلمون في طريقتهم بإيراد الشواهد الفلسفية» فبينما يذهب الإمام فخر 
الدين الرازي بذكر الحرائية جملة وهو يعني ما قاله ثابت بن قرة. قال: عنوا بالنفس ما يكون 
مبدأ الحياة وهي الأرواح البشرية والسماوية» ودليلهم على قدم النفس فهو بناء على أن كل 
محدث مسبوق بمادة» والنفس ليست مادة فهي قديمة(19). 


127 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


وعلى عكسه ذهب الفيلسوف ناصر الدين خسرو في كتابه زاد المسافر عندما ذكر آراء الفلاسفة 
في الملائكة وهو لم يقل قالت الحرانية بل قال: «وأما ثابت بن قرة الحراني المترجم كتب الفلسفة 
من اليونانية إلى العربية فإنه أتى على أن الأفلاك والكواكب أحياء ناطقة وذلك أنه قال: إن 
الإنسان ذو حياة ونطق من أجل أن جسده من أشرف الأجساد ولأن أشرف نفس حلت في أشرف 
جسد هو الإنسان وهذه النفس حية ناطقة وهذه مقدمة صادقة ثم قال: إن أجساد الأفلاك والنجوم 
بغاية الشرف واللطافة وفي نهاية الطهارة وهذه مقدمة صادقة ثانية ونتيجة هاتين المقدمتين فأن 
للأفلاك والنجوم أنفساً ناطقة وأنها أحياء ناطقة فهذا برهانه على أن الملائكة هم الأفلاك 
والكواكب وأن هذه أحياء ناطقة209). 

أما النفس الإنسانية فهي مخلوقة منذ البدء ومستقرة في الكواكب والقدر ينزلها تباعاً لتتحد 
بالأجساد عندما تصبح النطفة متهيئة لذلك وأن النفوس الصالحة تسعد بعد الموت برجوعها إلى 
الكواكب» أما النفوس الشريرة فإنها تتقمص بعد مفارقتها الجسد الإنسانى: إما جسد إنسان أو 
جسد حيوان لتتطهر (بالتناسخ) ثم تصعد إلى الكواكب حيث تسعد. 

وقد ذكر ابن العبري: «إن ثابت قال بأن هذه المدة قد تستمر تسعة آلاف دور». 

والفلك والكواكب أنصاف آلهة لأنها غير خالدة وفيها تطوف الأرواح الصالحة والشريرة 
المنبئقة من جزثي الكون. هذه النظرة استمدها ثابت مسن برقلس في كتابه اللاهوت الأفلاطونى 
وأساس هذه النظرية أن النفس هي ينبوع الحقائق وليست الحواس وفي العقل توجد أشكال أزلية 
(المثل الخالدة) لكل ما وجد وما سيوجد والكون نفس صالحة مشتقة أو صادرة عن الباري تعالى وقد 
فسد جزء منها باتحادها مع الهيوك. وفي الإنسان ثلاث نفوس : 1 نفس عاقلة في الرأس. 2 ونفس 
غضبية في الصدر. 3 ونفس شهوانية في البطن. والفضيلة تأتي من الاعتدال في انسجام هذه 
النفوس الثلاث. وقد اعتنق الحرانية فضائل النفس الأربع (العدالة والعفة والحكمة والشجاعة). 

يجب أن يكون الإنسان مطبوعاً على الشجاعة ليسهل عليه الإقدام على الأمور وأن يكون 
مطبوعا على السخاء ليسهل عليه بذل العطية من غير فكر ولا روية وأن يكون مطبوعاً على العفة 
لبسدل عليه اجتناب المحظورات والمحرمات وأن يكون مطبوعاً على الاعتدال ليسهل عليه فصل 
الخصومات والعدل في المعاملات. 

الخلاص الإنسانى 


يعتقد ثابت بن قرة الحراني : أن النفس» حركتها ما يشبه الشهوة إلى التجبل في هذا العالم 
ولا تعلم لجهلها ما سيلحقها من الوبال إذا هي تجبلت ثم إنها عجزت عما أرادت فأعانها الباري 
تعالى على إحداث هذا العالم رحمة منه وعلما أنها إذا ما ذاقت وبال ما اكتسبت عادت إلى عالمها 
وسكن اضطرابها. 

بعد تعلق النفس بالهيوكى أرسل الله لها العقل ليوقظها من نومها في هذا الهيكل الإنسانى 
ليدلها على السبيل إلى عالمها الحقيقي. والوسيلة إلى خلاص النفس من كدورات المادة هى النظر في 


128 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


الفلسفة(21) وهذا ما أشار إليه ثابت في كتابه في الطريق لاكتساب الفضيلة(22) وبين فيه أن 
الخلاص من هاوية الأجسام وأسر الطبيعة التي وقعنا فيها (بجناية أبينا آدم) ونوم الغفلة ورقدة 
الجهالة يتم بالتزود بروح المعارف الربانية والعلوم الإلهية لنسلم من الآفات الطبيعية وأن الجسد 
هو القابل عات والفساد والاستحالة والتغير كالأمراض والجوع والعطش وأما النفس فإنها جوهرة 
روحائية ليس لها من هذه الآفات شيء. 

لماذا لم يكن الخلاص من الباري تعالى؟ 

كان برقلس متناقضاً ف فهمه للعناية الإلهية» فهو يورد شكوكه العشرة حول العناية الإلهية 
وهو بذلك يجاري أرسطو الذي أنكر علم الله بالجزئيات فهو بالتالي لا يعرف شيئا عن حياة البشر 
ولا يعتني بهم. ! إلا أن برقلس في آخر حياته كتب كتابا آخر. سماه ”في العناية والقدر وما 
فينا"(23) عاد ليؤكد أن حياة الإنسان مرهونة بالقدر المقترن بتدبير الكواكب وتأثيرها على 
النفوس البشرية. 

وكان برقلس يؤكد أن النفس بعد انفصالها عن البدن تدرك الحقيقة إدراكاً تاماً. 

القيامة وبعث الأجساد 

القيامة اسم مشتق مشتق في العربية من قام يقوم فياماً والتاء فيه للمبالغة وهي قيامة النفس. والبعسث 
هو انبعاثها من نوم الغفلة ورقدة الجهالة. 

قال الشهرستاني عن خلق العالم ويوم القيامة عند الحرانية: قالوا: ثم إن طبيعة الكل 
والأجرام والكواكب تحدث في كل إقليم من الأقاليم المسكونة على راس كل 36425 سنة زوجية من 
كل نوع من أجناس الحيوان ذكرا وأنثى من الإنسان وفيره فيبقى ذلك الدوع تلك المدة ثم إذا 
انقضى الدور بتمامه انقطعت الأنواع (نسلها وتوالدها) ويبتدئ دور آخر كذلك أبد الدهر. هذه هي 
القيامة الموعودة على لسان الأنبياء عليهم السلام. فلا دار سوى هذه الدار والثواب والعقاب في هذه 
الدار لا في دار أخرى لا عمل فيها(24). 

فرق ثابت بين عقيدته النجومية وعقائد أهل الديانات السماوية. قال: «المنتظرون لأمر القيامة 
طائفتان من الناس: 

الطائفة الأولى (أصحاب الديانات السماوية) 


التي تنتظر حدوثها ع الزمان المستقبل عند خحراب السماوات والأرض وهؤلاء لا يعلمون من 
الأمور إلا المحسوسات ولا من الجواهر إلا الجسمائيات ولا من أحوالها إلا ما ظهر. لا يتحقق 
لديهم أمر البعسث ولا يتصورون حقيقة القيامة إلا إعادة هذه الأجساد برمتها و تلك الأجرام 
والأعراض بعينها ثم يحشرون ويحاسبون ثم يجازون بما عملوا من خير أو شر. 

الجنة: إذا سمعوا بذكرها لا يتصورونها إلا أسورا جسمانية شبه بساتين وقصور وأشجار 
وحورعين وغلمان وأنهار من لبن وعسل على مثال ملذات الدنيا ونعيمهاء وهؤلاء لا يؤمنون إلا 
بظواهر الآيات والأخبار وإنما خاطبهم البارئ بحسب عقولهم ومراتبهم في المعارف. 


129 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 


جهدذم: وهم يظتون أيضاً أن جهنم هي خندق محفور كبير واسع مملوء من نيران تشتعل 
وتلتهب وأن اللّه يأمر الملائكة قصدا منه وغضباأ على الكفار أن يأخذهم ويرميهم في ذلك الخندق 
فكلما أحرقت أجسادهم وصارت فحماً ورماداً أعاد فيها الرطوبة والدم حتى تشتعل من الرأس 
ثانية وهكذا دأبهم محتجين بقوله تعالى: «كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا 
العذاب). يقول ثابت: وهؤلاء لا يعرفون تأويل كتاب الله. 

الطائفة الثانية (الحرانية): 

هذه الطائفة ينتظرون القيامة كشفاً وبياناً وهؤلاء الناس يعرفون الأمور المعقولة والجواهر 
الروحائية والحالات النفسائية. والموت ليس هو شىء سوى ترك النفس استعمال الجسد. وهى 
تتركه لسببين: ْ ْ 

أحدهما طبيعي : هو أن يهرم الجسد على طول الزمن وتضعف البنية وتطفأ الحرارة كما يطفأ 
السراج إذا فني دهنه. 

والثاني عرضي : ترك الئفس استعمال الجسد لسبب عرضي كالمرض من داخل الجسد أو 
كالقتل من خارجه. 

والقيامة عندهم هي بعث النفوس الجاهلة من نوم الغفلة وإحياؤها من موت الجهالة وإن إدراك 
بعث النفوس هو من علم الخواص ولا يتصوره إلا المرتاضون بالعلوم الإلهية والمعارف الربائية. وهم 
لا ينتظرون بعث الأجساد ولا يأملون نشرها. وإن يوم القيامة في قبضة باريه وهو مفتقر إليه في 
دوامه لا يستغني عنه طرفة عين ولا عن إمداد الفيض عنه ساعة, 

وأما عن بعث الأجساد عند الحرائية : 

فإن البعث هو للنفوس. وقيام الأرواح هو الائتباه من نوم الغفلة واليقظة من رقدة الجهالة 
والحياة بروح المعارف والخروج من ظلمات عالم الأجساد والنجاة من بحر الهيولى وأسر الطبيعة 
والترقي إلى درجات عالم الأرواح. 

والغرض من حياة الدنيا وكون هذه النفوس مع الأجساد مدة ماء هو من أجل أن تستقيم ذواتها 
وتكتمل صورها من حد القوة والكمون إلى الفعل والظهور وتخرج النفوس بالآداب والرياضات 
الروحية والنظر في العلوم الإلهية وكتب الأنبياء وكتب الحكماء القدماء فتحيا النفوس بروح 
المعارف فتتنبه من نوم الغفلة وتشاهد دار الحيوان. أما الذي يحفظها فهو سرعة حركة الفلك 
وعندما يسكن الفلك عن الحركة فإن النتيجة بطلان هذا العالم وهذا جائز عندما يتوقف الباري من 
الفيض عليه بجوده فتتهافت السموات وتتساقط الكواكب ويندثر العالم دفعة واحدة بلا زمان. 

أين الجنة وأين جهنم؟ 

الجنة هي صعود الأرواح إلى عالم الأفلاك حيث تفتم لها أبواب السماوات وتدخل مع زمر 
الملائكة. 


130 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


وأما جهنم فموقعها تحت فلك القمر وتبقى الأجسام بها سائحة تنتقل من الكون إلى الفساد 
وتارة من الفساد إلى الكون ن بالتناسخ» فإذا فارقت النفس البدن وتحررت منه تصير نحلا في الجوء 
فتكون ساقحا غير عائد إلى الأنسية ولا قابادٌ للموت. هذا ما قاله فيثاغورس في وصيته لولده. 

إن أرواح الصديقين والشهداء والصالحين تأوي بعد الموت إلى قناديل معلقة تحت العرش» أما 
أروام الفاسقين ذوي الأخلاق الرديئة وأصحاب الموبقات وأهل الجهالة فتبقى أرواحهم عمياء عن 
رؤية الحق فإذا فارقت نفوسهم أجسادهم عند الموث اتخذت أحساما أخرق حسب طباعهم في الحياة 
الدئيا أو تحجب دون السماء وتهيم ف هاوية البرزخ إلى يوم يبعثون. وهذا ما نسبه ابن العبري إلى 
ثابت والحرائية قال: «ويزعمون أن نفس الئاس تعذب تسعة آلاف دور ثم تصير إلى رحمة اللّه). 

وحول إيمان ثابت بالجن والشياطين قال: «أنهم أرواح انسائية حجبت دون السماء وهي تهيم 
قْ الهاوية وهذا ما أكده ايشا أبو الريحان البيروني قال: «فقد أقر بالجن والشياطين جل الفلاسفة 
والعلماء كارسطاطاليس بوصفه لهم بالهوائية والنارية وتسميته لهم بالأناس (هذا في شرح برقلس 
للنفس) وكمثل يحيى النحوي في إقراره بهم كغيره في وصفه لهم أنهم خبائث الأنفس المترددة بعد 
انفصالها من أجسادها الممنوعة إلى وصولها إلى ما هى منه بعدمها معرفة الحقيقة واستعمالها 
الخيرورة (أي الخير) (25). ْ 

قال الشهرستائي: «إئما نشأ أصل التناسخ والحلول من هؤلاء القوم وأن التناسم هو أن تتكرر 
الأكوار والأدوار إلى ما لانهاية ويحدث في كل دور مثل ما حدث في الأول والثواب والعقاب في هذه 
الدار لا في دار أخرى لا عمل فيها وحياتنا الحاضرة إنما هي أجزية على أعمال سلفت منا في 
الأدوار الماضية فالراحة والسرور هى جزاء أعمال البر التى سلفت منا في الأدوار الماضية وكذلك 
الضنك والحزن التي نعاني منها اليوم هي جزاء على أعمال الفجور التي سبقت منا. 

أما الحلول فهو التشخص وربما يكون ذلك بحلول ذاته وربما يكون بحلول جزء من ذائه علسى 
قدر استعداد مزاج الشخص (26). 

النبوة: 

الدين في لغة العرب معناه الطاعة من جماعة لرئيس واحد ولما كانت الطاعة لا تتبين إلا 
بالأوامر والنواهي والأمر النهي لا يعرفان إلا بالأحكام والحدود والشرائط في المعلومات سميت هذه 
كلها شريعة الدين. وأحكام الشريعة على وجهين ظاهر وباطن والظاهر هو أعمال الجوارح والباطن 
هو اعتقادات الأسرار في الضمائر وهذا هو الأصل», 

كان ثابث متسامحاً في رأيه تجاه الديانات الأخرى وكان يذهب مذهب فلوطرخس (45 ب 
5 الذي قال أن جميع أديان الشعوب واحدة لأنه يسود في كل مكان العقل والعناية الإلهية, 
والخلاف هو فقط في تأويل النصوص والعبادة؛ وكان يقول بتناسح الأرواح (27). 

وقال ثابث : «ان اختلاف الشرائع ليس بضار إذ كان الدين واحداً لأن الدين هو طاعة وانقياد 
وأن أوامر النواميس ونواهيها مماثلة لبعضها وإن اختلاف شرائع الأنبياء واختلاف سئئهم بحسب 


131 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


أهل كل زمان وما يليق بهم أمة أمة وقرناً قرئاً مثل شريعة نوم وابراهيم وموسى ررد السيج 
بعدهم وشريعة محمد في آخر الزمان فهؤلاء كلهم دينهم واحد وشرائعهم مختلفة وأن الذين انكروا 
نسم الشرائع لم يعرفوا الفرق بين الدين والشريعة»(28). 

ما سبب اختلاف الشرائع عند ثابت؟ أن اختلاف الألفاط بين القراء واختلاف المعاني بين 
المفسرين واختلاف أسرار الدين وحقائق معانيه المختلفة بين الأثمة والفقهاء كان السبب الأساسي 
في اختلاف الشرائع 

فالإنسان إنما هو جملة مجموعة من جسد نفساني في أحسن الصور ومن نفس روحانية من 
أفضل النفوس وأعلى رتبة ينالها الانسان من جهة نفسه وأشرف درجة يبلغها بصفاء جوهرها هي 
قبول الوحي بما يدرك من المعارف الحقيقية بالقوة الناطقة. فالنبوة هي أعلى رتبة ينتهي إليها 
اليش 

إن نفوس الأنبياء تقبل بصفاء جوهرها الفيض من النفس الكلية بما في الكتب الإلهية التي فيها 
عجائب العلوم الخفية وما وضعت من الشرائع العلمية النافعة للكل؛ والسئن العادلة الزكية 
فاستنقذوا بها نفوسا كثيرة غريقة في بحر الهيولى وأسر الطبيعة» مثل نفوس المخصصين من 
الحكماء التي استنبطت علوماً كثيرة حقيقية واستخرجت صنائع بديعة وبنت هياكل حكيمة 
ونصبت طلسمات عجيبة ومثل نفوس الكهنة المخبرة بالكائنات قبل كونها بدلائل فلكية» (29). 

الأنبياء في عقيدة الصابئة هم فلاسفة وكهنة امتازوا بالأخلاق الحميدة والعقول النيرة والنفوس 
الصافية . والفرق بين النبي أو (واضع الشريعة) والفيلسوف أن واضع الشريعة لا ينسب إلى رأيه 
واجتهاده وقوته شيئا مما يقول 0 ويأمر وبنهى بل ينسبها إلى الواسطة التي بينه وبين ربه 
من الملائكة التي توحي إليه في أوقات غير معلومة بينما الحكماء والفلاسفة إذا استخرجوا علماً من 
العلوم وألفوا كتابا أو استخرجوا صنعة من الصنائع أو بنوا هيكلاً أو دبروا سياسة نسبوا ذلك إلى 
قوة أنفسهم واجتهادهم وجودة أ رأيهم وفحصهم وبحثهم, 

أرى من ذلك النص أن الفيلسوف أكبر قدرة عقلية من النبى الذي هو بريه من المذمومات في 
النفس والآفات في الجسم والكامل في كل محمود وأنه لا يقصر عن الإجابة بصواب في كل مسألة 
ويخبرنا بما في الأوهام ويجاب في دعوته لدفع السيئات عن النبات والحيوان ويكون مذهبه ما 
يصلح به العالم ويكثر به عامره»(30) فهو أقرب إلى الكاهن الوثني من النبي المرسل من اللّه. 

ومن مهام النبوة معرفة كيفية سياسة النفوس الشريرة وردها عن سلوكها وإجراء السئة في 
الشريعة وإيضاح المنهاج في الله وتبيان الحلال والحرام وتفصيل الحدود والأحكام في أمور الدنيا ثم 
التزهيد فيها وذم الراغبين فيها وتفصيل أحكام الخاص والعام وما بينهما من سائر طبقات الناس(! 3). 

يسود المجتع الخراني طبقات أربع ضمن العقيدة وهي : 

طبقة الصديقين: لتصديقهم صاحب الشريعة بالطلب والاجتهاد ونصرتهم له ومعاونته وهؤلاء 
قلة وكان ثابت بن قرة منهم. . ورددات رتبته هذه في إحدى نسم الفهرست لابن النديم ولكنها 
حُرّفت فأصبحت صرافاً. علماً أنه من بيت رثاسة الحرائية وأول من أظهر علومهم المستورة. 


132 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


طبقة الشهداء: سمُوا بذلك لمشاهدتهم تلك الأمور الروحانية المفارقة للهيولى أي أنهم عرفوا 
حقيقة الحياة ونعيمها والأسرار الإلهية والعلوم الروحانية. 

طبقة المؤمنين: هم من قصر فهمهم عن معرفة تلك المعاني وعن تصور تلك الأمور لكنهم أقروا 
بما أخبر به صاحب الشريعة وقاموا بنصرته ومعاوئته صابرين تحت أمره ونهيه. 

طبقة المسلمين: من أقروا بلسائهم وشكوًا فيما قالوا بقلوبهم وقد ذمهم القرآن بقوله: «قالت 
الاعراب: آمناء قل: لم تؤمنوا. لكن قولوا أسلمنا»(32) كان الصابئة يؤمئون بمبدأ التقية» وكانوا 
يظهرون الإسلام اتقاء المحنة ويتسمون بالأسماء العربية بل أن إظهار الإسلام من واجبات العبادة 
الفلسفية وإظهار صالح الأعمال ولكنهم يدعون بالدعاء الأفلاطوني والمناجاة الأرسطوطالية والتوسل 
الإدريسي (الهرمسي) المذكور في كتب ثابت بن قرة(33). 

عبادة الأصنام وتقديم القرابين 

ترك ثابت عدة كتب في عقائد الصابئة وطقوسهم وقرابينهم وأعيادهم وصلواتهم. قال عنها أبو 
سليمان السجستاني (وقد رأيت له عدة كتنب مصلفة ك5 مذاهيهم هي عمدتهم الآن). يبدو أنه رآها 
مترجمة إلى العربية بينما رأاها القفطي بالسريانية منها ما يتعلق بمذهبه «رسالة في الرسوم 
والفروض والسئن ورسالة في تكفين الموتى ودفنهم ورسالة في اعتقاد الصابثين ورسالة فيما يصلم من 
الحيوان وما لا يصلح في أوقات العبادات ورسالة في ترتيب القراءة في الصلاة وصلوات الابتهال إلى 
الله عز وجل (34). 

وبرجم أن هذه الرسائل قد ترجمت إلى العربية وضمنت رسائل أخوان الصفا. الذين بينوا أن 
غرض الفلاسفة الحكماء من النظر في العلوم تخريج تلامذتهم بها والتطرق منها إلى علوم الطبيعيات 
والصعود منها والترقي إلى العلوم الإلهية وكانت غايتهم هو نجاة النفوس من محن الدنيا وشقاوة 
أهلها وإيصالهم إلى سعادة الآخرة ونعيم أهلها متمثلين قول نبيهم فيثاغورس في حد الفلسفة (أئها 
التشبه بالإله بحسب الطاقة الإنسانية). 

وكان الصابئة الحرانية يتقربون بالأصنام إلى الله تعالى بالتعظيم والسجود والقربة إليها ولا 
مضى أولئك الحكماء والربانيون العارفون بالله حق معرفته وانقرضوا خلفهم قوم آخرون لم يكونوا 
مثلهم في المعرفة والفهم والعلم ولم يعرفوا مغزاهم في ديانتهم فأرادوا الاقتداء بهم في سيرتهم 
واتخذوا أصناماً على مثل صورتهم وصوّروا تماثيل على مثل ما فعلت النصارى في بيعهم من الصور 
والتماثيل كصورة المسيحم عليه السلام (35) وأن بدء عبادة الأصنام عند الأمم كافة كان عبادة 
الكواكب وبدء عبادة الكواكب كان عبادة الملائكة وسبب عبادة الملائكة كان التوسل بهم إلى الله 
وطلب القربة إليه. 

قال الشهرستانى إن الهياكل التى بئاها الصابئة على أسماء الجواهر العقلية الروحانية هي 
مدورات منها: هيكل العلة الأولى ودونها هيكل العقل وهيكل السياسة وهيكل الصورة ثم هيكل 
النفس. 


133 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


وأشكال الكواكب السماوية وهي هيكل زحل مسدس (ولم يبق منه سوى الكعبة) وهيكل 
المشتري مثلث وهيكل المريخ مربع مستطيل وهيكل الشمس مريع وهيكل الزهرة مثلث في جوف 
مربع (كأهرام الجيزة) وهيكل عطارد مثلت في جوفه مربع مستطيل وهيكل القمر مثمن(36) 

تنقديم القرابين أو الضحايا: 

وضع ثابت كتاباً في الضحايا والقرابين التي تقدم للهياكل والأصنام في الأعياد. وحسب رواية 
أحمد بن الطيب السرخسي صديق ثابت بن قره قال: ١‏ ولهم قربان يتقربون به وإئما يذبحون 
للكواكب ويقول بعضهم (يعني ثابت) أنه إذا قرب باسم الباري كانت دلالة القربان رذية وما 
يذبح للقربان الذكور من البقر والضأن والمعز وسائر ذوي الأريع ما عدا الجزور ومما ليس له لحم في 
اللحيين جميعا ومن الطير غير الحمام ما لا مخلب له وأكثر ذبائحهم الديوك ولا يؤكل القربان 
ويحرم(37) أما في رواية أبي سعيد وهب بن ابراهيم النصرائي «فإنهم يذبحون الذبائم ويحرقون 
الحيوان أحياء ويفطرون على لحومها(38). 

وأرى أن الصواب ما ذهب إليه إخوان الصفا الذين قالوا بكل صراحة «إن مذهبنا واعتقادنا هو 
مذهب صابئة حران»(39) ثم بينوا لنا طريقة تقديم القرابين والأسباب الموجبة لها قالوا: يا أخي 
أن غرض واخ ضعي النواميس في تحليل ذبح البهائم في الهياكل عند القرابين إنما هو ليس لأكل 
لحومها فحسب بل غرضهم تخليص نفوسها من درحات جهنم عالم الكون والفساد ونقلها من 
حال النقص إلى حال التمام والكمال في الصورة الانسانية)(40). 

مير اخوان الصفا بين القربان الفلسفي وقرابينهم 

1 القربان الفلسفي : 

هو القربان الذي قدمه الفلاسفة والحكماء القدماء إلى الباري سبحائه وكائوا يتقربونمٍ بالقريان 
مع الدعاء المستجاب كما فعل سقراط في شربه السم ثم قال لأصحابه «اذبحوا لي ديكا في معبد 
دلفي:(41). 

2 قربان اخوان الصفا: 

كانوا يوصونٍ ؛ أتباعهم بالقربان الشرعي الإسلامي وذلك لاتخاذهم مبدأ التقية يقولون: «أنك 
متى كنت مقصرا في العبادة الشرعية فلا يجب لك أن تتعرض لشيء ء من العبادة الفلسفية وإلا 
هلكت وأهلكت وأما العمل بالعبادة الفلسفية الإلهية (مذهب الحرانية) فهو الإيمان ولا يكون 
المؤمن مؤمنا حتى يكون مسلما والإسلام سابق على الإيمان»(42) وعندها يحل لأعضاء الجماعة 
تقديم قرابينهم السرية في الهياكل وعن ذلك القربان يقولون: «هو قربان يجمصع بين الخصال 
بأسرها شرعيا وفلسفياً وما تدل عليه الكتب النبوية والتنزيلات السماوية وأفعال الأنبياء واتفاقهم 
على هذه الأعمال وأفعال الحكماء من الفلاسفة القدماء وبناؤهم الهياكل في الأرض على مثل ما هي 
مبنية في السماء»(43). 


134 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


تدبير الجماعة وإصلاحهم: 


وضع ثابت كتاباً بيّن فيه الطريق لاكتساب الفضيلة (44) قال فيه إن الباري سبحانه مبدأنا 
وغايتناء وسعادتنا لا تقوم إلا برجوعنا إليه وأن كان لكل منا عقلا يعرف القبيم وينزجر عنه 
ويعرف الجميل ويأمر به. والكتب الإلهية لها تأويلات خفية باطنة وهى المعانى المفهومة 
المعقولة » وأحكام ظاهرة جلية فيها صلاحهم لدنياهم وفي معرفتهم أسرارها الخفية صلاحهم في 
معادهم وآخرتهم. فمن وفق لفهم معنى الكتب الإلهية وأرشد إلى معرفة أسرارها واجتهد بالعمل 
- الحسنة واتبع السيرة العادلة صلحت نفسه وإذا فارقت الجسد ارتفعت إلى رتبة الملاتكة. 
ثم بيّن الطريق ا إلى تلك الرتبة وهي الالتزام بالفضائل الأربع التي إذا حصل عليها الإنسان 
لن يضره في سعادته أن بكرن فيا ناقص ا أمراض الببدن اللهم ألا يلحق 
النفس مثها مضرة في خاص أفعالها مثل فساد العقل ورداءة الذهن وأما الفقر والخمول وسائر 
الأشياء الخارجية فليست عنده بقادحة في السعادة(45). هذا المقطع مأخوذ من كتاب تهذيب 
الأخلاق لمسكويه الذي فصّل فيه مذهب الحرائية. 

لم يكن ثابت يطمم لاصلاح حياة الفرد الدنيوية من أجل غغرض سياسي أو اجتماعي نفعي 
وإنما كان يطمح لغرض هو نجاة الئاس من محن الدئيا وشقاوة أهلها بإصلاح النفوس عن طريق 
التشبه بالإله. وأفضل العلوم عنده (علم المعاد) وهو معرفة ماهية النشأة الأخرى وكيفية انبعاث 
الأرواحج من ظلمة الأجساد وائتباه النفوس من طول غفلة الرقاد وحشرها يوم المعاد. 

أما بالنسبة لحياة الئاس المعاشية الحاضرة مثل كون الناس أكثرهم فقراء وخوف الأغنياء من 
الفقر فقد حثهم على الاجتهاد في اتخاذ الصنائع والثبوت فيها والتجارات والغرض منها جميعاً 
هو إصلاح الحاجات وإيصالها إلى المحتاجين لأن في ذلك متاعهم إلى حين لتثمم النفس بالمعارف 
لحقيقية والاخلاق الجميلة والآراء الصحيحة والأعمال الزكية ولتتمكن النفس من الصعود إلى 
ملكوت السماء. 

والغرض من صعودها هو النجاة من بحر الهيوكى وأسر الطبيعة والخروج من هاوية عالم الكون 
والفساد إلى فسحة عالم الأبزاج (الجنة) والمكث هناك فرحاً مؤبدا وسرورا مخلدا(46). 

كان صابئة حران اتباعاً للمذهب الفيثاغوري في أفكارهم وعقائدهم وطقوسهم وهم لو 00 
ذلك وقد نيوا ذلك في 0 المعروفة برسائل أخوان الصفا وخلان الوفا وهم القائلون: 
الحكماء الفيثاغوريون فأعطوا كل ذي حق حقه. إذ قالوا: إن الموجودات بحسب طبيعة العدد 
وهذا هو مذهب اخوائئنا وبحسب رأيهم ف 0 الأشياء مواصفها وترتيبهم حق مراتبها على 
المجرى الطبيعي والنظام الإلهي. واعلم يا أخي ايدك الله وايآنا بروح منه أن فيشاغورس كان 
رجلا حكيماً موحدا من «أهل حران» وكان شديد العناية بالنظر في علم العدد وكيفية نشوئه كثير 
البحث عنه وعن خواصه ومراتبه ونظامه»(47). إذن فقد كانت غاية الحكمة في تدبير الناس هى 
خلاصهم من عذابات هذا العالم بالتزود بالعلم الإلهي. 


135 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


ثانيا ‏ فلسفته الطبيعية 
علم الجسمانيات 


4 رواية أحمد بن الطيب السرخسي عن الكندي: إن الحرائية قالوا في الهيولى والعنصر 
والصورة والعدم والزمان والمكان والحركة مثلما قال أرسطوطاليس في سمع الكيان(1) والصواب أن 
ثابت بن قرة عندما شر سمع الكيان لأرسطو شرحه من منظور فكري أفلوطوني وقد مزج بين رأي 
الحكيمين أفلاطون وأرسطو. 

الهيول والصورة والمكان 

الهيولى (المادة) هي كل جسم يعمل منه الصائع وفيه صنعة كالحديد للحداد. والجسم هو الهيوى. 
والهيول هي جوهر بسيط لا يتم وجوده بالفعل دون وجود ما حل فيه (الصورة) وشبه الأوائل طينة 
العالم به. وهيولى الكل هي الجسم المطلق الذي يحصل منه جملة العالم الجسماتي. الأفلاك والكواكب 
والأركان الأربعة (النار والهواء والماء والقراب) والمواليد الثلاثة (المعادن والنبات والحيوان)(2). 

قال نجم الدين الكاشي في شرحه للمحصل: «وأما الهيولى فهي منفعلة لأنها تقبل الصور من 

واهب الصور ولا تصير محلا لهاء ولا معنى لانفعالها سوى ذلك وقد أثبتها أفلاطون خالية عن 
الصور منذ الأزل بيذما قال أرسطو إنها لا تخلو عن الصورة وكان ثابت والحرانية يرون أن الهيوكل 
أزلية قدم الباري تعالى» ولو كانت الهيوى حادثة للزم التسلسل وإن كانت قديمة فهو المطلوب(3). 
وأما عن سبب خلق الهيولى قال نجم الدين الكاشي قالت الحرائية: «وسبب حدوث هذا العالم ف 
الوقت الذي حدث فيه إنما هو التفات النفس إلى الهيولى وهذا المذهب المحكي عن أفلاطون يقول 
بقدم النفوس البشرية)(4). قال ثابت في شرحه لسمع الكيان لأرسطو: «الهيولى كل جوهر قابل 
للصورة والصورة كل شكل أو نفس» واختلاف الموجودات بالصورة لا بالهيولى وذلك أئنا نحجد 
أشياء كثيرة جوهرها واحد وصورها مختلفة كالتمثال الذي يصنع من الحديد والخشب أو الحجر. 
وقد صنف ثابت الهيولى إلى أربعة أنواع : 

1 هيولى الصناعة : وهي كل جسم يعمل مثه الصائع صنعته والأشكال هي الصور. 

2 الهيولى الطبيعية : هي الأركان الأربعة والمواليد الثلاثة. 

3 - الهيولى الكلية: هي الجسم المطلق الذي منه جملة العالم كالأفلاك والكواكب والكائنات. 

4 الهيول الأولى : وهي جوهر يسيط معقول لا يدركه الحس وذلك أنه صورة الوجود وهو 
الهوية ولا كيفية فيها ولا كمية وهي جوهر بسيط قابل للصور كلها. وهذه هي الهيولى الموجودة قْ 
عالم المثل عند أفلاطون. والأجسام كلها جنس واحد من جوهر واحد وهيوك واحدة وإنما اختلافها 
بحسب اختلاف صورها. وبعضها أشرف من بعض كالأفلاك أشرف من عالم الأركان لأنها مكونة 
من طبيعة خامسة وليست مركبة من العناصر الأربعة لا تضمحل ولا تفسد. هذا ماقاله ثابت في 
كتاب السماء وهو قول الحرائية(5). 


136 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


المكان : لغ هو الحاوي للشيء المستقر كمقعد الإنسان من الأرض وهو عند المتكلمين بعد موهوم 
يشغله الجسم بنفوذه» أما عند أفلاطون وأتباعه فالكان هو الحاوي للأشياء وهو أزلي قديم لا متناه 
ولا يصم عليه الفناء. 

وقد بحث أرسطو في مفهوم المكان في كتابه السماع الطبيعي (في المقالة الرابعة: الفصل الرابع) 
وشرحه ثابت بن قرة الحراني(6) فقال بأن المكان موجود وهو يختلف عن أي شيء يتحيز فيه 
وأن العناصر المتحيزة فيه إلى فوق (كاتجاه النار) وبعضها الاآخر تتحرك إلى تحت كالأرض. وقد 
ميز ثابت المكان بالخصائص التالية: المكان هو الحاوي الأول وهو مساو للشيء المحوي وهو ليسس 
سيوك ولا اضورة وله يعدا 0ه لوكان بعد فيجب أن يكون ها هنا بعد ما آخر غير بعد الأثر 
المتنقل. وكان أرسطو قد قال: بأن المكان هو نهاية الجسم المحيط وهو نهاية الجسم المحتوى 
يتماس عليها ما يحتوي عليه أعني الجسم الذي يحتوي عليه المتحرك حركة انتقال(7). 

ميز إثابت) بين الحيز والمكان. فالحيز عنده هو الفراغ المتوهم الذي يشغله شيء ممتد أو غير 
ممتد كالجوهر الفرد. بينما المكان أخص من الحيز والحيز مطلب المتحرك للحصول فيه. والجهة 
مطلب المتحرك للوصول إليها والقرب منها 

كما ميّز (ثابت) بين الخلاء داخل العالم وخارجه. فالخلاء هو أن يكون الجسمان بحيث لا 
يتماسان وليس بيئهما ما يمسهما ليكون ما بينهما بعداً موهوماً ممتداً في الجهات صالحاً لأن 
يشغله جسم ثالث لكنه الآن خال من الشواغل. 

تعرض ثابت في شرحه للسماع الطبيعي لأرسطو للخلاف بين سنبلقيوس ويحيى النحوي حول 
الخلاء والملاء داخل العالم وخارجه. قال ثابت: «إنما ظن من قال بوجود الخلاء لما رأى بعض 
الأجسام تنتقل من موضع إلى آخر فتوهم أنه لولا الخلاء لكان الملء يمنعه من النقلة والحركة. ولو 
كانت الأجسا. م كلها صلبة متماسكة الأجزاء كالحجر والحديد لكان الأمر كما ظنوا ولا كان بعسض 
الأجسام 0 لطيفاً سيالا كالماء والهواء لم يمتنع أن تتحرك بعض الأجسام بين أجزائه كما 
يتحرك السمك في الماء والطير في الهواء وسائر الحيوانات على وجه الأرض. ناصر ثابت رأي 
سنبلقيوس وقال بعدم وجود الخلاء في الطبيعة, 

أما بالنسبة للخلاء خارج العالم؛ قال (ثابت) العقلاء كلهم لم يتفقوا أن خارج العالم جسم 1 
لأن الحس لم يدركه والعقل لم يقض به لأن الجسم ذو نهاية وكل جسم مخلوق وكل مخلوق ذو 
نهاية في أولية العقل وكل جسم مركب من هيوك وصورة وكل مركب ذو نهاية في أولية العقل. 
وإنه ليس في الخلاء قوة جاذبة ولا دافعة لأنه خلاء محض ونفي صرف يثبته الوهم (الخيال) ولا 
يتطابق مع الواقع. 

وحول ماهية المكان. هل المكان جوهر أم عرض؟ فقد عرض ثابت ثلاثة تصورات للمكان: 

1 - من قال أن المكان جوهرء وهو الفضاء الذي يكون فيه الجسم ذاهباً طولاً وعرضاً وعمقاً 
حتى قيل أن المكان مكيال الجسم. وهذا التصور للمكان أخذ به إقليدس. 


137 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


2 - ومن قال أن المكان عرض. أي أن المكان هو الفصل المشترك بين سطح الجسم المادي وسطح 
المحوي. 

3 - ومن قال أن المكان هو الفضاء إنما نظر إلى صورة الجسم ثم انتزعها من الهيوك بالقوة 
الفكرية وسمّاها الفضاء ومن نظر إلى الهيولى سمّاها المكان فإن ذلك يعود إلى أخطاء النفس وتوهمها. 
وتوصل إلى نتيجة مفادها أن مكان كل متمكن هو الجسم المحيط به وهذا هو رأي أفلاطون الذي 
شبه المكان بالوعاء وقال عن المكان «مكان كل شيء هو الوعاء الذي هو فيه). 

عندما نقد أحمد بن الحسن المرزوقى الأصفهائى أبا بكر الرازي رماه بالزندقة لأتباعه ثابت 
والحرانية في معتقداتهم قال: «ومن زعم أن الأولي أكثر من واحد محمد بن زكريا المتطبيب قال 
بالقدماء الخمسة (الباري والهيولى والصور (النفس) والمكان والزمان) اثنان حيان فاعلان وهما 
الباري والنفس وواحد منفعل غير حي وهو الهيولى الذي منه كونت جميع الأشياء الموجودة واثنان 
لا حيان ولا فاعلان وهما الخلاء والمدة (أي الزمان والمكان) وإن الباري تام الحكمة لا يلحقه سهو 
ولا غفلة وتفيض منه الحياة كفيض النور عن قرص الشمس والعقل التام المحض(8). وقد أكد ذلك 
الإمام فخر الدين الرازي بقوله: «قالت الحرانية في إثباتهم للقدماء الخمسة : اثنان حيان فاعلان 
وهما الباري والنفس» وواحد متفعل غير حي وهو الهيولى» واثنان لا حيان ولا فاعلان ولا منفعلان 
وهما الدهر والفضاء(9). 

الحركة والزمان: 

الزمان هو عبارة عن امتداد موهوم غير مستقر الذات متصل الأجزاء وهذا يعني أن أي جزء 
مفترض في ذلك الامتداد لا يكون نهاية الطرف أو بداية لطرف آخر أو نهاية لهما. 

والزمان من حيث هو مفهوم فلسفي أو رياضي وذلك في مقابل كلمة مكان» يستعمل للدلالة 
على الأحقاب الطويلة والقرون ومدة حكم الدول. أما الوقت فإنه يدل على نقط معينة من الزمان 
ثابتة عادة. فيقال وقت انتصاف النهار ووقت انتصاف الليل. وقد قصل (ثابت) ذلك في كتابه عن 
الزمان الذي كتبه لمحمد بن موسى بن شاكر (ث 257 ه/ 0)02) بين فيه أن الزمان يتألف 
من أنات صغيرة غير قابلة للتجزؤ متقطعة بمهل وجيزة جداً (ذرات) ولهذه الذرات عوارض كثيرة 
ولكن لا عارض منها يدوم أكثر من (آن) واحد واللّه يخلقها باستمرار» وعندما يتوقف عن خلقها 
ينحل العالم ويموت. وهذا هو رأي أفلوطين الذي طوّره عن رأي أفلاطون في الزمان الذي قال أن ٍ 
عالم المثل جوهرا أزليا يتبدل ويتغير ويتجدد وينصرم بحسب النسب والإضافات إلى المتغيرات لا 
بحسب الحقيقة والذات ومنهٍ المستقبل والحال وبه التقدم والتأخر وذلك الجوهر باعتبار نسبة ذاته 
إلى الأمور الثابتة يسمى 0007 وهو شيء أزي باق وثابت. أما الزمان الذي وجد مع السماء فله 
بداية ومتحرك ويمكن أن تكون له نهاية. 

أخحذ (ثابت) برأي أفلاطون بأن الزمان مظهر من بكاضي النقام فْ العالم وقد جاء إلى الوجود 
مع السماء وهما موجودان فعا ويئحلان ف إذا أمكن أن يحدث مطلقاً هذا الانحلال. 


138 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


وبما أن الباري سبحائه موجود منذ الأزل وإلى الأبد بينما السماء خلقها حسب نموذج سابق 
فإنه لا يمكن أن يعطي طابع الأزلية بكل معناه وتمامه لهذا الشيء المخلوق. وعليه فالزمان أزلي 
ولكنه بدرجة أقل من أزلية الله. ٠‏ ويصيح الزمان هو الصورة السرمدية السائرة تبعا لقدار السرمدية 
الباقية في الوحدة(11). هذه هي فكرة أرختياس الترنتي الفيثاغوري الذي ربط الزمان بالحركة إلا 
أنه ليس الحركة نفسهاء بل إنه نفسه يقاس بالحركة العامة للكون» وجعله مصدر الكون والفساد 
وهو بالتالي قوة فاعلة وليس شيئاً سلبياًء وهو ليس مرتيطا باللفتن الانسائية بل. إثه برمظيه يتفسق 
حية هي النفس الكلية. وهذا الرأي كان شائعاً عند معظم الشعوب المحيطة بالبحر الأبييض 
المتوسط وقد اقتبسه فيثاغورس أثناء رحلته إلى سورية ومصر وبلاد ما بين النهرين وكان يعرفه 
مشركو مكة الذين قالوا: ما يهلكنا إلا الدهر(12). 

ذكر البيروني عن الهنود فولهم: إن المحسوس في هذا العالم هو الهيولى المتصورة بالتركيب فإن 
بعضها متقدم وبعضها الآخر متأخر وبالزمان يعرف القديم والحديث والأقدم والأحدث معاء فلا بد 
منه. والفرق بين الزمان والمدة وقوع العدد على أحدهما دون الآخر بسبب ما يلحق العدد من 
التناهي. كما جعل الفلاسفة الزمان مدة لما له أول وآخر والدهر مدة ما لا أول له ولا آخر(13). 

قال ثابت: «أن الزمان أزلي وقديم ولكنه دون الباري في مدته» وأنه يجوز عليه الفناء» وإن 
كان لا يفنى لارتباطه بالباري». ومما أورده الإمام فخر الدين الرازي من أقوال الحرانية قولهم: 
«وأما الدهر فهو الزمان وهو غير قابل للعدم لأن كل قابل للعدم كان عدمه بعد وجود بعدية زمانية 
فيكون الزمان موجوداً حالما افترض معدوماء وهذا خلف» فإذا كان فرض عدم الزمان محال لذاته 
فيكون زاحنا لذائه» وأما الفضاء فهو أيضاً واجب لذاته لأن الواجب لذاته يشهد صريح الفطرة 
بامتناع ارتفاعه. والفضاء (المكان) كذلك لو ارتفع لا بقيت الجهات متميزة بحسب الإشارات وذلك 
غير معقولك»(14). 

أما أرسطو فإنه قد عالج فكرة الزمان في كتابه الطبيعة (المقالة الرابعة ‏ الفصل العاشر). فحاول 
الرد على معلمه أفلاطون الذي جعل الزمان حادثاً مخلوقاً وحاول الرد عليه ببراهينه المشهورة: 
قال إن الزمان لا يمكن أن يوجد دون الحركة والتغير ولكئه لا يخضع للحركات الجزئية وإنما هو 
عام والزمان منتظم راتب ولذا تقاس به الحركة التى هي ليست منتظمة ولا راتبة. والزمان نوع من 
العدد (المتقدم) وا م تأخر) في الزمان الذي هو الآن (الحاضر). والزمان دائم السيلان لا يمكن 
الإمساك به في الحاضر. إن الآن يقسم الزمان بالصورة ويحد جزئيه ويوجد بينهما وليس في الآن 
حركة ولا سكون. هل الزمان هو عدد لأي حركة كانت؟ يجيب أرسطو بالسلب. ويربطه بالحركة 
المتصئة وهي حركة الفلك الدائرية. 

ربط فرفوريوس الصوري بين تصوري أفلاطون وأرسطو بعد أن أضفى عليهما طابعاً نجومياً. 
قال: «إن الزمان لا ينفصل عن النفس الكلية لأن السرمدية لا تنفصل عن العقل وهذا الزمان يمكن 
أن ينظر إليه على أنه ذو دورات كدورات الفلك والكواكب المختلفة وكل دورة من دورات النفس 
تكون السنة الكبرى(15) والتي قدرها الحرائية ب 36425 سنة شمسية. ثم أضاف أيا مبليخوس 


139 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


(إن السرمدية جوهر قائم بذاته. ولكن القديس أوغسطين  345(‏ 430) كان متأثرا بالأفلوطينية 
الحديثة. قال مخاطبا الله: «أنت قد صنعت الأزمنة وأنت فوق الأزمنة لأنك دائم الوجود ولو كان 
الوقت دائم الوجود لبطل أن يكون وقتأن(16). 

ثم تساءل: هل الزمان أو الوقت هو حركة الأجرام كلها؟ وأجاب: كلا. إذ لا حركة للمادة إلا 
في الزمن» وأن حركة الجرم شيء وقياس مدة الحركة شيء آخر. فبالوقت نقيس حركتسه 
وثباته(17). ونفى ارتباطه بالنفس الكلية وربطه بالنفس الإنسانية. قال: «الأزمئة الثلاثة موجودة 
في عقلنا ولا أرى لها وجوداً إلا فيه» فالماضي هو تذكر والحاضر هو رؤية مباشرة والمستقبل هو 
الترقب والانتظار»(18). 1 

ودلل على صحة رأيه بالإجابة عن السؤالين التاليين: 

- كيف يستطيع المستقبل أن ينقص ويتلاشى طالما لا وجود له؟ 

- بل كيف يتضخم الماضي وهو ماض لم يعد له وجود؟ 

إن لم يكن بالفكر حيث تمر كل المراحل وتتعايش العمليات الثلاث (الانتظار والانتباه 
والتذكر). وحيث يمر أمام الانتظار موضوعه ويتحول إلى ذكريات19). 

وقد تأثر (ثابت) بفكر القديس أغطسين إذ اعتبر أن من شرف جوهر النفس ومن شدة قوتها 
الوهمية أنها تنظر إلى العالم وكأنها خارجة منه وتنظر إليه وكأنها داخلة فيه وربما ترفع العالم 
من الوجود أصلا وريما تقدمت الزمان ال ماضي ونظرت إلى بدء الكون والعالم وبحثت عن علة كونه 
بعد أن لم يكن شيئا وربما سبقت زمان المستقبل ونظرت إلى فناء العالم قبل حينه وتصورت كيف 
يكون ذلك اليوم (يوم القيامة)(20). وهذا رأي الحرانية. 

أما برقلس فإنه تمثل قول أفلاطون بأن الزمان هو بقاء العالم المتغير والدهر هو مدة بقاء العالم 
العقلي والأبدي الذي لا يوجد له تغير وأضاف إليه قول أفلوطين: «إن الله فوق الأزمنة لأنه دائم 
الوجود». قال: إن اللّه من حيث هو العلة الأولى يوجد فوق الدهرء والعقل مع الدهرء والئفس 
الكلية تحت الدهر ولكنها فوق الزمان؛ والطبيعة هى مجال الحوادث. وقد فسر قوله هذا 
المستشرق الهولندي دي بور بقوله: «ما يقصده بالزمان العلوي هو الوقت الذي ظهر فيه العقل» 
والزمان السفلى الذي هو حركات الفلك. وهذا ما قصده أرسطو بالزمان بأنه مقدار حركة الفلك 
الأعظم (21).. 

فسّر ثابت قول برقلس: وإن العالم لم يخلق في زمان ولا هو في مكان». إن العالم قديم كان مع 
الياري سبحانه وإنه لا زمان ولا مكان لأن الزمان عدد حركات الفلك» والمكان سطحه الخارجي 
فإذا لم يكن فلك فلا زمان ولا مكان. فلما أبدع الباري الفلك وأداره أوجد المكان والزمان كا بعد 
وجود الفلك. وماهية الزمان ليست بشيء سوى جملة السنين والشهور والأيام والساعات والدقائق 
والثواني التي تحصل صورها في النفس من جملة الأشياء الخمسة المحتوية على كل جسم وهذه 
الكمسة هي الهيولى والصورة والمكان والزمان والحركة. 

وقد صنف (ثابت) الحركة ضمن ستة أوجه: 


140 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


1 الكون: وهو خروج الشيء من العدم إلى الوجود أو من القوة إلى الفعل. 
2 الفساد: هو عكس الكون أي خروج الشيء من الفعل إلى القوة أو العدم. 
الزيادة: وهي تباعد نهايات الجسم عن مركزه. 

4 - النقصان: على عكس الزيادة أي تقارب نهايات الجسم من المركز. 

5 - التغير: هو تبدل الصفات على الموصوف من الألوان والطعوم والرواشح وغيرها من الصفات. 

6 النقلة : وهذه الحركة هي الخروج من مكان إلى مكان وقد يقال عنها هي الكون في محاذاة 
ناحية أخرى في زمان ثان وكلا القولين يصح في الحركة التي هي على سبيل الاستقامة. 

الحركة على الاستدارة: 

لا يصح القول فيها إن المتحرك ينتقل من مكان إلى مكان ولا يصير في محاذاة ناحية أخرى في 
زمان ثان؛ فإن قبل إن المتحرك على الاستدارة أجزاؤه كلها تتبدل في أماكنها وتصير في محاذاة 
ناحية أخرى في زمان ثان فإن الجزء الذي هو ساكن في المركز ساكن فيه لا يتحرك. يحاول 
(ثابت) تفسير ذلك بتصور رياضي: إن المركز إنما هو نقطة متوهمة وهو رأس الخط ورأس الخط لا 
يكون مكان الجزء من الجسم وأن المتحرك على الاستدارة بجميع أجزائه متحرك وهو لا ينتقل من 
مكان إلى مكان ولا يصير محاذيا بشيء آخر في زمان ثان. 

يحاول (ثابت) تفسير حركة السهم التي أنكرها زيتون الإيلي بتفسير فيثاغوري. 

قال: ظن بعض أهل ادم أن اللتحرك على الاستقامة يتحرك حركات كثيرة لأنه في حال 
عرح هرا يفي أن.* تعتبر كثرة الحركات لكثرة المحاذيات. فإن السهم في مروره إلى أن يقع 
حركة واحدة وإن مر بمحاذيات كثيرة. ولا تنفصل حركة عن حركة إلا بسكون بينهما وهذا يعرفه 
أهل صناعة الموسيقى لأن الأصوات لا تحدث إلا من تصادم الأجسام وتصادم الأجسام لا تحدث 
إلا بالحركات والحركات لا ينفصل بعضها عن بعض إلا بسكونات تكون بينها. لأن بين زمان كل 
فقرتين زمان سكون وهذا يعرفه أهل صناعة الموسيقى. وإن الحركة حكمها كحلم الضوء. وذلك لو 
أن خشبة طولها من المشرق إلى المغرب ثم جذبت إلى المشرق أو المغرب عقدا واحدا لتحركت جميع 
أجزائها دفعة واحدة. وإن (الآن) السيال هو أمر بسيط لا تركيب فيه , 

ومن آراء (ثابت) الهرمسية أن الله خلق الزمان ليلا لضا ثم جعل بعضه نهاراً بإحداث 
الإشراق لإبقاء بعض الزمان على ظلامه وبعضه مضيئا. 

ومن الآراء الفلسفية قول (ثابت) أن مقولتي الزمان والمكان فطريتان بالعقل إذ لا يمكن تصور 
أي شيء دون إدراكه ضمن هاتين المقولتين الفطريتين في العقل الإنساني. وهو بذلك قد سبق 
الفيلسوف الألمائى (كانت عمانوئيل). قال أحمد بن الحسن المرزوقى في معرض نقده لأبى بكر 
محمد بن زكريا الرازي أنه يقول كالحرانية: «إن الدهر والخلاء قائمان في فطر العقول بلا استدلال 
وذلك أنه ليس من عاقل إلا وهو يجد ويتصور في عقله وجود شيء للأجسام بمنزلة الوعاء والقراب 
ووجود شيء يُعلم التقدم والتأخر وإن وقتنا ليس هو وقتذا الذي مضى ولا الذي يكون من بعد بل 


141 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 


هو شيء بينهما وإن هذا الشيء ذو بعد وامتداد(23)» دائم الجريان لا قرار له. وعنه أخذ 
أبو العباس الإيرانشهري قوله المحيّر: «إن الزمان دليل علم الله وأن المكان دليل قدرته والحركة 
دليل فعله والجسم دليل قوته وكل هذه الأشياء جواهر قديمة لا نهاية له(24). وقد فسّر ناصر 
خسرو الفيلسوف الفارسى قوله: «إن المكان مظهر قدرة اللّه». قال: بما أن قدرة اللّه تشمل 
مقدوراته وأن هذه المقدورات أجسام مصوّرة لا يمكن أن توجد إلا في مكان؛ فالمكان مظهره قدرة 
اللهه. وهذا الرأي غريب عن الإسلام وأنه من التراث الحراني. وكذلك ذكر أبو الريحان البيروني 
أن الهنود قد ميزوا بين الزمان الكلي الذي هو الامتداد الزماني للنفس لا يقع عليه عدد وبين 
الأزمان الجزئية (زمان السنين والأيام) التي تقدر بالحركة والتغير. أما الدهر فهو المعنى المعقول 
من إضافة الثبات إلى النفس في الزمان(26). 


علم حوادث الجو (الأنواء ) 


هذا العلم يبحث في معرفة كيفية تغيرات الهواء بتأثير الكواكب وحركاتها ومطارح شعاعاتها 
على الأركان وانفعالاتها وخاصة الهواء فإنه كثير التلون والتغير من النور والظلمة والحر والبرد 
وتصاريف الرياح والضباب والغيوم والأمطار والثلوج والبروق والرعود والشهب والصواعق وكواكب 
الأذناب وقوس القزح والهالات وما شاكلتها مما يحدث فوق رؤوسنا من التغيرات والحوادث. 

ذكر ابن النديم في ترجمة أبافروديطوس أن له من الكتب كتاباً قرأه بخط يحيى بن عدي هو 
كتاب تفسير كلام أرسطوطاليس في الهالة وقوس القزح نقله ثابت بن قرة الحراني(27)» ولثابت 
كتاب تعليمي وضم فيه كيف ينبغي أن يسلك إلى نيل المطلوب من المعائي الهندسية وفيه ذكر 
لآثار تظهر في الجو وأحوال كانت في الهواء مما رصده ثابت وأبناء موسى بن شاك ر(28) درس فيه 
الهالة وكرة النسيم وقوس القزح والشهب والمذنبات وكيفية الرؤية البصرية. 

الهالة (11210): هي حلقة خافتة من الضوء تشاهد حول الشمس أو القمر وتشبه قوس القزيح 
وهي ظاهرة ضوثية تتسبب عن الانعكاس والانكسار في بلورات الثلج الدقيقة السابحة في الطبقات 
العليا (الإستراتو سفير) وهذه البلورات سداسية الشكل وتعمل بمثابة موشورات تكسر الضوء 
الأبيض وتفرقه إلى طيف(29). هذا التعريف الحديث مأخوذ من إحدى الموسوعات العلمية. 
ولنتيصر فيما قاله ثابت بن قرة. 

قال ثابت: الهالة دائرة تحدث فوق سطح الغيم من انعكاس شعاع الشمس والقمر والكواكب 
وعندما تكون حول الشمس أو القمر فإنها تدل على المطر ورطوبة الهواء وذلك أنها تحدث في أعلى 
سطح كرة النسيم وقت ما يرتفع البخار إلى هناك ويتألف منه الغيم. 

وعلة الهالة أن النيرين إذا أشرقا على ذلك السطم انعكس شعاعهما من هناك إلى فوق وحدثك 
من ذلك الانعكاس دائرة كما يحدث من إشراقهما على سطم الماء, ويشف رسم تلك الدائرة مسن 
تحت ذلك الغيم الرقيق كما يشف من وراء البلور والزجاج ويكون مركز تلك الدائرة مسامتاً للبقعة 
التي يمر بها المسقط الخارج من مركز الئيرين إلى مركز الأرض(30). 


142 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


كرة النسيم (منطقة الغلاف الجوي م205 5) : 


منطقة في الغلاف الجوي فوق منطقة الرياح. توجد طبقاتها السفلية على ارتفاع 11كم) تقريباً. 
ومكوناتها الرئيسية هي الآزوت والأوكسجين وثاني أكسيد الفحم وبخار الماء وبعض الغازات 
النادرة بنسب ضثيلة. والضغط الجوي المتوسط عند سطح البحر (كم/ سم). وتتناقض كثافة الجو 
حتى تضل إى الصغفر عئد محيطه الخارجي كما تتناقض درجة حرارته حتى ارتفاع (11كم) من 
سطح الارض وبعدها تظل درجة الحرارة ثابتة(31). 

أما ما قاله ثابت عن كرة النسيم فهو التالي: «أما سطح كرة النسيم مما يلي الأرض فتبين أنه 
متداشل الأجزاء إلى عمق الأرض بحسب تخلخل الأجزاء الأرضية إلى نهاية ماء ثم يقف ولا 
يدخل أكثر من ذلك. والدليل على ذلك ما يعرض لحافري المعادن إلى أسفل حتى أنهم ربما 
يحتاجون لترويح النسيم هناك بالمنافيخ والأنابيب للحصول على النسيم ولكي تضيء سرجهم 
هناك فمتى انقطع النسيم العارض طفئت سرجهم واختئق من كان في المعادن (المناجم) فمات. ولا 
يمكن أن يكون في المواضع التي لا يخترقها النسيم حيوانات. وإن أكثر ما يكون سمك النسيم (16) 
ألف ذراع ارتفاعا في الهواء وأقله ما يطابق سطح الأرض وإن أعلى جبل يوجد في الأرض لا يجاوز 
ارتفاعه في الهواء هذا المقدار(32). 

قوس قزح («مط صنه) : 


تأثير لوني يشاهد عندما ينعكس ضوء الشمس على قطرات المطر فينكسر ضوء الشمس عند 
مروره خلال قطرات المطر وتتشتت ألوائه. وقد يظهر قوس آخر معكوساً إلى جانبه. وثادراً ما نرى 
كل ألوان الطيف. وقد يرى قوس قزح عند ظهور القمر بدراً في السماء وسقوط الأمطار في جزء آخر 
ولا يرى من الألوان إلا الأحمر والأصفر(33). 

وعند (إثابت) فإن قوس القزح هو نصف محيط دائرة ترى في الجو المعتدل مما يلي وجه الأرض 
ولا يكون وضعه إلا منتصبا قائما وحده الأعلى مما يلي سطح الزمهرير وحداه السفليان مما يلي 
وجه اللأرض ولا يكاد يحدث إلا في طرفي النهار في الجهة المقابلة لموضع الشمس مشرقاً أو مغرباً 
ولا يرى منه إلا أقل من نصف الدائرة إلا أن تكون الشمس في الأفق سواء فإنه عند ذلك يُرى في 
نصف محيط الدائرة سواء لأن الخط الخارج من مركز جرم الشمس يمر مماساًء يلي وجه الأرض 
ومركز هذه الدائرة فيرى القوس قائما منتصبا مستويا. 

وإذا كانت الشمس مرتفعة فإن القوس يُرى أقل من نصف محيط الداثرة وكلما كان الارتفاع 
أكثر» كان القوس أقل وأصغر لأن القوس يكون مائلاً منحطاً إلى الجهة المقابلة لموضع الشمس وأن 
بين وثر هذا القوس وبين قطر دائرة الهالة نسبة متساوية!. 

ما علة حدوث هذا القوس؟ إنه يحدث عند إشراق الشمس على أجزاء ذلك اليخار الرطب 
الواقف في الهواء وانعكاس شعاعها مئه إلى ناحية الشمس. 


143 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


ما علة أصباغ هذا القوس؟ إن أصبافغه التي ترى. هي أربعة مطابقة للكيفيات الأربع 
والأركان الأربعة ولفصول الزمان الأربعة ولشابهة الأخلاط الأربعة. وكلما كانت الألوان مشبعة 
دلت على ترطيب الهواء وكثرة العشيب والكلاً وزكاء ثمرالشجر وحب الزرع. وظهورها منذرة 
بريف الزمان وخصبه. وأما ترتيب ألوانها فإن 0 ة تكون فوق الصفرة والصفرة دونها 
والزرقة دون الخضرة. فإذا وجدت قوسا آخر دوئها ترتبت هذه الألوان في القوس السفلي عكس 
ذلك 

ويّرى قوس القزح في يوم الضباب وفي البلدان القريبة من سواحل البحار(34). 

المذنبات (واعدره©) : 


الملذنب جرم سماوي خفيف مكون من نواة كروية ثلجية عملاقة مؤلفة من الجليد ومن مواد 
صلبة وجزئيات عضوية ولها ذيل شفاف يختلف طوله من ميل إلى ملايين الأميال. كان أرسطو 
يعتقد أن المأنبات التي نراها لا تتحرك ضمن جو الأرض فهي أبعد من القمر ودون كوكب زحل. 
وقد وصفها بطليموس حسب أشكالها (حزم أشعة وأبواقاً وجراراً)(35). وهي تأتي مقرونة 
بالحروب والطقس الحار والأحوال المضطربة. وكان البابليون يظئونها (لحى سماوية) وتصورها 
الإغريق شعرا جاريا(36). 

لاحظ ماريعقوب الرهاوي (ت 708) ظهور علامات مخيفة في الشرق تحمل أشعة مضيئة تبعث 
منها شبه جداول بيضاء كأضواء ساطعة بعضها له شكل المكاسمح وللبعض الآخر ششسبه الرماح أو 
شبه ديدان طويلة كما يوجد في مؤخرة البعض ما يشبه الكواكب ويظهر غيرها تحتها أو إلى 
جائبها وكأن لها شعراً ولهذا دعاها اليونان «مذنبات» أي أنها شعرة وملتحية ودودية وهى ثقف 
وترى في السماء وتتحرك في جميع أجزاء الفلك خلال أيام معروفة(37). هذا الوصف امتزج 
بالخبرة الشخصية لأن ماريعقوب شاهد مذئب هالي عام (684 م). وقد يكون حدوث هذه الظاهرة 
من قبل الله لتخويف الناس أو علامة على حدوث أمر ما في المستقبل. 

أما وصف (ثابت بن قرة) للمذئبات أو الكواكب ذوات الأذناب فإئه يعتمد على كتابة أرسطوء 
قال: «الكواكب ذوات الأذناب التي تظهر في بعض الأحايين قبل طلوع الشمس أو يعد غروبها 
فإنها لا تحدث إلا في كرة الأثير قريباً من فلك القمر. والدليل على ذلك دورانها مع فلك القمر ثارة 
بالتقدم على توالي البروج كمسير الكواكب السيارة وثارة بالتأخر كرجوعها. وأما مادتها الثى 
تتكون منها فهي دهان وبخار لطيفان يصعدان إلى هناك فينفذان بقوة زحل وعطارد وتكون شفافة 
كشفيف البلور إذا أشرقت عليها الشمس شفت من الجائب الآخر فلا تزال تدور مع الفلك وتطلع 
وتغيب حتى تضمحل وتتلاشى. وكل هذه الحوادث ترى في الهواء. أما هى فبشارات من الله 
بالرخص والخصب والسلامة للئاس والحيوان بالصلاح. وإما إنذارات وتخويفات من الحدثان 
بالجدب والقحط. يخلقها الله ليجعل العباد والمكلفين يعتبرونها ويرتدون عن معصية الله(38). 
وقد أخذ إخوان الصفا بهذا الرأي. 


144 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 


وهذا الاعتقاد بالمذئيات ئجده عند (إسحق نيوتن) الذي قال عنها: (أظن أن الأرواح تأتي 
بصورة رئيسية من المذئبات التي هي الجزء الأصغر والأكثر فائدة قْ الجو المحيط بنا للحاجة 
المأسية إليها من أجل أن تستمر حياة كل الأشياء لدينا(39). 

الشهب والنيازك (5ها5 وصنامهمه5) 


الشهاب قطعة صغيرة من مادة صلبة تدخل الغلاف الجوي للأرض مندفعة بسرعة هائلة 
تجعلها تتوهج نتيجة للاحتكاك الشديد إذ تتراوح سرعتها ما بين (8 - 45) ميلا في الثانية»؛ ولا 
يرى الشهاب إلا للحظة»؛ وهو يندفع أحيانا مباشرة نحو الأرض كما حدث في 30 حزيران 1508 
في سيبيريا في منطقة (تونغوسكا) 0 شوهدت كرة ئارية كبيرة في السماء أحدثت حريقا هائلاً في 
الغابات ودمرت حوالي (2000 كم). 

وقد وصفها ماريعقوب الرهاوي بقوله : «وفي الليالي تظهر في الجو شهب نارية مضيئة تتطاير في 
مختلف الجهات كسهام طائرة يحسبها كثير من السذج كواكب سيارة. وهي تكون عندما يريد الله 
المدبر أن يجري تغيبرات في سلطات الشعوب وتكون بمثابة تأديب وتخويف للكثيرين الذين 
يخشون مثل هذه المناظر»(40). 

أما عند (ثابت) فالشهب تحدث قريبة من الأرض بعيدة عن فلك القمر وهذا سبب سرعة 
حركتها فإنها في لحظة تمر من المشرق إلى المغرب أو من المغرب إلى المشرق» فلو كانت هذه قريبة 
من فلك القمر لما رأيت حركتها بهذه السرعة. وإذا حدث فمرت قريبة مقبلة على الناظرين 
وجازت على سمت رؤوسهم إلى الجائب الآخر ذاهبة إلى الأفق بسيرها على الرؤية يخيل للناظرين 
أنها وقعت إلى الأرض وليس الأمر كذلك» لأنها مادة خفيفة تطلب العلو ولا يزيدها اشتعالها إلا 
خفة. فأما التى تقع منها إلى الأرض فهي التى تحدث في كرة النسيم فيضغطها السحاب ويردها 
إلى أسفل كنار البرق التي يضغطها السحاب من فوق إلى أسفل(41). 

كيفية حدوث الرؤية (ده:و71؟): 


كان اليونان يظئون أن إدراك العين الباصرة لمحسوساتها يتم بخروج شعاعين من العين ينفذان 
في الهواء وفي الأجسام المشعة فيدركان الأجسام الطبيعية. وقد تابعهم كثير من العرب المسلمين 
أمثال (ابن سينا وغيره). ويبدو أن حنين بن إسحق وثابت بن قرة والرازي وابن الهيثم نقدوا تلك 
الثظرية وعدلوها. 

قال (ثابت) في كيفية إدراك الباصرة لمحسوساتها: «إن النور والظلمة يسريان في الأجسام 
المشفة كسريان الروج بالجسد وينسلان منها بلا زمان. ولكن الضوء إذا سرى في الأجسام المشفة 
حمل معه ألوان الأجسام حتى يبلغها أقصى غايتها عند القوة الباصرة المستبطنة في الرطوبة 
الجليدية (الشبكة العينية) الواقعة في الحدقتين اللتين هما أحد الأجسام المشفة وهما مرآتا الجسد 
وهما رطوبتان مغطاتان بغشائين شفافين هما غشاء القرئية» فإذا سرى الضوء في الأجسام وحمل 
معه ألوان الأجسام الحاضرة واتصل بحدقتي الحيوان الحاضرة هناك وسرى فيهما انكسر كما في 


145 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


سائر الأجسام المشفة» وانطبعت الجليدية (الشبكية) بتلك الألوان كما ينطبع الهواء بالقنياةء فعتد 
ذلك تحس القوة الباصرة بذلك التغير فتؤّدي خبره إلى القوة المتخيلة كما تؤدي سائر القوى 
الحساسة أخبار محسوساتها. وقد ظن أكثر أهل العم أن إدراك البصر اللبصرات إنما يكون 
بشعاعين يخرجان من العينين وينفذان في الهواء وفي الأجسام المشفة ويدركان هذه المبصرات. وهذا 
ظن من لا رياضة له بالأمور الروحية ولا بالأمور الطبيعية ولو ارتاض بها لبان له صحة ما قلنا 
ووصفنا»(42). 


علم الكون وا تلفساد 


يطلعنا هذا العلم على معرفة ماهية جواهر الأركان الأربعة التى هى (الثار والهواء والماء 
والتراب) وكيف يستحيل بعضها إلى بعض بتأثير الأشخاص العاليةء ويكون منها الحوادث 
والكائنات من المعادن والئبات والحيوان وكيف تيستحيل إليها راجعة عند الفساد. 

في رسالة ثابت: في تولد الناريين حجران قال فيها: «إن النار ذات طرفين طرف منها متصل 
بالهواء وطرف منها متصل بالئور والضياء وذلك أن النار إذا قدحت خرجت من احتكاك الأجسام 
يحدوث ذلك القرع في الهواءء وإذا برزت مع الهواء اتصلت بالأجسام النباتية والحيوانية فأكلتها 
وأحرقتها وزالت بزوالها. فيقال: حشمدت 0 وائطفا السراج فصار هذا الطرف أشبه بالموت ولها 
طرف آخر يطلب العلو أبداً متصل بالإشراق والنور والضياء وهذا الطرف بالحياة أشبه. والأجسام 
فكلها نيران بالقوة جامدة» فإذا أصابتها نار بالفعل صارت نيرانا بالفعل والدليل على ذلك أنها 
كلها يمكن أن تحرق بالئار» فلو لم تكن من النار لما أمكن إحراقها بها. وهكذا حكم مأكولاتها 
ومليوساتها كلها نيران جامدة كونت من الثار والهواء والماء والأرض وإليها تستحيل بعد مفارقة 
النفوس لئا(44). 

وأكثر الصنائع لا بد من استعمال النار فيها وكل صانع استعمل النار في صناعته فلأحد أسباب 
ثلاثة : 

1 -أما قِ موضوعه كالحدادين والصفارين وأمثالهم وغرضهسم هو قبول تليين الهيوكى لقبول 
الصورة والأشكال فإذا لانت أمكن الصائع أن يضع الصنعة التى هي في فكره. 

ويمكن الانتفاع بالئار ‏ حسب المراد من استعمالها ولو بقيت بحالها لعظم الضرر فإذا استغني 
عنها يمكن ردها إلى العدم بالسقي. 

ومن الصور المتممة للنار اللطافة التي تولدها الحرارة وتتلوها سرعة النفوذ في الأجسام الشفافة 
ثم اليبوسة. وهكذا اجتمعيت قْ جرم النار عدة صور متممة (الحركة والحرارة واليبوسة واللطافة 
والنور). 


146 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


والحركة جوهرية في النار فإن سكتت حركتها طفئت وبطلت وبطل وجودها. 

والنار كالقاضي بين الجواهر المعدنية» اللتحكم فيها كلها والمفرّق بينها وبين ما كان من غير 
جنسها فأشرفها هي التي لا تقدر النار على أن تفرق بين أجزائها كالذهب والياقوت. 

وإذا قيل: ما العلة في أن الياقوت لا يذوب ولا يحترق بالنار؟ 

قال ثابت: أما الياقوت فلأن أجزاءه مائية غلظت وصفت بطول الوقت بين الصخور وأنضجت 
بدوام طبخ حرارة المعدن لها واتحدت أجزاؤها ويبست فصارت لا تذوب بالنار لأنه ليس فيها 
رطوبة دهنية. 

وأما علة صفائه فمن أجل انه ليس فيه أجزاء ترابية مظلمة بل كلها أجسزاء مائية قد غلظت 
وصفت ونضجت وجمدت ويبست فلا تقدر النار على تفريق أجزائها لشدة اتحادها ويبسها(45). 

ما السبب الذي خلقت له الجبال؟ هذا عنوان رسالة لثشابت بن قرة ضمئها إخوان الصفا 
رسائلهم دون أن يشيروا إليها كعادتهم حيئنما يدمجون كتب ثابت في رسائلهم لاعتقادهم أنه من 
الحكماء الإلهيين والعلماء الأجلاء ومثله عندهم مثشل فيثاغورس وأفلاطون وبرقلس وأفلوطين 
وغيرهم. وحينما يقتبسون منه فإن غايتهم المعرفة النظرية للوصول إلى العلوم الإلهية والتنبه من 
رقدة الجهالة وأسر الطبيعة على عكس أبي الربحان البيروني الذي جعل كتابة شابت من أجل 
المنافع العملية. 

قال أبو الريحان: لِمّ صارت مياه العيون في الشتاء أكثر منها في الصيف وني الجبال أكثر منها 
في السهل» فإذا وفعت فيها وسال ما سال بالسيول غاص الباقي في المجاري التى هى تجاويف 
الجبال وخزن هناك ثم يأخذ في الخرويج من المنافذ التي تسمى العيون ولذلك صارت في الشتاء 
أغزر لأن مادتها أكثر فإن كانت تلك التجاويف نقية طيبة خرجت المياه كما هى عذبة(46). 

قال إخوان الصفا: واعلم يا أخي أن الأودية والأنهار كلها تبتدئ من الجبال والتلال في سيلها 
وجريانها ونحو البحور والآجام والغدران(47). وأما الأمطار التي تكون على رؤوس الجبال فإنها 
تفيض في شقوق تلك الجبال وخللها وتنصب إلى مغارات وكهوف وأهوية هناك وتمتلئ وتكون 
كالخزون ويكون في أسفل تلك الجبال منافذ طبيعية تمر منها تلك المياه وتجتمع وتصير أودية 
وأنهارا وتجري تلك الأودية وتمر في جريانها راجعة نحو البخار ثم تكون منها البخارات والريام 
والغيوم والأمطار كما كان في العام الأول(48). 


147 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


ثالثا ‏ علم المنطق 

علم المنطق (الأورجانون) 

امتاز (ثابت) بعقلية فلسفية متعددة الجوانب. والفلسفة عنده غايتها وحدانية الله. وكذا 
المعرفة الائسانية التى يستنبطها العقل من الفطرة أو التجربة أو من الوحي فإن غايتها أيضاً تشبه 
الائسان بالإله قدر الطاقة. وللوصول إلى هذا الأمر لابد من المعرفة العقلية الصحيحة التى تعتمد 
على قواعد المنطق الصحيح. والمنطق عنده فن التقسيم والبرهنة والاستنتاج أو هو علم يبحث في 
المعاني العقلية كما يبحث في تصور تلك المعاني. 

وعلم المنطق عند (ثابت) دون الرياضيات منزلة إلا أنه يظل مدخلا وري لدراسة الفلسفة. لم 
يكن مصطلح المنطق عاثه1.0 من وضع أرسطو ولكنه كان من وضع الشراح في الاسكندرية اشتقوه من 
الكلمة اليونانية 1.0805 التى تعنى الكلمة. 

كان أرسطو والسريان 5 38 يسمون علم المنطق باسم الاورجائون «مصد018 أي الآلة. لأن 
المنطق هو آلة من آلات العقل يعرف بها صحيم الفكر من سقيمه وفاسد المعنى من صالحه كالميزان 
يعرف به الرجحان من النقصان.(1) وقد عرفه بذلك أبو سليمان السجستاني المنطقي قال: المنطق 
هو صناعة أدوية يتميز بها الصدق والكذب في الأقوال والحق والباطل في الاعتقادات والخير والشر 
في الأحوال.(2) تلك التعاريف اعتمدت على التشبيهات. أما التعريف الذي أورده أبو نصر 
الساوي فهو التعريف الذي قال به مارجرجس أسقف العرب (ت 726) واعتمدته الحرائية قبل 
ولادة ثابت بن قرة عندما عرف الاورجانون «بانه قائون صناعي عاصم الذهعن عن الزلل ميز 
لصواب الرأي عن الخطأ في العقائد بحيث تتوافق العقول السليمة على صحته وإنما احتيجم إليه 
لتمييز الصواب عن الخطأ في العقائد للتوصل بها إلى السعادة الأبدية«(3). 

وأما تعريف أرسطو للأرجانون فهو «أنه آلة العلم وموضوعه الحقيقي هو العلم نفسه). 

والعلم عنده لا يوجد إلا بتصور كلي لأن العقل لا يدرك سوى الكلى. من هنا شاعت مقولته 
الشهيرة لا علم إلا بالكليات. 

أين يوجد الكلي؟ هنا الاجابة مختلفة. 

قال افلاطون: أن الكلي سام فوق كل شيء وهو يوجد في عالم المثل ممثلا في الأجناس العليا 
بيئما قال أرسطو عن الكلي : وهو البحث عن الماهية الموجودة في ذهن الأفراد. ٠‏ ثم جاء الشراح من 
بعده فقسموا الألفاظ الدالة على ماهيات الأشياء إلى: 

)00( الاسم الكلي : الذي ينطيق على عدد من الأشياء لها صفة مشتركة ويندريم تحته عدد من 
الأفراد لا حصرهم. مثال (الإنسان أو الحيوان). 

(2) الاسم الجزئي: هو الاسم الذي يطلق على شيء واحد كالقمر أو الشمس لكل منهما ذات 
واحدة تمنعهما من الاختلاط بغيرهما. 


148 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


ثم قسم المدرسيون التصور الذي هو التعبير بكلمة عن تعريف الشيء إلى: 

[ - تصورات بسيطة: 3 تحتوي على مفهوم ضثيل وهي أكثر الألفاظ تعتيماً وذات صدق غير 
محدود (كالموجود والممكن) وهي لا تحتوي تناقضا. 

2 - تصورات مركبة : وهي التي تحتؤ تحتؤي على عناصر متعددة.(4) والمركب ينقسم إلى المركب 
الانشائي ولا يبحث فيه المناطقة ومركب خبري وهو الكلام الذي يحتمل الصدق والكذب. وبعض 
التصورات المركبة لا وجود لها إلا قُْ الذهن خلقها الوهم قال ثابت بن قره: الخرافات توجد من 
أربعة أشياء (عجائب البحر وحديث السحر وحديث العشق وحديث الجن)(5). والمنطق هو الذي 
يعصم الذهن الإنساني عن هذه التصورات الخرافية. 

كان ار 0 يدرس ف 0-0 التابعة للأديرة أو في المدارس العلمية وقد رتبت في 

- وكتاب المغالطات (سوفسطيقا) يدرس كمقدمة لصناعة الجدل (طوبيقا). 

- وكان كتاب المقولات العشر (قاطيفورياس) مقدمة لدراسة القياس (انولوطيقا الأولى). 

- وكان كتاب العبارة (باي ميناس) مقدمة لدراسة صناعة البرهان (أنولوطيقا الثانية). 

عرف العرب والمسلمون هذا الترتيب في المناهج الدراسية ولكنهم حوروا في ذلك فحذفوا وأضافوا 
ما يلائم عقيدتهم الدينية وما هم بحاجة إليه من الناحية الفكرية وأضافوا كتاب الايساغوجى إلى 
ككبا |رسظق 1 

صار علم المنطق في القرن الثالث الهجري يتأرجح بين مبغسض قال, يقول: «كل من تمنطق 
تزئدق) ومحب غال ٠‏ كابي سليمان المنطقي الذي قال : + «لولا أن النقمى من سوس هذا العالم ونوسه 
لكان علم المنطق تهيئة : الطبيعة بالعربية أو كانت الطبيعة تسوق العربية إلى طبائع اليوئانية فكانت 
المعاني طباقاً للألفاظ والألفاظ طباقاً للمعاني»(6). 

دخل علم المنطق في صناعة النحو في القرن الرابع الهجري لما بينهما من وشائج التقارب فألف 
أبو بكر محمد بن السراج (ت 316 كتاباً ف النحو 0 الكبير) انتزاعه من كتاب سيبويه 
وأضاف عليه إضافات بارعة ويقال: أنه جعل تقاسيمه على طريقة المناطقة). 

لم بترجم ا 0 كتاب ل ارسطر انمي أوأكتنى بتلخيصها أ ا لتسهيلها 
النبوة ا المنطق أصح الموازين وأشرف الأدوات. 

ذكر القفطي أن ثابت بن قرة اختصر ثم شرح كتسب أرسطو الثلاثة (المقولات والقضايا 
والقياس»(7) ثم ذكر له كثتابا عن أشكال القياس (صناعة البرهان) وله شرح على المدخل إلى المنطق 
(الايساغوجي) لفرفوريوس الصوري وسأتعرض لهذه الكتب باختصار شديد. 


149 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


اختصار المقولات (القاطيفورياس)(8) 

بدأه بذكر الأشياء التي يتكون منها ميزان الحكمة وهي هي المقوللات العشر التى هي تصورات عامة 
خارجة عن كل علاقة. وقد مير بين نوعين من الصور: 

الصورة المقوّمة: هي جواهر كلها من جنس واحد. والجوهر في الموجودات كالجوهر في العدد 
وحكمها واحد كقولك (زيد وعمر وخالد) فكلهم تشملهم صورة الانسانية. 

الصور المتممة : هي الأعراض مرتبة بعضها تحت بعض كترتيب العدد وتعلقه في الوجود» عن 
الواحد قبل الاثئين أو كالتسعة الآحاد بعد الواحد. 

كقولك (زيد الطويل الأسمر) هي صفات أو أعراض. 

فالانسان نوع لأنه جملة أشخاص متفقة في الصورة مختلفة في الأغراض. 


والمقولاات العشر هى : 
زيد الطويل الأسمر ابن ملك في داره بالأمس كان متكي 
قْ يده سيف لواه فالتوى وهذه 0 المقولات استوى 


1 مقولة الجوهر: هو القائم بنفسه الحامل للأعراض لا تتغير ذاته موصوفاً وواصفاً. 

أو الهيوى والصورة. والصورة هي أيضاً نوعان: صورة امنارقة. منزهة عن المادة كالنفس والعقل. 
وصورة غير مقارقة كالأشكال والألوان. 

2 مقولة الكمية : الكم ما احتمل المساواة وغير المساواة وهو ينقسم إلى نوعين: 

الكم المتصل كالخط والسطح والجسم والمكان والزمان. 

- والكم النقم” كالعدد والحركة. 

3 مقولة الكيفية : ما هو شبيه وغير شبيه. وهو نوعان: جسمائي وروحاني. 

الجسماني 3 يدرك بالحواس وهو صور هوية الأشياء 

الروحاني ‏ ما يدرك بالعقل كالعلم والقدرة والشجاعة والاعتقادات. 

4 مقولة المكان (الأين) : هو حيث التقى الاثئان (المحيط والمحاط به) أو هو ماماس مسن 
سطم الجسم الحاوي وانطباقه على الجسم المحوي. مثل (فوق وتحت وقدام وخلف ويمنة ويسرة 
ووسط). 

5 مقولة الزمان: هو مدة تعدد الحركة» غير ثابت الأجزاء. وهو ماض ومستقبل وحاضر. وقد 
يسمى الوقت وهو نهاية الزمان المفروض للعمل أو الحال. وهو كيفية سريعة الزوال. 

6 - مقولة الإضافة : قال عنها السهروردي المقتول (598 ه 1204) هي عرض لا يعقل إلا مع 
الغير. والمضاف نوعأن: 

- النظير ‏ ما كان المضافان في الأسماء سواء كالأخ والجار, 

وغير النظير ‏ ما كان المضافان مختلفين كالأب والابن. 

- مقولة الوضع (النصبة): وهو تركيب جوهر مع جوهر آخر مثاله : 


130 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


إن المتكئ متكي على المتكأ. 

8 - مقولة الملكة: تتم من تركيب جوهر مع جوهر آخر. وهي تنقسم إلى نوعين: 

- إما داخل في التفس كما يقال (علم وعقل وحلم) أو في الجسم (حسن وجمال ورونق). 

- وإما من الخارج. كالحيوان والدواب والجماد والدراهم والعقارات. 

9 - مقولة جنس يفعل: وهي نوعان: 

إما أن يكون أثر الفاعل يبقى في المصنوع كالكتابة والبناء. 

- وإما أنه لا يبقى أثر للفاعل كالرقص والغناء. 

0 مقولة جنس ينفعل: وهي نوعان: 

- الصنائع العملية (كالنجارة والحدادة). 

- والصنائع العلمية (كالتعليم والطبابة). 

هذه المقولات العشر تنقسم عند أفلوطين (المتوفى 270) في كتابه التاسوعات إلى قسمين: 

1 - مقولات العالم المعقول (الجوهر والسكون والحركة والموافقة والمخالفة. 

2 مقولات العالم المحسوس (الجوهر والإضافة والكيف والحركة والكم)(9). 

وهذه المقولاات قد تتقابل في الإيجاب والسلب. 

- الإيجاب هو إثبات صفة الموصوف. 

السلب هو نفى صفةٌ عن موصوف كالكذب والصدق. 

الجواهر والأعراض : 

الجواهر كلها من جنس واحد قائمة بأئفسها والصور المقومة هي الجواهر. والأعراض تسعة 
أجئاس وهي حالة قْ الجوهر وهي صفات لها والصور المتممة هي أعراض. قال السهروردي 
(العرض يكون بأشكال مختثلفة فأحياناً يكون حركة وأحياداً يكون نسبة وتارة يكون كما وطي) 


يكون كيفاً»10). وقد كان السهروردي من شيعة الحرائية. 


العبارة زباري ميناس) 

العبارة أو القضية يجري تأليفها لكى تكون ميزاناً للمقالات المدلول بصحتها في الإخبار بها. 
وهي العنصر اللفظي من الأسلوب وهي تقوم على المطابقة بين اللفظ والمعنى وتمتاز بالدقة والتحديد 
والاستقصاء مظهرة دقة الفكر الصحيح. 

والخبر هو الذي يوصف بالصدق أو الكذب؛ وهو ثلاثة أقسام: 

1 الخبر الواجب : هو الكلام الذي لا يحتاج إلى دليل, كقول أحدهم كل إنسان فان). 

2 الخبر الممتنع : هو الكلام الذي لا يشك في أنه كاذب كقول أحدهم (رأيت شجرة على 
سطم البحر ثابتة). 

3 الخبر الجائز: هو الكلام الذي يطلب الدليل عليه وبه يوصل إلى علم الحقيقة وهو نوعان: 
- كالبراهين الهندسية عند الرياضيين. 


151 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


- والبراهين المنطقية عند العارفين. 

والأحكام في القضايا نوعان: 

- تارة يكون الصدق والكذب فيها ظاهرين لمطابقة القول لما هو عليه الأمر أو الإخبار عسن شىء 
بما هو ليس عليه. 

- وتارة يكون الصدق والكذب فيه خفيين محتملين للتأويل. 

والحكم غير المحتمل للتأويل هو القضية المحصورة بسور كلي أو جزثي. كقولهم ركل إنسان 
حيوان) قضية صادقة. والسالب (ليس واحد من الناس حيوانا) قضية كاذبة. 

أما القضية الجزئية فهي كقولهم (بعض الناس كاتب) أو (بعض الئاس ليس بكاتب) صادقتان 
أما القضايا المهملة التي لا سور لها فهي كقولهم (الإنسان كاتب) (الإنسان ليس بكاتب) لا يتبين 
صدقها ولا كذبها. 

والقضايا يحتمل أن تختلف بالكم والكيف أو بهما معاً. 

- فإن اختلفتا بالكم سميتا متداخلتين (كل عباسي عربي) (بعض العرب عباسي). 

- وإن اختلفتا بالكيف سميتا متضادتين (كل إنسان فان) (ولا واحد من الناس بفان). 

- وإن اختلفتا بالكم والكيف معاً سميتا متناقضتين (كل إنسان فان) صادقة (بعض الئاس ليس 
بفان). 

القياس (أنولوطيقا الأوك) 

عمل ثابت جوامع لهذا الكتاب(11). (القياس) وكانت غايته تحسين الميزان حتى لا يكون 
فيه الغبن والاعوجا اج. وفيه كل قضيتين إذا اقترئتا وجب عنهما حكم آخر. سميت القضيتان 
مقدمتين وسمي 6 الحكم نتيجة وسميت كل العملية قياسا. كقولئا: كل إنسان فان (مقدمة كبرى) 
وسقراط إنسان (مقدمة صغرى) إذن: سقراط فان (نتيجة). فالإنسان هو الحد المشترك أو الأوسط بين 
المقدمتين وقد زال من النتيجة بعد أن أدى دوره في القياس. ويسمى هذا اعباس النتج (سلجسموس). 

ذكر ثابت أنواعاً أخرق للقياس غير المنتج رغم أن المقدمتين صادقتان لأنه لا يوجد حد 
مشترك بينهما. كقولنا: (كل إنسان فان؛ وكل حجر يابس). 

- وهناك شكل ثان للقياس لا ينتج وإن اشتركت المقدمتان في حد مشترك كقولنا ركل إنسان 
حيوان. وكل طائر حيوان) فلا إنتاج منهما. 

وهناك شكل ثالث غير منتج (لأن المقدمتين رغم |0 شتراكهما في حد أوسط فإنه لا ينتج من 
اقترائهما شي». كقولنا وليس واحد من الئاس طائرا. ولا واحد من الناس حجرا). 

ذكر ثابت الشروط التي ذكرها أرسطو لكي يكون القياس مندجاً وهي (أن لا يستعمل قياس مسن 
مقدمتين سالبتين كليتين ولا جزئيتين ولا مهملتين ولا جزئية ولا خاصية البتة إذ كان منهما تكون 
هذه المقدمات التي أتى بها القوم لمغالطتهم بل يقتصر على المقدمات الصادقة التي نتائجها 
صادقة(12), 


152 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


القياس البرهاني: 

ذكر (ثابت) أن القياس البرهائي هو تأليف المقدمات. واستعماله هو استخراج نتائجها. 
ومقدمات القياس ماخوذة من المعلومات التي هى أوائل العقول (البديهيات) مثل (الكل أكبر من 
الجزض وهذة ماخرذة أراقليا من طرق الحواس وإن البرهان الضروري والحجة القاطعة يضطران 
العقل إلى الإقرار بهما. 

وهذا القياس البرهاني جعله (ثابت) الطريق التي يعرف بها حقيقة الأشخاص التى هى 
مجموعة من أشياء من الموجودات. 

ميز (ثابت) بين البرهان الهندسي والبرهان المنطقي واستخدمهما استخداماً رائعاً في كتبه لأن 
البرهان هو مقدمات الحجة على تحقيق الخبر. 0 

البرهان الهندسى : هو البرهان الذي استخدمه إقليدس في كتابه الأصول. وكان يبدأه بذكر 
عدة بديهيات أو مسلمات (أوائل العقول) ثم يستخرج من نتائجها أكثر من مثتي مسألة برهانية. 
مثال ذلك : البرهان الهندسي على أن مربيع وتر الزاوية القائمة مساو لزبعي الضلعين الآخرين. بدأ 
إقليدس بذكر النقطة التي هي شيء لا جزء له والخط طول بلا عرض والخط المستقيم هو الموضوع 
في مقابل كل واحدة من نقطتي طرفيه على سمت واحد وغيرها كثير والنتائج الصادقة لا بد لها 
من مقدمتين صادقتين ومازاد على ذلك. ولم يتحقق البرهان عليه إلا بعد 46 شكل ويسمى هذا 
الشكل بشكل العروس. 

البرهان النطقي : وهذا البرهان أوائله مأخوذة من صناعة لا بد للمتعلميين أن يصادروا عليها 
قبل البرهان الذي هو ميزان العقل كما أن الكيل هو ميزان الحواس. وذكر ثابت مثالاً على ذلك 
(كل شيء موجود فهو إما جوهر أو عرض). وكل جوهر قائم بنفسه قابل للمتضادات» والعرض هو 
الذي يكون في الشيء لا كالجزء منه فهو يبطل من غير بطلان ذلك الشيء والعرض لا فعل له أيضا. 

والجوهر ما هو بسيط كالهيولى والصورة ومنه ما هو مركب كالجسم وكل جوهر فهو إماعلة 
فاعلة أو معلول منفعل. وهكذا فكل شيء موجود إما جوهر أو عرض. وبمثل هذا الحكم يمكن 
البرهنة على أنه ليس هناك مكان لا مضيء ولا مظلم (مقدمة سالبة صادقة) وليس يخلو النور 
والظلمة أن يكوئا جوهرين أو عرضين أو يكون أحدهما جوهرا والآخر عرضاً (مقدمة كلية سالبة 
صادقة). فإن يكونا جوهرين فإن الخلاء إذن ليس بموجود وإن يكونا عرضين فالعرض لا يقوم إلا 
قُِ الجوهر فالخلاء إذا ليس يخود وإن يكن أحدهما جوهرا والآخر عرضا فهذا هو الحكم(13). 

شروط البرهان الصحيح: 

١‏ - ينبغي أن يوضع في القياس البرهاني أولا شيء معلوم (هل هو؟ وما هو) ليعلم به شي 
آخر. 

2لا ينبغي في البرهان أن يكون الشيء علة نفسه كما قال أرسطو (الشيء المعلول لا ينبغي أن 


153 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


3 - أن لا يكون المعلول قبل العلة. 
أن لا يستعمل في البرهان الأعراض الملازمة كقولنا أن الموت لا يفارق القتل إلا أنه ليس 
أن تكون المقدمة كلية لأن المقدمات الجزثية لا تكون نتائجها ضرورية وإن كانت ممكنة 
كقولنا (زيد كاتب وبعض الكتاب وزير فيمكن أن يكون زيد وزيراً). وقد تكون النتيجة ضرورية 
0 كاتب فهو يقرأ ويزيد كاتب فإن زيد بالضرورة قارت): 
- أن يكون المحمول في الموضوع كوناً أولياً لأن المحمول في الموضوعات على نوعين : 
- منها أوليات (كون ثلاث زوايا في كل مثلث كوناً أولياً لأنها هي الصورة المقومة له). 
- ومنها ثائويات (أن تكون زوايا المثلث حادة أو قائمة أو منفرجة). 
أن لا يستعمل في القياس البرهاني إلا الصفات الذاتية (الجوهرية) لأنها الصورة المعدمة 
للشيء وبها تكون نتيجة الحكم المطلوب صادقة. 
المدخل إلى المنطق (الإيسافوجي) 
عمل ثابت اختصار؟ للمنطق(14). أي الكليات الخمس وقد أضاف إليها كلية سادسة هى 
(الشخص). تكلم فيه عن فضيلة النطق الذي يكاد يكون مطابقا للموجودات كمطابقة العدد 
للمعدودات ودليله على ذلك كثرة اللغات واختلاف الأقاويل وفنون تصاريف الكلام. 
إذا كان النطق فعلاً من أفعال النفس الإنسانية فهذا الفعل نوعان: (النطق الفكري والنطق 
اللفظي). 
النطق الفكري: أمر روحائي معقول وهو تصور النفس معائي الأشياء في ذاتها ورؤيتها لرسوم 
المحسوسات في جوهرها وتمييزها لها في فكرتها وبهذا يعرف الإنسان (إنه حي ناطق مائت) لأن 
اسم الإنسان واقع على النفس والجسد معا. 
النطق اللفظي: أمر جسماني محسوس أو هو أصوات مسموعة. والكلام على كيفية تصاريفه 
وما يدل عليه من المعاني بي يسمى المنطق اللفظي. وفائدته أن يعبر به كل إنسان عما في نفسه لغيره 
من الئاس السائلين والمخاطبين. 
والألفاظ التي تستعملها الفلاسفة في أقاويلها ستة أنواع: 
ثلاثة دالة على الأعيان التى هى موصوفات (كالشخص والنوع والجنس). 
وقلافة دالة على العاتى التى ع صفات وكالفصل والخاصة والعرفو): 
بالشفصن: كل لنظة يقار نيا الى يمجود بقرت مورك باحدق العواسن 
والأشخاص نوعان : 
الأشخاص البسيطة : المتشابهة الأجزاء كالسبيكة والحجرء أجزاؤها كلها من جوهر واحد. 
الأشخاص المركبة: المؤلفة من أجزاء مختلفة الجوهر المتغايرة الأعراض كقولنا (هذا الجسد 
وهذه الشجرة) وهذه الأشياء كثيرة لا يحصى عددها ويمكن حصرها بثلاثة أنواع. 


154 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


1 الأشخاص الجسمانية الطبيعية: وهي المؤلفة من الأركان الأريعة والمكوّنة مسن جسم 
وهيولى. (مثل جسد الإنسان). 

2 الأشخاص الجرمانية (الصناعية): وكلها مركبة من الأركان الأربعة والجسم من الهيوكى 
والصورة (كتركيب المدينة). 

3- الأشخاص الروحانية النفسانية: المركبة من النسب الموسيقية في ألحان مؤتلفة وأبيات 
متزئة كما في الغناء والألحان الموسيقية. 

2 - النوع: كل لفظة يشار به إلى كثرة تعمها صورة واحدة كقولك (الإنسان ‏ الفرس) وبالجملة 
كل لفظة تعم عدة أشخاص متفقة الصورة. 

3- الجنس: كل لفظة يشار بها إلى كثرة مختلفة الصور تعمها كلها صورة أخرى (كالحيوان 
والنبات). فالحيوان يعم الناس والسباع والطيور والسمك والحيوان أجمع. وكلها صور مختلفة 
يعمها الحيوان» فإن كل لفظة منها تعم جماعات مختلفة الصور. 

وأما الفصل والخاصة والعرض: فكلها ألفاظ دالة على الصفات التي توصف بها الأجناس 
والأنواع والأشخاص. 

وهذه الصفات ثلاثة أنواع : 

1 الصفات الذاتية : هي صفات إذا بطلت بطل وجود الموصوف معه. وهي جوهرية كحرارة 
النار ورطوبة الماء ويبوسة الحجر. وسميت هذه الصفات بالذاتية أو الجوهرية لأنها تفصل الجئس 
فتجعله أنواعاً كقولنا (الإنسان حيوان ناطق) فالنطق خاصة الإنسان دون سائر الحيوانات 
والتعريف بها يسمى رسوماً. 

2- الصفات الخاصة : : هي صفات إذا بطلت لم يبطل وجدد الموصوف ولكنها بطيئة الزوال 
مثل سواد القبر وبياض الثلج وحلاوة العسل وهي صفات تختص بنوع دون سائر الأنواع. 

3 - الصفات العرضية : هي صفات سريعة الزوال كحمرة الخجل وصفرة الوجل والنوم واليقظة 
فهي تعرض للشيء وتزول عنه من غير زواله. 

وفي هذا الكتاب (المدخل للمنطق) تكلم ثابت عن الأقاويل من جهة اللفظ ومن جهة المعنى 
وثارة منهما جميعا. وهي خمسة أنواع: 

1 المشتركة في اللفظ المختلفة في المعنى كقولك (عين الإنسان وعين الشمس). 

2 - المترادفة هي المختلفة في اللفظ المتفقة في المعنى كقولك (البر والحنطة). 

3 المتباينة في اللفظ والمعنى جميعاً كقولك (حجر وشجر وذهب وتراب). 

4 المتواطئة وهي المتفقة في اللفظ والمعنى جميعاً كقولك (هذا إنسان اسمه زيد وذاك اسمه 
عمرو). 

5 - المشتقة أسماؤها. كقولك (الضارب والمضروب والمضرب). 

وما شابه ذلك من الأسماء المشتقة من الأفعال. 


155 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


ولإخوان الصفا رأي طريف في أصل اللغة وأسباب اختلافها ومصدرهم في ذلك ثابت بن قرة. 
قالوا: أيد الله ادم بوحيه وإلهامه لما تاب عليه وعلمه الأسماء ولم يزل الأمر على ذلك وبنو آدم 
يتكلمون مع والدهم السريائية. وقال بعضهم بل النبطية. وكان ادم يعلمهم تلك الاسماء تلقينا 
وتعريفا ويعرف من لا علم له بالكتابة والهجاء وصارت الحروف أربعة وعشرين حرفا وهي الكتابة 
اليونانية. 

وأصل الاختلاف في اللغات هو أنه لما كثر أولاد آدم وانتشروا في جهات الأرض ونزلوا الأقاليم 
والأقطار من الربع المسكون تولى أمر كل قوم كوكب من الكواكب السبعة المدبرات فعقد لهم عقدا 

وصار أهل هذه الأقطار المختلفة إلى من يكشف لهم معانيها ويدلهم على مراميها احتاجوا إلى 
الترجمة والنقل وهذا ما فعله سليمان لا آتاه الله الملك وجعل له القوة والقدرة على نقل العلوم 
والحكمة من جميع اللغات حين قهر ملوكها وذلل رؤساءها إلى اللغة العبرانية وكذلك فعل ملوك 
يونان بمن غلبوا عليهم» فلذلك اختلفت اللغات وتباينت الآراء والديانات وكان ذلك لعلل وأسباب 
يطول شرحها وكل ذلك بأمور فلكية وأحكام سماوية ومشيئة إلهية(15). 

من هذا نستدل على الدور الكبير الذي لعبه كتاب الإيساغوجي (الدخل) لفرفوريوس الصوري 
ف تاريخ الترجمة عند السريان والعرب ودوره ف علم النحو والأدب العربي مند أن ترجمه عبد الله 
بن المقفع (ت 142 ه/ 760) أيام الخليفة المنصور. 


156 


.01:1 'ككاء االتدع131013/ط. 17717177 11010 1001111030 


ثابت بن قرة الكبلسوف 


1 صوان الحكمة ص 299) للسجستانى. تحقيقك عبد الرحمن بدوي طهران 1974. 

2 تاريخ مختصر الدول ص 153» اب الغيرقه دار المسيرة» بيروت. 

3 التنبيه والإشراف ص 162» المسعودي. تحقيق: عبد الله إسماعيل الصاوي» القاهرة 
8. 

4 - طبقات الأمم ص 233 القاضي صاعد بن أحمد الأندلسي, مطبعة السعادة بمصر. 

5 كتاب تلخيص المحصل ص 57» نصير الدين الطوسى » طباعة حيدر اباد 1356 ه. 

6 - الرسائل الفلسفية للرازي ص 191. بول كراوس» حابن القاهرة 1939. 

7 الفهرست ص 384: لابن النديم. تحقيق: رضا نجدوء طهران 1971. 

8 -المصدر السابق ص 385. 

9 الموسوعة الفلسفية المختصرة ص 356» القاهرة 1963. 

0 الملل والنحل ج2 ص 112؛ للشهرستائي. محمد عبد العزيز الوكيل» القاهرة 1967. 

1 -الموسوعة الفلسفية ص 82:» دار الطليعة» بيروت 1980, 

2 كتاب محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين ص 135» حيدر آباد الدين 1346 ه, 

3 -المصدر السابق ص 136. 

14 - تاريخ الفلسفة في الإسلام ص 151) دي بور. ترجمة: محمد عبد الهادي أبو ريدة» 
القاهرة 1957. 

5 - تراث الإسلام ج3 ص 115»؛ كتاب عالم المعرفة الكويتي. 

16 الفهرستك ص 384 

7 كتاب محصل أفكار المتقدمين ص 135. 

8 - كتاب الأزمئة والأمكئة ص 4144» المرزوقى الأصفهائى» حيدر آباد الدين 1965. 

19 محصل أفكار المتقدمين ص 136. ْ ْ 


157 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


0 رسائل الرازي الفلسفية ص 178. 

1 - تاريخ الفلسفة في الإسلام ص 152. 

2 تاريخ الحكماء للقفطي ص 119» نشر دار المتنبى ببغداد. 

3 موسوعة الفلسفة 1 ص 346») عبد الرحمن در بيروت 1985. 

4 - الملل والنحل ج2 ص 113. 

5 الآثار الباقية ص 237» البيرونى. تحقيق: إدوار سخاوء لندن 1887. 

6 - الملل والنحل 2 م" 

7 - ملحق موسوعة الفلسفة ص 212» عبد الرحمن بدوي. بيروت 1996. 

8 - رسائل إخوان الصفا ج1 ص 10؛ دار صادر» بيروت 1957. 

9 المصدر السابق ج3 ص 487. 

0 الفهرست ص 384, 

1- إخوان الصفا ج3 ص 495. 

2 المصدر السابق ع4 ص 132. 

3 المصدر السابق ج4 ص 264. 

4 تاريخ الحكماء للقفطى ص 120. 

5 - رسائل إخوان الصفا ج3 ص 483. 

6 الملل والئحل ج2 ص 115. 

7 الفهرسست ص 384. 

8 المصدر السابق ص 385. 

9 - رسائل إخوان الصفا م3 ص 199 200, 

0 - المصدر السابق ج1 ص 212. 

41 المصدر السابق ج4 ص 271. 

2 المصدر السابق م4 ص 262. 

3 المصدر السابق ج4 ص 271. 

4 - تاريخ الحكماء للقفطي ص 118. 

5 تهذيب الأخلاق ص 146 147» لمسكويه. تحقيق: سهيل عثمان» وزارة الثقافة» دمشق 
6.. 

6 - رسائل إخوان الصفا ج1 ص 286, 

7 المصدر السابق م3 ص 190 200. 


158 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


مراجع كلسفته الطبيعيبة 


1 الفهرست لابن النديم ص 384. 

2 كليات بي البقاء م5 ص 71. 

3- شرح كتاب محصل أفكار المتقدمين ص 136. 

4 المصدر السابق ص 136. 

5 الفهرست ص 384. 

6 - تاريخ الحكماء للقفطيى ص 116؛ نشره ليبرت في ليبسك سنة 1923. وأعادت نشره دار 
المتنبى» بغداد 

7ن موسوعة الفلسفة بج1 ص 312: عبد الرحمن بدوي. 

8 كتاءب الأزمنة والأمكئة ج1 ص 144. 

9 - محصل كتاب أفكار المتقدمين ص 136. 

0 تاريخ الحكماء للقفطي ص 117. 

1 موسوعة الفلسفة ج]1 ص 556) عبد الرحمن بدوي. 

2 - قرآن كريمء سورة الجاثية» آية 24. 

3 تحقيق ما للهند من مقولة 21955 البيرونى. 

4 د محصل أثكار المتقدمين صن 137 1 

5 موسوعة الفلسفة ج1 ص 556. 

6 اعترافات أوغسطين ص 241» القديس أوغسطين. المطبعة الكاثوليكية» بيروت 1962. 

7 -المصدر السابق ض 258. 

8 _المصدر السابق ص 254, 

9 المصدر السابق ص 262. 

0 - رسائل إخوان الصفا ع2 ص 12. 

1 الموسوعة الإسلامية ج10 ص 384. 

2 - رسائل إخوان الصفا بج2 ص 16. 

3 كتاب الأزمنة والأمكنة ج1 ص 148. 

4 الموسوعة الإسلامية ج10 ص 384. 

5 رسائل الرازي الفلسفية ص 149, 

6 - تحقيق ما للهند ص 164» البيرونى. ئشر حيدر أبا دالدكن 1956. 

57 الفورسة سس 314 ١‏ 


159 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


8 عيون الأبناء لابن أبى أصيبعة ص 299. 

9 - موسوعة الثقافة العلمية ص 397» دار الكتاب الجديد. القاهرة. 

0 - رسائل إخوان الصفا ج2 ص 76 - 77. 

1 - موسوعة الثقافة العلمية ص 254. 

2 - رسائل إخوان الصفا ج2 ص 68. 

3 موسوعة الثقافة العلمية ص 288 289. 

4 رسائل إخوان الصفا م2 ص 87. 

5 - الكون ص 69.: كارل ساغان» كتاب عالم المعرفة (178): الكويت 1990. 

6 -المصدر السابق ص 69. 

7 الأيام الستة ص 57) ماريعقوب الرهاوي. ترجمة : المطران غريغوريوس صليبا شمعون» 
دار الرها حلب 1990. 

8 - رسائل إخوان الصفا م2 ص 85. 

9 كارل ساغان ص 71. 

40 الأيام الستة ص 56,. 

1 - رسائل إخوان الصفا ج3 ص 60. 

2 المصدر السايق بج 2 ص 408 409. 

3 عيون الأبناء ص 300, 

4 - رسائل إخوان الصفا م3 ص 60. 

5 المصدر السابق ج2 ص 110. 

6 الآثار الباقية ص 262. 

7 - رسائل إخوان الصفا ج2 ص 93. 

8 - المصدر السابق بج2 ص 101 102. 


مراجع علم المنطق 


1 الامتاع والمؤانسة ج1 ص 148» أبو حيان التوحيدي. تحقيق: د. إبراهيم الكيلاني» دمشق 
8 

2 المقايسات ص 202» أبو حيان التوحيدي. تحقيق: د. إبراهيم الكيلاني») دمشق 1984. 

3 - البصائر النصيرية ص 1» الساوي» القاهرة 1913. 

4 المنطق الصوري ص 112ء على سامى الئشارء دار المعارف القاهرة 196, 

5 المقايسات ص 160, 0 

6 - المصدر السابق ص 176. 


160 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


7- تاريخ الحكماء للقفطي ص 117. 

8 عيون الأنباء في طبقات الأطباء ص 2300 ابن أبي أصيبعة. تحقيق: د. فؤاد نزار» بيروت 
2. 

9 -المنطق الصوري ص 214» للنشار. 

0 «المصدر السابق ص 216. 

1 -عيون الأنباء ص 298. 

2 رسائل إخوان الصفا ج1 ص 423. 

4 - عيون الأنياء ص 300. 

5 رسائل إخوان الصفا ج3 ص 150. 


1061 


.01:1 'ككاء االتدع131013/ط. 17717177 11010 1001111030 





مم. 01:1 نات االطدع2012ة]/. 7711177 لتم 01020ده1][00 


الفصل الثالث 








ثاببت بن قرة الحراني «المترجم) 


6و 


- إشكالية معنى الترجمة 
- طريقتا الترجمة 
ل الترجمة الحرفية 
2-التفسير والتأويل. 
ب الاجاحظ يوه عملية الترجية 2 مصيره: 
المجالات التي أبدع فيها ثابت 4 الترجمة. 
الرياضيات وعلم الفلك. 
الطب والفلسفة. 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 





مم. 01:1 نات االطدع2012ة]/. 7711177 لتم 01020ده1][00 


ثابت بن قرة الحراني رالمترجم) 


إشكالية معنى الترجمة: هل هي نقل للكلام أم تفسير له ؟ 


جاء في المصباح المئير: «ترجم فلان كلامه إذا بيْنه وأوضحه» وترجم كلام غيره إذا عبر عنه 
بلغة غير لغة المتكلم. ويسمى من يقوم بذلك ترجمان(1) ومثلها بالعربية فسر الشيء بينه 
وأوضحه(2). والجمع تراجم. ويقال لسان مرجم إذا كان فصيحاأ قوالاً. 

وكان يطلق على عبد اللّه بن عباس ترجمان القرآن الجودة تفسيره وحسن بلاغته وقد جاء في 
اننا العرب اللرجمان هو القسر للساع والفرجيان آيفاً هو الذي يترجم الكلام أي ينقله من لغة 
إلى أخرى(3). قال أبو معشر البلخي (جعفر بن عمرر ت 272ه/ 0886) في كتابه المذكرات 
لشاذان: حذاق الترجمة في الإسلام أربعة: حنين بن إسحق العبادي» ويعقوب بن إسحق 
الكندي» وثابت بن قرة الحرائي؛ وعمر بن الفرخان الطبري(4). كان حنين وثابت يئقلان من 
اليونانية والسريانية إلى العربية ولا نظير لهما في الأدب العربي كله. وكان عمر بن الفرحان 
الطبري ينقل من الفارسية إلى العربية» أما يعقوب بن إسحق الكندي فلم يكن ناقلا للكتب وإنما 
هو مفسر لكتب القدماء وموضح لمقاصدهاء لهذا قال عنه أبو معشر أنه من حذاق التراجمة. 

الترجمة إذن هي نقل للكلام من لغة إلى أخرى» والترجمة هي توضيم للكلام في نفس اللغة. 
قال الجاحظ: «ومن القصاص موسى بن سيّار الأسواري كان من أعاجيب الدنياء كانت فصاحته 
بالفارسية في وزن فصاحته بالعربية وكان يجلس في محله المشهور به (بالبصرة) فتقعد العرب عن 
يمينه والفرس عن يسارهء فيقرأ الآية من كتاب الله ثم يفسرها للعرب بالعربية ثم يحول وجهه 
للفرس فيفسرها لهم بالفارسية فلا يُدرى بأي لسان هو أبين(5). والترجمة الفورية هي من أصعب 
طرق الترجمة ولن تتساوى مقدرة المترجم بين اللسانين. 

والترجمة صنعة قديمة» يقوم بها أناس متخصصون يلازمون الملوك ويرافقون الجيوش والسفراء 
والرحالة والتجار وكانت تقتصر على كلام ينقل بين متكلم ومستمع في موقف واضح للجميع وكان 
لدم يسرويفتى حمل سيره ولخ وق لوب ثم تطور الأمر فيما بعد عندما 
حمل السفراء رسائل تتضمن حل خلافات سياسية أو اقتصادية وكانت تلغز أحيانا وكان المرسل 
يريدها أن تكون مفهومة : بأقل قدر من العناء وفي الوقت نفسه أن تكون مؤثرة في المستمع (المتلتي 
للرسالة) من هنا نشأت صعوبتهاء كيف يجب على المترجم تأدية ما يجب أداؤه؟ 


165 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


والكلام وسيلة اتصال طبيعية مباشرة بينما الكتابة وسيلة اتصال غير مباشرة لتمثيلها المعاني ف 
حروف مكتوبة بينما في الكلام المباشر فإن المتحدث والمستمع حاضران وكل منهما يواجه الآخر 

تعرض أفلاطون في محاورة فيدروس لهذه المسألة فذم الكتابة واعتبرها وسيلة اتصال مهجنة 
تؤدي إلى سوء التفسير لغياب المتكلم(6). قال على لسان سقراط: «إن الكتابة غير إنسانية فهي 
تدعي أنها تؤسس خاريج العقل ما لا يمكن في الواقع أن يكون إلا داخله وأن الكتابة تدمر الذاكرة 
وأن الذين يستخدمونها يصبحون كثيري النسيان فهى بذلك تضعف العقل)(7). 

كانت مجالس التعليم في اليوئان سواء كانت في المعابد أو في المدارس تعتمد على الحوار المباشر 
لأن الغاية من الكلام هو توجيه انتباه السامعين إلى فكرة أو عمل وقد يكون الكلام ذا دلالة واضحة 
أو غامضة لذا يصحب تعييرهم أحيانا إشارات وإيماءات تسهل لدى المستمع التواصل والتأويل 
حيئما تكون الدلالة غامضة. وقد برع الفيثاغوريون في الخطابة والتدريس معتمدين على الكلام دون 
الكتابة. 

والحضارة هي حوار مستمر بين الشعوب» وقد بدأت الحضارة الغربية عندما جاء اليونان إلى 
الشرق وبنوا مدينة الإسكندرية وقام الملك بطليموس الأول بترجمة الكتاب المقدس (التوراة) إلى 
اليونانية عن اللغة العبرية وكان مجموعة من القصائد والقصص والأقوال المأثورة والمواعظ الفلسفية 
وفيه مقتطفات أدبية وشعرية وكتابة تاريخية هي موروث شعوب المنطقة والشعب اليهودي(7). 

واجه المترجمون مشكلات كثيرة نشأث من صعوبة المقولات الفلسفية وتحليلها مما اقتضى 
وجود أشكال رمزية جديدة وعلاقات فكرية متبادلة بين المعرفة الحسية والمعرفة الميتافيزيقية. ومن 


هذه المقولاات : 
1 -وجود معان واضحة لا صعوبة في حلها لاتفاق الجميع عليها مثل طفل» كلب » بيست» 
شجرة» الخ. ّ 


2 - وجود رموز مجردة (كلمات) لم يتفق عليها المترجمون لأنها مجردة لا تبلغ كمالها في 
التجربة الحسية (كالدائرة والنقطة والخط المستقيم) فهي معان دقيقة ثابتة لا يتفق على إدراكها 
إلا المتخصصون في علم الهندسة. . 

3 - وهناك معان مجردة يعسر تحديد معناها لتغاير الوسطين الثقافيين بين اليونان والشرق مثل 
فكرة الألوهية» والعدل والحقيقة والخير والمحبة والجمال والروح.. الخ(9). 

من هنا نشأت مشاكل لغوية لابد من تحديدها لدى المترجمين. فطرحوا على أنفسهم : 

- ما العمل لحل مثل هذه الصعويات؟ 

بدؤوا بالقراءة الواعية للنص معتمدين على تجاربهم الشخصية» وبدت ليه النصوص يعضها 
قابل للترجمة وبعضها غير قابل في الوقت نفسه ولا بد من إلهام رباني لتسوية الصعوبات. 

ومئذ ذلك التاريخ أدرك المترجمون أن الترجمة لن تكون طبق الأصل عن النص المترجم مهصا 
بذل الناقل من جهد. قال كارل ماركس  1888(‏ 1883) عن ترجمة مولينور لكتابه رأس المال إلى 


166 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


الفرنسية «إن تلك الترجمة لم تكن نسخة مطابقة للنص الألمانى فهي تناسب الفكر الفرنسى وقست 
ظهورها؛ ومعنى ذلك أنها لن تكون ملائمة في وقت آخر(10). 

هكذا كانت الترجمة عند ثابت بن قرة عملية تجديد وتحويل أي تجديد للنص وتحويله للغة 
في الوقت ذاته وقد أدرك بحسه السليم أن مهمته السمام للنص أن ينقل من الفكر اليونائى إلى 
الفكر العربي لا بين الثقافتين من اختلاف. وقد ترجم كتاب إقليدس أكثر من مرة وكان يصلح 
النقل وكذلك فعل بكتاب المجسطي. وكان يضع لكتبه المترجمة الشروم والتفاسير ليسهلها على 
الدارسين والمبتدئين معا. 

قال الفيلسوف الألمانى الوجودي مارتن هايدجر  1899(‏ 1976): «إن عملية الترجمة تحتوي 
دائما على صراع بين قيم في لغتين مختلفتين تحاول الترجمة جعلهما يدخلان في حوار. ومع ذلك 
فالحوار لا يشكل العنصر الجوهري للترجمة:» لماذا؟ لأن الكلام نفسه إذا نطق به وكتدب داخل 
اللغة الأم يكون في حاجة إلى تأويل وبالتالي فإن هناك بالضرورة ترجمة داخل اللغة الأم 
ذاتها»(11). 

هذا الرأي الذي قال به هيدجر أدركه العرب عندما وضعوا القواميس لا لنقل لغة إلى لغة 
أخرى » بل لترجمة اللغة ذاتها كما نفعل نحن اليوم في شرحنا للشعر الجاهلى لنفسره بلغتنا 
المعاصرة. 

هناك طريقتان للترجمة لا ثالث لهما: 

أولا ‏ طريقة الترجمة الحرفية: 

تعتمد هذه الطريقة على المعنى الدلالي للكلمة لأن المعاني ثابتة في الكلمات وأن للكلمة معنى 
واحدا يحدده النص. وقد اعتمدوا على المصطلح اليوناني الأرسطوي (ميتافراسيس) المؤلف من 
الظرف (ميتا) بمعنى (بعد) وفراسيس المشتق من (فرازو) بمعنى أعبر أو أشرم. أي أن الإنسان 
بدرك المعنى الدلالي للكلمة ثم يعبر عنها باسمها الحرفي لاعتقادهم أن للكلمات معانى ثابتة. 

كان المترجم يدعو إلى التعامل مع المعنى الخاص للكلمة لا المعنى العام. وإن فهم الكلمة ريما 
يعتمد على كلمات أخرى تصاحبها من هنا كان على المترجم أن يلتمس المعنى الحرفي للكلمة من 
الجملة أو من الفقرة كلها. 

كان ثابت بن قرة بحكم ثقافته الواسعة ومعرفته للعربية واليونانية والسريائية واطلاعه على 
تجارب مدرسة أنطاكية في الترجمة وتمسك علمائها بالنص الحرفي ورفضهم لنهسج مدرسة 
الإسكئدرية في التأويل الرمزي في الترجمة كان من أصحاب الترجمة الحرفية المثقلة بالشروح 

وقد رسمم تقاليد مدرسة أنطاكية المترجم العظيم ديودوروس الطرسوسي  330(‏ 390) الذي أكد 
على احترام حرفية النص ثم الولوج إلى معانيه العميقة عن طريق الشروم المصاحبة للنص. وكان 
من أشهر تلامذته ثيودور المصيصي  350(‏ 428) الذي تابع خطاه في ترجمة الكتب المقدسة(12) 


167 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


قدعى في الثقافة السريانية بكو الكعقيى ولأهمية الفرجبة الخرقية اشرب يثنا يعديدا على 
تجربة الدكتور لويس عوض الغنية في هذا المجال. قال في مقال له بجريدة الأهرام بقاري 
4 11/ 1972 في تعليقه على ترجمة الدكتور ثروت عكاشة لكتاب التحولات لأوفيد (43 ق.م- 
8) قال: «خيرا فعل فلا خير في كتاب يترجم فتشق قراءته على الناس». ثم استدرك قائلا: 
«ؤمع ذلك لا مناص من صدور ترجمة ثانية ملزمة بحرفية النص اللاتيني يقوم بها أساتذة عارفون 
بأسرار اللغة اللاتينية لأن ما يضيع على القارئ الدارس المتأني من معاني في السلاسة والجزالة 
شيء كثير وهام عند المختصين». 

ثم بيّن الدكتور لويس عوض ما تفعله المؤسسات العلمية اليوم عندما يترجمون شوامخ الأدب 
الكلاسيكي. فهم يترجمون مرتين» مرة للأدباء والمتأدبين والمثقفين عامة؛ ومرة أخرى للباحثين 
والمختصين بل وحتى الترجمة الأدبية اقترح الدكتور لويس عوض تذييلها بترجمة حرفية لكل 
نص جرى به تصرف لأن بعض الرموز هي من الجوهر لا من العرض الذي لا يجوز الاستغناء عنه. 

ثم وجه الدكتور لويس نصيحة لكل مترجم أصيل: «ينبغي المحافظة على ما ينقله من نصوص 
ميئى ومعنى وما أكثر ما يتعارض الميدانان». 

ثانياً ‏ ترجمة التأويل والتفسير: 

تشتمل كل كلمة على المعاني التي اكتسبتها عبر استخدامها المطرد فكلمة (الأم) تحمل شحنة 
انفعالية تعتمد على معان كثيرة بالإضافة إلى المعنى المعجمي الحرفي لها (وهي الأنثى الوالدة للحيوان) 
وهذا المعنى يقترن معام مختلفة كالدفء والأمان والراحة والحب» فالمعنى الضمني يستند إلى 
الأحاسيس والعواطف» والإبداع الأدبي يقوم على استثمار الكلمات ضمن معانيها الدلالية والضمئية وقد 
تستخدم فيها أعمال إضافية أخرى كالصوت والحركة الإيمائية التي تزيد في إيجاد المعنى(13). 

هذه الطريقة في الترجمة أخذت بالمصطلم اليونائي (هرميتيا) باللغة الإنكليزية (ءنانمعصصء2) 
والتي تعني التفسير والتأويل لاعتقادهم أن هناك معاني اصطلاحية ثابتة» وهناك كلمات يحدد 
طبيعتها الحوار والنص لأن اللغة قسم منها يحفل بما في العقل من تجريد ورمزء وقسم يحفل 
بشعورناء أي بلغة القلب الانفعالية» وهذا التقليد جاء به أفلاطون في تفسيره وتأويله لأشعار 
هوميروس وهسيود والأمثال القديمة. 

قال الدكتور جورج شحاته قنواتي: «تمسك علماء أنطاكية بالنص الحرفي وتصدوا للتأويل 
الرمزي للكتاب المقدسء» وكانوا له ينون بتاتاً بالمعاني الرمزية التعسفية التي كانت مدرسة 
الإسكندزية تلجا إليها. بل ككاتوا أكثر ميلد إلى النظرة الأرسطوية الوصفية للأشياء والمهتمة 
بالحقائق اللركية الملموسةء بينما كانت هدرسة الإسكثدرية أكثر ميلا إلى الأفللاطونية وإى التفسير 
التأويلي الرمزي الصوفي في الحقاثق الدينية»(14). وكانت هذه الطريقة هي الثلى عند مؤرخي 
الأدب العربي في العصور الوسطى. يلخص رأيهم في ذلك الصلاح الصفدي (ت 762 ه/ 1362) 
نقله عنه بهاء الدين العاملي. قال: للترجمة والنقل طريقان : 


168 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


الطريق الأول: سلكه يوحنا بن البطريق وعبد المسيح بن ناعمة الحمصي وغيرهما وهو أن ينظر 
إلى كل كلمة مفردة من الكلمات اليونانية وما تدل عليه من المعنى فيأتى الناقل بلفظة مفردة من 
الكلمات العربية ترادفها في الدلالة على ذلك المعنى فيشبهها وينقل إلى الأخرى كذلك حتى يأتى 
على الجملة. 1 

وهذه الطريقة رديثة لوجهين: 

أحدهما: أنه لا يوجد في الكلمات العربية» كلمات تقابل جميع الكلمات اليونانية. ولهذا وقع 
خلال التعريب كثير من الألفاظ اليونانية على حالها. 

الثاني: أن خواص التراكيب والنسب الإسنادية لا تطابق نظيرها من لغة إلى أخرى دائماء 
وأيضا يقع الخلل من جهة استعمال المجازات؛ وهي كثيرة في جميع اللغات. 

الطريق الثاني : في التعريب سلكه حنين بن إسحق والعباس بن سعيد الجوهري وغيرهما. وهو 
أن يأتى بالجملة فيحصل معناها في ذهنه ويعبر عنها من اللغة الأخرى بجملة تطابقها سواء 
ساوت الألفاظ أو خالفتها. وهذا الطريق أجود ولهذا لا تحتاج كتب حنين بن إسحق إلى تهذيب 
إلا في العلوم الرياضية لأنه لم يكن قيما بها بخلاف كتب الطب والمنطق والطبيعي والإلهسي فإن 
الذي عربه منها لم يحتج إلى إصلاح(15). 

لم يكن حكم الصلاح الصفدي صائباً على طريقة الترجمة الحرفية لأن حنين وثابت بن قرة 
كانا من أتباع هذه الطريقة. ولا ينطبق عليهم قول: (أوليري): «إن مترجمي العرب كانوا كثيرا ما 
يقئعون بنقل المعاني الهامة وإهمال ما عداها عن عمد وليس عن جهل أو سوء فهم. وعدم تقيدهم 
بالنص جعل الترجمة أوضح من الأصل الذي نقلت عنه». إن المترجمين العرب كانوا يضيفون إلى 
الأصل ما توصلوا إليه من خبرات وإنهم كانوا يرشدون القارئ إلى ما يضيفونه إلى الأصل من معان 
وأفكار. 


الجاحظ موجه لعملية الترجمة: 


في عصر المأمون نشطت عملية الترجمة من اللغات السريانية واليونانية والفارسية والهندية, 
وقد أبقى الدهر على ذكر كثير من تلك الشوامخ م الفكرية التى ترجمت في ذلك العهد. وأفضل من 
أدرك صناعة الترجمة وخبرها أبو عثمان الجاحظ  160(‏ 255 ه قال: «وقد نقلت كتب الهند 
وترجمث حكم اليونان وحولت آداب الفرس فبعضها ازداد عا : وبعضها ما انتقص شيئاً. . وقد 
نقلت هذه الكتب من أمة إلى أمة ومن قرن إلى قرن ومن لسان إلى لسان حتى انتهت إلينا وكنا آخر 
من ورثها ونظر فيها»(16). 

عاش الجاحظ في عصر كبار المترجمين وعئهم عرف طريقتهم في الترجمة ولم يكتف بذلك فراح 
ينظر لعمل مثالي في الترجمة وأسلوب صحيح في النقل. وكان ثابت بن قرة قد درس طريقته بل 
وإنه عمل بوحيهاء وهو المعجب بشخصية الجاحظ وأظن أنه التقى به في بغداد أواخر حياته. قال 


169 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


ثابت بن قرة: ما أحسد الأمة الإسلامية إلا على ثلاثة أنفس: أولهم عمر بن الخطاب والثاني 

كيف أدرك الجاحظ بحسه الثقافي السليم عملية الترجمة؟ 

أدرك أن مفهوم الكلمات يختلف باختلاف الأغراض المنوطة بها. وأن الناس الذين أنتجوا 
النص هم أوك بفهمه وإدراك حدود مراميه. وناقش مع حئين بن إسحق لِم لم يستطع قدماء 
المترجمين العرب إيجاد معادل لغوي لبعض المصطلحات اليونانية؟ 

أدرك الجاحظ أن كل كتاب مترجم يفتح آفاق فالات ضدودة خوله هما يجدلة كقايا متقوهي) 
لكل الأجيال» فهو ليس صورة فكرية مطابقة للعقلية التي أنتجته وحسب ولا مراة لتاريخ عصره 
فقط بل هو كتاب مفتوح لكل الأجيال والأمم وعليه فإنه يتحدى إطاره التاريخي ويقاومه. قال 
الجاحظ: «إن الترجمان لا يؤدي أبدا ما قال الحكيم على خصائص معائيه وحقائق مذاهبه ودقائق 
اختصاراته وخفيات حدوده ولا يقدر أن يوفيها حقوقها مثل مؤلف الكتاب وواضعه فمتى كان ل 
رحمه الله ابن البطريق وابن ناعمة الحمصي وأبو قرة الحراني [تيودوروس أبو قرة مطران الملكية 
0 - 820] وابن بهريز [حبيب بن بهريز مطران الموصل] وابن هيلي [لعله ابن شهدي الكرخي] 
وابن المقفع. مثل أرسطاطاليس؟ ومتى كان خالد بن يزيد مثل أفلاطون؟ ولن تجد البتة مترجما 
يفى بواحد من هؤلاء العلماء(18). 

لاذا للا يعادل المترجم بالؤلف؟ 

يضع الجاخط شروحا للمترجم الجيد منها: 

ال 
وغاية وب 207 ضُ على ذلك : : «لو كان الحاذق بلسان اليونانيين رمي إك لاحت 155 العربية 
ثم كان العربي اضرا عن بللاغة اليوناني لم يحد اليوناني له بدا من الاغتفار والتجاوز. 

3 كلما كان الباب من العلم أعسر وأضيق والعلماء به أقل» كان أشد على المترجم وأجدر أن 
يخطئ به(19). ويضرب مثلا على ذلك بكتاب إقليدس «الأصول» ترجمة : الحجاج بن يوسف بن 
مطر الكوفي 166١‏ 220 هم قال: «وفيٍ كتاب إقليدس كلام يدور وهو عربي وصفي لو سمعه بعض 
الخطباء لما فهمه ولا يمكن أن يفهمه من يريد تعلمه لأنه يحتاج إلى أن يكون قد عرف جهة الأمر 
وتعود اللفط المنطقى الذي استخرجح من جميع الكلام»(20). 

4 - ومن شروط الترجمة الصحيحة» أن يراجع للمترجم معلم حاذق ذو دراية بالحدود الخفية 
وله دراية بإصلاح سقطات الكلام وإسقاط الناسخين للكت ب(21). وجاء بمثل قال: «وذلك أن 
نسخة لا يعدمها الخطا ذم يمح من ولك النسيخة من بزيدة من الخطا الذي ييكده و اللسييظة ثم 
لا ينقص منه بل يترك ذلك المقدار من الخطأ على حاله وأحيانا يجد المترجم أنه ليس من طاقته 


100 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


إصلاح السقط الذي يجده في النسخة. ثم يفترض الجاحظ فرضاً آخر لو أن الناسيخ جرب إصلاح 
الخلل في النص فماذا سيحدث حينئذ؟ قال: وأعجب من ذلك أنه يأخذ أحد أمرين: 

- قد أصلم الفاسد وزاد الصالم صلاحاً ثم يصير هذا الكتاب من بعد نسخة لإنسان آخر فيسير 
فيه الوراق الثاني سيرة الوراق الأول. 

- ولا يزال الكتاب تتداوله الأيدي الجانية والأغراض المفسدة حتسى يصون فاطا صرفاً وكيا 
فضفتا فها ظنكم بكتاب يتعاقبه المترجمون بالإفساد؟ ويتعاوره الحطاط يشر ين ذلك أو بمثله» 
فيصبح كتابا متقادم الميلاد دهري الصفة ! (22). 

ولكي أدلل على صحة قول الجاحظ أضرب امثل التالي : 

أصلح ثابت بن قرة الحراني لأرخميدس (178 - 212 ق.م) كتاب الكرة والأسطوائة لأولاد 
موسى بن شاكر وقد لعب هذا الكتاب دورا هاما في تاريخ الهندسة وعلم الحيل عند العرب.. 
ولأهمية الكتاب سأذكر ما قاله الفيلسوف الرياضي النابه الذكر نصير الدين محمد الطوسي  1200(‏ 
72 قال: «إني كنت في طلب الوقوف على بعض المسائل المذكورة في كتاب الكرة والأسطوانة 
لأرشميدس زماناً طويلاٌ لكثرة الاحتياج إليه في المطالب الشريفة الهندسية إلى أن وفقت إلى النسخة 
المشهورة من الكتاب التى أصلحها ثابت بن قرة وهى التى سقطت عنها بعض المصادرات لقصور 
فهم ناقله إلى العربية عن إدراكه وعجزه بسبب ذلك عن النقل فطالعتها وكان الدفتر سقيماً بجهل 
ناسحه فسددته بقدر الإمكان وجهدت في تحقيق المسائل المذكورة إلى أن انتهيت إلى المقالة 
الثانية»(23) وهي المقالة التى لم يصلحها ا 1 

وعن أهمية الترجمة وأخطاء المترجمين أثنى أبو حيان التوحيدي على طريقة ثابت بن قرة من 
خلال منظور الجاحظ في توالي أخطاء المترجمين في كتاب متقادم الميلاد دهري الصفة. قال: على 
أن الترجمة من لفظ اليوئان إلى العبرانية ومن العبرانية إلى السريانية ومن السريائية إلى العربية 
تداخلت بخواص المعاني قُْ أبدان الحقائ كن وأحات إخلالٌ لا يخفى على أحد ولو كان معاني 
يوئان تهجس في نفس العرب في بيانها الرائع وتصرفها الواسع وافتنائها المعجز وسعتها المشهودة 
لكانت الحكمة تصل إليئا صافية بلا شوب وكاملة بلا نقص. 

لِم اقتصر ثابت على ترجمة العلوم الرياضية والفلسفية فقط؟ ولم يخض عباب ترجمة الشعر أو 
الكتب الدينية كما فعل نظيره المترجم العظيم حئين بن إسحق؟ 

أظن أنه لم يفعل لأنه كان من أتباع مدرسة الجاحظ الأدبية بالإضافة لاعتقاده الوثني الصابئي 
في كتب الهندسة والتنجيم والحساب واللحون (الموسيقى). فكيف لو كانت هذه الكتب ديئاً 
وأكيارا عن الله عز وجل؟ إذ لا بد أن يتسنى للمترجم معرفة المثل والبديع والوحي والكتابة 
وفصل ما بين الخطاب والمقصور والمبسوط والاختصار ويعرف بنية الكلام وعادات القوم وأسياب 
تفاهمهم؛ ومتى لم يعرف ذلك المترجم أخطأ في تأويل كلام الدين» والخطأ في الدين أضر من 
الخطأ في الرياضة والصناعة والفلسفة والكيمياء وفي بعض المعيشة التي يعيشها بنو آدم وإذا كان 
المترجم الذي قد ترجم لا يكمل لذلك أخطأ على قدر نقصانه من الكمال(24). 


141 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


ترجم تيوفيل بن توما الرهاوي رت 169 ه/785) للخليفة المهدي إلياذة هوميروس فلم تعجب 
تلك الملحمة العظيمة ذوق العرب. وعلل بعضهم بأن السبب يعود لنزعتها الوثنية حيث الآلهة تمارس 
العشق الإنساني والخيانة أو لأنها تمثل عصر البطولة الإغريقية وكان الروم في ذلك الوقت أعداء 
العرب التقليديين. وفي اعتقادي أن السببين السابقين غير كافيين لأن الإلياذة ملحمة شعرية باللغة 
اليونائية وعندما ترجمت بدت للسامعين غثة باردة لأن الشعر كما يقول الجاحظ: «الشعر لا يستطاع 
أن يترجم ولا يجوز عليه النقل ومتى حول تقطع نظسه وصار كالكلام المنثور؛(25). وهذا رأي 
عصري قاله بول فاليري (1871 -1945) وهو شاعر وفيلسوف فرنسي عظيم قال : «القصيدة في الشعر 
لا تنقل إلى النثر دون أن تفسد كل الفساد». وإلى مثل ذلك ذهب ثابت بن قرة في كتابه العسروض 
باللغة السريانية إذ قارن فيه بين العربية واليونانية والسريانية وخلص إلى أن ترجمة المعنى الشعري 
خيانة له وطمس لجوهره وهذا رأي حديث للناقد الإيطالي بنديتو كروتشه : «ترجمة الشعر خيانة». 

وهكذا لم يخرج ثابت عن تصور الجاحظ فاقتصرت ترجماته على العلوم الرياضية والمنطقية 
والطبيعية. 


ما هي مكانة ثابت ودوره في الترجمة العربية؟ 


بدأت الترجمة إلى اللغة العربية بشكل فردي ولكن منذ عصر المأمون صارت الترجمة تتم من 
خلال مجمعات عمل يشرف عليها المترجم والمراجع لأعمال المترجمين الذين يعملون تحت إمرته 
يصحم أخطاءهم ويهيئ لهم التمخ الصحيحة الخالية من الأخطاء وغير المنتحلة ومن خلف كل 
هؤلاء يقف الخلفاء والأمراء وأهل اليسار مسن محبى العليم يغذونهسم بالكتب والمال ويتعهدونهم 
بالرعاية والتقدير(26). 

ذكر الوراق النابه الذكر محمد بن إسحق النديم صاحب كتاب الفهرست (377 هم قال: (إن 
بني موسى بن شاكر كانوا ممن تناهى في طلب العلوم القديمة وبذلوا فيها الرغائب وأتعبوا فيها 
تفوسهم وأنفذوا إلى بلاد الروم من أخرجها إليهم فأحضروا النقلة مسن الأصقاع والأماكن بالبذل 
السني(27). وكان ممن ينقل إليهم حنين بن إسحق وابئه إسحق وثابت بن قرة الحرائي وغيرهم 
وكائوا ينفقون عليهم 5300 فيثار شهريا حق النقل والملازمة» وكان ثابت ينقل لهم ويصحح أبهسم 
أرصادهم ويؤلف لهم الرسائل الخاصة التي يسألونه عن مواضيعها كما فعل مع محمد بن موسى 
حيث كتب له جوابان في أمر الزمان(28)) كما وضع كتابه عن الموازين لكي تكون لهم مرجعا في 
كتابهم عن القرسطون (القبان)(29) وساهم لهم في إخراج كتاب المخروطات لأيولوئيوس الإسكندري 
قال: في أول الكتاب إنه كتاب قد فسد لأسباب: 

0 لذن الكتاب صعب نسخه وترك لاستعصاء تصحيحه , 


0 الكتاب قد ارين لمكن ذكره وحصل منثرقا بين الناس إك أن 7 بعسقلان 


1712 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


ترجم المقالات الأربعة الأوى أحمد بن موسى هلال بن أبي هلال الحمصي وأصلحها ثابت. ثم 
ترجم الثلاث الأواخر وبعض الثامنة وأخرى نقلها ثابت بن قرة الحراني. 

وأخرج ثابت 1 بواوتيونى مقالة في 0 إذا 0 0 ادن من 0 قائمتين وصي 
العرب 000 

وأخرج كتاب النسبة المحدودة لأبولونيوس والكتاب مقالتان أصلح الأولى ثابت أما الثانية 
فنقلت إلى العربية إلا أن ثابتا لم يصلحها فكانت غير مفهومة(31). 

وجه ثابت كل الدراسات الرياضية التي تلت عصره في مجال الهندسة والجبر وعلم النجوم 
قال عنه ابن جلجل (حسان بن سليمان) كان الغالب عليه الفلسفة دون الطب وله كتب كثيرة في 
فنون العلوم كالمنطق والحساب والهندسة والتنجيم , والهيئة وهو من المتقدمين ف علمه جدا(32). 
وقال عنه ظهير الدين البيهقى : (كان حكيفا كاملا في أجزاء علوم الحكمة)(32), 

كيف كان يعمل ثابت وأعوانه في ورشة الترجمة؟ 


كان إعداد ثابت الثقافي جيداًء تعلم في مجمع الصابئة بحران أصول الترجمة والعمل الجساعي 
فيها لم تكن الترجمة استبدال كلمة بأخرى وذلك لأن الكلمتين لا تتساويان في المعنى فنحن أقرب 
إلى أن ندخل الكلمة في نطاق ثان لتؤدي وظيفة ثانية وهذه المسألة تعتمد على شخصية المترجم 
وقوته العقلية. 

كان المجمع في علاقة تنافس مع الأديرة السريائية المحيطة به مثل دير قنسرين شرق الفسرات 
عند جسر منبج ودير مار زكا بالرقة الذي صار تحت إشراف البطريرك مارديونيسيوس التلحمري 
(818 - 845) قبلة الدراسات السريانية. وكان هذا التواصل قد شحذ الهمم وخلق عملية مثاقفة 
بين الصابثة والسريان والعرب. 

انتقل ثابت أيام الخليفة المتوكل  232(‏ 247 هم إلى مدينة الرقة لأن التوكل حرّم على 
أهل الذمة الدراسة في مدارس المسلمين مما دفع ثابت إلى فتم مدرسة لتعليم أولاد أهل الذمة من 
نصارى ويهود وصابئة. وكان حرمائهم من الحرية قدأدى إلى شكل خفي من الاحتجاج أدى 
بأبناء الصابئة إلى الولوج في المجتمع العباسي الصاعد المحتاج للعلم و الفلسفة وصارت الكتب 
العلمية والفلسفية متوفرة في كل زوايا المجتمع العباسي الصاعد المحتاج إلى العلم و الفلسفة. غير 
أنه حدثت احتجاجات شعبية في أماكن متعددة من الدولة الإسلامية المترامية الأطراف ضد 
الفلاسفة وأصحاب التصوف. 

قال فريدريك أنجلز  1820(‏ 1895): «إن الناس يحتاجون إكى الحرية» فكل ما يعرقل 
حياتهم ونشاطهم ويضايقهم يثير احتجاجاً ومقاومة شديدة.. وإن السيطرة على الطبيعة ثتم نتيجة 
للمعرفة)(34). هذه الأسباب أدت إلى رواج سوق الكتب والترجمة على يد حئين بن إسحق في 


173 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


بغداد يعاونه نخية من العلماء وقد ساعد على ذلك قيام سوق البيان والعلم. قال الجاحظ: وصلح 
الدهرء وهوى نجم التقيد» وهبت ريح , العلماء وكسد العي والجهل ء وقامت سوق البيان والعلم, 
والمتعلم يجد ف كل مكان الكتاب عتيدا وبما يحتاج إليه قائما؛(35). 

جاء ثابت إل يغداك يعد مقدل التركل 3439 هم ساعيا إلى تحقيق مجد شخصي وإلى تحقيق قيق 
قدر من الخلود له ولطائفته التى بدأت تتلاشى مبررات وجودها. 

جمع إليه بعض الصابئة أمثال أبو روح الصابئ وقرة بن قمبيطا الحراني وعيسى بن أسيد 
النصراني وغيرهم في ورشة عمل للترجمة تناظر ورشة حنين بن إسحق وكان يتبادل الخبرة مسع 
العاماين فيها وما كان يقعله ايت 

أولاً - وضع نسخ حقيقية غير منتحلة للكتب اليونائية بين أيدي تلامذته. مبيناً لهم 
أسباب انتحال الكتب: 


1 كاختلاف الأسماء المتساوية كالتشابه بين بطليموس القلوذي (صاحب كتاب المجسطي) 
وبطليموس الغريب أمين مكتبة الإسكندرية (وصاحب فهرس كتب أرسطو). 

2 - مشاركة الأسماء في التأليف مثل كتاب الحيوان لأرسطو وكتاب الحيوان للجاحظ. 

الرغبة في الكسب الحرام بتزوير أسماء الكتب كما فعلوا مع الملك بطليموس الذي كان 
يغدق الأموال الكثيرة في سبيل الحصول على مصنفات أرسطوطاليس مما دفع الكثيرين إلى تأليف 
الكتب ونسبتها إلى أرسطو(36). كان ثابت يبين لأعوانه صحة الكتاب من بنية الكتاب الداخلية 
بعد أن يطلعهم على فكر المؤألف من الجوامع والشروح الكثيرة وكان خاذقا في معرفة الكتب 
الرياضية. كما كان حنين بن إسحق حاذقا في معرفة كتب جاليئوس الطبيعية. وهو الذي زود 
ثابت ومدرسته بأسباب انتحال كثب جالينوس: 

أ-إما بسيب الفاعل الذي أحب أن يكثر بكثرة ما عنده من كتب جالينوس مما لا يوجد عند 
عيره. 

ب - وإما من قبل قلة تمييز لا تزال تعرض لقوم من الأغنياء حتى إذا وجدوا في الكتاب الواحد 
عدة مقالات وجدوا على أول المقالة الأولى اسم رجل من الئاس ظئوا أن سائر تلك المقالات لذلك 
الرجل. لهذا البنيب فد كفقيرا من مقالات روفس في كتب كثيرة موسومة جاليئوس مثل 
مقالته في اليرقان(37). وبعد التأكد من صحة الكتاب وعدم انتحاله يطلعهم على أكثر من نسخة 
مما دعا ماكس مايرهوف إلى القول: «إنه لإدراك عصري لواجب الكاتب المترجم». 

ثانيا ‏ مرحلة الفهم الواعي للنص 

ا النص قراءة متأنية لفهم 0 0 0 لتحديد باشراع الكلمات الصعبة سِِ هذا 


كالطبيب الذي ل السحدة أيه 


114 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


ثالثا ‏ شرح بعض ما غمض من النص: 

لا شك أن المرحلة الأولى ضرورة لكن لها ما للضرورات من عيوب؛ فالنص قد يؤول إلى خدمة 
كلمة أو بضع كلمات وكل نص قد يحيلنا إلى تساؤلات عديدة وعلينا إدراك الكلمة المناسبة ضمن 
السياق العام» ثم يعود لدراسة النص وشرحه ليجلو معانيه الغامضة لكى يؤدي الأمانة ويعرب عما 
أراده الؤلف مهتديا بقول الجاحظ: «أن يؤدي الأمانة فيها ويقوم بما يلزم الوكيل أن يكون في 
العلم بمعانيها واستعمالاتها وتصاريفها وألفاظها وتأويلات مخارجها مشل مؤلف الكتاب 
وواضعه)(38). 

وقصارى القول أن مدرسة ثابت العلمية في الترجمة يمكن إجمالها بالنقاط التالية: 

1 كان ثابت عالاً ذا دراية وخبرة ممتازة في العلوم الرياضية وكان في بيانه في الترجمة في وزن 
علمه في نفس المعرفة. وكان يصلح للدرسة حنين نقلهم في العلوم الرياضية وهذا ما لاحظه الصلاح 
الصفدي عندما قال: رلا تحتاج كتب حنين إلى تهذيب إلا في العلوم الرياضية لأنه لم يكن قيما 
بها كما كان ثابت. 

2 كان ثابت يلتزم بالدقة والأمانة في النقل وكان مشغولاً على الدوام بإصلاح ما نقل. وكان 
مهتما بدقة بالجائب العلمي من جهة ومقتضيات النحو واللغة من جهة ثانية. وكان شعوره يروعة 
اللقةا العرسة جود اناد من ترجمته وتفسيره قال عنه ابن أبى أصيبعة: «كان جيد النقل إلى 
العربية حسن العبارة وكان قوي المعرفة باللغة السريانية وغيرهاء:39). 

3 - كان يقسم الجمل إلى فقرات حتى يتيسر نقل معانيها إلى العربية في وضوح لا يحتمل 
اللبس وكانت ترجمته للأصل تشهد على إلمام دقيق بالتغيرات الدارجة والمصطلحات المألوفة في 
اللغات اليونانية والسريائية والعربية وقد برع في توليد الألفاظ على ما يشتهى الفكر الرياضى ولا 
صحة لما زعمه المستشرق أوليري: «إن الكثير من كتب التراث اليوناني قد نقل إلى السريائية ووقع 
ناقلوه في الأخطاء وعندما ترجمث إلى العربية نقلث هذه الأخطاء:(40). فهذا القول لا ينطبق على 
ترجمة ثابت وحنين. 

4 - حاول ثابث وضع مصطلحات مشتقة من اللغة العربية مقتفياً آثار علماء البصرة في الاشتقاق 
كأبي عثمان المازئي (ت 249 ه ‏ 566) وكان ركنا هاما من أركان مدرسة البصرة. قال: «ما قيس 
على كلام العرب فهو من كلامهم». وصار النحو والمنطق صنوان فالنحو يدخل النطق ولكن مرتبا 
والمنطق يدخل النحو ولكن محققا. 

سأل إبراهيم النظام رت 235 ه/ 852) أبا الحسن الأخفش البصري: أنت أعلم الئاس بالنحو 
فلم لا تجعل كتبك مفهومة كلها؟ وما بالنا نفهم بعضها ولا نفهم أكثرها! وما بالك تقدم بعض 
العويص وتؤخر بعض المفهوم؟ قال الأخفش : «لم أضع كتبي هذه لله وهي ليست من كتب الدين» 
إئما كائث غايتي المثالة. فأنا أضع بعضها هذا الموضع المفهوم؛ لتدعوهم حلاوة ما فهموا إلى 
التماس فهم ما لم يفهموا وإنما كسبت في هذا التدبير لو كنت إلى التكسب ذهبت:(41). 


175 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


5 كان ثابت يقيّم الموضوع المترجم من حيث الموضوع والشكل فإذا عجزت الترجمة عن تأدية 
المعنى بأسلوب عربى مبين أو أدت إلينا شيئا كنا نعرفه من قبل معرفة جيدة ولم تضف إكى 
معارفنا شيثا جديدا فلا خير في تحمل مشقتها ولا ضرورة لتضييع الوقت فيها. 

المجالات التي أبدع فيها ثابت 4 الترجمة 

في مجال العلوم الرياضية (الحساب والهندسة): 

خلف ثابت أكثر من 150 كتاباً في الرياضيات والفلسفة والطب وكلها من الكتب المنتقاة ذات 
التأثير الكبير في مسار العلوم الإنسانية. وسأقتصر على أربعة كانت من الأسس التي قامت عليها 
العلوم الرياضية (الحساب والهئدسة) وهي : 

كتاب الأصول في الهندسة لإقليدس: 

يتألف هذا الكتاب من ثلاث عشرة مقالة» نقلها لأول مرة الحجاج بن يوسف بن مطر الكوفي 
 166(‏ 220 هم. في امرة الأولى تم النقل في مدينة الرقة حوالي عام 185 ه»ء برعاية الوزير يحيى 
بن خالد البرمكى وقد نقل من الكتاب المقالات الست الأولى وسميت هذه الترجمة (بالئنقل 
الهاروني) ثم أكمل الكتاب كله في بغداد حوالي عام 214 ه وسمي هذا النقل بالمأموني وهذا النقل 
الأخير هو الأجود بعد أن أصلحه ثابت بن قرة. 

ثم نقل إسحق بن حئين الكتاب إلى العربية وأصلحه ثابت مرثين والإصسلاح الثاني خير مسن 
الأول موقا وأنه شرح وأوضح المقالتين اللتين أضيفتا إلى الكتاب وهما المقالتان الرابعة عشرة 
والخامسة عشرة. 

- وأصلم ثابت ترجمة كتاب القسمة لإقليدس من ترجمة يوحنا القس. 

تريجم ثابت المقاللات الأربعة الأخيرة من كتاب المخروطات لأبولونيوس وأصلح المقالاات 
الأربعة الأولى التي ترجمها هلال بن أبي هلال الحمصي. 

- أصلح ثابت المقالة الأولى من كتاب النسبة المحددة إضلاها نحيدا وشرحها وأوضحها. 

- ترجم ثابت كتاب أصول الهئدسة مئالاوس والكتاب ثلاث مقالات. 

- ترجم ثابت كتاب الأرثماطيقي (الحساب) لنيقوماخوس الجهراسيني (الجرشي) وجعل له 
جوامع وشروح لتبسيط الكتاب على المبتدئثين. والكتاب مقالتان. 

في مجال الفلك: 


ترجم ثابت كتاب المجسطي لبطليموس وهو مؤلف من ثلاث عشرة مقالة» نقلت كلها عن 
السريائية من ترجمة ساويرا سابوخت (667 م) كما برهن العلامة كارلو نالينو على أن الترجمة 
تمت عن السريانية وليس عن اللغة اليونانية مباشرة. ترجم الكتاب مرتين تحت رعاية يحيى بن 
خالد البرمكي وكانت الترجمة في المرة الأولى غير مرضية فندب لها (سلم وحسان) صاحبا بيت 


1716 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


الحكمة وأصلحا الترجمة. . ثم قام ثابت بترجمة الكتاب عن السريانية وبمراجعة الأصل اليوناني 
أيضاً . قال القفطي : «وكان أفضل نقل هو نقل ثابت نقله نقلا جيدا وأوضحه والكتاب بخطه 
عندنا ثم اختصر الكتاب اختصارا نافعاً ولم يختصر القالة الثالئة عشرة وهي الأخيرة وسألثت 
بعض مشايخنا عن ذلك فقال: لم يجد فيها ما يختصر وقد شرح من هذا الكتاب الأولى والثانية 
وانتحل ذلك قوم من أهل عصرنا وادعوه)(42). 

- كتاب الجغرافيا في المعمور وصفة الأرض نقله الكندي ولكن الترجمة كانت رديئة فنقله ثابت 
إلى العربية نقلاً جيدا(43). 

- كتاب بولس الرومي في تفسير كتاب بطليموس في تسطيح الكرة نقله ثابت إلى العربية ؛ وهذا 
الكتاب ذو أهمية كبيرة نتعرف منه على كيفية إيجاد الآلات الشعاعية وعلمها وكيفية ة صئعها 
والتوصل بها إلى استخراج المطالب الفلكية (44). 

- نقل ثابت كتاب أبافروديطوس في تفسير كلام أرسطوطاليس في الهالة وقوس القزح والهالة 
هي دائرة تحدث فوق سطح الغيم من انعكاس شعاع الشمس والقمر والكواكب أما قوس قزم فهو 
نصف محيط تلك الدائر: 5 إذا حدثت في كرة النسيم أو الهواء المعتدل الذي يلي وجه الأرض(45). 

في مجال الطب: 

قال ابن جلجل: «كان الغالب على ثابت الفلسفة دون الطب)50(0) ولكن ابن أبي أصيبعة 
يناقضه الرأي ويرى أنه : هلم يكن في زمن ثابت من يمائله في صلاعة الطب ولا في غيره وله جميع 
أجزاء الفلسفة)(51) والرأي عندي أن ثابت كان عالأ في الرياضيات وفيلسوفا لا يبارى» أما ف 
الطب فإئه دون حنين بن إسحق وإن ما ترجمه ولخصه ثابت لا يتعدى الكتب التعليمية في الطب. 

ومما عربه ثابت وجعل له جوامع : 

كتاب الأدوية المفردة لجالينوس وجواسع كتاب الأمراض الحادة وكتاب تشري الرحم 
وجوامع كتاب جاليئوس في المولودين لسبعة أشهر وجوامع ما قاله جالينوس في كتابه في تشريف 
صناعة الطب, 

- اشترك ثابت في نقل كتاب الكيموس لجالينوس مع شملي وحبيش بن الأعسم. 

- وضع عدة كتب مدرسية منها جوامع كتاب الفصد وجوامع تفسير جاليئوس لكثتاب بقراط في 
الأهوية والمياه والبلدان واختصار كتاب النبض الصغير واختصار كتاب حيلة البرء واختصار كتاب 
الأسطقسات (العناصر الأربعة) واختصار كتاب الأغذية ثلاث مقالات واختصار كتاب أيام البحران 
ثلاث مقالات. وكل هذه الكتب هي مترجمة عن اليونانية أو السريائية لجالينوس. 

- جوامع عملها لكتاب جالينوس في الذبول والأدوية المنقيّة والمرة والسوداء وسوء المزاج 
المختلف وتدبير الأمراض الحادة على رأي بقراط. 

- اعثمد ثابت قْ عرض تراث بقراط على كتابات برقلس ويوحنا النحوي» وعنهما كتب ثابت 
تاريخ البقارطة وهم: بقراط الأول بن أغنوسوريقوس صاحب كتابي الكسر والخلع وكتاب المفاصل. 


177 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


وبقراط الثاني بن أيرقليدس» كان يعلم الطب مشافهة وخاف أن تنقرض هذه الصئعة فابتداً 
بتأليف الكتب على جهة الإيجاز ووضع أربعة كتب هي : كتاب التقدمة (تقدمة المعرفة) وكتاب 
الفصول وكتاب الأهوية والمياه والبلدان وكتاب الأمراض الحادة ومقالتسان من كتاب الأبيديميا 
(الأمراض الجائحة) الأولى والثانية(52) وقد ترجمها ثابت إكى العربية. 

ف مجال الفلسفة والمنطق: 

ثابت فيلسوف من أنصار الفلسفة الأولى (فيثاغورس وأفلاطون وأرسطى قال عنه أبو سليمان 
السجستاني اجتمعنا ليلة عند الملك ابي جعار بن:بابويه بسجيكان فجرى حديث عبن #ادسله 
الإسلام. فقال الملك: ما وجدنا فيهم على كثرتهم من يقوم ف أنفسنا مقام سقراط أو أفلاطون أو 
أرسطوطاليس فقيل له: ولا الكندي؟ قال: ولا الكندي! إن الكندي علىغزارته وجودة استنباطه 
رديء اللفظ» قليل الحلاوة» متوسط السيرة كثير الغارة على حكمة الفلاسفة إلا ثابت بن قرة 
فهو ألزم للقطب وأشد اعتناقاً لهذا الفن ثم جميع الناس يتفاوتون بعدهما ولهما السبق(46). 

- نقل ثابت كتاب السياسة لأفلاطون وحل رموزه في رسالة. 

- ونقل أبو روح الصابئي المقالة الأولى من كتاب السماع الطبيعي لأرسطو تفسير الإسكندري 
الإفروديسي ثم فسرها ثابت بالعربية(47). 

- ونقل لأرسطو عن اليونانية كتاب العبارة (باري ميناس) وجعل له جوامع. 

نقل كئاب ما يعتقد رأياً لجالينوس وهو مقالة في الفلسفة جاء فيها: «إن جسم الإنسان كون 
صغير مقابل الكون الكبير.. وإن بنية هيكل الإنسان تشبه مدينة فاضلة وإن نفسه تشبه ملكا ني 
تلك المديئة.. وإن الإنسان إذا عرف نفسه المتسخلف عرف ربه الذي استخلفه وأمكنه الوصول 
إليه). 

وجد جزء من كتابه في النفس أظنه ترجمة لكتاب برقلس في تفسير فادن للنفس لأفلاطون 
وهو موجود بأكمله بالسريائية. 

شرع ثابث في ترجمة كتثاب تفسير وصايا فيثاغورس الذهبية لديا دوخس برقلس ولكنه توفي 


ولم يتمه (48). 
عمل ثابت ثلاث مختصرات ترجمها عن اليونائية لكتب أرسطو المنطقية (المقولات والعبارة 
والقياس)(49). 


118 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


مراجع الفصل الثالث 
ثابت بن فرة( المترجم) 


1 المصباح المئير ج1 ص 91 - المقري الفيومي» دار الكتب العلمية ‏ بيروت 1978. 

2 المصدر السابق ج2 ص 576. 

3 لسان العرب جج13) مادة ترجمة لابن منظور. 

4 طبقات الأمم ص 87» لصاعد بن أحمد الأندلسي. 

5 - البيان والتبيين م2 ص 368 للجاحظ. 

6 البئيوية وما بعدها ص 221. 

7 الشفاهية والكتابة ص 158. 

8 - تاريخ الأدب الإنكليزي ص 61. 

9 .28.34 .تلدع مسد عماصماع/13 

0 - الترجمة والمثاقفة ص 8. 

1[ المصدر السابق ص 8. 

2 المسيحية والحضارة العربية ص 74. 

3 تاريخ الأدب الإنكليزي ص 19. 

4 المسيحية والحضارة العربية ص 74. جورج شحاتة قنواتي ‏ المؤسسة العربية للدراسات 
والنشر. بيروت. 

5 الكشكول م1 ص288. 

6 - كتاب الحيوان ج1 ص 54 55. 

7 -آدم متزج1 ص 442. 

8 الحيوان ج1 ص 55. 

9 7المصدر السابق م1 ص 58, 

0 المصدر السابق ج1 ص 63. 

1 المصدر السابق ج1 ص 57,. 

2 المصدر السابق ج1 ص 57. 


1719 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 


3 رسائل الطوسي ج2 ص 2. 

4 كتاب الحيوان د1 ص 56. 

5 المصدر السابق ج1 ص 54. 

6 في تراثنا العربي الإسلامي ص 87 - 79. د. توفيق البطل. 
7 الفهرست ص 331. 

8 - تاريخ الحكماء ص 117. 

9 الفهرست ص 331. 

0 المصدر السابق ص 326. 

1 المصدر السابق ص 326. 

2 طبقات الأطباء والحكماء ص 75. 

3 تاريخ حكماء الإسلام ص 20. 

4 في علم النفس الاجتماعي ص 89. 

5 الحيوان ج1 ص 61. 

6 اللؤْلوٌ المنثور ص 195. 

7 عيون الأنباء في طبقات الأطباء ص 149. 
8 - كتاب الحيوان ج1 ص 55. 

9 عيون الأنباء ص 295. 

0 في تراثنا العربى الإسلامى ص 77. توفيق الطويل. 
41 كتاب الحيوان بج1 ص 64. 

2 تاريخ الحكماء ص 117. 

3 الفهرست ص 328. 

4 كشاف اصطلاحات الفئون ج1 ص 50. 
5 رسائل إخوان الصفا ج3 ص388. 

6 حيوان الحكمة ص 299. 

7 الفهرست ص 309. 

8 7المصدر السابق ص 313. 

9 تاريخ الحكماء ص 119. 

0 طبقات الأطباء والحكماء ص 75. 

1 عيون الأنباء في طبقات الأطباء ص 295. 
2 الفهرست ص 352. 


1630 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 


الفصل الرابع 








ثابت العالم الرياضي 


عقلية ثابت العلمية 

مصادره الرياضية 

- إنجازاته 4 علمي العدد والجبر 
- إنجازاته 4 علم الحيل (الميكانيك) 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 





مم. 01:1 نات االطدع2012ة]/. 7711177 لتم 01020ده1][00 


ثابت العالم الرياضي 


عقلية ثابت العلمية 


العلم نشاط عقلي يقوم به علماء متخصصون ويتخذ طابعاً لا شخصياً ببعنى أن النتيجة التي 
يتوصل إليها العالم هي ملك للبشرية جمعاء وأن أي كشف علمي بمجرد ظهوره يفقد صلته 
بالأصل الذي أنتجه ويتحول إلى حقيقة هي ملك للجميع(1). 

كان ثابت يتميز بفكر وقاد لا يقبل إلا ما يبدو له مقنعاً على أسس عقلية سليمة في مجال 
العلوم الرياضية؛ بينما هو كشخص وثني كان يؤسن ويعتقد بالخرافات والأساطير ويتعصب 
لعتقدات أسلافه وكأئه كان يعيش بين عالمين منفصلين عالم الرياضيات الذي هو إبداع حر للعقل 
البشري حيث كان ثابت يتحدث بدقة في برهنتها على الافتراضات الرياضية التى لا تنطبق على 
العالم الطبيعي وإنما على مثال أو نموذي له(2). 1 

أما في مجال المعرفة الدينية فإن ثابت كان وثنياً متعصباً لديائته النجومية وربما كان هذا ما 
دفعه لأن يصبم أحد علماء الفلك الكبار عند العرب لأن البحث العلمي نوع خاص من الخبرة التي 
تزدهر بفضل قوة الدفع الجماعية(3). 

كيف أنجز ثابت تلك الأبحاث الهامة في الرياضيات؟ 

ما كان لثابت أن يتوصل إلى تلك الإنجازات الرائعة دون ذلك الثراث المتراكم من الخبرات 
التي وجدها في مجمع الصابئة بحران. درس ثابت كتاب الأصول وما رافقه من شروح وتفسيرات 
باللغات (العربية والسريانية واليوئانية) على أيدي معلمين مهرة هم جند مجهولون لأن ذلك من 
تقاليدهم السرية؛ فكتب التاريخ لا تذكر اسما لعالم حراني واحد في مجال من مجالات العلوم 
فكان ثابت أول علمائهم وأساس شهرتهم. 

لِمّ هذا الاهتمام بإنجازات ثابت الرياضية؟ 

لأن كل الدراسات الرياضية عند العرب والمسلمين وجهتها وأرشدتها إلى الطريق السوي 
دراسات ثابت التي انطلقت من كتاب الأصول لأقليدس ومخروطات أبولونيوس وغيرها والشروح 
الرياضية والتاريخية التى رافقتها من أعمال ثابت بن قرة الحراني. وسأضرب على ذلك مثلا 
محسوساً في الهندسة أعرض فيه دور ثابت في الهندسة العربية وهذا الشال هو (تاريخ المسلمة 


163 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


الخامسة لإقليدس) كما جاءت في مؤلفات ثابت المترجمة لأن كل علم جزء مسن مساره التاريخي 
هندسته بقصد تفسير الأشكال الهندسية عند ا 

يقال إن الملك بطليموس الأول (304 - 283 ق.م) أراد أن يتضلع بعلم الهندسة فاكتشف أنها 
عبء ثقيل» فسأل إقليدس: ألا يمكن بلوغ أسرار هذا العلم بشكل أكثر بساطة؟ فأجابه: لا يا 

كان إقليدس صاحب منهج » جمع كل إرث اليونان الهندسي ووزعه على ثلاث عشرة مقالة 
وسماه باليونائية أسطروشيا 5:01218 وترجمه السريان (بالإسطقسات). وعرّبه العرب باسم الأصول. 
أصلح ثابت النقول التي سبقته ثم ترجم الكتاب وشرحه وبين أغراضه ومصادره ويما أن المثال الذي 
أريد توضيحه تاريخ (المسلمة الخامسة) فسأبين كيف وصلت هذه المسلمة إلى إقليدس ثم كيف 
تابعت مسارها بعده ووصلت إلى ثابت » وما هو أثر ثابت في هذا المجال عند العرب والمسلمين وغيرهم. 

تالس الملطى  640(‏ 546 ق.م) 

قال أدونيس الرودوسى تلميذ أرسطو أن الحساب كان أصله في الساحل السوري (فينيقيا) 
والهندسة أصلها في مصر إلا أنهما كانا يرميان إلى أغراض عملية وإن اليونان أسسوا المباحث على 
تالس نهل معارفه مئهم وهو الذي أثبت النظريات الهندسية التالية كما قال برقلس: 

إن الزوايا الرأسية متساوية. 

- إن الزاويتين في قاعدة المثلث المتساوي الساقين متساويتان. 

- إن القطر يقسم الدائرة إلى قسمين. 

فيثاغورس الساموسي  582(‏ 503 ق.م) 


زار فيثاغورس مديئة صيدا وعلمه الكهنة والفلاسفة أسرار الدين وعلم الحساب» ثم زار مصر 
وأمضى بها (20 سئة) وتعلم من الكهنة الحساب وعلم الهئدسة والتنجيم 5 ثم أقام في بابل (12) 
سنة اطلع فيها على علم التنجيم والموسيقى وتعبير الرؤيا من كهنة كلدان والمجوس. قال كليمنت 
الإسكندري إن فلاسفة اليوئان الأقدمين أخذوا عن غبرهم أحسن ما نجد عندهم من المباحث» ثم 
افتخروا بها وكأنهم المبتدعون لهذه المبادئ(6). وأحسن مثال على ذلك النظرية التي نسبت إلى 
فيثاغورس وقد تعلمها من كهنة مصر والتي نصها (في أي مثلث قائم الزاوية فإن المربع المنشأ على 
الوتر يساوي مجموع المربعين المذشأين على الضلعين الآخرين). إن القيمة العلمية التي تعزى إلى 
فيثاغورس تعود إلى أنه ترك المجال أمام جماعته للبرهنة على هذه النظرية بعدة طرق مما ساهم في 
تطور علم الهندسة. ويقال إن فيثاغورس عندما برهن عليها ضحى بثور قريانا للآلهة. 


1654 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 


بروتاغورياس (481 -411 ق.م) 

فيلسوف يوناني سفسطائي عاش في إبديرا وبسبب كتابه عن الأرباب الذي أحرق لنزعته 
الإلحادية نفي عن أثينا . كان يقول (الإنسان هو مقياس الأشياء). وكان يعيب على فيثاغورس أنه 
يبني تصوره للكون على مفاهيم لا وجود لها كالنقطة التي ليس لها أبعاد والخط ذي البعد الواحد 
بيئما حيئما نرسمه أو نتخيله فإنه لا يخلو من عرض وسمك وإن تقاطع أي خطين هو في الواقنع 
ذو مساحة وحجم صغيرين. إننا لا نؤيد اعتراض بروتاغورياس على نهج فيثاغورس ولكئنا نؤيد 
منهج فيثاغورس لأنه السبيل الوحيد إلى علم الرياضيات وقد أيده أرسطو(7). 

أفلاطون (428 - 348 ق.م) 

كان أفلاطون من شيعة فيثاغورس وقد درس المعارف الفيثاغورية الرياضية على يد أرختياس 
الكروتوني ثم اشترى مثه كتابهم في الهندسة والحساب بثمن غال. واعتبر أن دراسة لوقي 
تقرب المرء من الآلهة وطالب كل دارس عنده في الأكاديمية أن يتعلم الهئندسة التي تقيم 
موضوعاتها على الاستنتاج من عدد قليل من الموضوعات الأساسية التي هي البديهيات ل 
وكانت الرياضيات عنده وصف للحقيقة التي توجد في عالم المثل. 

أودوكسوس الكنيدوس (337-410 ق.م) 

تخرج من الأكاديمية على يد أفلاطون. وكان له اهتمام خاص بعلم الهندسة وكان أول من 
ابتكر نظرية الخطوط المتوازية القائلة: إذا قطع قاطع مستقيمين فاللستقيمان يلتقيان إذا مدا ف 
الجهة التي يكون فيها مجموع الزاويتين الداخليتين المحصورتين بينهما أقل من قائمتين. وقد 
ضمّن إفليدس كتابه الأصول هذه النظرية. ومنه استمد إقليدس أيضا نظرية التناسب وطريقته في 
إفناء الفرق وقد شرحهما في (5 و6 و12) من كتاب الأصول(8). 

أرسطو (384- 322 ق.م) 

الرياضيات عنده تتحدث بدقة مطلقة رغم أنها لا تفعل أكثر من البرهنة على ما احتوته 
بالفعل من افتراضات رياضية لا صلة لها بالواقع وإنما هي قائمة على مثال أو نسوذج له. أكد 
أرسطو أن صياغة المسلمات مسألة ذات مسؤولية كبيرة للغاية ويجب أن يعهد بها إلى الفلاسفة 
الذين هم جديرون بهذا العمل. 

وهذا ما فعله إقليدس الذي بدأ من كيانات أولية يقبلها العقل دون تعريف أو برهان وهى عامة 
وعددها خمسة تسري على كل فروع المعرفة مثل (الكل أكبر من الجزء). وهناك بديهيات خاصة 
بعلم الهندسة وحدها تدعى (المسلمات) يمكن البرهنة عليها. ومن هذه المسلمات المسلمة الخامسة 
ونصها: (إذا قطع مستقيم خطين مستقيمين واقعين يي مستوى واححد وكان مجموع الزاويتين 
الداخليتين في جانب واحد أقل من (180") فإن هذين المستقيمين يلتقيان لدى مدهما بما فيه 
الكفاية من الجانب الذي يكون فيه هذا المجموع أقل من 2 قا). 


185 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 





قال برقلس: إن إقليدس قرر بنزاهة العالم أن الوضع بائس وأن المسألة بدون حل وأئها فرى 
منبوذ ومحتقر في أسرة البديهيات المتحابة(9). 

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: هل من المعقول أن إقليدس لم يحاول إثبات هذه النظرية؟ لل 
شك أنه حاول ولكنه لم يفلم فقرر تركها لمن يأتي بعده. ! 

أبولونيوس البرغامي (260 -200 قي 0 

جاء إلى الإسكندرية ودرس في جامعتهاء له كتاب المخروطات ثماني مقالاات. نقل ثابت 
المقالات الأربعة الأخيرة لأحمد بن موسى بن شاكر. وله رسالة في قطع الخطوط شرحها ثابت. 


قال محمد بن إسحق النديم (377 ه/ 988) : أبولونيوس النجار لساري له كتاب القسمة 
أصلحه ثابت وله مقالة في أن الخطين إذا خرجا على أقل من زاويتين قائمتين يلتقيان(10). وقد 
وجدت هذه المقالة بالسريائية في ترجمات ثابت. قال ابن العبري: كقاب قُْ أن السطرين 
المستقيمين إذا ضبطا على أقل من زاويتين مستقيمتين التحما م111 


أرخميدس (212-287 ق.م) 


درس في الإسكندرية وقتل في جزيرة سراقوسة. له قاعدة تعرف باسمه لأنه أول “مسن توصل 
إليها وهي في صورتها غير الرياضية تنص على أنه «إذا غمر جسم في الماء جزثياً أو كلياً فإئه يطفو 
إك أعلى بقوة تساوي وزن الماء المزاح». وله قاعدة أخرى حول العتلة. وعن هاتين القاعدتين وضع 
ثابت بن قرة كتابه عن القرسطون (القسان) كما أصلح له ثابت المقالة الأولى من كتابه الكرة 
والأسطوائة وكتابه في الخطوط المتوازية(12) أطلع عليها ثابت وترجمها إلى السريانية. 

بابوس الإسكندري (توفي حوالي 325 م) 

اشتهر في فترة حكمي الإمبراطورين ديوقلتيانوس  284(‏ 305 م) ومكسيميانوس  308(‏ 313 
6 . كان عاناً بالفلك والرياضيات له إكتاب الجامع) ثماني مقالات وصلت كلها إلينا إلا المقالة 
الأوك. 7 بابوس شارحاً 58 وضع لكل مقالة جوامع شاملة للمعاذ ني التفرة من كتب كثيرة 
توضح ما يحيط بمسائلها من أمور رياضية وتاريخية وكانت المقالة الثالشة د تحتوي على المسالة 
المتصلة بعاد متناسبين متوسطين يكوئان في تناسب متصل مع خطين معلومين(13). قال بابوس 
إن مصدره كان كتاب أبولونيوس المفقود حول قطع الحدود على نسبة محدودة وهذا الكتاب أصلح 
ثابت بن قرة المقالة الأولى منه في قطع النسب المحدودة. ذكر ذلك ابن أبي أصيبعة قال: إن هذا 
الكتاب مقالتان أصلم ثابت المقالة الأولى إصلاحاً جيداً وشرحها وأوضحها وفسرهاء أما المقالة 


156 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


الثانية فإنه لم يصلحها ثابت فكانت غير مفهومة(14). كما ذكر ابن النديم أن لثابت كتاباً في 
إخراج الخطين على نسبة معلومة(1). وهذا هو مضمون المقالة السابعة من كتاب الجوامع وفيها 
المسألة التالية: «إذا كانت عدة خطوط مستقيمة في سطم مستو فالمطلوب إيجاد الحل الهندسي 
لنقطة إذا خرجت منها خطوط مستقيمة قاطعة للخطوط الأولى على زاوية معلومة وكان حاصل 
ضرب البعض الآخر نسبة معلومة)(16). هذه المسألة هي بداية الهندسة التحليلية التى طورها فيما 
بعد ديكارت وعالجها قبله ثابت في كتابه مساحة قطع الحدود(17) ولثابت مقالته في تصحي 
مسائل الجبر بالبراهين الهندسية مما حدا بالمؤرخ الأمريكي (سميث) إلى القول: «إن ثابت بن قرة 
استخدم الهندسة في حل بعض الأعمال الجبرية فهو بذلك أسس الهندسة التحليلية»(18). 


برقلس الليقي  410(‏ 485 م) 


ذكر المختار بن عبدون المعروف بابن بطلان الطبيب البغدادي: «إن برقلس كان من أهل 
اللاذقية)(19). وكما ذكر ثابت فإن أقدم مصدر تاريخي حول المسلمة الخامسة جاءتنا من تعليقات 
برقلس على أعمال إقليدس. قال برقلس: أدرك إقليدس أن المسألة التي ينبغي عليه حلها لم 
تتحقق فحاول برقلس القيام بهذه المهمة عنه واتخذ أسافا لإثباتها فرضية أرسطو التالية: «إذا مدّ 
مستقيمان متقاطعان من نقطة التقاطع فإن المسافة بينهما تزداد إلى ما لا نهاية. وكانت هذه في رأيه 
بديهية ولكنها في الواقع كانت نظرية مستقلة تماماً عن المسلمة الخامسة(20). وقد ترجم ثابت 
هذه الرسالة وهو أول من تنبه لقيمتها في تاريخ العلم. 

أوطوقيوس العسقلاني ١ت‏ حوالي 405 ): 

درّس في الإسكندرية ثم علم في القسطنطينية. ترك كتاباً في الخطين المستقيمين بيّن فيه جميع 
أقاويل الفلاسفة والمهندسين نقله ثابت بن قرة وأسطاث إلى العربى(21). وحاول ثابت أن يدلى 
بدلوه بين الفلاسفة والعلماء من قبله حول الموضوع. 1 1 

قال ابن النديم: ذكر ثابت بن قرة أن له كتاباً في الخطين إذا خرجا أقل من زاويتين 

ثمتين(22). وقال القفطي أن له كتابين في هذه المسألة» كتابه الأول: في أن الخطين المستقيمين 
إذا 0 على أقل من زاويتين قائمتين الثقيا في جهة خروجهما(223). 

حاول ثابت البرهنة على صحة المسلمة الخامسة وضيّع في ذلك ساعات طوال دون أن يصل إلى 
نتيجة مرضية ولكنها كانت بداية لانطلاقة جديدة في الفكر الرياضي العربي, قال الدكتور أحمد 
سليم سعيدات: في «بديهية التوازي حاول ثابت بن قرة أن يقدم برهاناً على صحتها ولكن 
النتيجة كانت بداية لانطلاق تفكير رياضي جديد)(24). 

وعن محاولات ثابثت لحل المسلمة الخامسة قال جوان فيرئيه: «حاول ثابت بن قرة أن يضع 


مكافثاً لها أو أن يبرهن عليها أو يصوغها في حجج باطلة وقد وضع كتاباً بهذا الشأن بعنوان 
مقدمات إقليدس»25(2). 


137 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


وبعد ثابت حاول يوحنا بن يوسف بن الحارث بن البطريق القس البرهان على أنه متى وضع 
خطين مستقيمين على سطح واحد صيّر الزاويتين الداخليتين في جهة واحدة أنقص من زاويتين 
قائمتين(26). 

وحاول علماء مسلمون كثيرون ولم يتوصلوا إلى نتيجة منهم عمر بن إبراهيم الخيام (1048 - 
2 م) ونصير الدين محمد بن الطوسي (1200 - 1273). وفي نفس الزمن والتاريخ حاول القديس 
توما الإكويني (1225! ب 1274) حل المشكلة فلم يفلح فقال: إنها فوق قدرة اللّه! لأن اللّه لا 
يستطيع أن يجعل زوايا المثلث أقل من زاويتين قائمتين. وحكمه هذا جاء نتيجة لإحباطه في حل 
المسالة. حاول ثابت أن ينطلق في حلوله للمسلمة الخامسة من تصوره للكون على أنه ذو شكل 
كروي وأن العالم حدود له: وإن زوايا المثلث المرسوم على سطم كروي يتجاوز قيمة الزاويتين 
اللتين تكونان مجموع مثلث مرسوم على سطح مستو ولكنه لم يستطع فهم التصور الإقليدي للمكان 
ولو أنه فعل ذلك لتوصل إلى المسلمة التي توصل إليها العالم الرياضي (ريمان برنارد) التي تنص 
على أن مجموع زوايا المثلث أكثر من (2 قا) بناء على تصوره للكون على شكل كروي ومنه فإن أي 
خط مستقيم على سطم مستو يتقاطع مع أي خط آخر على نفس السطح لأنه لا توجد خطوط 
مستوية مستقيمة. 

قام ثابت بأبحاثه الرياضية بشكل مفرد وقدم محاولات متعددة في حل المسلمة الخامسة و 
الغريب أنه قدم محاولات تماثل ما قام به العالم الفرنسي أدريان ماري لوجندر  1752(‏ 1833) في 
كتابه تأملات حول مختلف الطرق للبرهان على نظرية المستقيمات المتوازية أو نظرية مجموع زوايا 
المثلث تساوي 2 قا بوضع عدة فروض مكافئة منها: 

إن مجموع زوايا المثلث لا يمكن أن تكون أكثر من 2 قا. 

إذا كان مجموع زوايا المثلث يساوي 2 قا فإنه يساوي نفس المقدار في أي مثلث آخر. 

إذا كان مجموع زوايا المثلث يساوي 2 قا تكون مسلمة إقليدس صحيحة. 

إن مجموع زوايا المثلث لا يمكن أن يقل عن 2 قا. 

وبعد كل هذه الفروض يخلص لوجنئدر إلى القول: وهكذا تكون المسلمة الخامسة قد أثبتت. 
يعلق العالم الروسي فالديمار سميلجا: «إن إثبات لوجندر شيء رائع دقيق وبسيط وغير متوقع 
ويتضمن كل ما يعجبئا في الرياضيات فيما عدا أمر واحد «(هو أنه خاطئ)» ولكنه يستحق 
الاهتمام(28). يبدو لنا أن هذا الثناء فيه سخرية لاذعة. ولكن العالم الألماني يوهان لامبرت 
(1728 - 1777) في تقييمه لجهود العلماء في حل المسلمة الخامسة قال: يمكن تقييم براهين مسلمة 
إقليدس إلى درجة أنه لا يتبقى كما يبدو سوى أمور تافهة» لكن عند التحليل الدقيق يظهر أن 
جوهر المسألة يكمن فيما يبدو أمرا تافها بالذات ويتضمن إما الاقتراح المثبت أو المسلمة المكافئة له 
وهو أن مجموع زوايا المثلث (2 قا). وهذا الاستنتاج دقيق لا عيب فيه. 

وأطرف تعليق على جهود العلماء عبر التاريخ ما قاله العالم الروسي فالديمار سميلجا: «لقد 
خربت قضية المسلمة الخامسة عقولا بحيث أنه كان من الممكن شغل مشفى كامل للأمراض العقلية 


158 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


وليس في ذلك مبالغة البتة» فقد أنفق كثير من الناس حياتهم كلها عبثاً في محاولات البحث عن 
براهينها)(29). 

بعد أن قدمت تاريخ المسلمة سأبين إنجازات ثابت العامة في مجال الهندسة: 

ترك ثابت كتبا عديدة في الهندسة منها المترجم ومنها من إبداعه وتأليقفه. ومن هذه الكتب 
المؤلفة كتاب في قطوع الأسطوانة وبسيطها (مساحتها) وكتاب في الشكل المسمى بالقطاع وكتاب في 
المربع وقطره وكتاب في مساحة الأشكال المسطحة وسائر البسط والأشكال المجسمة وكتاب في عمل 
جسم ذي أربع عشرة قاعدة تحيط به كرة معلومة. قال عنه قدري حافظ طوقان: «إذا ضوعف 
عدد أضلاع 0 المنتظم المرسوم داخل دائرة اقترب محيط المضلع من محيط الدائرة ومساحته من 
مساحتها أي أن الفرق بين المحيطين والمساحتين يصغر تدريجيا حتى إذا ما ضاعفنا عدد الأضلاع 
إلى ما لا نهاية صغر هذا الفرق أو فني أو اقترب من الصفر:(30). 

وضع ثابت كتباً لإرشاد أهل الحرف والمهن من بنائي البيوت أو الجسور والقناطر والعاملين في 
استكشاف المياه وحفر الآبار مثل كتابه في مساحة الأجسام اللتكافئة وكتابه في قطع الخروط 
المكافئ الذي قال عنه المؤرخ الأمريكي سميث: «يوجد آخرون حتى في القرون الوسطى قد حلوا 
مسائل في إيجاد المساحة والحجوم بطرق يتبين منها تأثير نظرية إفناء الفروق اليونانية وهذه 
الطريقة د تتم نوعاً ما على طريقة التكامل المتبعة الآن. ومن هؤلاء يجدر بنا أن نذكر ثابتا الذي 
أوجد حجم الجسم المتولد من دوران القطع المكافئ حول محوره(31). 

ومن إنجازات ثابت بن قرة الرائعة كتابه في معرفة حجم الأجسام المكعبة اللتولدة من دوران 
القطع المكافغ حول محوره. قال عنه جوان فيرنيه (لقد بذلك ثابت جهودا أكثر مما بذله 
أرخميدس وقد وضع مبادئ الطريقة التي طورها بعده بنجاح كل من ابنه إبراهيم والكوهي 
(ويحيى بن سهل)(32). 


إنجازات ثايت # علمي العدد والجبر 


العلم الرياضي هو علم يفتقر في الوجود الخارجي ويكتفي مئه بتجريد المادة كالتربيع والتدوير 
والعدد وخواصه فإنها أمور تسمي هذا العلم بالعلم التعليمي أو بالعلم الأوسط وبالحكمة 
الوسطى(33). أي أن هذا العلم هو الحلقة الوسطى بين المنطق والفلسفة. . هذه النظرة فيثاغورية في 
أصولها والكون عند هؤلاء يدور كله حول خواص علم العدد. وقد قسموا طلابهم إلى قسمين: 

الطلاب المستجدون وكان عليهم استيعاب تعاليم الجماعة وحفظها مسن خلال المختصرات 
والجوامع على شكل سؤال وجواب لاستيعاب كل هذه المعرفة غيبا. 

طلاب المرحلة الثانية (الماثماتيكاي) أي العارفون بأسرار الكون وعلم العدد(34). وبما أن 
صابئة حران هم شيعة فيثاغورية فقد اهتموا بدراسة نوعين من الأعداد (وقد ترجم ثابت كتاب 
برقلس المقالات الأربع في العدد وخواصه) وعنه درس الأعداد السحرية والأعداد المتحابة. 


1659 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 


الأعداد السحرية 
هذه الأعداد ذات قيمة طلسمية » منها ثعرف كيف : تمتزيم القوى العليا الفعالة بالقوى السفلى 
المنفعلة ليحدث عنها فعل غريب في عالم الكون والفسادء ا يضعون مربعات تحتوي أعدادا 
ثابتة في قيمتها العددية سواء قرئدت بشكل عمودي أو أفقي. كان الئاس يتسلون بها أحيانا 
كالكلمات المتقاطعة اليوم وبعضهم كانت له غايات سرية بها كإخوان الصفا الذين تابعوا التقاليد 
الفيثاغوية وعرفوا المربعات السحرية التي تتألف من (9 و16 و25و36) جزءاً وكانوا يوزعونها على 
مريديهم بسرية تامة. 
والمعتقد اليوم أن إخوان الصفا هم صابئة حران الذين كيفوا رسائلهم كي تتفق والمعتقدات 
الإسلامية وقد نجحوا إلى حد ما أكثر من أتباع ماني قبلهم إلا أن حركتهم لم تلق الترحيب الكامل بل 
نظر إليهم المجتمع الإسلامي بالريبة والحذر لما ضمنوا رسائلهم من أفكار فلسفية هدامة(35). 
الأعداد الجبرية: 
وتعني أن كل عددين لهما خاصية معينة أو أن أحدهما يساوي مجموع الآخر مثل العددين 
(220 و284) وهما العددان اللذان وضع ثابت حولهما كتابه في الأعداد المتحابة(36) وأوجد فيه 
قاعدة لإيجاد الأعداد المتحاية: 
إذا كانت الأعداد ‏ 1-(23ا 1-2[ 
ب - (3 ©« 220) - 1 
ج-(2283) -1 
لأن العدد 220 - 142 + 71 + 4 + 2 + 1 
والعدد 284 - 110 + 55 + 44 + 22 + 20 + 11 + 10 + 5 + 4 + 2 + 3701) 
ومن الجوامع التي وضعها ثابت وشرحها كتاب الأرثماطيقي لنيقوماخوس الجرشي. ولثابت 
رسالة في 98 والوقف كانا التمهيد الذي أوصل أبي محمود حامد بن الخضر الخجندي (رت 390 
ه) 0م إلى القاعدة التالية : : إن مجموع عددين مكعبين لا يكون عدداً 0 
كما توصل نصير الدين محمد الطوسي (1200 - 1272) إلى القاعدة التالية: إن مجموع عددين 
مريعين كل منهما عدد فردي لا يكون عددا فريعارة 3 
أما كتاب ثايت الشعبي الذي شاع بين السواد الأعظم من الناس وهو كتابه في المسائل المشوقة. 
فريما كان سبب ائتشاره أنه كان أقرب إلى الأحاجي وكان الناس يتسلون به في مجالسهم. مثال 
على ذلك يسأل أحدهم : لو قيل لك أن عددا ضرب في نفسه وزيد على الحاصل اثئان وضعف 
وزيد على الحاصل ثلاثة دراهم وقسم المجتمع على خمسة وضرب الخارج في عشرة حصل 
خمسون. فكيف تعمل لمعرفة العدد المجهول؟ يرشدك ثابت إلى الطريقة بقوله: (اعمل بالعكس) 
بعكس ما أعطاك السائل فإن ضاعف فنصف وإن زاد فائقص أو ضرب فقسم أو جذر فربع أو 
مكين فافكس ميعدقا من آخر السؤال ليخرج لك الجواب الصحيح! 


1130 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


إنجازات ثابت ل علم الحيل 

من الكتب التي لعبت دورا هاما في علم الحيل كتب ثابت اللتعددة والتي منها كتابه في صفة 
استواء الوزن واختلافه وشرائطه(41). والكتاب الثاني في أن سبيل الأثقال التى تعلق على عمود 
واحد منفصلة هو سبيلها إذا جعلتك ثقلاً واحدا تيكوناً قْ جميع العمود على تساو(42). في الكتاب 
الأول عالج ثابت الموازين العامة وفي الكتاب الثاني الأسس الهندسية والرياضية التي يقوم عيها 
القرسطون (القبان) المحمول على الأكتاف. 

جاء 5 المقالة الأولى من كتاب ميزان الحكمة لأبي الفتم عبد الرحمن المنصور الخازني 515١‏ 
ه/ 1121) (باب الميزان والقبان وأرقامه وأبوابه). قال ثابت بن قرة: إن في اختلاف الوزن وكيف 
يستوي إذا استوى وما الأسباب التي توجب اختلافه إذا اختلف موضعاً للفكر والتعجب لكثرة 
غرائب ذلك وغوامضه إذا امتحنت وجدت صحيحة صادقة مثل أمر القرسطون (القبان) الذي هو 
من أشهرها فإنه لو قيل لأحد ممن لم يره أنه يعلق به في أحد طرفيه جرم قليل الوزن فيقاوم جرماً 
ما يكون وزنه أضعافا كثيرة لوزنه لأنكر ذلك ولم يقبله ما لم يمتحنه فإذا امتحنه وجده حقا 
صحيحا. فأما الأسباب القصوى البعيدة الموجبة لذلك قمما لا يعلمه إلا من أمعن النظر في علم 
الهندسة وعلم الطبائع (الفيزياء). ثم يقول ثابت: إن الأمر بيّن أن كل عمود مستقيم مستوي الغلظ 
بكون_ كله بن جوهر واحد مستوي النقل في جميع أجزائه إذا قسم نصفين وجعل موقع النصف 
محورا. أما إذا علق بموضع النصف منه بمعلاق وجعل تحته شيء يحمله اعتدل ذلك العمود فقام 
على وزن مستو لا يميل به إك أحد الجانبين وإن علق بطرفيه شيئان م: متساويا الوزن اعتدل ذلك 
العمود أيضاً(43). 

ثم ينقل عبد الرحممسن الخازني عن ثابت قوله: وهذا الميزان العدل مبني على البراهين 
الهندسية ومستنبط من العلل الطبيعية من وجهين: 

أحدهما: من مركز الأثقال الذي هو أجل أقسام الفدوم الرياضية وأشرفها وهو معرفة أوزان 
الأثقال المختلفة المقادير بتغاوت أبعاد ما يقاومها وعليه بُني القبان. 

والثاني : معرفة أوزان يد المختلفة المقادير بتفاوت أجرام الرطوبات التي يغاص فيها 
الموزون رقة وخثورة وعليها بُني ميزان الحكمة وقد أشار القدماء 0 التنبه إليها(44). يعنى ثابت 
بذلك قاعدة أرخميدس في دفع السوائل للجسم المغمور فيها بقوة تعادل وزن المزاح. شم أرخ شابت 
من أسهموا ف علم الموازين من القدماء أمثال مائالاوس وأرخميدس ومن المتأخرين يْ أيام المأمون 
سئد بن علي (45) وقد سأل ثابت عن الموازين فكتب له عن ذلك(46). 

وئقل إخوان الصفا قْ رسائلهم ما ذكره ثابث 3 كتابه القرسطون بصورة 5 أوضم» قالوا: ومن 
عجائب خاصية النسبة ما يظهر في الأبعاد والأثقال من المنافع من ذلك ما يظهر في القرسطون 
وذلك أن أحد رأسي عمود القرسطون طويل بعيد عن المعلاق (نقطة الارتكاز المحمولة) والآخر 
قصير قريب منه فإذا علق على رأسه الطويل ثقل قليل وعلى رأسه القصير ثقل كثير تساويا توازناً 
متى كانت نسبة الثقل القليل إلى الثقل الكثير كنسبة بعد رأس القصير إلى بعد رأس الطويل من 


1531 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 


المعلاق. ثم ينقلون التعليل الذي أورده ثابت فيقولون: ومن أمثال ذلك ما يظهر في ظل الأشخاص 
من التناسب بينها وذلك أن كل شخص مستوي القد منتصب القوام فإن له ظلا وإن نسبة طول 
ذلك الشخص إلى طول قامته في جميع الأوقات كنسبة جيب الارتفاع في ذلك إلى جيب تمام 
الارتفاع سواء وهذا لا يعرفه إلا المهندسون أو من يحل الزيج(47). 

وضع ثابت كتاباً في النسبة المؤلفة(48) مثل فيه المسائل وقربها للميتدثين بطريقة حساب 
الكفتين في الميزان. مثال على ذلك : 

(إذا قيل لك مال جمع ثلثه وربعه فكان 21 فكم يكون المال؟) قال ثابت: ضع 21 على القبة 
واتخد من أحدى الكفتين 12 والثاني 24 ثم قابل الجزء من 12 على القبة تجد الفضل بينهما 14 
ضعها تحت الكفة الأولى ثم افعل كذلك في الكفة الثائية تجد الفضل بينهما 7 ضعها تحت الكفة 
الثانية أيضا ثم اضرب فضل الكفة الأولى 14 في فضل الكفة الثانية 24 يخرج لك 336. ثم اضرب 
فضل الكفة الثانية وهو 7 في فضل الكفة الأولى 12 يخرح لك 84 اطرحها من المحفوظات يتبقى 
2 قسم على 7 وهو الفضل بين الكفتين يخرج لك 36 وهو المال أو العدد المجهول. ويمثل لها 
ثابت بالشكل التالي: 

21 


24 12 


7 14 


ولتوضيح ذلك دحل مسال بالطرق الحديثة : 
إذا فرضت المال 12 فإن +4« 12 + للها 12 - 7 


2-7-1 14 نصفه في أسفل الكفة اليمنى. 
وإذا فرضت المال 24 فإن ‏ 4<« 24 + 21 24 - 14 
1 - 14 ت 7 نصفه في أسفل الكفة اليمنى 


ولإيجاد المال: 127-2414 ح- 36 
7-14 


ولبيان أهمية ثابت في تكوين الفكر العربي أذكر ما قاله المستشرق الفرنسي كارادي فو 
 1868(‏ 1939) قال: كتب ثابت عددا من الرسائل القصيرة في الفلك والهئدسة مسهلا ومعبدا بها 
طريق الدراسة والبحث وله أبحاث 4 الجذور الصم بحثها على أسلوب إقليدس وأفلاطون وله 
مقدمة لإقليدس وهو مؤلف عظيم القدر (يقصد المدخل إلى كتاب إقليدس قال عنه ابن أبي أصيبعة 
هوني غاية الجودة). وله كتاب في أشكال طرق الخطوط التي يمر عليها ظل القياس وهو أقدم 
كتاب عن المزولة عرفناه في هذا االوضوع را 

وقصارى القول: إن ثابت بن قرة أعظم عقلية عربية في تاريخ الرياضيات والفلك عند العرب في 
كافة الأزمنة. 


1942 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


ثابت العالم الرياضي 


1 التفكير العلمى ص 277. د. فؤاد زكريا. 

«العيترية سس 269 

3 - العلم والمشتغلون بالبحث العلمي ص 111. 

4 العلم القديم والمدنية الحديثة ص 57. 

5 علم الشرق وتاريخ العمران ص 35. ميكائيل أنجلو جويدي ‏ المطبعة السلفية القاهرة 
9 1928. 

6 - المصدر السابق ص 32. 

7 مقدمة لتاريخ الفكر العلمي للإسلام ص 68 69. 

8 العلم القديم والمدنية الحديثة ص 60. 

9 بحثا عن الجمال ص 90, 

0 الفهرست ص 326,. 

1 - تاريخ الزمان ص 48. 

2 الفهرست ص 326. 

3 العلم القديم والمدئية الحديثة ص 159. 

4 عيون الأبناء في طبقات الأطباء ص 300. 

5 - الفهرست ص 342, 

6 - العلم القديم ص 162. 

17 - تاريخ الحكماء ص 119, 

8 ماثر العرب العلمية في الفلك والرياضيات ص 78. 

9 تاريخ الحكماء ص 89. 

0 بحثا عن الجمال ص 109, 

1 - الفهرست ص 327. 

2 المصدر السابق ص 326. 


1033 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


3 تاريخ الحكماء ص 115. 

4 - مقدمة لتاريخ الفكر العلمي العربي 76. 

5 تراث الإسلام ج3 ص 182. 

6 - الفهرست ص 341. 

7 توما الإكويني تاريخ الفلسفة العريية ج2 ص 2 برتراند رسل. ترجمة: نجيب 
محمودء لجنة التأليف والترجمة والنشر» القاهرة 1957. 

8 بحثاً عن الجماك ص 163. 

9 يبهذا غن الحنال صن 341 

0 مآثر العرب في الرياضيات والفلك ص 87. 

1 «المصدر السابق ص 87. 

2 تراث الإسلام ج3 ص 181. 

3 - كشاف اصطلاحات الفنون ج1 ص 42» التهانوي. 

4 - مقدمة لتاريخ الفكر العلمي في الإسلام ص 59. 

5 المصدر السابق ص 58. 

6 تاريخ الحكماء ص 115. 

7 تراث الإسلام ج3 ص 176. 

8 المصدر السابق م3 ص 177. 

9 المصدر السابق ج3 ص 180. 

0 مآثر العرب في الرياضيات والفلك ص 87. 

.117 تاريخ الحكماء ص‎  4[ 

2 عيون الأبئاء ص 299. 

3 كتاب ميزان الحكمة ص 33 234 لأبي الفتم الخازني؛ دائرة المعارف العثمانية» حيدر 
آباد الدكن 1359 ه/ 1939. 

4 المصدر السابق ص 5 - 6. 

5-المصدر السابق ص 7. 

6 تاريخ الحكماء ص 117. 

7 مآثر العرب ص 55. 

8 عيون الأبناء ص 300, 

9 تراث الإسلام ص 578. ترجمة: جرجيس فتم الله. 


154 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 





ثابت العالم الفلكي والمنجم 


- علم الهيئة وكتاب المجسطي لبطليموس 

- علم الأحكام وكتاب المقالات الأريع لبطليموس 
العلوم التابعة لعلم الهيئة 

علم الأزياج 

علم تسطيح الكرات والآلات الظلية. 

علم الأنواء. 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 





مم. 01:1 نات االطدع2012ة]/. 7711177 لتم 01020ده1][00 


ثابت العالم الفلكي والمنجم 


هل كان ثابت بن قرة منجما؟ 


أطلق العرب وا لمون على كل من يشتغل بصناعة النجوم منجماً. قال البيروني: لا يسمى 
الرجل منجما ما لم يحط بأربعة علوم هي : (الهندسة والحساب والهيئة والأحكام)(1). 


وسنقتصر في هذا الفصل على علمي الهيئة والأحكام ودور ثابت فيهما. 
ما هلم الهيئة؟ 


هو علم تعرف به أحوال الأجرام البسيطة العلوية والسفلية وأشكالها وأوضاعها وحركات 
الأفلاك والكواكب ومقاديرها وهذا العلم يقوم على مقدمات هندسية مثل مشاهدة التشكيلات 
على الوجه المرصود الموجب اليقين. وقد وضع ثابت كتاباً ف إبطاء الحركة وفلك البروج 
وسرعتها وتوسطها بحسب الموضع الذي يكون فيه من الفلك الخارج المركز(2) وسوف أوضح ذلك 
فيما بعد. 


ما علم الأحكام؟ 


هو فرع من علوم الهيئة وله أصول تعرف بها أحوال الشمس والقمر وغيرها من بعض النجوم 
التي هي مدبرات للعالم, ٠‏ وضع ثابت حول ذلك كتابا قْ طبائع الكواكب وتأثيراتها(3). . وستشرح 
ذلك فيما بعد. 

ما مصادر ثابت ف الهيئة والأحكام؟ 


بحكم ائنتماء ثابت إلى صابئة حران وديانتهم النجحومية التي تعتميد على إرثهم الكلداني ف 
الكهائة وموروثهم اليوئاني ف علم النجوم. كان الصابكة يعززون اعتقادهم بتلك الكتب فهم يزعمون 
أن بطليموس كان يعشق علم النجوم جاعلا علم الهندسة سلماً إلى الفلك الأعلى وقد دون معلوماته 
في كتاب المجسطي وكتاب المقالات الأربعة وكان صعوده بالنفس لا بالجسد كصعود هرمس 
الحكيم (ثبي الله إدريس). إلى فلك زحل ودورائه معه مدة ثلاثين سنة حيث اطلع على جميسع 
أحوال الفلك ثم نزل إلى الأرض فخبر الناس بعلم النجوم الذي حفظته هذه الطائفة الناجية. 


1537 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


إن أعظم مصدر لعلم الهيئة عند العرب كان كتاب المجسطي لبلطيموس (90 - 161) وكان اسم 
الكتاب باليوئائية سونطاكسيس 8113:3135 ومعناه الترتيب الرياضي. وكان مصدر هذا الكتاب 
الأرصاد التي قام بها اليونان والبابليين معاً. 

ينقسم الكتاب إلى ثلاث عشرة مقالة» برهن فيه على كروية الأرض والسماء 0007 ودوران 
السماء حول الأرض الساكنة في وسط العالم رافضاً رأي سليوقس البابلي القائل بدوران الأرض 
اليومية حول محورها وبدورتها السنوية حول الشمس وهذا الرأي قد نادى به أيضا إرستاخوس 
الساموسي  310(‏ 230 ق.م). 

ناقش بطليموس في الكتاب ميل دائرة البروج ودائرة معدل النهار ودائرة نصف النهار وحركة 
الشمس السئوية وحسب طول السنة الشمسية» واستخدم أفلاك التدوير والأفلاك خارجة المركز في 
تفسير الااختلاف في حركة القمر التي سماها بالاختلال وقدّرها ب(219 10" ). 

ثم تكلم بطليموس عن صناعة الإلإسطرلاب وقال إن صانع الأداة هوالمبتدئ في القياس وقد 
نسبها إلى هيبارخوس النيقي  200(‏ 126 ق.م) سلفه الذي ضمن أرصاده كلها كتابه المجسطي. 
وفيه بين مقادير الشمس وظل الشمس والقمر والكسوفات الشمسية والقمرية وحركات الكواكب 
ع التي تدور في 0 دائريه الفا ماذهب إليه أبولونيوس البرشامي 0 البرك 
بدرجة واعخدة كل قرن من الزمان. 

ترجم العلامة مارساويرا سابوخت (ت 667م) كتاب المجسطي إلى السريانية باسم الترتيب 
الرياضي وترجم معه شروح شاون الإسكندري (ت حولي 400 م) وابئته هوباثيا (قتلت 415) 
وشروح بابويس وبرقلس وغيرهما. 

ثم ترجم الكتاب إلى العربية فسمي (المجسطي) وبه عرف بكل اللغات العالمية حتى الوقت 
الحاضر» أول من اعتنى بتفسيره وإخراجه إلى العربية الوزير النايه الذكر يحيى بن خالد البرمكي 
وت 190 هم 6) فسره له جماعة فلم يتقنوه ولم يرض بذلك فندب لتفسيره عالمين هما أبا 
حسان وسلم وهو صاحب بيت الحكمة فأتقناه واجتهدا في تصحيحه بعد أن أحضر النقلة 
المجودين فاختبر نقلهم وأخذ بأفصحه وأوضحه؛ء كان الثقل الأول في بغداد والنقل الثاني في الرقة 
حوالي (185 ه/ 01) حيث الأديرة عامرة بالمترجمين وكائت الجالية الحرانية كبيرة مما جعل 
الوسط الثقاني غنياً بالخبرات العلمية. قبل أن الحجاج بن يوسف بن مطر الكوفي  166(‏ 220 هم 
كان بينهم وأصلح ثابت فيما بعد هذا النقل. ثم نقل إسحق هذا الكتاب وأصلحه ثابت إصلاحاً 
دون الأول لأن إصلاحه الأول أجود40). 


كيف تعامل ثابت مع كتاب المجسطى؟ 


- نقل ثابت الكتاب مع شروحه وتفسيراته ثم اختصره اختصاراً نافعاً إلا المقالة الثالثة عشرة. 
قال القفطي : وسألت بعض مشايخنا عن السبب. فقال: لم يجد فيها ما يختصر. وفي أواخر حياة 


1538 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 


ثابت كتب كتاباً كبيراً في تسهيل المجسطي لم يتمه وكان كتابه أفضل ما كتب حول الكتاب(5). 
سباك اد راك مما جعل الكتاب كما قال عنه القفطى : «لا يعرف كتاب ألف في علم من 
العلوم وأحاط بأجزاء ذلك الفن غير ثلاثة كتب: 

أحدها: كتاب المجسطي ف علم الهيئة وحركات النجوم. 

والثاني : كتاب أرسطوطاليس في علم صناعة المنطق. 

والثالث : كتاب سيبويه البصري ف علم النحو العربي(6). 

ومن خلال دراسة وشرح وتفسر كتاب المجسطى أخرج ثابثت عدة كتب يغلب عليبا الطابع 
التعليمى ‏ منها: 

1 كتابه في تركيب الأفلاك وخلقها وعددها وعدد حركات الجهات لها والكواكب فيها 
ومبلغ سيرها والجهات التي 3ت تتحرك إليها(7). . وقسم العالم فيه إلى قسمين: 

العالم السفلى: 

عالم الكون والفساد من مركز الأرض إلى فلك القمر وهذا العالم مؤلف من العناصر الأريعة وهو 
العالم الجسدي الحقير الشديد الكثافة والغلظة؛ الذي يتحرك حركة مستقيمة طولية إلى فوق 
وتحت وذات اليمين وذات الشمال والذي يخضع للكون والفساد ولا يتحرك إلا بعلة فعالة تخرجه 
من القوة إلى الفعل. 

العالم العلوي: 

من فلك القمر إلى دورة الفلك الأعلى المحيط وهذا العالم مؤلف من مادة أثيرية شفافة صلبة 
فوية وهي لا خفيفة ولا ثفيلة ولا متغيرة ولا مستحيلة ومن أجل ذلك فهو من طبيعة خاصة 
منفردة (طبيعة خامسة). 

والأجرام السماوية مئيرة متوقدة قد ثبتت قي مراكزها لا منحدرة ولا صاعدة وهي تتحرا 
بحركة دائرية هي أكمل الحركات التي تليق بجسم إلهي علوي ا 
والكواكب هى المدبرة للعالم السفلى. 

2 ولثابت كتاب قْ إبطاء الحركة ف فلك البروج) سرعتها وتوسطها بحسب الموضع الذي 
يكون فيه من الفلك الخاريم المركز(ة). وبيّن فيه أن: 

الفلك المحيط: هو المحرك الأول تحرك عن الحركة الأولى التي هي النفس الكلية يدور حول 
الأرض في 24 ساعة دورة واحدة ولا كان الكوكب في جوفه فماناً له من داخله صار يديره معه 
اما او عم الي ع و للد عن 
و أجزائه في كل 66 سئة درجة واحدة وكانت في المجسطي كل 00! 

فلك زحل: تقصر حركته عن سرعة محركه بشىء يسير عن صموازاة أجزاء الفلك المحيط 

دقيقتين في كل يوم. 


159 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


ذلك المشتري: يجري حكمه في جوف فلك زحل ويتأخر كل يوم (5) دقائق عن موازاة أجزاء 
الفلك المحيط. 

فلك المريخ: يجري في جوف المشتري ويتأخر عن أجزاء موازاة الفلك المحيط في كل يوم (31) 
دقيقة. 

فلك الشمس: يجري في جوف فلك المريخ وفلك الزهرة في جوف فلك الشمس وفلك عطارد في 
جوف فلك الزهرة يتأخر كل واحد منها عن أجزاء موازاة الفلك المحيط (59) قوسية أو 32 دقيقة 
زمانية. 

فلك القمر: يتأخر كل يوم عن موازاة الدرجة التي كان موازياً لها (30 13) وإن إبطاء فلك 
القمر بالنسبة لحركة فلك المحيط (25 . ) قوسية أو ساعة و25 دقيقة زمائية. اعتمد ثابت على 
بطليموس المعقد ولكنه البارع في تعليله . وأثبت أن أسرع الكواكب هو القمر ثم عطارد ثم الزهرة ثم 
الشمس ثم المربيخ ثم المشتري ثم زحل معتمدا على قاعدة بطليموس القائلة: (إن أسرع الكواكب 5 
بد أن يكون أقربها وإن أبطأها هو زحل ولا بد أن يكون أبعدها). 

أوضم ثابت نظرية قدماء الكلدانيين الذين لاحظوا أن مدار الشمس يخترق كوكبات معينة 
قسموها إلى اثني عشرة كوكبة سبوها بروجا كنا لاتحكلر] أ القمر والكواقب الكمن: المتحيرة دوق 
في مدارات ت لا تبعد كثيراً عن مدار الشمس وهي تقع في حزام ضيق لا يزيد عرضه عن (8) درجات 
شمال وجئوب فلك الشمس. 

ثم بحث سير الكواكب الخمسة المتحيّرة وشرح أنها لا تسير في مداراتها بانتظام بل ترتد قليلا 
إلى الوراء ثم تعاود سيرها إلى الأمام مرة أخرى ولهذا سماها القدماء بالكواكب المتحيرة. 

ولا وجد أهل الأرصاد أن حركة الكواكب متأخرة كل يوم بقدر ما ذكرنا عملوا لها حساباً 
ودوثوه في كتب خاصة تدعى الزيجات. ليعرفوا في أي وقت أرادوا مواضعها الحقيقية من فلك 
البرويم. 

3 - ألف ثابت كتاباً في سئة الشس(9). وضّم فيه أن السنة الشمسية هي عودة الشمس في 
الفلك إلى موضعها وكان هيبارخوس النيقي قد أخذ علمها عن المصريين القدماء الذين كانوا 
يتجهون بهياكلهم نحو الشرق إكى النقطة التي تشرق منها الشمس في صباح يوم الانقلاب الصيفي 
وكان أول السئة هو يوم شروق الشمس مع الشعري العظيمة (سويثس) وهذا اليوم هو يوم فيضان 
نهر الثيل(10) وقد حددوا طول السئة الشمسية ب 365 يونا فقط, 

ذكر برترائد رسل «إن هرقليدس البونتي  388(‏ 315 ق.م) وجد أن الزهرة وعطارد تدوران 
حول الشمس فاستئنتج أن الأرض كذلك تدور حول محورها مرة كل 24 ساعة. وهذه خطوة لم 
يخطها أحد من قبله(11). ومثله قال أرستارخوس الساموسي  310(‏ 230 ق.م) ذكر ذلك 
أرخميدس في كتابه حساب الرمل أن أرستارخوس قال: إن النجوم والثوابت والشمس تظل ثابتة 
لا تتحرك وأن الأرض تدور حول الشمس في محيط دائرة وأن الشمس في وسط هذا المدار. إلا أن 


200 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


هيبارخوس النيقى وبطليموس رفضا تلك الآراء وقالا: «إن الأرض هى في وسط الكون وأن الشمس 
والكواكب كلها تدور حولها في مدارارت دائرية كاملة(12). 1 

وجاء في الكتاب شرح مبادرة الاعتدالين تابع فيها ثابت قول بطليموس وكان أول من رصدها 
البابليون ومن بعدهم الكلدان وقد دونها في كتاباته كيدنو البابلي حوالي 315 ق.م. 

ومبادرة الاعتدالين: هما نقطتا التقاطع على الكرة السماوية لدائرتين عظميين داثرة معدل 
الاستواء السماوي ودائرة فلك البروج ويمكن الافتراض أن الأخيرة دائرة ثابتة ولكن الأولى ليست 
كذلك فهي تنزلق رويدا لذا فالاعتدالان يتحركان وتكون حركتهما القهقرى ويكون مقدارها (50.2) 
ثانية قوسية تقريبا في العام الواحد ومنه تبادر الشمس ينها بذاك المقدار. وللسبب نفسه تنقص 
الزاوية بين الدائرتين المتقاطعتين بمقدار (0.48) ثانية تقريبا كل عام(13). 

وقد عا الأب جوزيف كوجر الفضل إل الألواح الكلدائية قال: «إن التعيينات التي أوجدها 
هيبا راخوين اتتظق عنانا على التعيينات التي وجدت في الألواح الكلدانية)(14). كان هيبارخوس 
(أبرخس) من أمهر علماء الأرصاد وكان يطلق عليه بطليموس لقب العبقري المجتهد وقال إنه 
اخترع أداة الرصد ذات الحلق. وقد ضمن كثابه المجسطي أعمال هيبارخوس حتى أنه أصبح من 
العسير عليئا التفريق بين اعمالهما ولكن بطليموس أشار إلى أنه يخالفه في أن أوج الشمس ثابت 
وليس بمتحرك. قال المسعودي: اذكر أصحاب الممتحن أن أوج الشمس كان في السئة التي قيس 
فيها سنة (217 ه/ 832) في (39ة 22) من الجوزاء. وقال ما شاء الله ومسا ذهب إليه المنجم أن 
لوج يتحرك في كل سنة درجة واحدة فيكون مقامه في كل برج 0 سنة وقطعه الفلك في (36) 
ألف سنة وبعدها يُنقل عن البروج الشمالية إلى الجنوبية وتئقل العمارة إلى جنوب خط الاستواء 
ويصير الشمال حنويا والتعتونب شهالا:213, . ومعنى هذا أن أصحاب الممتحن قالوا بأن أوج الشمس 
متحرك متابعين رأي أبرحس إلا يحيى بن أبي منصور الذي قال يثباته. قال البيروني: وكان 
بطليموس يرى أن أوج الشمس:ثايت غير مارك وكان يحوي بن أبي منصور .من أتباعه في وضع 
3 الشمس 582١‏ ( ولم يرسم تحريكه. أما حبش بن عبد الله الحاسب (صاحب زيج الممتحن) فإنه 

له ولتحريكه جداول. إلا في أوج الزهرة, فهو مساو ما عند بطليموس وعندما سأل محمد بن 

لط ليساب لاه اي الخلاف بين زيح بطليموس وزيج الممتحن وضح له ذلك 
في كتاب سماه في سئة الشمس وقد نصر فيه مذهب أبرخحس. قال المسعودي: «ولثابت بن قرة 
الحراني رسالة في نصرة رأي أبرخس على أن لأوج الشمس حركة مخالفة لقول بطليموس وقد 
امتحن هذه الرسالة عدة من أهل الهندسة فوجدوا الأوج ف 4١‏ ودقائق كثيرة تكون ص أول 
الحمل (64). على أن أصحاب الممتحن أجمعوا على أن بعد الأوج عن رأس الحمل (249 2 )- 
إلا محمد بن جابر البتاني - الذي وافق على رأي شابت(17). وبالعودة إلى زيج البتاني نجده 
يعرف السئة الشمسية بقوله: «إئما هي في مفارقة الشمس نقطة غير متحركة من الفلك إلى أن تعود 
إليها إما من نقطة الاعتدالين إلى مثلها أو من نقطة إحدى الانقلابين إلى مثلها(18). ثم رصدنا 
نحن (محمد بن جابر البتانى) بمديئة الرقة فكان أحد أرصادنا الخريفية التي نعتمد عليه ونثق 


201 


.01:1 تلات ااتد 11310132 17717177 11010 1001111030 


بصحته فيما ظهر لنا بآلة الرصد بعد رصد بطليموس الخريفي ب 743 سنة لما قسنا فى 19 أيلول 
من سنة 885 م/ 271 ه. قبل طلوع الشمس فكانت السنة 365 يوما و5 ساعات و 46 دقيقة و26 
ثائية وإن الزمان الذي حصل لنا أقل من الزمان الذي ذكره بطليمو س(19) الذي حدد طول السنة 
الشمسية ب 365 يوماً و5 ساعات و55 دقيقة و12 ثانية. أما طول السنة بالقياسات الحديثة فيقدر 
ب 365 ريا و5 ساعات و48 دقيقة و46 ثانية. أورد الدكتور عمر فرو نقلاً عن الأستاذ منصور 
حنا جرداق قوله: : «إن ثابث بن قرة الحراني 0 0 الشمس وحسب طول السئة النجمية 
فكان طولها 365 دوم و6 ساعات و9 دقائق و8 ثوائي فكا ما وصل غليه يزيد على طول السئة 
الحقيقة بمقدار أقل من نصف ثانية(20). 

بين ثابت في وبعال الشمس أنها تدخل أول نقطة في بريم الحمل في 21 آذار من كل عام وهذا 
البريج أشرف البروج وفيه يقع صوم الصابئة الحرانية الكبير. قال البيرونيى: «يقع صومهم الكبير 
ف التربيع الأول من هلال آذار والشيس والقمر في برجين ذوي جسدين. لطم ف التربيع الأول 
من هلال نيسان والنيران معا في برجين منقلبين مفروضين. ويوجب ذلك أن تدور شهورهم في سنة 
الشمس»(21). 

وقال إخوان الصفا نقلاً عن رسالة ثابت: «عيدهم الأول يوم نزول الشمس بريم الحمل وفي هذا 
العيد كان الحكماء (كهنة الصايئة) يجتمعون ويجمعون أولادهم وتلاميذهم بأحسن زيئة وأنظف 
طهور إلى الهياكل التي كانت لهم ويذبحون الذبائم الطاهرة الطيبة ويصفون الموائد ويكثرون البقول 
والألبان والحبوب مما تنبت الأرض ثم يستعملون الموسيقى بالنقرات المحركة للأئفس والنغماتث 
اللذيذة ثم يشرع الحكماء بتلاوة الحكمة ونشر العلم (المكنون) فيكون بذلك راحة النفس وكمال 
الأنس(22) وهذا العيد سماه البيروني بعيد التبريك (الكرموس) وهو يقع في 20 نيسان ويحتفلون 
به في دير كاذا شرق حران. 

- إن لثابت كتاباً في علة كسوف الشمس والقمر عمل أكثره ومات وما تممه وهو من أهم كتبه 

الموصوفة بالجودة قال القفطي قد رام قوم من أهل عصرنا إتمامه فلم يستطيعوا(23) بيّن ثابس فيه 
تاريخ علة الكسوفات الشمسية والتقمرية عند الكلدان والإغريق 

أهدى بروسيس كبير كهنة الكلدان إلى أنتيخوس الأول  301(‏ 280 ق.م) تاريخاً لبابل معتمداً 
على السجلات المسمارية(24). قال فيه «إنه ورث فيه علم النجوم عن قدماء أهله. يكون الطوفان 
كلما اجتمعت الشمس والقمر والكواكب الخمسة المتحيرة في برج الجدي» ويكون الحريق العام كلما 
اجتمعت في برج السرطان(25) وعنهم أخذ الإغريق مواقيت بدء الكسوفات ونهايتها والتنبؤ 
بحدوثها وكانوا يعرفون الفترة الزمئية المسماة بفترة التعاقب والتي نقلها عنهم اليونان وسموها 
(بالساروس) وطول مدتها 18 سئة و10 أشهر و11 35 ولتوضيح ذلك سأضرب المثل التالي: «حدث 
كسوف كلي للشمس في 19 حزيران ن عام 1936 شوهد في سيبيريا ثم شوهد كسوف كلي ممائل 
للكسوف الأول في بلاد السويد وروسيا في 30 حزيران 1954. هذا المثل هو تطبيق لقاعدة (فثرة 
التعاقب). 


202 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


قال البتاني: «لم يذكر بطليموس شيئاً من أرصاد الكسوفات الشمسية ولم يستعملها بل إنه لم 
يحط علما بها(26). ولكنه اطلع على الفكر البابلى والفكر المصري وأدخل فيها عناصر جديدة مسن 
عبقريته وارتقى بأبحاثهم ووضع لها القوانين الثابتة. قال الأستاذ جريسمان منةسووة:6 لعلم 
الفلك البابلي الفضل الأكبر في العالم القديم ولكن المرجم أن البابليين والآشوريين رغم وصولهم إلى 
نتائج مهمة فيما يتعلق بالرصد والتنجيم لم يجدوا السبيل إلى تطبيق المبادئ العلمية التى أوجدها 
اليوئان(27). 1 


| اعتمد ثابت على كتاب المجسطي قال: «إذا اجتمع الشمس والقمر في وقت من الأوقات عند 
احدهما في برج واحد ودرجة واحدة انكسفت الشمس ولا يكون ذلك إلا في آخر الشهر» وهذا الرأى 
يطابق رأي البتاني الذي قال عن علة الكسوف الشمسي: «القمر هو العلة وذلك إذا وافق في أوقات 
الاجتماعات أن يرى مركزه على نطاق البروج حال بين أبصار الناظرين إلى الشمس وعلى قدر ما 
يتفق عرض القمر في الرؤية تكون أقدار الكسوف:(28). 

وبين ثابثت أنواع الكسوف: 

1 الكسوف الكلى ‏ يحجب القمر فيه قرص الشمس بأكمله. 

2 الكسوف الجزئي ‏ يحجب القمر فيه جزءا من الشمس ويترك ما بقى مضيئاً على هيفة 
هلال. 1 

ثم جاء البتاني وأضاف نوعاً ثالاً. 

3 - الكسوف الحلقي ‏ يخفي القمر فيه وسط قرص الشمس ويترك خلفه حلقة دائرية. 

وقد أثبت إمكانية حدوث الكسوف الحلقي بالبرهان الرياضي فكان له السبق العلمي في تاريخ 
العلم(29). 

ما علة الخسوف القمري؟ 

5 - وضع ثابت كتاباً فيما يظهر في القمر من آثار الكسوف وعلاماته بيّن فيه أن خسوف القمر 
هو استتار وجه القمر المواجه للأرض كلاً أو بعضاً بسبب حيلولة الأرض بينه وبين الشمس. ولا 
يكون كسوف القمر إلا في نصف الشهر لأنه يكون في البرج المقابل الذي فيه الشمس وتكون الأرض 
في الوسط فتمئع نور الشمس عن إشراقه على القمر. 

6 كان ثاون الإسكندري (ت حوالي 400 م) قد وضع القانون المسيّر وهو جداول زييم بطليموس 
فاستدرك عليه ثابت بن قرة بكتاب في حساب كسوف الشمس والقمر. وكان بطليموس قد تجاهل 
أرصاد الكسوفات الشمسية بل إنه لم يحط بها علماً حسب تعبير البتانى. الذي أجرى رصداً 
لخسوف القمر تحت إشراف ثابت بن قرة. قال البتائي: جرى بمدينة الرقة كسوف قمري بعد 
انتصاف النهار بثماني ساعات وشيء يسير (حوالي الساعة التاسعة في التقويم الصيفي اليوم) في 23 
تموز عام 883 م أو 7 ه. حيث انكسف من القمر (0.83) من قطره بشيء يسبر وكان عرضه في 


203 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


وقت الاستقبال في الجنوب قريباً من (32) دقيقة وكان يجب أن يكون على حساب بطليموس أن 
ينكسف من القمر مقدار (0.70) وأن يتقدم زمان وسط الكسوف الزمان الذي وجدناه بقريب من 
(45) دقيقة زمانية. ثم نجد البتاني يعتذر عن بطليموس بقوله : «قد يمكن أن يكون ما وقع ف 
العمل من الخطأ في كتاب بطليموس ل 0 
النسخة التي منها ترجم واللّه أعلم»(30) هذا ما كان يفعله علماء العرب حيال بطليموس 

أما العالم الأمريكي روبرت رسل نيوتن الذي وضع كتاباً تصيد فيه أخطاء بطليموس في الرصد 
وسمى كتابه (جريمة كلاوديوس بطليموس) قال فيه : «إن بطليموس مدع للعبقرية وإنه أمضى أكثر 
وقته في تقزوير الحقائق لأنه ادعى أرضيادا في كسوف الشمس لم تكن له كالرصد الذي أجراه 
هيبارخوس في 22 أيلول عام 200 ق.م. قال بطليموس فيه أنه رصد القمر في الساعة 6.30 يعد 
منتصف الليل ونحن نعلم أن القمر لم يبزغ في تلك الليلة إلا بعد نصف ساعة من الوقت الذي 
ذكره بطليموس(31). 


علم التة لتنجيم أو علم الأحكام 

كان مصدر علم الأحكام عند العرب كتاب المقاللات الأربعة و8 هناء1” وهو كتاب في التنجيم 
وضعه بطليموس. قال جورج سارطون : «من يطالعه لا يصدق أن مؤلفه هو مؤلف كتاب 
المجسطي'(31) . كان بطليموس وثني النزعة وف زمنه أحذت الديائة الفلكية تحل محل الديانة 
الوثنية تدريجيا في نفوس ذوي النئزعة العلمية هذه الديانة الشعبية التي كانت شوييا من التوفيق 
بين الديائة الشعبية ومذهب التوحيد(32) ولكنها تطبيق فأسد للعلم الصحيح. 

كان علم التنجيم متأصل الجذور في مدينة حران لارتباطه بمذهبهم الوثني وديانتهم النجومية. 

وف العصر العباسي كان الخليفة المنصور  137(‏ 158 ه) (754 - 7753 م) لد يعمل إلا باستشارة 
منجميه : وقد استشار منجمه نوبخت في اختيار أنسب وقت للبدء قُْ بناء مدينة بغداد فأشار 
عليهفى 23 تموز من عام (145 ه/ 763 م)(33). 

نقل أبو يحيى البطريق كتاب المقالات الأربعة عن الترجمة السريائية التي قام بها ساويرا 
سابوخت (ت 667 م). ثم شرحه عمسن بن الفرخحان الطبري» ثم نقله ف القرن الثالث الهجري 
إبراهيم بن الصلت عن السريائية أيشاً إلى العربية وأصلحه ثابت بن قرة ثم شرح المقالة الأولى فيه 
شرحاً قافياً مبيناً فيه أن - جميع ما يطرأ على العالم من التغير متصل اتصالاً وثيقاً بطبائع الأجرام 
السماوية وحركاتها تكصر ف المنجم الشاق قُْ معرفة هذه التأثيرات. 


ما هى محتويات كتاب المقالات الأربعة؟ 


ذكر بطليموس ف مقدمته إهداءه إلى سوروس 05ل9. وبين فيه أن كتاب المجسطى كتقاب 
رياضى ينظر في أمور البرهان في حين أن كتاب المقالاث الأربعة يتصل بأمور صعبة المنال قحتمل 
كثيرا من الظن ثم دافع عن الكهانة والتنيؤ بالمستقبل. 


204 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


المقالة الأول 

تتعلق بالأمور العامة فيما يتعلق بالتنجيم والكواكب السيارة ثم تكلم عن كواكب السعد 
والنحس والكواكب المذكرة والمؤنثة والنهارية والليلية 

المقالة الثانية 


تكلم فيها عن التنجيم العام والجغرافيا الإثنوغرافية النجومية. قال فيه عن الإقليم الرابع 
«انفردت السنبلة وعطارد ببابل وما حولها من العراق وملتقى النهرين والجزيرة والشام وبلاد اثور 
فصار أصحاب هذه البقاع أصحاب أدب وحكمة وعلم بالنجوم وخبرة بالعلوم التعليمية وأصحاب 
رصد للكواكب وقياس ولهم ذكاء وفطئة:(34). وكان يقصد في زمنه الكلدانيين» ثم تكلم عن أهل 
حران (ديار مضر) مثلث السرطان والعقرب والسمكة ويشترك في تدبيرها المريخ والزهرة وعطارد 
وصار أهل هذه البلاد يعظمون الزهرة يسمونها بأسماء كشيرة مختلفة ويسمون المريخ أودونيس 
وبأسماء أخرى ويتعبدون له وينسبون إلى هذين الكوكبين (الزهرة والمريخ) أسرارا يذهبون فيها 
مذهب النياحة وهم أشفياء يأخذون الأجرة على الخروج في العساكر. ومن أجل أن شرف المريخ في 
الجدي وهو تثليث الزهرة وشرفها في الحوت وهو تثليث المريخ اشتدت نصيحة نسائهم لأزواجهن 
ومحبتهن لهم فأحس تدبير بيوتهن وبذلن أنفسهن لهم في الأعمال(35). 

وهذه المقالة تنظر في التنبؤات العامة التى تصدق على الشعوب والأقطار والمدن كالحروب 
والأوبئة والمجاعات والزلازل والفيضانات التي تصدق على الطقس والفصول. 

ويبدو أن مصدر هذه المقالة ما ذكره القفطي أن لأبرخس (هيبارخوس) من التاليف كتاب أسرار 
النجوم قْ معرفة الدول والملل وقد خرج هذا الكتاب إلى العربية ومن وقف عليه رأى كتاباً جليلا ف 
معناه ويشهد لؤلفه بتبحره في هذا النوع(36). 

ومثلما ضمّن بطليموس كتاب المجسطي لأرصاد هيبارخوس ضمنه كذلك كتابه أسرار النجوم في 
كتابه المقالات الأربعة ولم يذكر ذلك. 

المقالة الثالثة 


تتعلق بالتنبؤات التي تصدق على الأفراد بحسب تاريخهم أي تاريخ ميلادهم. وضح بطليموس 
فيها بأن لكل مطلع من مطالع البروج طبعه الخاص به وهذه المطالع إما مذكرة أو مؤنثة أو مضيئة 
أو مظلمة أو متلونة أو قاتمة» والطالع هو الموضع من فلك البرويج الذي يطلع على الأفق في الوقت 
المعلوم) والطوالع هي السهام ولم يذكر إلا سهما واحداً هو سهم السعادة. 

المقالة الرابعة 

تنظر في التوفيق المادي والتكريم الشخصي والزواج والولد والأصدقاء والأعداء والسفر وا ممرض 
والموث في محتلف فترات الحياة. 


205 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


وكان ثابت قد بين طريقة العمل على مذهب بطليموس في استخراج الطوالع بالطرق الحسابية 
وجعلها علماً له أصوله وطرائقه : 

أولا طريقة المسائل: 

يقصد بها الإجابة على الأسثلة المتعلقة بحياة الناس كل يوم» مثل معرفة طلب معرفسة فرضص 
مفقود أو السؤال عن غائب متى يعود؟ وهذه الطريقة هي الأكثر شيوعاً. وفرض لها ثابت بن قرة 
بعض الكواكب أو مواضع فلك البروج للاستدلال بها وهم يقيمون ما بينه وبين كوكب آخر أو 
شعاعه أو ما أشبهها من الأزمان بأجزاء الزمان على وجه التشبيه والتمثيل ويسمي العمل لاير7 
أي أنه سيّر كوكب كذا إلى (كذا) فبلغه (كذا) من أجزاء الزمان أعوام أو شهور أو أيام. 

وبين طريقته الحسابية. 

كيف تستخرج ارتفاع المتقدم وسمته في الوقت المعطى؟ 

تبع الخطوات التالية : 1 

- نضرب جيب السمت في تمام الارتفاع منحطا. 

- ثم نجمع جيب القوس ونقسم جيب الارتفاع على جيب تمامها منحطاً. 

قما خريج نقوس»ء ونضرب جيب تمامها في جيب عرض البلد منحطاً. 

- ثم يجمع جيب عرض دائرة التسيير وهو الأفق الذي يسير المتقدم بمطالعه أو مغاربه(37). 

وهذه الطريقة هي التي شاعت في كل كتب التنجيم عند المسلمين. 

انيت طريقة الاختيارات: 
أي اختيار الوقت المناسب لعمل معين كاختيار الوقت لبئناء منزل أو الإقدام على زواج أو السفر 
أو لقابلة حاكم. 

وكان بطليموس قد قرر الحكم في ذلك بوقوع أحد الكواكب في وقت ظهور الطالع المتوهم في 
أحد المواضع التالية : 

ب عئدما يصبح الكوكب في الشمس والقمر وفي سسهم السعادة والطالع. ويعرف طالع المولد من 
ملاحظة التوافيق الحاصلة من هذه الاجتماعات. 

ناذا طاريقة تحاويل السئين: 

تقوم تقوم على حساب السنوات أو أجزاء السنة المدارية التي انقضت منذ ولادة فرد من الأفراد أو 

ابتداء ملك أو قيام فرقة أو تخطيط مدينة وأساسها أن تحدد الصورة السماوية في طالع المولود 
وتسمى : 

تحاويل سني المواليد: 

فهي متحولة عند بلوغ الشمس الموضع الذي كانت فيه في مبدثها وأوقات المواليد غير محددة 
وكثيرة ومبادئ سببها كذلك وكلما عادت الشمس إلى موضعها الأول تمت سنة المولود وزاد في سنيه 
سنة(38). 


206 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 


- تحاويل سني العالم : 

بالنسبة لبناء المدن والملك» ونا كانت العمارة في نصف الكرة الشمالي كان الاعتدال الربيعي 
مبدأ حصول الشمس في جانبها وظهور قوة النشوء والنمو في أوساطها وكان وقته من بين النقط 
الأربعسة المغيّرة أولي بافتتاح السنة المتسمة بالعالم أو سنة العالم وهي عودة الشمس في فلك 
البروج(39). 

كتاب ثابت في طبائع الكواكب وتأثيراتها(40) جاء فيه أن نجاة الإنسان مرتبطة بتأثير 
الكواكب وأفعالها ولا يدرك هذه الكائنات إلا الراسخون في العلوم من الحكماء والفلاسفة الناظرين 
في العلوم الإلهية المؤيدين من السماء بتأييد الباري سبحائه وتعالى. 

أثار الكتاب ضجة كبرى في صفوف علماء الكلام من جهة وأهل الفلسفة وعلم الأحكام من 
جهة ثانية. وقد ثقل لنا إخوان الصفا ما جرى في تلك الأيام. 

قال إخوان الصفا : اعلم يا أخي أيدك الله وإيانا بروج منه أن العلماء مختلفون في تصحيح علم 
الأحكام وحقيقته فمئهم : 

أصحاب الأحكام (المنجمون) : 

يرون ويعتقدون أن للأشخاص الفلكية دلالات على الكائنات في هذا العالم قبل كونها. وهذا هو 
جوهر الديانة الصابئية. قال مار يعقوب الرهاوي (ت 708): قد توهموا في تقييمهم لهذه الكواكب 
وزعموا أنها آلهة حية مدبرة ؛ لأمور العالم وأن لها سلطانا على الحياة(41). ثم قال: «ويعلنون عن 
إمكانهم التئبؤ عن أمور مستقبلية ولكنهم واهمون(42). 

أهل الفلسفة : 

منهم من يرى ويعتقد أن لها أفعالاً وتأثيرات مع دلالاتها بتأييد إلمي وعئاية ربائية. وهؤلاء 
الل الصابئة. لكن فيلسوف العرب يعقوب بن إسحق الكندي وضع كتابا برد فيه 
على من يقول بأثر الكواكب في أحوال الناس» فهو لا يقول بما يقوله المنجمون وأهل الكهانة في 
التنبؤات العامة القائية على حركات الكواكب. 

كان الكندي يرد على ثابت بن قرة مما أثار حفيظة ثابت ورد على بعض كتب الكندي أيضاً. 
وكتب بالسريانية كتابا في السكون بين حركتي الشريان فيه مقالتان أومأ فيه إلى الرد على 
الكندي(43) ثم ترجم إلى العربية بعد وفاة الكندي. 

أصحاب علم الكلام: 

الذين نفوا أن يكون للكواكب أفعال وتأثيرات ودلالاث البتة وإن حكمها حكم الجمادات 
الموات. قال إخوان الصفا: «إن هؤلاء أغفلوا البحث عنها والتأويل لتصاريفها وعادوا أهلها 
وناصبوهم العداوة والبغضاء(44) لجهلهم بعلم الأحكام والإنسان عدو ما يجهل. ذهب ثابث إلى 
أبعد من تأثيرات الكواكب بأن اعتبر الفلك الأعلى ملائكة الله خلقهم لعمارة عالمه وتدبير خلائقه 
وهم خلفاء الله في أفلاكه كما أن ملوك الأرض هم خلفاء الله في أرضه وقد ملكهم ليحفظوا شرائع 
أنبيائه بإنفاذ أحكامهم على عباده. 


207 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 


رد علماء الحديث على ثابت معتمدين في تحريمهم لعلم النجوم على حديث رسول الله (ص) : 
«من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمده. وقال الفقهاء: «إذا قال المنجم أن 
الكواكب غير مخلوقة فهذا كفر صريم؛ أو قالوا أيضاً عنها فاعلة بنفسها فهذا أيضاً كفر صريم. 

ما عجز ثايت عن إدخاله خلال حياته في الفكر الإسلامى أدخله خلفاؤه في رسائلهم الفلسفية 
المعروفة برسائل إخوان الصفا وخلان الوفاء. قال العلامة الإيطالي كارلو نالينو: الفلسفة الأفلاطونية 
المحدثة لا نستقيها من منابعها الصافية من رؤساء المدرسة الإسكندرانيين وإنما نأخذها من 
التقاليد الغنوصية القديمة والعلوم المستورة التي حافظ عليها ونماها صابئة حران(45). 


من العلوم التابعة لعلم التنجيم (الطب) 

الطب الروحاني: 

كان حكماء حران وأطباؤهم من اليونائيين إذا أعياهم علاج مريض أو مداواة عليل وايسوا منه 
حملوه عند ذلك إلى هيكل المشتري وتصدقوا عنه وصلوا للباري تعالى وقربوا قربانا وسألوا الكهنة 
أن يدعوا له بالشفاء فإذا يرىٌ سمُوا ذلك يا ويفا أو جئونا إلهياً(46). 

علاج الرمد: قال حكماء الصايثة من خواص القطب الشمالي (وهو قباتهم) من نظر إليه وإلى 
الدب الأصغر شفي من جرب العيون أو الرمد وهو أن يقوم المريض ليلة الأحد بعد ساعة من مغيب 
الشمس فيحدق في القطب ويأخذ ميلاً من فضة مغموساً في عرق الورد الخالص ويكحل به العين 
العليلة. ويقول: يا أهل عالم القطب الشمالي ويا كوكب القطب الشمالي اشفوا عيني من هذه العلة 
التى أنا متأذ منها وعليل من أجلها(47). 


العلوم التابعة لعلم الهيئة 


علم الأزياج 
عرّف البيروني هذا العلم بقوله: «إن هذه الصناعة (علم الهيئة) إذا أريسد إخراجها إلى الفعل 
فبمزاولة الحساب فيها وف الأعداد المفتقرة إلى معرفة ' أوتار قسي الدوائر لذلك سمى أهلها كتبها 


العملية زيجات من الزيق الذي هو بالفارسية (زه) أي الوثر وسمّوا أيضاً 7 جيوبا ولكن 
العلامة الإيطالي كارلونالينو رأى أن لفظ الزيج أصله من اللغة الفارسية القديمة (البهلوية) ولفظة 
(زيك 218) معناها السدى الذي ينس فيه لحمة النسيج ثم أطلق الفرس هذا الاسم على الجداول 
العددية المشابهة خطوطها الرئيسية بخيوط السدى(48). 

وأما المعنى الاصطلاحي لكلمة علم الأزياج كما عرفها ابن خلدون (ت 808 ه/ 1406) فإن علم 
الأزياج هو صناعة حسابية على قوائين عددية فيما يخص كل كوكب وما أدى إليه برهان الهيثئة 
في وصفه من سرعة وبطء واستقامة ورجوع وغير ذلك مما يعرف به مواضع الكواكب في أفلاكها 
لأي وقت فرض من قبل حساب حركاتها على كتب القوائين المستخرجة من كتب الهيئة وللناس 
فيه تاليف كثيرة للمتقدمين والمتأخرين مثل البتاني(49). 


208 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


لم يقترن اسم ثابت بن قرة بزييج من الأزياج ولكن ذكرت له كتب في هذا المعنى منها: 

كتابه في إبطاء الحركة في فلك البروج وسرعتها وتوسطها بحسب الموضع الذي يكون فيه 
الفلك خارج المركز(50). وهذا الكتاب هو المرشد إلى صناعة الأزياج والتي كان ثمرتها كتاب الزيسج 

- ولثابت كتاب في رؤية الأهلة من الجنوب وكتاب آخر في رؤية الأهلة(51) وضعها ثابت 
مساعدة الملتمسين رؤية هلال رمضان وبيّن فيه شروط الرصد الجيد قال فيه: مما يعين على رؤية 
الهلال صفاء الجو ونقاؤه ويعوق عن ذلك غلظه وكدره» وقد ي يمنع الرؤية قرب القرى والمساكن 
بالإضافة إلى تفاضل الأبصار (عند الرصاد) في القوة والضعف. 0 هو معلم ومدرب محمد بن 
جابر البتاني ابن أخته الذي تابع نشاطه في الرصد بمديئة الرقة. قال: قد يكون الشفق غليظاً عند 
الرصد ثم يرق بعد ذلك قبل أن يغرب القمر من الأفق فيصير في حد المغيب فيرى اللال عشد 
ذلك. ونصح الراصد: ينبغي أن لا تيأس من رؤية الهلال حتى تعلم أنه انحدر عن الأفق. 00 
أن من الأسباب العائقة اختلاف مطالع ومغارب البروج في البلدان في الطول والقصر(52). ثم 
قرب القمر وبعده عن الشمس وقربه وبعده عن الأرض. لاختلاف عرض القمر في الجهة اساي 
والجئوبية واختلاف المنظر الذي يعرض في كل بلد ثم قصر مطالع ومغارب البرويم في الأقاليم وكثرة 
الضوء فيه وقلته(53). 

واعتذر البتاني عن قدماء اليوئان لتقصيرهم في رؤية الهلال ووضع جداول لها. قال: (إنهسم 
ليسوا بحاجة إلى رؤية الهلال ذلك لأن شهورهم على الشمس ولذلك إن ما يدرك عندهم إنما يدرك 
بالتقريب)(54). 

تابع البيروني رأي ثابت والبتاني وقال: «إن علماء الهيئكة مجمعون على أن المقادير المفروضة 
في أواخر أعمال رؤية الهلال هي أبعاد لم يوقف عليها إلا بالتجربة. وللمناظر أحوال هندسية 
يتفاوت لأجليا المحسوس بالنظر في العظم والصغر. وفي الأحوال الفلكية ما إذا تأملها متأمل 
منصف لم يستطع بت الحكم على وجوب رؤية الهلال أو امتناعها وخاصة حين يقع قريباً من 
نهاية البعد المفروض)(55). 

لعبت الجداول التى وضعها ثابت في رؤية الهلال دوراً هاما في التماس هلال رمضان حتى أن 
بعض الشافعية قالوا على أثر انتشار تلك الجداول (القرن العاشر الميلادي): إذا غم الهلال يجوز 
للحاسب أن يعمل في حق نفسه بالحساب فإن دل الحساب على الرؤية صام وإلا فلا(56). 
ولأهمية أعمال العرب في الأزياج قال العلامة كارلو نالينو: «إن أحكام الشريعة حملت الفلكيين 
على البحث عن المسائل العويصة المتصلة بشروط رؤية الهلال وأحوال الشفق فبرزوا في ذلك 
واخترعوا حسابات وطرقا بديعة لم يسبقهم إليها أحد من الهنود والفرس:(57) ثم دونوا نتائج 
أبحائهم في جداول سموها الأزياج. وكان البيروني يحيل في رؤية الأهلة إلى سا في زيج محمد بن 
جابر البتائي وزيج حبش الحاسب حينما يحتاج إليهما الطالب(58). 


209 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


- ولثابت بن قرة كتاب في إيضاح الوجه الذي ذكر فيه بطليموس أنه استخرج من تقدمه 
مسيرات القمر الدورية وهي المستوية(59) وفيه استدرك على بطليموس ولكن البيروني يعتذر له 
بقوله : «إن الفرس والروم يجهلون بدء اليوم عند طلوع القمر لأن شهورهم مستخرجة بالحساب 
غير متعلقة بأحوال القمر(60). 

علم تسطيح الكرات والآلات الظلية 

كل رصد فلكي لا بد له من آلة. قال بطليموس: «الرصد لا يتم إلا بآلة والمبتدئ بالرصد هو 
الصائع للآلة61(02) ومن حران بدأت صناعة الآلات الفلكية ومنها انتشرت إلى كل الأقطار 
الإسلامية(62). 

كان ثابت راصداً ماهراً ذكر في شرحه للمقالة الأولى من المجسطى أنه واتر الرصد سئين كثيرة 
بحلقة منصوبة في فلك نصف النهار على عمود يدور في داخلها وفي وسطها حلقة أخرى منصوبة في 
سطح فلك النهار ومركز الشخص (الوتد) المنصوب على زاويتها العليا الجنوبية» فوجد الميل 
الأعظم على غير ما قاله هبارخوس النيقي (أبرخس) وكان عنده (40 51 2 وقد وجده ثابت 
35١‏ 23 وكان أبناء موسى بن شاكر قد وجدوه قبل ثابت (30 34 23 ) وكان رصد أولاد 
موسى بن شاكر عام (245 ه/ 860 م) ثم رصدوا أ ثابت وأصلحوا القيمة ب 5359 63()23). . قم 
وضع ثابت لهم كتاباً با شرح فيه تسطيح الكرة وبين فيه كيفية إيجاد الآلات الشعاعية وعملها 
وكيفية انتزاعها من أمور ذهنية والتوصل بها إلى استخراب المطالب الفلكية ومعرفة طول البلدان 
وعروضها. قال الفارابي عن صنعة الآلات الشعاعية: «منها الات تسدد الأبصار نحو إدراك حقيقة 
الأشياء المنظور إليها البعيدة مسن شعاعات الشمس؛(64). واستخدم ثابت في رصده من الآلات 
الأسطرلاب وذات الصفائح والعضادة ذات الشعبتين والبربخ وهو عبارة عن أنبوب مجوف بطول 
0 سم مطلي من الداخل باللون الأسود كان من اختراع البتائي. 

وين الآلاك الفعاضة لق كص نيا كانت وصكميا الزولة والنداعة القسنية »ينا تسرف 
دافاس: الثهان ويسنييا ابتك بالرحابة وكتابه عنها هو العمدة في هذا المجال. قال القفطي : 
«لثابت كتاب بين فيه بالبرهان الهندسى الأشكال وطرق الخطوط التى يمر عليها ظل 
المقياس(55). وقال المستشرق الفرنسي كاراديفو: «وله كتاب في ظلال المزولة هو أقدم ما عرفناه في 
هذا الموضوع)(66). 

ذكر القفطي لثابت كتابين في اختلاف الطول والعرض/6772) اتبع فيه منهج اليونان وأهل 
الإسكندرية الذين مسحوا العمران من جهة المغرب من الجزائر الخالدات وقد ع بطليموس طول 
العمارة مخ الغربب إل الشرق 180 ديننا جعلها اهل الفين وفارين تضق دور مق جهة الكيسوك 
القمري الواحد بعينه إذا وجد على مغرب النهاية الشرقية ومثلها على مشرق النهاية الغربية وما 
بين طلوع الشمس وغروبها (12 ساعة بالتقريب) وصار الفرق بين أهل المشرق واليونانيين (10')» 
درجات أما في زيج إبراهيم بن حبيب الغزاري الذي وضعه على الطريقة الهندية فقد صار التفاوت 


210 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


عنده حوالي (30 13) واختلف عندهم طول البلدان. قسم ثابت البلدان حسب اختلافها بالطول 
والعرض إلى ثلاثة أقسام : 

الأول اتفاق البلدان في العرض مع اختلافها في الطول مثل: 

أنطاكية (الطول: 69" العرض: 30 57) الرها (الطول: 30 72" العرض: 230 37) 

الثاني : اتفاق البلدان في الطول مع اخثلافب في العرض مثل: 0 

الرقة (الطول: 573 العرض: 36) وتدمر (الطول: 73" العرض: 35) 

الثالث: اختلاف البلدان في الطول والعرض معاً. مثل: 

بغداد: (الطول: 80 العرض: 33) وخران والطول+ 530 572 العرض +20 96 

وقد لعبت هذه القياسات دورا 55 ف تحديد أماكن البلدان في الجغرافية العربية. 

قال البيروني: كان بطليسوس وثاون الإسكندري وبعض القدماء قاسوا أطوال الدن برصد 
الكسوفات ووجدوا بها ساعات كسوف (30 4 ثم وجد بالرقة (عئد قفابت والبتاني) 20١‏ و ). 
فنقصوا الأقل من الأكثر فيبقى (50) دقيقة قوسية وهو فرق ما بينهما في الطول ثم علق البيروني 
قائلا (ولست أفختق أن هذه حكاية عها حصل بالرصد ام عر مثاك التريب يعد حصو ما بهن 
الطولين على | أن مأخذ الأمر فيه أن عرض الإسكندرية (38 0 وعرض الرقة (1 6) والفرق 
بينهما 0 و ) وطول الإسكندرية في زييم البتاني (30 000 شملا وطول الرقة (73) والغرق بينهما 
(30 12 )268 وكان يجب حسب حساب القزاري (30 8 ). 

علم الأنواء 0102م 1/1 


كان ثابث بن قرة من جملة منجمى الخليفة المعتضد وحدث في سنة (284 ه/ 896) أن تنبا 
المنجمون أن الأمطار ستهطل مدراراً في هذه السنة وتفيض الينابيع وتغرق بغداد ويهلك أهلهاء 
ولكن ثابت خالفهم الرأي أمام الخليفة المعتضد. يقول ابن العبري: «غير أنه منذ فاتحة السئة 
وحتى خاتمتها لم تسقط على الأرض نقطة مطر واحدة حتى الينابيع جفت فاعترى المنجمين 
الخزي والخجل». فسال المعقضد ثابتاً أن يضع له كتابا في الأنواء فكان ما طلبه. شرح فيه ثابت 
خبرة آبائه وأجداده في علم الأنواء ثم مزجها بالخبرة العربية فكان كتابه العمدة في هذا المجال. 

نسب العرب تأثيرات الجو إلى النوء أي إلى طلوع الكواكب وسقوطها من جهلهم بالعلوم 
الطبيعية لأن التأثيرات متعلقة بأجرام الكواكب وطلوعها ل١‏ ببقاع الفلك ادل الشمس فيها. وقد 
بين ثابت فيه معنى طلوع المنازل: «إن الشمس إذا حلت في أحدها ستر: تها والتي قبلها وطلعث 
الثالثة منها على نكس البروج بين طلوعي الفجر والشمس ولقد 0 طلوع المنزلة ئوءها (أي 
نهوضها) وسموا تأثير الطلوع (بارحا) وتأثير السقوط (نوءا). روس طلقن كل واحسيذة سه إلى دوع 
تلك التي تليها تليها ثلاثة عشر يوما سوى الجبهة فإن طلوعها في (17 آب وسقوطها في 16 شباط) 
وبطلوعها يرى سهيل في الحجاز. والزيرة في طلوعها 31 آب وبطلوعها يرى سهيل في العراق فإن 
بين طلوعها والتي تليها أربعة عشر يوماً(69). قال البيروني: «وهي مبنية على خبرة ثابت بن 


211 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


قرة وما جمعه لمدة ثلاثين سنة في الأنواء كتاب قدمه إلى الخليفة المعتضد والتجارب التى 
استخرجها الروم (اليونان) والسريان على طول المدة التي تسمى الأنواء والبروج. قال العرب سببها 
طلوع الكواكب الثابتة واختفاؤهاء وقال شاعرهم : 
أولثك معشري كبنات نعش خوالف لا تنوء مع النجوم 

أي لا خبر عندهم كما أنه لا نوء في طلوع بنات نعش وسقوطها. 

تأثير طلوع المنازل على الرياح الممطرة 

قال ثابت: لمعرفة وقت تأثير المنازل وسقوطها عليك أن تأخذ من أول أيلول إلى اليوم الذي 
يراد معرفة حاله ويلقى منه ثلاث عشرة فإن لم يبق شيء فانظر فإن القمر مقابل الشمس أو أحد 
تربيعيه ويكون مطر إن كان زمان مطر وتغير في الهواء بريم أو حر أو برد(70). 

من تجارب الصابئة الحرائية أنهم كانوا يعمدون في ليلة25 تموز إلى نشر ثوب من الكتان فيعد 
أن يوزن يحفظ وزنه ويترك بعد منتصف الليل للدة أربع ساعات يتعرض فيها للندى ثم يوزن 
ثانية فما زاد فيه من الوزن فكل مثقال فيه يقابله يوم مطير في الشهر المنسوب إلى ذلك الليل 
حسب أيام البحران التي تبدأ من أول تموز ويستدلون بها من لطم الغيم على شهور الشتاء(71). 

وحول الاعتدال الربيعى: 

قال الببروني: «وجدت في كتاب هرمس أن الاعتدال الربيعي هو الثريا وطلوعها في 18 أيار 
وسقوطها في 17 تشرين ثاني وفي هذا اليوم عند سقوطها نوء عند أودوكسوس ومطر ورعد عند 
القبط. وفي طلوعها عيد باب التبن عند الحرائية. ويعرف سنان بن ثابت (إن الثريا ستة كواكب 
مجتمعة أشبه شيء بعنقود من العنب وقد زعم العرب أن اسمها تصغير (ثروي) وأصله من الثروة 
وزعم بعضهم أنها سميت بذلك لأن المطر الذي يمطر بئوئها تكون منه الثروة وهو الغنى ‏ قال 
الأسدي: «ما طلعت الثريا ولا ناءت إلا بعاهة. وقال بعض حكماء الصابئة: اضمئوا لي ما بين 
مغيب الثريا إلى طلوعها وأضمن لكم سائر السنة. روي عن النبي (عليه السلام) أنه قال: «إذا طلع 
النجم ارتفعت العاهة من الأرض». وفي رواية أخرى: «رفعت العاهة من كل بلد»(72). أظن أن 
هذا الحديث وأمثاله من الأحاديث التي دسها الصابئة في رسائلهم كرسائل إخوان الصفاء وانطلت 
على عامة المسلمين. لأن الرسول (ص) قال: «من قال مطرنا بنوء النجم فقد كفر». 


212 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


مراجع القصل الخامسر 
ثابت بن قرة المنجم 


1 جهار مقالة ص 62؛ السمرقندي. ترجمة: عبد الوهاب عزام» نشر لجنة التأليف 
والترجمة. القاهرة 1949. 

2 - تاريخ الحكماء للقفطي ص 117» نشر دار المتنبى بغداد. 

3 - المصدر السابق ص 117. 

4 عيون الأبناء لابن أبي أصيبعة ص299, نشر نزار رضاء بيروت 1962. 

5 تاريخ الحكماء ص 119. 

6-المصدر السابق ص 97. 

7 عيون الأبناء ص 299. 

8 تاريخ الحكماء ص 117. 

9 المصدر السابق ص 118. 

0 - قصة الحضارة ج2 مجلد1 ص 120» ويل ديورانت. ترجمة : مجد بدران 1956. 

11 - تاريخ الفلسفة الغربية ج1 ص 4341 برتراند رسل. ترجمة: زكي نجيب محمود)» لجنة 
التأليف القاهرة 1957. 

2 قصة الحضارة ج3 مجلد2 ص 150» ويل ديورانت. 

3 تاريخ العلم ج5 ص 2153 جورج سارطون. 

4 المصدر السابق ج5 ص 159. 

5 التنبيه والإشراف ص 190. المسعودي. تحقيق: عبد الله إسماعيل الصاوي» القاهرة 
8. 

6 القانون المسعودي ص 1197» البيرونى. حيدر آباد الدين 1954, 

7 - التنبيه والإشراف ص 190. 

8 - الزيج الصابئي ص 61» البتاني» نشر كارلو نالينو» روما 1899. 

9 المصدر السابق ص 63. 

0 عبقرية العرب في العلم والفلسفة ص 84» عمر فروخ» بيروت 1969. 


213 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


1 الآثار الباقية ص 322» البيرونى» نشر: إدوارد سخاوء لندن 1887. 

32 - رسائل إخوان الصفا بج4 ص 266. دار صادرء بيروت 1957. 

3 تاريخ الحكماء ص 117. 

4 قصة الحضارة ج3 مجلد2 ص 126» ول ديورانت. ترجمة: محمد بدران» القاهرة 1973. 

5 - علم الفلك وتاريخه عند العرب ص 152» كارلو نالينو» روما 1911. 

6 - الزيج الصابئي ص 84. 

27 علم الشرق وتاريخ العمران ص 227 جويدي» القاهرة 1928. 

8 - الزيج الصابئي ص 84. 

9 مجلة تراث الإنسانية ج1 ص 186 دار القلمء القاهرة 1967. 

0 الزيج الصابئي ص 100. 

1984 70116 بتع[ .101851 7*5ع5620 ,180 .2 راق 1126 101 أ5ع0 -31 

22 العلم القديم والمدئنية الحديثة ص 2125 جورج سارطون. ترجمة: عبد الحميد صبرة» 
القاهرة 1960. 

3 الآثار الباقية ص 270. 

4 صفة جزيرة العرب ص 36.» الهندانى» مطبعة السعادة بمصر 1953. 

5 - المصدر السابق ص 39. 

36 - تاريخ الحكماء ص 69. 

7 القانون المسعودي ص 1399. 

8 -المصدر السابق ص 1418. 

9 المصدر السابق ص 1417. 

0 تاريخ الحكماء ص 117. 

41 الأيام الستة ص 117. 

2 المصدر السابق ص 106. 

3- تاريخ الحكماء ص 116. 

4 - رسائل إخوان الصفا بج1 ص 144. 

5 التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية ص 275» د. عبد الرحمن بدوي» دار النهضة» 
القاهرة 1965. 

6 رسائل إخوان الصفا ج3 ص 271. 

7 المجلة المصرية؛ عدد تشرين أول 1964 ص 44 ٠‏ إسماعيل حقى» القاهرة. 

8 علم الفلك (تاريخه عند العرب) ص 42» كارلو نالينو» روما 1911. 

49 مقدمة ابن خلدون ص 414 415؛: كتاب التحرير 1966. 

0 تاريخ الحكماء ص 117. 


214 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


71 «المصدر السابق ص 118. 

2 الزيج الصابئي ص 132. 

3 المصدر السابق ص 129. 

4 الزيج الصابئي ص 129. 

5 الآثار الباقية ص 198. 

6 - تاريخ الفلك عند العرب ص 78» د. إمام إبراهيم أحمد. المكتبة الثقافية» القاهرة 1960. 

7 - تراث العرب في الرياضيات والفلك ص 2110 قدري حافظ طوقان. دار القلمء القاهرة 
3. 

8 الآثار الباقية ص 196. 

9 تاريخ الحكماء ص 117. 

0 الآثار الباقية ص 60. 

61 - تاريخ الحكماء ص 97. 

2 - الفهرسث ص 3, 

3 تمديد نهايات الأماكن ص 89: البيرونى. 

4 إحصاء العلوم ص 110» الفارابي. تحقيق: د. عثمان أمين؛ مكتبة الأنجلو مصرية» 
القاهرة 1968. 

5 تاريخ الحكماء ص 118. 

6 تراث الإسلام ص 578. ترجمة: جرجيس فتح اللهء دار الطليعةء بيروت 1972. 

67 تاريخ الحكماء ص 118. 

8 تمديد نهايات الأماكن ص 204 و295. 

9 الآثار الباقية ص 338. 

0 - المصبدر السابق ص 340,. 

1 الآثار الباقية ص 296. 

2 المصدر السابق ص 342. 


215 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 





مم. 01:1 نات االطدع2012ة]/. 7711177 لتم 01020ده1][00 


الفصل السادس 








ثابت العالم والطبيب 


اعتماد ثابت على المدارس اليونانية 4 الطب 


كناب الذخيرة هو تلخيص لكتاب أوريباسيوس البيزنطي 
ثابت الطبيب الأسطورة 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 





مم. 01:1 نات االطدع2012ة]/. 7711177 لتم 01020ده1][00 


ثابت العالم والطبييب 


ثقافة ثابت الطبية 


قال جالينوس  130(‏ 200): يجب أن يكون الطبيب فيلسوفاً محباً للحكمة طالباً نها. 
والفلسفغة عنده محددة بمعرفة الموجودات على حقائق ما هي عليه موجودة. هذا ما أورده ثابت في 
ترجمته لكتاب فيما اعتقده جالينوس رأيان1). وقد صار هذا الرأي القاعدة التي سادت المجتمسع 
الإسلامي؛ وذكرها أبو الريحان البيروني (ت 313 ه/ 5) وهي تشمل كل من إذا حقق ودقق 
استجاز له أن يقول : : كل معتن بفن من الفنون العلمية يجب أن يكون فيلسوفاً قد طالع جميع 
أصول العلوم وإن لم يواته عمره على مطالعة فروعها)(2). 

اطلع ثابت على كتب اليونان وعرف من خلالها تاريخ الطب وقد تمثله خبرة نظرية وعملية» 
ثم أودع ذلك كتبه ورسائله ومن المستحسن ذكر أهم مصادره الطبية. 

الطب الفيثاغوري: 


عاش فيثاغورس نباتياً لا يأكل اللحم لا هو ولا شيعته لأسباب فلسفية (لاعتقاده بالتناسخ). 
كان يكتفي بالقليل من الطعام وكان معظم طعامهم (الخبز والعسل والزيتون) وكانوا عزوفين عن 
الشهوات ذات الانفعالات العنيفة. وقد تجلت خبرتهم هذه بالقاعدة الطبية التي قالها ثابت: 
ليس شيء أضر بالمرء من أن يكون له طباخ حاذق وامرأة حسثاء ء لأنه يستكثر من الطعام فيسقم 
ومن النكا اح فيهرم»(3). 

كان الفيثاغوريون لا يلبسون إلا الثياب القطنية أو الكتانية وكانوا يمتنعون عن بعض 
المحرمات كشرب الخمر ولبس الصوف(4). وكانوا يستخدمون الموسيقى في المعالجة وفي تطهير 
الأنفس.. وقد كتب ثابت عدة كتب ورسائل حول الموسيقى وأثرها في الصحة. 

كان الطبيب الفيثاغوري (القمايون الكروتوني) يرى أن الصحة هي توازن قوى البدن فإذا 
اثقلب إحداها انقلب الاتزان وحدث المرض(5), 1 

كان الفيثاغوريون مؤمنين بتأثير الكواكب على جسد الإنسان وتدبيرها له» وكتب ثابت كتابا 
حول أنسب الأوقات لاختيار النطفة بيّن فيه كيفية ربط النفس الهيولى الجسمائية وتقلب حالاتها 
شهراً شهراً قدر مسير الشمس ثلث الفلك واستيفائها طبائع البروج من النارية والترابية والهوائية 
والمائية ثم كيفية تأثيراتها وأفعالها في أحكام النفس أربعة أشهر أخر وما ينطبع فيها من التهيؤ 


219 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


والاستعداد التي هي الصورة الأولى بالقوة لتصير صورة بالفعل عند التهيؤ لقبول الأعمال والعلوم 
والمعارف(6). 
الطب الأبقراطى: 
عاش أبقراط بن هيراقليطس (460 -370 ق.م) في جزيرة كوس 005 ودرس في معبدها. كما بين 
ثابت عدد الأبقراطيين(7) قال عددهم أربعة نذكر منهم: 
الأول أبقراط بن أغنوسودويقوس الذي ألف كتابين هما كتاب الكسر والخلع وكتاب المفاصل. 
- الثاني : أبقراط بن هيراقليطس. كتب أربعة كتب هي : : كتاب تقدمةه ة المعرفة وكتاب الفصول 
وكتاب الأبيديميا (الأوبئة) وكتاب الأهوية والمبياه والبلدان وكتاب الأمراض الحادة (وكتاب مساء 
الشعر)(8). وقد قال عنه يحيى النحوي: وكان شما فيلسوفا بلغ به الأمر أن عيده الناس » قوى 
صناعة القياس والتجربة(9). وكان يعالج الناس مجائاً لأنه كان من شيعة فيثاغورس. ومسن وصايا 
أبقراط: 
الإقلال من الضار خير من الإكثار من النافع . 
وكان يعالج الجحسد على خمسة أضرب : ما 4 الرأس بالغرغرة» وما ف المعدة بالقىء» وما ف 
البدن بإسهال البطن» وما بين الجلدتين بالعرق» وما في العمق وداخل العروق بإرسال الدم 
(بالفصد)(10). وقد عمل ثابت جوامع لكتاب أبقراط في الأهوية والمياه والبلدان وكتابه في تدبير 
الأمراض الحادة(11). 


الطب الجالينوسي: 

ولد جالينوس  130(‏ 200م) في برغامون. كان أبوه مساحاً عالماً بالهندسة» علمه مبادئ 
الهندسة والرياضيات والمنطق لكي يكون فيلسوفا م غير اتجاهه لدراسة الطب . ساقر إلى 
الإسكندرية طلباً للمعرفة وتعلم المشريج وهناك اطلع على كتب الطب قِ مكتبة الإسكندرية الغنية 
بها. وف الإسكندرية شرح كتب أبقراط وجعلها ئواة لتدريسه مذاهب الطب التى كانت سائدة ف 
عصره وعنه عرفنا: ْ 

وكان ا يزعمون أن للطب قوانين | لا يعتريها الخلل» وأن أفضل طريقة لتعلم الطب هو 
القياس المأخوذ من مقدمات أولية منها معرفة ؛ طبائع الأبدان والأعضاء وأفعالها ثم معرفة الأبدان 
قْ الصحة والمرض» ومئهسا معرفة ة الأهوية واختلافها والأعمال والصنائع والعاداثت والأطعمة 
والأشربة. ومنها معرفة قوى الأمراض. 

واتفقوا : أن الغرض من الطب تدبير الجسم ف حفظ الصحة الموجودة ف البدن الصحيح 
واجتنابه العلل. 

واختلفوا: في كثير من الأغذية والأدوية وذلك لاختلافهم في كيفية الاستدلال. 


220 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


- فمنهم من زعم أنه يستدل على طبيعة الشيء من الأغذية والأدوية بطعمه أو ريحه أو لونه أو 
قوامه أو فعله وتأثيره في الجسد. 

ومنهم من زعم أن الإسخان والتبريد والتليين فعل لها. 

- ومنهم قال: إن أصح الشهادات وأثبت القضايا في الحكم على طبيعة الدواء والغذاء بها أخذ 
من فعله في الجسد دون الطعم والرائحة. ولا يعولون في الحكم على طبيعة الدواء المفرد والمركب. 

كان الاستدلال في الطب يختلف عن الاستدلال لدى علماء الكلام في مواضيعه واستنتاجاته 
الخاصة به. روى يوحنا بن ماسويه (ت 243 ه/ 8) قال: «اجتمعنا على مائدة إسماعيل بن 
3 8 !ي2ئ2ئآ 4 2 ب 5 ع ع ة 00 
بينهما. فقال لي الجاحظ: أيها الشيخ لا يخلو أن يكون السمك من طبع السين وماد لكان 
كان أحدهما ضد الآخر فهو دواء ء له وإن كانا من طبع واحد فلنحسب أنا قد أكلنا من أحدهما 
حتى اكتفينا. 

فرد عليه يوحنا : واللّه ما لي خبرة بالكلام. ولكن يا أبا عثمان انظر ما يكون في غد! فأكل أبو 
عثمان نصرة نا ادعاه كاج ني اباتك فقال: هذه والله نتيجة القياس المحال(12). 

ثانيا شيعة المجربين 

هؤلاء إفتمدوا قي عااجهم علي العجريات وكان مفهوم الطب عندهم علم بتكرر الحس على 
محسوس واحد في أحوال متغايرة والحافظ لذلك هو المجرب (وشعارهم) «اسأل مجربا ولا تسأل 
طبيب». وقد قُسّموا التجربة إلى ثلاثة أقسام : 

1 القسم العرضي : 

وهو ما يعرض للحيوان من الحوادث أو النوازل وذلك كما يعصرض للإنسان أن يجرح ويسقط 
تيخرع يده دم كثير أو قليل أو يشرب في صحته أو مرضه ماءً بارداً أو شراباً. فيعقب في الشاهدة 
مئه منفعة أو ضررا. وهذا الطب أول من عرفه الرعاة ومن خلال ملاحظاتهم اللتكررة لما يعرض 
للقطيع فتعلموا كيفية الولادة والتجبير والكى والمعالجة. 

2 - القسم الإرادي: ْ 

وهو ما يقع من قبل النفس الناطقة كمثل منام يراه الإنسان وهو يرى كأنه عالج مريضاً به علة 
مشاهدة معقولة بشيء منٍ الأشياء معروف فيبرأ ذلك المريض من مرضه أو يخطر ذلك بباله في حالة 
فكرة فيجربه ويفعله ضارا فيجده كذلك, 

3 القسم الطبيعي : 

مزها تنعله اليم قي العسيج والمريض من الرعاف والعرق والإسهال والقيء التي تعقب 
بالمشاهدة منفعة أو ضررا. حددث أبو الحكم الكسروي. قال: شكوت إلى ماسرجويه تعذر الطبيعة 
(الإمساك في الأمعاء) فسألني: أي الأنبذة تشرب؟ فقلت : النبيذ المعمول من التمر. فأمرني أن آكل 
في كل ليلة من الصيف على الريق من قثاء البصرة ويعرف بالخريبي (قثاء فيه مرارة) فكنت آكل 


221 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


مئه الخمس والست والسبع فكثر علي الإسهال. فشكوت إليه ذلك» فخصني بحقنة كثيرة 
الشحوم والصموغ والخطمي والأرز والفارسي. وقال: كدت تقتل نفسك بإكثارك من القثاء على 
الريق لأنه كان يحدد من الصفراء ما يزيل عن الأمعاء من الرطوبات اللاصقة بها ما يمنع الصفراء 
من سحجها وإحداث الدوسنطاريا فيها(13). 

ثالثاً ‏ شيعة المرقبين: 

زعم هؤلاء أن للأمراض أنواعاً مرتبة» وقد صنفوها هي وأعراضها وأدويتها وحجتهم في ذلك 
أنه قد ينقل الدواء من مرض إلى مرض يشبهه وذلك كالئقلة من ورم الحمرة إلى الورم المعروف 
بالنملة (وهي بثرة تخرج في الجسد بالتهاب واحتراق ويتورم مكائها يسيرا ويدب إلى موضع آخرء 
كالئملة). 

- وإنما ينتقل المرض من عضو إلى عضو يشبهه وذلك كالئقلة من العضد إلى الفخذ. 

- ومن دواء إلى دواء يشبهه كالنقلة من السفرجل إلى الزعرور في اعلاج انطلاق البطن (الإسهال) 
وكل ذلك لا يعمل عندهم إلا بالتجربة والقياس معا. وسأضرب مثلا على ذلك ما ذكره ثابثت بن 
سنان بن ثابت (ت 364 ه/ 975) قال: اشتهى المتوكل في بعض الأوقات الحارة أن يأكل مع 
طعامه اله لودل فمئعه الأطباء من ذلك لحدة مزاجه وحرارة كبده وغائلة الخردل. فقال له طبييه 

بختيشوع بن جبرائيل (ت 256 ه/ 0 : أنا أطعمك إياه وإن ضرّك علي» فقال له: افعل! فأمر 

بختشوع بإحضار قرعة وجعل عليها طيناً وتركها في تنور واستخرج ماءها وأمر أن يقشر الخردل 
ويضرب بماء القرع. وقال معللاً ذلك: إن الخردل في الدرجة الرابعة من الحرارة والقرع من الدرجة 
الأولى من البرودة فيعتدلان» فكل شهوتك يا مولاي! وبات المتوكل تلك الليلة ولم يحس بشيء من 
الأذى(14). 

رابعاً - شيعة أهل الحيلة 

وقد ذهبوا إلى أن الحيلة تقرب أمر صناعة الطب وتستهلها وترد العلل إلى مولداتها وإلى 
الأصول الحاضرة الجامعة لهاء ويستدل على الدواء من نفس الطبيعة. 

وقالوا: إن الضدين لا يجوز اجتماعهما ف حال وإن وجود أحدهما ينفي وجود اللآخر قُْ الحال 
لا محال. 

وقالوا : الشيء الظاهر يحتمل الوجود فيختلف في الاستدلال فيكون القطع على ما يوجبه غير 
بِيّن وهؤلاء هم أصحاب الطب الجبلي(15). 

وكانوا يستدلون على المرض من معاينة البول مثلا. دخل يوحئنا ماسويه المتطبب إلى المتوكل 
فأمره المتوكل: خذ هذا البول وانظر فيه. وتمعنه يوحنا وقال: هذا بول بغل لا محالة! فقال 
المتوكل: احضرني صاحبه (اجلب لي صاحيه). فسأله ابن ماسويه: إيش أكلت البارحة؟ قال: 
خبز شعير وماء قراح. فقال ابن ماسويه: هذا والله طعام حماري اليوم(16). تعجب الحاضرون قُْ 
مجلس المتوكلء أما الأطباء و خبرة أن بول الحيوانات العاشبة عكرة بينما بول الإنسان 
والحيوانات اللاحمة بول رائق 


222 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


وعن طريق كتابات ثابت 0 عرف العرب طب جالينوس وشاعت مؤلفاته بيئهم. مدع أبو 


سقياً ورعياً لجالينوس من رجل ورهط بقراط غاضوا بعد أو زادوا 
فكل ما أصلوه غير منتقسص به استغاث أولو سقم وعواد 
كتب لطاف عليهم خف محملها لكنهافى شفء الدار أطواد 
أوريباسيوس  325(‏ 400) 
أعظم أطباء العصر البيزنطي. ولد قْ برغامون وكان وتعصياً لجاليئنوس وعمل على نشر كتيه 5 
أنطاكية . ألف موسوعه طبية (الجامع قْ الطب) مؤلفة من سبعين مقالةع لهذا عرفت قْ المصادر 
عر 2 (السيعيت مقالة). احتفظ فيها بكثير من النصوص الطبية القديية التي لولا كتابه 
كان ا فيلسوفا وثنيا وكان مدي للإمبراطور جوليان 361١‏ ب 063) الذي أصدر 
بمباركة أوريباسيوس وثامسطيوس كاتبه المرسوم بعودة الوثئية مما دضع اللمسيحيين لتسميته 
(جوليان المرتد) ولكن الفيلسوف الوثنى كثامسطيوس كتب إليه رسالة يمجده فيها. . وتقدم إليه 
أوريباسيوس بكتابه الجامع الذي قال قْ مقدمته : (أيها الحاكم بأمره جوليان. لقد أتميت ك3 أثناء 
إقامتي ببلاد الغال الغربية الملختصر الطبى الذي طلبتم مئثى إعداده وهو الذي اتخذت له بضيدرا 
كتابات جالينوس. وبعد ثنائكم عليه أمرتموني بجمع أهم ما جاء في أحسن الكتب الطبية وكل ما 
كان له شأن في الوصول إلى غاية الطب؛ وقد سرني أن أضطلع بهذه المهمة لاقتناعى بعظم فائدة 
مثل هذا الكتاب الجامع. 1 
وسأكتفي بالاقتباس عن أحسن المؤلفين دؤن إهمال ما أحخذته عن جالينوس الذي 0 
أفضل الطرق واستعمل أفضل التعريفات لأنه اتبسع مسادئىُ أبقراط وارائه وسأمضي قُْ الترثتيب 
الآتى : 
الصحة وفن العلاج) طبيعة الإئسان وتركيبه» حفظ الصحة وردهاء تشخيص المرض والتئبؤ 
بسيره؛ إصلاح الأمراض وأعراضها... الخ؛(18). 
نقل الكتاب عيسى بن يحيى الدمشقي تلميذ حنين بن إسحق إل العربية لأحمد بن موسى بن 
شاكر (243 ه)/ 060) ونقل حنين كتاب الملخص وهو تسع مقاللات كتبه أوريباسيوس لابنه 
أسطاث, 
كان ثابت بععياً بأوريباسيوس وعمل لأولاده كتاب الذخسيرة مقتفياً آشار أوريباسيوس. قال 
القفطي عن كتاب الذخيرة: «أفضل كتب ثابت حدما وهو كناش عربي جيد, ٠‏ كم أورد قولاً 
7ط لثابت بن سئان بن ثابت قال فيه : ليس ذلك لثابث ولا وجدتة قُْ كتبه ودساتيره(19). 
إلا أن بقية المراجع العربية الأخرى تو كد ذلك الكتاب لثابت. 


223 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


كتب الطبيب المستشرق الألماني ماكس ماير هوف (1874 . 1965) حول كتاب الذخيرة: ألف 
المترجمون العرب كتباً مدرسية صغيرة بشكل مجموعات درج استعمالها في فترة الدراسسات 
العريية» وكانت هذه الكتب ملخصات تبحث في 3 شتى النواحي الطبية مفصلة العوارض التي 
تعتري الجسم البشري» مبتدئة بصورة منتظمة من الرأس ومنتهية بأخمص القدم وإن معظم تلك 
المجموعات مققود لكن واحدة منها طبعت في القاهرة ونسبت إلى ثابت بن قرة. 

قسم الكتاب إلى واحد وثلاثين فصلاً في مبادئ صحة الجسم والأمراض الباطنية والخارجية 
(الجلد) ثم يأتي الجزء الرئيسي من الكتاب وهو أمراض الجسم ويبتدئّ بالرأس ثم الصدر ثم المعدة 
والأمعاء الدقيقة قيقة والأطراف ثم يأتي بحث الأمراض السارية كالجدري والحصبة » وهنا تجد السموم 
نبا مكانا أيضا. . ثم يلى بحث في الجو والمناخ وفصل في الكسور والخلع والأغذية والحميات 
ويختتم الكتاب ببحث في الشؤون الجنسية. 

والكتاب مرتب بشكل يصنف أعراض كل مرض ثم أسبابه ومراحله وعلاجه بلغة سلسة 
واضحة خالية من الحشو والأطباب وباستشهادات مقتبسة من مؤلفات علماء اليونان والسريان(20). 

نال الكتاب شهرة واسعة في العالم الإسلامي وكان مرعها المتظبنية رطااب الطب ميا قال 
عنه النظامي العروضي السمرقندي (على الطبيب أن يحصل في الطب فصول بقراط ومسائل حئين 

: ال ف ل ا ار لي الات عليه 

أن يستقصي استقصاء تاما الكتب المتوسطة مثل ذخيرة ثابت بن قرة(21). 

كتب ثابت كتباً هامة تساعد المتطببين والطلاب مثل كتابه في مسائلة الطبيب العليل. وكتابه 
البصر والبصيرة في علم العين وعللها ومداواتها(22). وكتابه في أوجاع الكلى والمثانة وأوجاع الحصى 
وكتابه في الصفار (اليرقان) وأصنافه وعلاجه ورسالته في الحصبة والجدري وهذه الكتب صارت 
مراجع ذات أهمية عئد أبي بكر الرازي خضوصا في كتابه الحاوي ورسالته عن الحصبة والجدري. 

ولثابت كتب تعتمد على الطبابة الشعبية وتفيد العطارين مثل تعليله لمرض البهق (البياض 
الذي يظهر في البدن) ثم علاجه وكتابه في أوجاع المفاصل والتقرس 

ولثابت كتابين في علم الأدوية الأول في أجناس ما تنقسم إليه الأدوية والثاني في أجناس ما 
توزن به الأدوية وفيهما اعتمد على كتابات ديدسقوريدس (العين زربي) الذي قال عنه يحيى 
النحوي: «السائم في البلاد ذو النفس الزكية» النافع للناس المنفعة الجليلة» المقتبس لعلوم الأدوية 
المفردة من البراري والجزائر والبحار والمصور لها والمعدد لمنافعها قبل المسألة عن أفاعيلها23(0) 
وكان هذا العالم اليوناني العظيم المرجع المفضل لدى ثابت بن قرة في علم الأدوية. 

ولثابت كتاب وضعه لمساعدة القوابل والأطباء (كتابه في صفة كون الجئين وكتابه في المولودين 
لسبعة أشهرء وكان مصدره الطبيب البيزئطي بولس الأجائيطي المعروف بالقوابلي). 

ومن الكتب الهامة التي ساعدت على تنظيم مهنة الطب كتاب ثابت للوزير أبي القاسم عبيد 
الله ابن سليمان سماه (كتاب الخاصة في تشريف صناعة الطب وترتيب أهلها وتعزير المتقوصين 
منهم والأخبار أن صناعة الطب أجل الصناعات)(24). 


224 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


في عام (319 ه/ 931) أصدر الخليفة القاهر أمراً بامتحان أطباء بغداد وإحصائهم وكان عددهم 
حوالي 860 طبينا وقد تم ذلك الامتحان تحت إشراف سنان بن ثابت (25). 
ثابت المتطبب 


نال ثابت مكانة كبيرة بين أطباء بغدادء ولكن يبدو أنه بعد وفاته نسجت أساطير كثيرة حول 
سيرته أظن أن بعضها كان نيالفاً فيه ومن تلك المبالغسات القصة التالية التي رواها حفيده أبو 
الحسن ثابت بن سنان (ت 363 ه/ 7) بعد قرن من الزمن من وفاة ثابت بن قرة» قال: حكى 
أحد أجدادي عن جدنا ثابت أنه اجتاز نوما وكان ماضيأ إلى دار الخليفة فسمع عياها وعويلا 
فقال: مات القصاب الذي كان ف هذا الدكان؟ فقالوا له: : إي والله يا سيدنا البارحة فجأة. فقال: 
ما مات خذوا بنا إليه! فعدل الئاس معه إلى الدار وأمر الثشساء ء أن يعملن مزورة (حساء خفيف) 
وأومأ إلى بعض غلمائه أن يضرب القصاب على كعبه بالعصاء وجعل يده على مجسّه وما زاك ذلك 
يضرب كعبه إلى أن قال ثابت: حسبك واستدعى قدحاً وأخرج من كمه دواء فدافه في الع بقليل 
مأء ب فم القصاب وسقاه إياه» فأساغه ووقعث الصيحة والزعقة ف الدار والشارع بأن الطبييب 
قد أحيا الميث. 


فتم القصاب عينيه وأطعمه ثابت المزورة وأجلسه وقعد عنده ساعة وإذا بأصحاب الخليفة قد 
جاؤوا يدعونه. ولما مثل بين يدي الخليفة قال له : يا ثابت ما هذه المسيحية التي بلغتنا عنك؟ 
قال: يا مولاي كنت أجتاز على هذا القصاب وألحظه يشرح الكبد ويطرح عليها الملح ويأكلهاء 
فكئنثت أستقذر فعله أولا وعلمت أن سكتة ستلحقه فصرت أراقبه وركبت للسكتة دواء استصحبه 
معي في كل يوم فلما سمعت الصياح قلت: مات القصاب! قالوا: نعم. فدخلت عليه ولم أجد له 
نبضا قضربت كعيه إلى أن عادت حركة نبضه وسقيته الدواء ففتم عينيه وأطعمته مزورةء والليلة 
يأكل رغيفا بدراج وفي غد يخرج من بيته(26). 

والعجيب أن هذه القصة الأسطورة رويت مثيلة لها ونسيت إلى رجل فيلسوف طبيب كان 
يعيش في هراة في زمان ملكشاه وابنه سنجر (في القرن 12 م) كان اسمه الأديب إسماعيل» كان 
رجلا فاضلا يعيش من دخل طبه وله نوادر في هذا الضرب من العلام, مريوياً بسوق المذبسح ورأقى 
قصاباً يسلخ الغنم وكأن يمد يده في جوفها فيأخذ من الدهن الحار ويأكله. 

فلما رأى الطبيب إسماعيل هذا الأمر قال لبقال مجاور لهذا القصاب» إذأ مات فخبرني بموته 
قبل أن يدفن. فلما لم يمض على هذا الحديث خمسة أشهر أو ستة إذ سمع البقال صباح يوم أن 
القصاب قد مات بالأمس فجأة بغير علة أو مرض. فذهب للعزاء» وكان الميست شاباً وله صغار. 
فتذكر البقال قول الأستاذ إسماعيل فأسرع وأخبره. فقال: لقد طال عليه النزع» ثم أخذ عصاه 
وسار إلى البيت فرفع النقاب عن وجه الميث وجس النيض وأمر رجلا أن يضربه على ظهر رجله» 
ففعل. وبعد ساعة قال: كفى ثم بدأ بعلاج السكتة وفي اليوم الثالث قام المريض وقد أصابه الفالج ولكنه 
عاش عدة سئين فتعجب الئاس إذ تنبأ هذا الطبيب الكبير بأن الرجل سيصاب بالسكتة(27). 


225 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


يبدو لي أن الرجلين في القصتين لم يموتا بالسكتة وإنما هو نوع من الإغماء ثم حضر الطبيب 
بعد مدة قصيرة. ومهما يكن ففي هاتين القصتين رسالة لنا عن عظمة الطبيبين في مجال عملهما 
رويتا إما للتندر كما في القصة الثانية الك سبيت إن الأديب إسماعيل الطبيب الفيلسوف. أو إلى 
عظمة ثابت بن قرة الحراني في القصة الأولى. ولا شك أن ثابت كان طبيباً ماهراً إلا أنه كان في 
الفلسفة 0 قدرا. قال ا حوالي 377 ه) وكان الغالب على ثا 


226 


.01:1 تلات االتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 


مرآجع القخصل السادس 
ثابت العالم والطببب 


1 القفطى ص 117. 

2 تحنيد نهايات الأماكن ص 292» البيرونى. 

3 - تاريخ حكماء الإسلام ص 220 البيهقي. " 

4 - تاريخ العلم 1 ص 418» جورج سارطون. 

5 المصدر السابق ج1 ص 438. 

6 - رسائل إخوان الصفا بج1 ص 31. 

7 عيون الأبناء في طبقات الأطباء ص 299. 

8 -الفهرست ص 352. 

9 تاريخ الحكماء ص 93., 

0 تاريخ الطب» أعلامه وآدابة ص 274 د. أحمد شوكت الشطي. 

1 تاريخ الحكماء ص 2118 القفطي. 

2 عيون الأبئاء ص 253 254, 

3 -المصدر السابق ص 234. 

4 المصدر السابق ص 206 207. 

5 - مروج الذهب م3 ص 153 160 للمسعودي. تحقيق: بأسم وهب» دمشق 1989, 

6 عيون الأبناء ص 253. 

7 تاريخ الطب ص 94. 

8 - العلم القديم والمدئية الحديثة ص 183 - 184» جورج سارطون. ترجمة: عبد الحميد 
صبرة» دار المعارف القاهرة 1959. 

9 تاريخ الحكماء ص 120. 

0 - تراث الإسلام ص 458. ترجمة: جرجيس فتم اللّهء دار الطليعة 1972. 

1 جهار مقالة ص 76» النظامي العروضي السمرقندي» ثقله إلى العربية : عبد الوهاب عزام 
ويحيى الخشاب» مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشرء القاهرة 1949. 


22 


.01:1 'ككاء ااته 1131012 . 17717177 11010 1001111030 


2 عيون الأبناء ص 299. 

3 الفهرست ص 351. 

4 عيون الأبناء ص 299. 

5 - تاريخ الحكماء ص 193. 

6 - عيون الأبناء ص 296 297. 
7 جهار مقالة ص 87. 


8 طبقات الأطباء والحكماء ص 75. 


28 


.01:1 تلات االتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 


كلمة تعريف وتقدير عله وما واو ماو متا لات ادحل برو بال وجا راطو قي يل وق فلو عا له عرفا وا و1 ل 

مدخل الكتاب 00101 00 د 

الباب الأول: موروث صابئة حران الفلسفي جعس0مي::10212100 هك ب ئ .99000000000 
الفصل الأول: حران والصابئة ا 11 
الفصل الثاني : صابئة حران 230700 
الفصل الثالث : أفلوطين الحكيم الإلهي 0 
الفصل الرابع : برقلس الأثيني 5 
الفصل الخامس: يحيى النحوي وأثره في الفكرين الحراني والإسلامي 730 

الباب الثاني: ثابت بن قرة والأصول الأوى للفكر العربي 100 
الفصل الأول: حياة ثابث وأهي أجداة عصره ... 3582 109 
الفصل الثاني : ثابت بن قر ال الم سس لكا 
الفصل الثالث : ثابت بن قرة الترجم مع العو حمطتو مالسا و لكر لوط 16327 
الفصل الرابع : ثابت بن قرة العالم الرياضي 181 
الفصل الخامس: ثابت بن قرة الفلكي والمنجم حسف مونل ساس مونو 195 
الفصل السادس: ثابت بن قرة الطبيب 210 

229 


.01:1 'ككاء ااتدع1/13103. 17717177 11010 1001111030 





مم. 01:1 نات االطدع2012ة]/. 7711177 لتم 01020ده1][00 





مم. 01:1 نات االطدع2012ة]/. 7711177 لتم 01020ده1][00 





مم. 01:1 نات االطدع2012ة]/. 7711177 لتم 01020ده1][00 





مم. 01:1 نات االطدع2012ة]/. 7711177 لتم 01020ده1][00